مؤلفون ذاتيون يعملون مستقلين عن دور النشر

بفضل جهاز جديد لطباعة الكتب النادرة

بفضل الجهاز الجديد تم انتاج 5 آلاف كتاب ورقي بعضها استغرق أقل من خمس دقائق
TT

كانت كلير ديكنز راغبة في مشاركة قصتها مع الآخرين لمساعدتهم، لكنها في إطار ذلك تحولت إلى مؤلفة ناجحة ومستقلة بمساعدة محل محلي للكتب وجهازها الفوري الخاص بالنشر.

وكانت ديكنز قد كتبت «العطاء الخطر» مع ابنها «تايتوس»، الذي هو مذكرات عن حياتهما ومعاناتهما مع إصابته بمرض الاضطراب الثنائي القطب. وقد أكملت روايتها بعدما انتحر ابنها بعمر الـ25 سنة في عام 2006.

ورغم أن ديكنز عثرت على ناشر في أيسلندا لنشر كتابها في عام 2007. فإنها أرادت أيضا أن يصل كتابها إلى جمهور أوسع. وفعلا مكنها جهاز «أيسبريسو بوك ماشين» في مكتبات «بوليتيكس أند بروس» في واشنطن من وصول هذه المذكرات إلى رفوف الكتب محليا وخارجيا. وبالتالي أصبح كتابها أفضل الكتب المنشورة ذاتيا مبيعا، سواء في المكتبات المحلية، أو الإنترنت. وتعلق على ذلك بقولها: «لم أكن أتوقع بيع أي نسخ منه إطلاقا. ولم أكن أرغب أن يصبح أفضل الكتب مبيعا. لقد رغبت فقط في نشر قصة ابني ومساعدة الآخرين». وكان النشر الذاتي بات سهلا منذ انطلاق آلة «أيسبريسو بوك ماشين» لأول مرة، من قبل «أون ديماند بوكس» في عام 2006. وتقوم الآلة هذه بتحضير نسخ من الكتب التي باتت خارج الطباعة.

وكان الجهاز الأول قد ركب لفترة قصيرة في مكتبة الكتب التابعة لـ«ورلد بانك»، وذلك عن طريق شراكة مع «زيروكس» الشركة التي لها آلات من هذا النوع في نحو 70 مكتبة ومحلا للكتب في جميع أنحاء العالم، بما فيها لندن، وطوكيو، وأمستردام، وأبوظبي، والإسكندرية وغيرها.

ويقول ثور سيغفالداسون كبير التقنيين في «أون ديماند بوكس» الذي مقره نيويورك إن النظام هذا قد يساعد باعة الكتب بطريقتين. «فهو قد يقدم لهم جردة افتراضية كبيرة، بحيث يمكنهم الحصول على عدد من الكتب على غرار (أمازون)، كل ذلك من محل صغير للكتب. فهو يحول المحلات المستقلة للكتب إلى أمكنة لنشرها. وهو أمر جديد بالنسبة إليها لتقوم بذلك. وليس فقط بيعها، وهي في الواقع تقوم بإنتاج الكتب».

وتكلف كتب ديكنز 10.38 دولار لطبعها، وبالتالي بيعها بـ16 دولارا. ويقول بيل ليغيت بائع الكتب الذي يشارك بإدارة الآلة هذه في «بوليتيكس أند بروس»، إنه جرى بيع عشرات الكتب خلال شهر. «وهذا أفضل من الكثير من المؤلفين الذين لهم ناشرون كبار»، على حد قوله.

وكانت «بوليتيكس أند بروس» قد أنتجت 5000 كتاب ورقي، بعضها استغرق أقل من خمس دقائق، منذ استلامها آلة الكتب المسماة «أوبس» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ويقول ليغيت إن نحو 90 % من الكتب المطبوعة على هذه الآلة هي من أعمال النشر الذاتي لمؤلفين محليين.

أما الأخرى فهي كتب خارج الطباعة، متوفرة في المجال العام، عن طريق مواقع مثل «غوغل بوكس»، وعن طريق صيغ رقمية مرخص لها من قبل ناشرين كبار بما فيهم «هاربر كولنز».

وتمكن ألفرد مورغان الصغير الحصول على نسخة من دليل الطيران الذي وضعه والده عام 1923. والذي بات خارج الطباعة، «حول كيفية تشييد طائرة شراعية رباعية الأجنحة (طبقتان من الأجنحة) قياس 20 قدما»، وذلك بطباعته على الآلة مقابل 8 دولارات. وكان المجلد هذا موجودا في «كتب غوغل» (غوغل بوكس).

