«نيويورك تايمز» تصدر طبعة بالصينية

لمواجهة الرقيب الحكومي والقارئ «المختلف»

صحيفة «نيويورك تايمز» في طبعتها الصينية
TT

في الأسبوع الماضي، بدأت صحيفة «نيويورك تايمز» إصدار طبعة باللغة الصينية على الإنترنت، وانضمت إلى محاولات صحف أميركية أخرى، بعضها نجح وبعضها فشل، وكلها واجهت عاملين؛ الأول: الرقيب الحكومي الصيني. والثاني: القارئ الصيني «المختلف».

«تفتخر (نيويورك تايمز) بإدخال نسخة باللغة الصينية على الإنترنت تهدف إلى إدخال صحافتنا إلى الصين»، هكذا خاطبت الصحيفة قراءها في الأسبوع الماضي. وأضافت: «الهدف من هذا الموقع الجديد هو تزويد العدد المتزايد من الصينيين المتعلمين، والأثرياء، والعولميين بتغطية عالية الجودة للشؤون العالمية، والاقتصادية، والثقافية».

مثل الموقع الإنجليزي، ليس الموقع الصيني نقلا كاملا لما في الصحيفة الورقية. لكنه يختار مواضيع تخاطب القارئ الصيني، بالإضافة إلى إسهامات مباشرة من مخبرين وكتاب صينيين.

من متوسط 200 موضوع تنشرها الصحيفة الورقية اليومية، يختار الموقع الصيني 20 تقريبا كل يوم. بالإضافة إلى متوسط 10 مواضيع صينية الأصل. ويتمركز الذين يكتبون باللغة الصينية في بجينغ وهونغ كونغ، لكن يدار الموقع من الولايات المتحدة.

رئيس التحرير هو فيليب بان، أميركي من أصل صيني، عاد إلى أرض أجداده، ودرس اللغة الصينية في جامعة بجينغ. ثم عاد إلى الولايات المتحدة ودرس العلاقات الدولية في جامعة هارفارد. ثم التحق بصحيفة «واشنطن بوست»، وبسبب لغته الصينية، غطى أخبار الجالية الصينية في واشنطن وفي أماكن أخرى. ثم أرسلته الصحيفة مديرا لمكتبها في الصين (كان صغير السن لهذا المنصب). وقضى هناك 7 سنوات. ثم عاد وانتقل إلى صحيفة «نيويورك تايمز»، وظل معها حتى اختارته الصحيفة لهذه الطبعة الصينية.

يساعده كاو هيلي، صحافي صيني كان جاء إلى الولايات المتحدة ودرس لفترة قصيرة في جامعة هارفارد. ويشرف على الطبعة من نيويورك جوزيف كان، رئيس القسم الخارجي في «نيويورك تايمز»، وكان مدير مكتبها في الصين. وفي مقابلة معه أجرتها مجلة «فورين بوليسي» (السياسة الخارجية)، قال: «نعرف أن أمامنا خيارات صعبة. لكن، ليس منها تدخل حكومة الصين. ومن جانبنا، لن نحجب أي موضوع مسبقا» (يقصد أنهم لن يمارسوا رقابة ذاتية).

في اليوم الأول من الطبعة الصينية، كان هناك رأيان أميركيان رئيسيان:

الأول: راي بول كروغمان، كاتب عمود في الصحيفة، وحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد (كتب عن خطورة اعتماد الحكومة الأميركية على الاستدانة من الصين، بتريليونات الدولارات).

الثاني: رأي الرئيس الأسبق جيمي كارتر (انتقد الرئيس باراك أوباما بسبب ضربات طائرات «درون»، من دون طيار، في أفغانستان وباكستان واليمن والصومال. وقال إنها تخالف القانون الدولي، وحقوق الإنسان).

وفي نفس العدد الأول، تقارير إخبارية منها:

أولا: تقرير عن مصانع شركة «أبل» للكومبيوترات والتليفونات في الصين. وهي مصانع انتقدت في الولايات المتحدة لأنها تعتبر «تصديرا» للعمالة الأميركية. ولأنها تستغل العمالة الصينية الرخيصة، وتستغل قوانين العمل والعمال الصينية الأقل تشددا من الأميركية.

