«حيوانات سياسية».. طموحات الوزيرة في المكتب البيضاوي

تمثل عائلة كلينتون مادة ثرية للأعمال الفنية بدأت بفيلم «ألوان أساسية» و«علاقة خاصة»

سيغورني ويفر نجمة مسلسل «حيوانات سياسية» تجسد شخصية هيلاري كلينتون مرشحة الرئاسة الأميركية السابقة وزيرة الخارجية الحالية («نيويورك تايمز»)
TT

هل تذكرون مؤيدي هيلاري كلينتون العنيدين؟ هؤلاء الذين كانوا يضعون أزرارا تحمل اسمها ويلوحون بصورها لفترة طويلة حتى بعد أن حسم أوباما الأمر لصالحه؟

تخيلوا الآن أن أحد ممولي حملة هيلاري كلينتون في عام 2008 من أكثر مؤلفي الحلقات التلفزيونية نشاطا في هوليوود. بدأت إذاعة مسلسل «حيوانات سياسية» المكون من ست حلقات في يوم الأحد على قناة «USA».

تتناول الحلقات مسيرة سيدة أولى سابقة، إلين باريش مهموند التي تلعب دورها سيغورني ويفر. بعد خسارتها في الترشح للانتخابات الرئاسية أمام مرشح أصغر سنا لا يملك الخبرة، تقبل إلين بعد تردد منصب وزيرة الخارجية. ترتفع شعبيتها إلى عنان السماء ووسط جولات الدبلوماسية عالية المخاطر، تتحاور مع مساعديها بشأن الترشح مرة أخرى في انتخابات الرئاسة.

في حوار معه في فندق «كروسبي ستريت» في نيويورك، قال غريغ بيرلانتي المخرج المنفذ للعمل إنه كان «يؤيد بوضوح هيلاري كلينتون» في الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2008. وقد تبرع بمبلغ 6900 دولار إلى حملة الانتخابات التمهيدية للسيدة كلينتون، وفقا لمركز «السياسة المستجيبة». ويقول عن أحدث أعماله: «أحد أسباب كتابتي لهذا العمل أن أثبت صحة رأيي».

وتمثل عائلة كلينتون مادة ثرية للأعمال الفنية، بداية من الفيلم الذي أنتج عام 1998 باسم «ألوان أساسية» المأخوذ من رواية تعتمد على الواقع من تأليف جون كلين، إلى فيلم «علاقة خاصة» من إنتاج «HBO» الذي تدور أحداثه حول بيل كلينتون وتوني بلير (وأدت فيه هوب دايس دور زوجة كلينتون).

ولكن قلت أعمال الدراما السياسية التي تعرض على التلفزيون، وعادة ما كانت تحاول الابتعاد عما يجعلها تقترب كثيرا من الواقع. كان آخر عمل هو «الجناح الغربي» لآرون سوركين، الذي انتهى عرضه في 2006، وقدم فيه رئيسا لديه مواقف وسطية. ومن بين مثل هذه البرامج التي تعرض في الوقت الحالي، أكثر الأعمال نجاحا هو «الزوجة الطيبة» على قناة «CBS»، والتي تحولت سريعا إلى دراما قانونية بعد أن جذبت المشاهدين بفضيحة على طريقة «إليوت سبيتزر». ولكن حتى في عام الانتخابات الرئاسية، لم تستطع أعمال مثل «فيب» إنتاج «HBO» عن نائب رئيس غير كفؤ، و«فضيحة» إنتاج «ABC» عن شخصية مسيطرة في واشنطن، أن تحقق نسب مشاهدة عالية. ومع انتظار عرض حلقات «بين 1600» من إنتاج قناة «NBC»، ليس من الواضح إذا كان المشاهدون سيتقبلون مواقف سياسية ومكائد انتخابية تميل إلى المرشح الديمقراطي، وبخاصة من قناة «USA»، التي تشتهر بأعمال مختلفة تماما.

وتتميز شبكة «USA» بأنها تقدم برامج متنوعة وحلقات خفيفة مثل «بيرن نوتيس» و«الياقة البيضاء» و«آلام ملكية»، ولكن أرادت القناة عرض حلقات «حيوانات سياسية» ليس فقط تلبية لرغبة متابعي الأعمال السياسية، بل وأيضا لحشود من المشاهدين الذين يجتمعون لمشاهدة أعمال درامية عائلية.

يتفق هذا الرأي مع أفكار السيد بيرلانتي، صاحب أعمال مثل «إيفروود» و«جدول داوسون» و«أشقاء وشقيقات»، الذي يقول إنه على الرغم من اتخاذ هيلاري كلينتون مصدرا أوليا للإلهام في العمل فإن الدراما العائلية الخيالية التي تعيشها عائلة مهموند أثارت اهتمامه أكثر من الاستطلاعات الشعبية، والسياسات والواقع. وهكذا هي هوليوود على أي حال.

يقول لورانس مارك السينمائي المحنك والمخرج المنفذ للحلقات: «إنها تتناول السياسة مثل المسرح، فهناك خشبة المسرح وهناك كواليس».

