مسلسل «صالة التحرير» يقدم خريطة إنقاذ لشبكة «سي إن إن»

يعرض حاليا على شبكة «إتش بي أو»

TT

يبدو أن شبكة «سي إن إن»، التي تحاول جاهدة منذ فترة طويلة العثور على مذيع لملء فترة الساعة 8 مساء، قد وقعت أخيرا على الشخص المنشود. إنه ويل مكافوي، وهو شخص وسيم ومباشر وحازم، ولديه من التشكك وسرعة الغضب ما يكفي لمنحه طابعا استفزازيا، كما أنه يؤمن بأهمية الأخبار، وبأن الحقيقة ليست ذلك الثقب الموجود في منتصف الكعكة، وبأن توافر المعلومات سوف يساعد هذه البلاد على استخراج أفضل ما بداخلها.

وهو كذلك صورة من مخيلة آرون سوركين، شخصية المذيع الإخباري المثالي في مسلسل «صالة التحرير» (The Newsroom)، الذي بدأ عرضه ليلة الأحد الماضي على شبكة «إتش بي أو»، التي تمتلكها شركة «تايم وارنر» صاحبة شبكة «سي إن إن» كذلك. وقد تحدث سوركين قبل الحلقة الأولى من مسلسل «صالة التحرير» داخل قاعة عرض في مقر الشركة الأسبوع الماضي، ووصف المسلسل بأنه «عيد» بالنسبة لقطاع الأخبار. وقد دخلت شبكة «إتش بي أو» في سباق نوعا ما، من خلال عرض مسلسلي «لعبة العروش» (Game of Thrones) و«الفتيات» (Girls)، اللذين يدوران حول معركة البقاء في عالمين مختلفين. كما دخلت شبكة «سي إن إن» في سباق هي الأخرى، لكنه سباق من ذلك النوع الذي تقوم به زلاجة فوق تل مغطى بالثلج. فبعد أن كانت الشبكة في يوم من الأيام ملكة الشبكات الإخبارية، سجلت أدنى تصنيف لها منذ 10 سنوات خلال شهر أبريل (نيسان)، وظلت المسافة الفاصلة بينها وبين منافسيها تنكمش تدريجيا حتى تفوقوا عليها، ففي البداية سبقتها شبكة «فوكس نيوز» من اليمين، ثم تلتها شبكة «إم إس إن بي سي» من اليسار.

وقد تجمدت شبكة «سي إن إن» عند تقديم نوعية معينة من الأخبار، قبل أن تنهزم هزيمة نكراء في مجال صناعة الأخبار. وقد عكس مسلسل «صالة التحرير» تعهد الشبكة غير واضح المعالم بأن تكون الحرفي الأمين في مجال قنوات التلفزيون الإخبارية، حيث يعمل ويل مكافوي لدى شبكة «أتلانتس وورلد ميديا»، التي سميت على اسم إحدى الممالك المفقودة، وهناك لمحات كثيرة من فيلم «رجل المانشا» (Man of the Mancha)، من خلال مناقشات حول من هو الأشبه بدون كيشوت.

وتشبه الاستوديوهات التي يتجول ويل بداخلها إلى حد بعيد استوديوهات شبكة «سي إن إن»، التي تعد جزءا من إمبراطورية هائلة بها الكثير من الأصول التي تتفوق على الأخبار المقدمة. ولكي يتم ربط الاستعارات المجازية معا، فقد شاركت جين فوندا - زوجة تيد تيرنر السابقة - في دور رئيسة المجموعة الإعلامية المالكة للشبكة، حيث تظل تنصت عن كثب لعدة حلقات قبل أن تبدأ في الانتقام. وفي مسلسل سوركين، كما في عالم التلفزيون الواسع والمخيف، تدور معركة من أجل خطف نفوس وأنظار المشاهدين الأميركيين، وقد وجدت شبكة «سي إن إن» نفسها داخل بيئة تنافسية لم يعد فيها تقديم الأخبار وحده كافيا.

ويرفض سوركين هذا الدور، ففي المسلسل، يواجه مكافوي، الذي يلعب دوره جيف دانيلز، سؤالا عما يؤمن به حقا، فيجيب بصدق أمام حشد من طلاب الصحافة الذين تبدو عليهم أمارات الجدية: «لقد حادت أميركا، وكذلك الصحافة، عن مسارها». وتأثرا بكلامه وبمنتجته التنفيذية الجديدة، وهي حبيبة قديمة تلعب دورها إيميلي مورتيمر، فقد قرروا أن يتجاوزوا زلة اللسان هذه، وأن يستمروا في تغطية الخبر.

وفي اعتذار أعقب ذلك على الهواء مباشرة، يعترف مكافوي بـ«اننا شهدنا تراجعا كبيرا في تصنيفاتنا»، ويتعهد بإنتاج مسلسل مبني على أهمية الموضوع وليس على سخونته. ثم تساءل في نهاية بيانه «من نحن حتى نتخذ هذه القرارات؟ (سكوت طويل) نحن النخبة الإعلامية».

