حرب برامجية في رمضان للفوز بمتابعة المشاهد الباكستاني

القنوات التلفزيونية تلجأ للبرامج غير التقليدية المزودة بآراء رجال الدين

تحظى البرامج الاجتماعية بمشاهدة عالية جدا (الشرق الأوسط)
TT

داخل أكبر القاعات مساحة في مدينة كراتشي الباكستانية (72010 أقدام مربعة) جلس عدد من علماء الدين يصبون اللعنات على تلك العادة الاجتماعية البغيضة التي يمارسها الفقراء في المجتمع الباكستاني والتي تتمثل في ترك البنات الصغار أمام أبواب دور الأيتام.

وعلى امتداد مائدة الطعام التي تحتوي على أنواع مختلفة من الأطعمة، جلست مجموعة من الفتيات الصغار اللاتي تربين في دار الأيتام الموجودة في مدينة كراتشي الباكستانية. ودخل رجال الدين والفتيات والأشخاص العاديون في نقاش حول تلك العادة الاجتماعية البغيضة التي تمثل الجانب المظلم من المجتمع الباكستاني. وقد أدار هذا الحوار، الذي كانت مدته 20 دقيقة قبل وقت الإفطار في مدينة كراتشي، المذيع الباكستاني الشهير أمير لياقت حسين.

وتم نقل هذا النقاش على الهواء مباشرة على قناة «جيو نيوز» الباكستانية للأخبار، بوصفه جزءا من البث الذي تقدمه القناة في شهر رمضان المعظم والذي يستمر لمدة 8 ساعات كل يوم قبل موعد الإفطار وخلال وقت السحور.

ودائما ما يشهد شهر رمضان المعظم منافسة حامية الوطيس بين قنوات الأخبار الباكستانية ومقدمي البرامج على جذب أكبر عدد ممكن من المشاهدين، ودائما ما تلجأ القنوات التلفزيونية إلى مثل هذه البرامج غير التقليدية، ودائما ما يكون لرجال الدين رأي في تلك القضايا التي تلقي الضوء على العادات السلبية في المجتمع الباكستاني.

وتقدم القنوات التلفزيونية البرامج الرمضانية بأسلوب مختلف وبأفكار جديدة. وعادة ما تلجأ تلك البرامج إلى مشاركة الناس همومهم وقضاياهم بهدف تخفيف آلامهم عن طريق طرح أسئلة سهلة في المعلومات الدينية ومنح الفائزين هدايا غالية مثل أجهزة الجوال وشاشات «إل سي دي» وميكروويف وغيرها من المنتجات.

وغالبا ما يشاهد الجمهور العادي فقرات إعلانية على شاشات التلفزيون تعكس حياة الطبقات العليا من المجتمع ويرى النجوم والمشاهير وهم على السجاد الأحمر يرتدون ملابس أنيقة وباهظة الثمن ويعيشون حياة رغدة، ولذا كان من المنطقي في هذا الشهر الكريم أن يتم التركيز على تلك البرامج الرمضانية التي أظهرت استطلاعات الرأي في إسلام آباد أنها تجذب ما يزيد على 3.5 مليون مشاهد، وهو ما يعكس شعبية البرامج الدينية في المجتمع الباكستاني من زاوية أخرى.

ويسيطر على هذه البرامج اثنان من أشهر مقدمي البرامج في باكستان اللذان دائما ما يكونان مثار جدل كبير في الشارع الباكستاني؛ الأول هو أمير لياقت حسين الذي انضم لقناة «جيو نيوز» قبل أيام قلائل من بداية شهر رمضان المعظم لكي يقدم برنامجا تتم إذاعته على الهواء مباشرة من مدينة تم بناؤها خصيصا لتقديم برامج في شهر رمضان. يذكر أن أمير لياقت حسين كان يشغل منصب وزير الشؤون الدينية في حكومة مشرف واستقال من منصبه لكي يتواصل مع جمهوره ومحبيه في عمل خيري لا يهدف إلى الحصول على أية أموال.

والمذيعة الأخرى هي مايا خان التي ظهرت على الساحة بقوة عندما تعرض برنامجها لانتقاد حاد من قبل وسائل الإعلام الليبرالية العام الماضي عندما قامت على الهواء مباشرة بمطاردة رجل وامرأة في كراتشي وطلبت منهما إظهار وثيقة الزواج. ونتيجة لهذا الموقف، اضطرت مايا خان لتقديم استقالتها من عملها في تلفزيون «سما»، ولكنها انضمت خلال رمضان الحالي للعمل مع تلفزيون «إيه آر واي».