كان مارك من مؤيدي أوباما منذ المراحل الأولى، وقد خرجت حلقات المسلسل نتيجة للنقاشات التي دخل فيها مع بيرلانتي عدة مرات أثناء العشاء في غرب هوليوود.

في أثناء التصوير في أحد الأيام الماضية داخل مخزن قديم في فيلادلفيا، تداول أفراد العمل موضوعا عن السيدة هيلاري كلينتون في مجلة «نيويورك تايمز». بدت عدة نقاط ذكرت في الموضوع الذي حمل عنوان «جولة هيلاري كلينتون الأخيرة كنجمة دبلوماسية» وكأنها إشارة إلى أحداث تقع في المسلسل.

يقول جيمس فولك الذي يلعب دور دوغلاس مهموند، أحد ابني عائلة مهموند: «في البداية ظننت أن نص العمل تم تسريبه.. هل سرقوا برنامجنا؟».

يضع بيرلانتي شخصية مثلية بارزة في كل مسلسل يكتبه. وفي مسلسل «حيوانات سياسية»، جعل هذه الشخصية شقيق دوغلاس، تي جيه مهموند، أول «ابن رئيس» مثلي. تقول إندريا ميتشل من «NBC» في التقرير الخاص بالحلقة التجريبية: «ظل الجميع ينتظرون أن تكون ميوله المثلية موضوعا مهما في الحلقات، ولكنها لم تكن كذلك».

في استراحة من التصوير، صرحت ويفر بأنها تجنبت دراسة شخصية السيدة كلينتون. وقالت: «بعض التشابهات مع عائلة كلينتون مباشرة، وأنا سعيدة بأنني لا أعرفها. فأنا لا أريد أن ألعب دور هيلاري كلينتون».

جزء من التحدي الذي تواجهه الدراما السياسية هو تصوير المشاهير. أتقنت جوليان مور طبقة صوت سارة بالين في حلقات «تغيير اللعبة»، ولكن في أحيان كثيرة ينجرف تمثيل المشاهير إلى عملية التقليد. وتضيف ويفر: «لا أهتم بهذا النوع من التمثيل شبه الواقعي».

وبدلا من ذلك تقول ويفر إن «ما جذبها إلى استعادة أول دور رئيسي أدته في حلقات تلفزيونية هو اكتشاف ديناميكية امرأة قوية تتحمل المسؤولية في عملها ولكنها تفقد السيطرة على حياتها الشخصية». في «حيوانات سياسية» تجد إلين ذاتها تتفاوض في أزمة احتجاز رهائن في إيران أو توبخ رئيس وزراء يشبه فلاديمير بوتين (باللغة الروسية)، في حين أنها تخطط لحفل خطوبة ابنها. وبعد أن تخسر إلين الانتخابات التمهيدية مباشرة، تحصل على الطلاق من زوجها زير النساء الرئيس السابق بود مهموند.

تجد إلين صديقة لها في الكاتبة سوزان بيرغ، التي تشبه مورين داود وتلعب دورها كارلا غوغينو. فازت سوزان بجائزة بوليتزر للكشف عن فضائح بود الجنسية في البيت الأبيض، مما جعلها في ذلك الحين على خلاف مع السيدة الأولى.

ومن أجل الاستعداد لأداء هذا الدور، قالت ويفر: «إنها قرأت مذكرات مادلين أولبرايت «السيدة الوزيرة»، ودرست تصرفات العمدة مايكل أر بلومبرغ، واتخذت مصدرا لإلهامها من أمهات في مدرسة خاصة في مانهاتن حيث تدرس ابنتها تشارلوت. وقالت ويفر: «إنهم الأشخاص الذين يشمرون عن سواعدهم ويؤدون المهام».

يقول بيرلانتي إنه اتخذ عدة عائلات رئاسية مصدرا لإلهامه؛ حيث قرأ السيرة الذاتية التي كتبها روبرت كارو لليندون جونسون وقال «إنه كتب قصة بود مهموند لتعتمد بشكل كبير على جونسون». ويحمل دوغلاس لمحات من بوبي كنيدي، وكان مقصودا أن تبدو عائلة مهموند كئيبة وفاشلة مثل عائلة فيشر في «ستة أقدام إلى أسفل».

من أجل الاستفادة من المناخ السياسي الراهن، أسرعت «USA» إلى العمل في المسلسل القصير، الذي كتبه بيرلانتي في وقت فراغه.

وقامت «وارنر براذرز» التي تنتج العمل بتسويقه في البداية إلى HBO وShowtime. وبعد الإخفاق في تسويقه مع قنوات «الكابل» مدفوعة المقابل عرضت الشركة العمل على قناة «كابل» مجانية. أوضح بيتر روث، رئيس تلفزيون «وارنر براذرز» أن «USA» سعت إلى الحصول عليه بقوة؛ رغبة منها في عرض عمل مثير يميز أعمالها في موسم الصيف ويجذب مشاهدين جددا.