ثانيا: تقرير عنوانه «من الدولة الأقوى اقتصاديا في العالم» (مقارنة بين قوتي الولايات المتحدة والصين).

ثالثا: تقرير من الصين، وكتبه صحافي صيني عن انتشار الثقافة الغربية (خاصة الأميركية) في الصين. مثل عروض الأزياء، والموضات، والعطور، والاهتمام الكثير من جانب الإعلام الصيني بها. قبل «نيويورك تايمز»، بدأت تجربة مطبوعات أميركية هي: صحيفة «وول ستريت جورنال» ومجلات «نيوزويك» و«تايم» و«فوربس». وأيضا، مطبوعتان بريطانيتان هما: صحيفة «فاينانشيال تايمز» وموقع «بي بي سي».

لكن، تتفوق طبعتا «وول ستريت جورنال» و«فاينانشيال تايمز»، لأن كل واحدة أسست رئاسة في الصين، وتنشر طبعة ورقية بالغة الصينية (مع موقع في الإنترنت). وقالت أنجيلا ماكاي، رئيسة تحرير «فاينانشيال تايمز» الصينية: «أستطيع أن أقول إنه عمل شاق. لكنه تجربة إيجابية. بالإضافة إلى أن موقع الإنترنت يحقق أرباحا سخية (من الإعلانات)».

وقال متحدث باسم صحيفة «وول ستريت جورنال» الصينية: «يزور موقعنا كل شهر مليونا شخص. هذه تجربة ناجحة».

لكن، قال ينغ شان، رئيس قسم الصحافة في جامعة هونغ كونغ: «حسب الإحصائيات، الصين في المرتبة الـ174، من جملة 179، في ترتيب حرية الصحافة في العالم. رغم نشر انتقادات طفيفة للحكومة، يواجه الصحافي الذي ينتقد قيادة البلاد، واحتلال التبت، مشكلات يمكن أن تكون سبب فصله من عمله». وأضاف: «إذا كنت لا تبالي، فيمكنك أن تكتب عن أي شيء. لكن، إذا كنت تريد الوصول إلى القراء، تحتاج إلى بعض الرقابة الذاتية».

وأثبتت تجربة «وول ستريت جورنال» ذلك وغير ذلك.

في أبريل (نيسان) الماضي، عندما هرب قوانغ تشن شين، المنشق الصيني المحامي الأعمى إلى سفارة الولايات المتحدة في بيجنغ، لم تكتب عنه طبعة الصحيفة الصينية خلال أسبوع كامل. لكن، خلال نفس الأسبوع، نشرت الطبعة الإنجليزية التي تصدر في الولايات المتحدة وفي دول أخرى، 4 تقارير عن المحامي الأعمى. وقبل ذلك بشهر، عندما نشرت الصحيفة الإنجليزية تقريرا عن وانغ ليون، نائب عمدة مدينة شنغدو، الذي زار القنصل الأميركي في المدينة، ونقل له معلومات عن رئيسه بو اكسيلاي، حذفت الطبعة الصينية الجملة الآتية: «ليست هذه هي المرة الأولى التي لجأ فيها مسؤول صيني إلى سفارة أو قنصلية أميركية. في سنة 1989، خلال مظاهرات ميدان تيانامين، لجاء المعارض الصيني فانغ ليزهو إلى السفارة الأميركية في بجينغ».

وعندما سألت مجلة «فورين بوليسي» صحيفة «وول ستريت جورنال» عن هذه التناقضات، رفض متحدث باسم الصحيفة التعليق.

لا بد أن صحيفة «نيويورك تايمز» باللغة الصينية ستواجه مثل هذه الظروف. وليس من المعروف في الوقت الحاضر إذا كانت ستناقض نفسها، أو ستكون، كما يقول شعارها: «أوول نيوز فيت تو برنت» (كل الأخبار التي تستحق النشر).