«ويقر الكثيرون بأن وجود الكتاب الطبيعي بين أيديك، يقدم تأثيرا لا تحصل عليه من الكتب الموجودة على الكومبيوتر، أو الجهاز اللوحي»، وفقا إلى مورغان الطبيب شبه المتقاعد، والقارئ النهم لكتب «كيندل» الإلكترونية. وهو يحتفظ بالنسخة الورقية لكتاب والده في مكتب منزله، «لأنه هو الذي كان سباقا لعصره في الكثير من الوجوه»، حسب قوله.

وقام الزبائن أيضا في «بوليتيكس أند بروس» بطباعة نسخ نادرة، أو خارجة عن الطباعة، وفقا إلى ليغيت. فنسخة خارج الطباعة عن رائعة مارك توين «مأساة بد إن هيد ويلسون»، بغلاف بسيط، وأكثر من 400 صفحة، تكلف نحو 12 دولارا.

وتستخدم آلة «أيسبريسو بوك ماشين» نوعين من الـ«بي دي إف»، واحد للغلاف والآخر للنص. والاثنان مصدرهما الملفات الرقمية، وتجري طباعتهما في آن واحد في الجهتين المتقابلتين من الجهاز، ليلتقيا في وسطه، حيث يرتبطان قبل أن يسقطا وسط محطة للتهذيب والتقليم في الأسفل، قبل أن يسقط الكتاب المنجز عبر أنبوب مائل.

ويأتي هذا الاهتمام في إنتاج الكتب الورقية في وقت نشهد فيه نموا كبيرا في صناعة الكتب الإلكترونية. فقد أفادت جمعية الناشرين الأميركيين عن بيع 3.4 مليون كتاب إلكتروني في العام الماضي في الولايات المتحدة، أي بارتفاع يزيد عن 300 % عن عام 2010 الذي سبقه. ومع ذلك ما تزال المداخيل من مبيعات الكتب الإلكترونية تعتبر جزءا ضئيلا من مبيعات الكتب المطبوعة التي سجلت 335.9 مقابل 21.5 مليون دولار للكتب الأولى، وفقا إلى الجمعية.

ومع استمرار المكتبات ومحلات الكتب الورقية بإقفال أبوابها أمام هجمة الكتب الإلكترونية، وأجهزة القراءة الرقمية، شرع الكثير يعتمدون على «أيسبريسو بوك ماشين». فقد قام محل الكتب «نورثشاير بوكستور» في «مانشستر سينتر» بولاية فيرمونت الأميركية، بإنتاج نحو 5000 كتاب سنويا عن طريق «أيسبريسو بوك ماشين» منذ عام 2008.

وتقول دبي راغا منسقة عمليات آلة الكتب هذه، إن نحو 85 % من زبائنها يستخدمونها لنشر كتبهم بشكل مستقل عن دور النشر، في حين يستخدمها الآخرون لإنتاج الكتب النادرة، أو الكتب الشخصية والصور العائلية.

وتقول راغا إن آلة الكتب هذه سجلت نحو 4 % من عائدات محلات الكتب بالعام الفائت، وحصلت على شهرة ودعاية واسعتين تجاوزتا ما يمكن لمحل الكتب أن يوفره لدفع تكلفة الإعلانات.

وتقول إيميلي باول رئيسة أحد محلات الكتب، ومديرته التنفيذية، إن الآلة هذه تمكنت من مضاهاة جهودهم ومهمتهم في وصل القراء معا بالكتاب والمؤلفين، بحيث إن «مجتمعنا ليس مجتمع قراء فقط، بل كتاب ومؤلفين أيضا، بحيث يمكننا تقديم خدمة لهم، ومساعدتهم على الشروع في أعمال النشر».

أما محل «ماك نالي جاكسون بوكس» في نيويورك، الذي ركب آلة في يناير (كانون الثاني) من العام الماضي، فهو يستقبل زبونا واحدا يوميا من الناشرين الذاتيين الجدد.

ويقول ليغيت من «بوليتيكس أند بروس» في واشنطن، إن للزبائن اليوم قدرة التحكم بعمليات النشر، انطلاقا من تقرير القياسات الطبيعية، والغلاف، والتخطيط، والتصميم، وصولا إلى التكلفة التي يرغبون في تحملها.

* خدمة «نيويورك تايمز»