وتجاوزت القناة المسار التقليدي بطلب حلقة تجريبية ثم تقرير إذا كانت ستحصل على الحلقات، وبدلا من ذلك اشترت من بيرلانتي ست حلقات من بينها حلقة تجريبية مدتها 73 دقيقة، وأضاف السيد روث قائلا إن «(USA) إذا قررت عرض جزء جديد من المسلسل، سيحتوي الموسم الثاني على عدد من 10 إلى 12 حلقة». بذلك تبتعد شبكة «USA» عن استراتيجية «السماوات الزرقاء» التي جعلتها تحظى بنسبة مشاهدة أعلى من أي قناة «كابل» شبيهة، بل وأحيانا ما تتغلب على قناة «NBC» في إجمالي عدد المشاهدين. سمح هذا النجاح لـ«USA» بتغيير صورتها وتقديم ميزانية «حيوانات سياسية » تقدر بنحو 4 ملايين دولار في الحلقة الواحدة، مقارنة بـ2.5 مليون دولار لحلقة نموذجية تعرض على «USA».

وفي صفقة وصفها روث بغير المسبوقة، قدمت «USA» التمويل وبرنامج التصوير اللازم لتأمين ممثلات مثل ويفر وإيلين بورستين وفانيسا ريدغريف. وعادة لا تشارك هؤلاء الممثلات في أعمال تلفزيونية، ناهيك عن مسلسل على قناة تشتهر منذ مدة ليست بعيدة بالمصارعة وإعادة عرض أعمال «القانون والنظام: وحدة الضحايا الخاصة».

تطلب إقناع ويفر بالموافقة على العمل في أول حلقة تلفزيونية لها فيما بين تصوير الأفلام، التي من بينها أجزاء فيلم «أفاتار»، عملية استغرقت وقتا طويلا. يحب جيف واشتل، أحد رؤساء شبكة «USA»، الحديث عن قصته عندما كان طالبا في العام الثالث في الجامعة وعمل مع ويفر في إخراج «توازن دقيق» لإدوارد ألبي في كلية الدراما في يال.

قال واشتل: «لم ترغب (ويفر) مطلقا في العمل في التلفزيون، ولكنك تظل على اتصال بها فربما يأتي العمل المناسب يوما ما». (وتقول ويفر: إن السيناريو الذي كتبه بيرلانتي جذبها).

فازت شبكة «USA» بالمسلسل في يناير (كانون الثاني) وأسرعت بعرض أولى حلقاته في الصيف الحالي، في حين تقل أعداد السيناريوهات المنافسة ويشتعل الحديث عن السباق الرئاسي. يقول واشتل: «بحلول نوفمبر (تشرين الثاني)، بناء على إعلانات الهجوم التي تذاع حاليا على التلفزيون، سنكون جميعا متشبعين. لذا أردنا أن نتماشى مع سخونة الحوار».

قررت شبكة «USA» الترويج لـ«حيوانات سياسية» بوصفه «مسلسلا تلفزيونيا محدود الحلقات». نجحت هذه الطريقة من قبل في قناة «History»، التي جذبت في شهر مايو (أيار) نحو 14 مليون مشاهد ليلا، وهو أكبر عدد مشاهدين تحظى به على الإطلاق، لمتابعة مسلسلها القصير «عائلتا هاتفيلد وماكوي».

يقول كريس ماكمبر، أحد رؤساء شبكة «USA»: «في جميع شبكات التلفزيون الأحداث الكبرى، سواء كانت رياضية أو ثلاث ليال من مسلسل (عائلتا هاتفيلد وماكوي) أو ستة أجزاء من (حيوانات سياسية)، يريد الناس مشاهدة المثير والجديد».

جدير بالذكر أن الشبكة حققت من قبل ذروة المشاهدة مع مسلسل قصير«زوجة مبتدئ» تمثيل ديبرا ميسينغ وإنتاج عام 2007، والذي جذب عددا كبيرا من المشاهدين عند بداية عرضه في حلقات قصيرة في الموسم الصيفي، ولكن فشل العمل بعد أن تحول إلى مسلسل طويل مستمر. كما أن هناك فرصة أيضا لأن يشعر المشاهدون بالملل السياسي. وفي أبريل (نيسان)، سجلت شبكة «CNN» أقل نسب مشاهدة في الشهر منذ 10 سنوات، وفقا لـ«نيلسن».

قال واشتل إنه «إذا نجح العمل، سيكون لديه قدرة بعيدة المدى على التخفيف عن الناخبين المحبطين»، كما فعل «الجناح الغربي» مع الناس حيث قدم لهم الرئيس جوشيا بارتليت أثناء فترة رئاسة جورج دابليو بوش. يستخدم مسلسل «حيوانات سياسية» ديكور المكتب البيضاوي ذاته في تصوير العمل؛ إذ إن «وارنر براذرز» أيضا هي الجهة التي أنتجت «الجناح الغربي» وشحنته في قطع من بيربانك في كاليفورنيا إلى فيلادلفيا.

ويختتم واشتل قائلا: «يشعر معظم الناس بالاستياء من المناخ السياسي، ونحن هنا نقدم وسيلة بديلة نلقي بها نظرة على ثقافتنا وبلادنا». مضيفا: «لا يمكننا أن نبالغ في التصريحات الطنانة. فهذا عمل تلفزيوني».

* خدمة «نيويورك تايمز»