أخطاء تغطية الصحافة البريطانية لمصر

تسبب فيها المراسلون ورؤساء الديسكات الخارجية وكثير من الباحثين المصريين المتعاقدين مؤقتا مع المراسلين

تكررت اخطاء الإعلام البريطاني في تغطية أخبار مصر بسبب المراسلين على الأرض («نيويورك تايمز»)
TT

واجهت الانتخابات المصرية الصحافة البريطانية بتحديات نجمت عنها أخطاء تحريرية أساسية في التقديم الحرفي، وكان أكثرها في المضمون التحريري، ليس فقط في الصحف، بل الإذاعة والتلفزيون. شارك في مسؤولية الأخطاء المراسلون على الأرض في مصر ورؤساء الديسكات الخارجية، وكثير من الباحثين المصريين المتعاقدين مؤقتا مع المراسلين.

باستثناء الـ«بي بي سي» (الإنجليزية والعربية) و«سكاي العربية»، فلم يعد لها مكاتب بطاقم كامل من المراسلين في القاهرة، بسبب تقليص الصحف لميزانية التغطية الخارجية من ناحية، وأيضا لاستهلاك معظم الميزانية، وتكبد الخسائر المادية من تغطية ثورات تونس ومصر وليبيا وحاليا سوريا، وهو أمر باهظ التكاليف.

الوسائل الصحافية التي لها مكتب ثابت، يتضمن الطاقم التحريري مراسلين ومصورين ومجموعة من الباحثين، تضع الصحيفة أو المحطة في موقع أفضل من الصحف المنافسة التي تسرع بتحويل أو إرسال أقرب مراسل في المنطقة من بلد أفريقي أو من القدس أو من الخليج.

في هذه الحالة يحتاج المراسل الوافد إلى مساعدة من باحثين محليين، كحال «الديلي تلغراف»، فكبير مراسلي «الشرق الأوسط» مقيم في دبي لأسباب تتعلق بالميزانية، ومراسلة «سكاي» جاءت من مكتب جنوب أفريقيا وهي دارسة للسياسة العربية.

بعض الصحف تعتمد أسلوب الباحث شبه المراسل (المربوط – stringer)، والكلمة مشتقة وتعني الخيط، مثل صحافي مصري، أو باحث من بلد الصحيفة درس المنطقة في الجامعة، مقيم في القاهرة ويتحدث اللغة المصرية ولا يمانع في العمل لقاء أجر رخيص مقابل وضع قدمه على سلم الصعود الصحافي. الصحيفة تخصص للمراسل المربوط مبلغا شهريا بسيطا لتحتكر خدماته بعيدا عن المنافسين، ويكون جاهزا عند الطلب لتقديم خلفية للأحداث.

الصحف تجهز أيضا بعض «المظبطين» (Fixers) وهي جمع «fixer» من اسم الفعل تثبيت الأشياء وضبط إصلاحها، وهو يعرف البلد وكل ما فيه من مواصلات، وقادر على ترتيب المواعيد ومساعدة المراسل الوافد بشرح خلفية الأحداث واصطحابه لأماكن الحدث وتقديمه للساسة المحليين وأحيانا لمعارضين مختبئين تبحث عنهم الأنظمة.

أخطاء المضمون التحريري دلت على قصور في البحث المحلي، نتيجة ضعف إمكانات «المظبطين»، وتكاسل الديسك الخارجي في لندن في بحث الخلفية التاريخية. بدا ذلك في كل الصحف الجادة والـ«بي بي سي» بالخلط بين الانتخابات البرلمانية والرئاسية على الرغم من وجود فارق سبعة أشهر بينهما. فالانتخابات الرئاسية غير مسبوقة، فللمرة الأولى في تاريخ مصر ينتخب الشعب رئيس الدولة باقتراع مباشر.

«التلغراف» و«الغارديان» والـ«بي بي سي» كررت وصف الانتخابات البرلمانية (نوفمبر «تشرين الثاني» الماضي) بأنها الأولى في تاريخ مصر، بما يدل على جهل فاضح وتقصير بلا مبرر في البحث. فقد شهدت مصر عشرة انتخابات برلمانية ديمقراطية ما بين 1922 و1950 قبل انقلاب 1952. والمعلومات متاحة على موقع «البرلمان المصري» و«المكتبة البريطانية» وفي «دائرة المعارف البريطانية» وكتب التاريخ.

كما اعتمدت الصحافة – خصوصا التلفزيونية - على أكليشيهات الانطباعات الشعبية، فكررت عبارة «تعرض جماعة الإخوان المسلمين للاضطهاد والحظر منذ تأسيسها على يد أنظمة ديكتاتورية»، بدلا من البحث في الأرشيف العالمي للأحداث (Keesing’s Record of world events)، أو سجلات البرلمان البريطاني لأحداث ما وراء البحار.