والفكرة هي أنه إذا قامت الشبكات التلفزيونية بعمل جيد في تقديم الوجبات المعلوماتية، فسوف نصطف جميعا في انتظار وجبة أخرى. لكن ما يحدث أسوأ من أن يكون غير حقيقي - ليس حينما يكون في مقدور خبر عن دولفين ضل طريقه أن يثير تعاطفا أكبر مما يثيره استئصال الأقليات العرقية في أماكن بعيدة.

ويبدو جدل البيضة والدجاجة الدائر حول أيهما أخرس أولا - جمهور المشاهدين أم الأخبار - أقل أهمية من الحقيقة المرة، وهي أن كلتا الحالتين صحيحة. فالحقيقة هي أن الطموحات نادرا ما تقفز خارج الشاشة وتنتقل إلى الوعي الأميركي، والقناة التلفزيونية الأكثر نبلا تحاول أن تجعلهم أكثر انفصالا عن الواقع كما يبدو عليهم.

إلا أن سوركين لا يخشى السباحة ضد التيار، حيث كتب في رسالة عبر البريد الإلكتروني «أعتقد أن السبب في اعتبار ذلك بعيد المنال هو أنه بعيد المنال». وأضاف، مشيرا إلى إدارة بارتليت البارعة - والخيالية تماما - في «الجناح الغربي»، وهو أيضا من تأليفه «كل جزئية بعيدة المنال مثل وجود إدارة ديمقراطية تنجز المهام المطلوبة منها». ثم أضاف «لا أعلم أي شيء عن التصنيفات (ولدي تصنيفات تؤيد ذلك)، لكنني لو كنت رئيس شبكة (سي إن إن) لوضعت أذكى من أعرفهم من العاملين في مجال الأخبار داخل قاعة وسألتهم: (كيف يفترض أن يبدو البرنامج الإخباري المثالي؟)، ثم سأسألهم بعدها: (ما الذي يمنعنا من فعل ذلك؟)».

ويقول سوركين إنه يعلم أنه «لا توجد آلة زمن جماعية تعيدنا إلى عصر المذيعين الكبار مثل مورو وكرونكايت». ويتابع «إن جزءا من عاطفة ورومانسية البرنامج هي التذكير بالدور الذي لعبته الصحافة العظيمة في ماضينا، وأن هناك إمكانية في أن نرتقي بأنفسنا عن طريق العودة إلى ذلك المعبد المقدس».

لكن من المؤكد أنه سيكون هناك القليل من المقاعد الشاغرة، حيث ينتظر معظم المشاهدين أن يحصلوا على المعلومات والترفيه معا حينما يجلسون أمام البرامج الإخبارية، وبالتالي فإن كل شاردة أو واردة من أي شخص تصبح مشحونة بالمعاني. لكن هناك أيضا جمهورا كبيرا يتابع تحديثات الأخبار الفعلية ويرى الضيوف وهم يتحدثون ويتجادلون بشأن بريستول بالين كما لو كانت رئيسة دولة، كما يرى الحديث عن تصاعد موجة العنف والوحشية الناجمة عن المخدرات. وهناك آخرون مثلي، من عشاق الأخبار، يشعرون بأنهم لا يحصلون على جرعة الأخبار التي ينتظرونها. ونحن كمشاهدين نميل إلى تبني أحد الآراء التي تطرح في البرامج الإخبارية، لأن هذا يصنع الوهم، ليس في ما يتعلق بالأهمية والتأثير الدرامي فحسب، بل يصنع وهم أن أحدهم مخطئ وأن الأمور يمكن إصلاحها. فالعالم الذي نعيش فيه أقرب كثيرا إلى «الشبكة» منه إلى «صالة التحرير» (فحتى سوركين ينكث وعده، حيث يميل بإخلاص ناحية اليسار في اختياره للأهداف: الأخوين كوتش وردهة الأسلحة وحفلة الشاي ومصرفيي وول ستريت.. رغم أن ويل مكافوي جمهوري من الناحية الظاهرية).

ويريد سوركين أن يصدق أن منح الناس ما يحتاجون إلى معرفته بدلا مما يريدون معرفته هو طريقة نبيلة لإدارة أي شبكة إخبارية، وبصفته شخصا منغمسا في عالم الترفيه فهو يعلم أن هذا لن يفلح أبدا. ويقول الرجل «أعتقد أن ويل مكافوي الذي كان موجودا قبل دقيقة واحدة من بداية المسلسل سيصبح ناجحا للغاية، أما ويل مكافوي الذي سيبدأ في دخول دائرة الضوء مع الحلقة الثالثة فلن تكون أمامه أي فرصة للنجاح».

إن فكرتي تتلخص في أن شبكة «سي إن إن» ما زالت تكسب 600 مليون دولار سنويا، ولا بد أن تسعد بأنها تتمتع بأسبقية على الأنظمة التلفزيونية لأن مواردها من الأخبار العالمية ما زال ينظر إليها باعتبارها شيئا أساسيا. فلتتركوا الأمور الجانبية للآخرين ولتركزوا على تقديم وجبات إخبارية متميزة ومغذية، فلماذا لا تنطلقون داخل دورة الأخبار ببعض الكرامة وتشبعون جمهورا وفيا وجديرا بالاعتماد عليه سوف يقف بجانبكم حينما يصبح العالم مهددا بالانفجار وتقفز التصنيفات إلى عنان السماء؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»