وعلى الرغم من ذلك، فإن مايا خان أثارت حالة أخرى من الجدل عندما أعلنت على الهواء مباشرة في برنامجها عن تحول شاب من الهندوسية إلى الإسلام. وتواجه مايا خان دعوى قضائية ضدها في باكستان بسبب ذلك.

وتقول مليحة حميد صديق، وهي خبيرة إعلامية ومساعدة رئيس تحرير جريدة «هيرالد» في كراتشي: «لا يمكنك أن تلوم عامة الشعب لحبه وتقديره لأمير لياقت حسين أو مايا خان لأنهم يحصلون خلال هذه البرامج الرمضانية على هدايا نقدية وتكاتك ودرجات نارية وسيارات وتكاليف علاج أولادهم ونفقات زواجهم، لا سيما في ضوء ظروفهم المعيشية الصعبة وفي ضوء التضخم الكبير والفقر المدقع ومعدلات البطالة المرتفعة. حققت هذه البرامج نجاحا باهرا من خلال التعاقد مع هؤلاء النجوم الذين، شئنا أم أبينا، يحظون بحب كبير من جانب الجمهور».

وقد تم تصوير البرنامج الذي يقدمه أمير لياقت في «مدينة رمضان» التي تم إنشاؤها داخل مركز «إكسبو» بمدينة كراتشي، الذي تم بناؤه من قبل هيئة التنمية التجارية الباكستانية بهدف إقامة المعارض لجذب المشترين والبائعين. ولا تتسع استوديوهات قناة «جيو نيوز» لأكثر من 500 شخص يوميا، في حين يحتوي مركز «إكسبو» على ثلاث قاعات كبيرة تصل مساحة الواحدة منها لنحو 6690 مترا مربعا أو ما يعادل 72010 أقدام مربعة.

وتنفق القنوات التلفزيونية الخاصة ملايين الروبيات على التصميم والديكور، وخير مثال على ذلك هو «مدينة رمضان» التي تتراوح قيمة إيجار صالاتها، وفقا للبيانات الصادرة عن هيئة التنمية التجارية الباكستانية، بين 1.60.000 مليون و2.40.000 مليون روبية في اليوم الواحد، علاوة على دفع مبلغ 50.000 روبية تأمينا يتم استرداده بعد ذلك. وتحتوي المدينة على سفينة ضخمة تشبه سفينة نوح.

وقالت مليحة حميد صديق: «لا يمكنني معرفة المادة التي تم تصنيع هذه السفينة منها، فربما تكون مصنوعة من خشب رخيص الثمن أو من مادة الفورميكا اللدائنية ثم تم طلاؤها بعد ذلك، وأعتقد أن تكلفتها وصلت على 50.000 روبية. وهناك بعض الحيوانات الغريبة مثل الطاووس والأيل والسلحفاة».

وقال أحد بائعي الحيوانات الغريبة عبر الإنترنت إن ثمن الطاووس يتراوح بين 20.000 و25.000 روبية، في حين يصل ثمن الغزالة من منطقة ديرة إسماعيل خان إلى 1.25.000 مليون روبية. وفي البرنامج الذي يقدمه أمير لياقت، على سبيل المثال، هناك اثنان من هذه الحيوانات على أقل تقدير. وعلاوة على ذلك، تم إنشاء برك صناعية وينابيع مياه، كما يوجد عدد كبير من الأسماك الحية، في البرامج التي يقدمها أمير لياقت ومايا خان، وحسب تقديري، فإن ذلك قد يتكلف نحو مائة ألف روبية.

وقال أحد الخبراء: «تصل القيمة الإجمالية لديكور البرنامج الذي يقدمه أمير لياقت لنحو 7.3 مليون روبية، من دون إضافة تكلفة البرك الصناعية والحيوانات الغريبة وغيرها من الأشياء التي قد أكون نسيتها بكل تأكيد».

وكل هذه الأشياء الغريبة تصحبها بالطبع حملة إعلانية باهظة الثمن تركز بشكل كبير على شهر رمضان المعظم. ويتم عرض إعلانات معتادة وطويلة عن سلسلة مطاعم تهدف للترويج لمنتجاتها باهظة الثمن. ويقول الخبير الإعلامي صهيل عبد الناصر: «السمة المميزة لهذه الإعلانات هي أنها تمزج بين الناحية التجارية والقيم الدينية». ومن بين أكثر هذه الإعلانات طولا إعلان لأمير لياقت حسين وهو يقوم بتوزيع الطعام على الفقراء قبل الإفطار مباشرة، وهناك إعلان آخر لفتيان وفتيات وهم يمجدون فضائل تناول الطعام مع الفقراء.