جماعة الإخوان تأسست 1928، وحظر نشاطها بعد 20 عاما جاء بقرار محكمتين (الجنائية ثم الإدارية الدستورية، واستئناف الحكم والطعن والنقض لبضع سنوات) عامي 1948 و1949 بسبب أعمال إرهابية وقتل وتفجير قنابل، والقضاء وقتها مستقل عن الحكومة البرلمانية المنتخبة ديمقراطيا وليست ديكتاتورية.

ووقعت الصحف وشبكات التلفزيون كلها في خطأ استخدام أكليشيه بلا شرح المعنى للقارئ أو المتفرج «مرشح إسلامي معتدل» (moderate Islamists)، والتعبير نسبي غير موضوعي وغير محدد.

أثار وصف الـ«بي بي سي» تعليقات «تويتر» وشكاوى مستمعي ومتفرجي الهيئة وشبكات تلفزيون أخرى. أهمها من أقارب ضحايا مذبحة السياح في الأقصر عام 1997 على يد الجماعة الإسلامية بعد وصف أحد مرشحي الرئاسة له بأنه «معتدل»، وكان قياديا بارزا في الجماعة الإسلامية المسؤولة عن مقتل أقاربهم.

المشكلة التي غالبا ما يتغافل عنها المحررون في لندن أن مثل هذه الأحداث الجسيمة التي وقعت ربما قبل اشتغال المحررين والمراسلين بالعمل الصحافي (مذبحة الأقصر وقعت قبل 14 عاما) ستظل محفورة في قلوب وذاكرة أقارب الضحايا بقية العمر. وهم يتابعون أخبار الجماعة الإرهابية أو القتلة الذين ارتكبوا المذبحة، ويعرفون كل شيء عنهم، ويذكرون أسماء الأعضاء من التحقيقات، فوزارة الخارجية البريطانية تقدم لأهالي الضحايا ملفات كاملة عن سير التحقيقات وخلفيات الحدث وكل المعلومات عن هذه الجماعات. وبالطبع تعرف أهالي الضحايا على اسم المرشح الرئاسي.

ومهنيا، لا عذر لإدارات التحرير في الصحف والـ«بي بي سي»، الخبيرة بتغطية آيرلندا الشمالية، حيث زعماء المنظمات الإرهابية، سواء الجمهورية أو منظمات حركات «البروتستانت» الموالية لبريطانيا. هم الآن ساسة في الحكومة الذاتية لآيرلندا الشمالية بعد اتفاق «الجمعة العظيمة» في 1998. ويحتج أقارب ضحايا الإرهاب إذا تغافل تقرير المراسل عن الخلفية التاريخية للساسة، كمصافحة الملكة لمارتين ماغنيس الأسبوع الماضي، وهو الآن وزير وكان قائدا ميدانيا لمنظمة «اي آر إيه» المسؤولة عن مصرع المئات. فمثلا «الديلي تلغراف» نشرت السيرة الذاتية المرثية (obituary) للزعيم الإسرائيلي الراحل إسحق شامير، وصفه العنوان الفرعي بـ«إرهابي سابق، وموظف مخابرات وسياسي إسرائيلي» للدقة التاريخية.

كما يتحمل الـ«fixers» المصريون أيضا جانبا من الخطأ في عدم تنبيه المراسلين الوافدين إلى الخلفية التاريخية، وربما لأسباب شخصية، كميول سياسية، منحازة أو لخوفهم على سلامتهم الشخصية من الجماعة أو ضغوط عليهم من جماعات سياسية ومتطرفين. وأذكر عندما كنت مسؤولا عن الديسك الخارجي في ثلاث صحف متتالية إصراري على أن لا يكون مراسل صحيفتنا المقيم حاملا لجنسية البلد للأسباب أعلاها.

ومن الأخطاء أيضا عدم توضيح أن تعطيل مجلس الشعب كان بسبب حكم قضائي مستقل من المحكمة الدستورية ببطلان عضوية ثلث الأعضاء، ولا علاقة للمجلس العسكري به، حيث تركت التقارير انطباعا خاطئا بذلك. كما أخفقت كل شبكات التلفزيون في تغطية المسيرات المؤيدة للمرشح العلماني أحمد شفيق في مدينة نصر وبقية مناطق شرق القاهرة، وظلت الكاميرات في ميدان التحرير. وهذا خطأ يشترك فيه الباحثون المصريون (Fixers) والديسك في لندن الذي تصل إليه تقارير الوكالات بوجود مسيرات وتجمعات ضخمة، وبذلك يكون أخفق الرؤساء في لندن في تنبيه المراسلين في القاهرة لإرسال الكاميرات خارج ميدان التحرير.

مسألة تغطية أحداث جارية متتابعة بسرعة في الخارج تحتاج إلى إمكانات وخبرة وبراعة ومرونة، افتقدتها الصحافة فغيرت تغطية انتخابات مصر. وهذا حديث آخر سنتناوله لاحقا.