تغييرات الصحف المصرية القومية تعكس العهد الجديد

المؤسسات الصحافية تخضع لقانون الشركات وتحاسب كشركة تجارية.. ويعمل بها 85 % من الصحافيين المصريين

TT

ألقت التغييرات التي شهدتها المؤسسات الصحافية القومية في مصر الأسابيع الماضية من تغيير في مجالس إداراتها، وما سبقه من اختيار رؤساء جدد لتحريرها، ثم إعادة تشكيل المجلس الأعلى للصحافة بالبلاد بمعرفة مجلس الشورى (الغرفة الثانية من البرلمان)، بظلالها على الوسط الإعلامي المصري، فالأسماء والكوادر الجديدة التي ظهرت على خريطة هذه المؤسسات أثارت تساؤلات مهمة حول مدى كونها استكمالا لمسار «أخونة» الدولة، ، إلى جانب أسئلة أخرى تتعلق بحرية الصحافة واستقلال التحرير ومستقبل الصحافة القومية التي تملكها الدولة والذي تحكمه حاليا قوانين كثيرة ومتعارضة.

وازداد المشهد تعقيدا بعد قيام مجلس الشورى قبل يومين بإعلان أسماء رؤساء مجالس إدارات الصحف القومية، في حركة شملت تغيير 75 في المائة من رؤساء مجالس الإدارات القدامى. وضمت التشكيلة الجديدة نقيب الصحافيين المصريين ممدوح الولي لـ«الأهرام» ومصطفى أحمد لـ«الجمهورية»، وأحمد سامح لـ«الأخبار»، ويحيى زكريا غانم لـ«دار الهلال»، وكمال الدين محمود لـ«دار المعارف»، وسيد عبد الفتاح هلال للشركة القومية للتوزيع، وشاكر عبد الفتاح لوكالة أنباء الشرق الأوسط، ومحمد جمال الدين لـ«روزاليوسف».

تزامن ذلك مع تصديق مجلس الشورى على التشكيل الجديد للمجلس الأعلى للصحافة، الذي ضم رئيس مجلس الشورى، و8 رؤساء مجالس إدارات، و8 رؤساء تحرير للصحف القومية، إضافة إلى 4 رؤساء تحرير صحف حزبية، وهي صحف الوفد والأحرار والنور والحرية والعدالة. ويضم التشكيل نقيب الصحافيين و4 من أعضاء مجلس نقابة الصحافيين السابقين، ورئيس النقابة العامة للعاملين في الصحافة والطباعة والنشر وعددا من أساتذة الصحافة والإعلام والقانون.

سبق هذه الخطوات اختيار أحد قيادات جماعة الإخوان وزيرا للإعلام في حكومة رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل وهو صلاح عبد المقصود الذي كان وكيلا لنقابة الصحافيين وتلا ختيار وزير الإعلام إعلان رئيس مجلس الشورى رؤساء تحرير 55 صحيفة قومية تابعة للدولة، منهم 80 في المائة أسماء جديدة ما بين صحافيين ينتمون للإخوان وحزب الحرية والعدالة، وصحافيين موالين للجماعة وليسوا على خصومة سياسية أو فكرية معها، وهو ما قابله الوسط الصحافي بانتقادات واسعة تتحدث عن وصاية التيار الإسلامي على الصحف القومية.

ووضع مجلس الشورى شروطا لمن يريد شغل منصب رئيس التحرير، منها أن تكون لديه خبرة بالعمل الصحافي مدة لا تقل عن 15 عاما، وتقديم أرشيف بأعماله ورؤية للتطوير. وقامت لجنة من شيوخ المهنة وأعضاء بمجلس الشورى ونقابة الصحافيين بتقييم ملفات كل مرشح واختيار أفضل ثلاثة ترشيحات في كل إصدار لاختيار واحد منهم من خلال اللجنة العامة بمجلس الشورى.

الملاحظ في التغييرات الصحافية والإعلامية الأخيرة أن نسبة المنتمين منهم لجماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة (الإخواني) محدودة للغاية، خاصة أن الجماعة لم يكن لديها عدد كبير من الكوادر الإعلامية والصحافية بسبب التضييق الذي كان يمارس عليها في عهد نظام مبارك. وعليه فإن التغييرات شملت عددا كبيرا من «المريدين» أو المؤيدين للتيار الإسلامي والمتعاطفين معه.

«الشرق الأوسط» طرحت الإشكاليات والتساؤلات التي تواجه الصحافة القومية أمام خبراء الإعلام، فقال الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز: «إن استغلال الحزب الغالب وممثليه السياسيين في المواقع السيادية وجودهم الطارئ في تلك المواقع وتعيين قيادات المؤسسات الإعلامية المملوكة للدولة، هيمنة غير مشروعة وغير مقبولة». مؤكدا أن وسائل الإعلام المملوكة للدولة يجب أن تقوم على تنظيم شؤونها وإدارتها هيئة مستقلة ذات تشكيل عريض ومتوازن تعكس المصالح السياسية والاجتماعية للطيف السياسي والاجتماعي المصري.

وحول مستقبل الصحافة القومية في مصر بعد هذه التغييرات في قياداتها، يقول عبد العزيز: «بالطبع التغييرات الأخيرة تنطوي على إشارة واضحة من أن السلطة السياسية الجديدة في مصر لا ترغب حتى هذه اللحظة في تحرير وسائل الإعلام المملوكة للدولة، فضلا على أنها تستخدم ذات الأدوات التي استخدمها نظام الرئيس السابق حسني مبارك في تعيين قيادات تلك الوسائل وتمويل عجزها المالي وبالتالي تطويع أدائها ورسالتها التحريرية لمصلحتها».

ويطالب الخبير الإعلامي بأهمية تغيير القوانين المتعددة التي تحكم المؤسسات، قائلا: «هناك مطالب متبلورة من الجماعة الصحافية لتحرير الإعلام وهناك مشروعات مكتملة تم تقديمها وأي تأخير في مناقشتها أو تبني أحدها يعني الرغبة في تكريس الأوضاع الخاطئة السابقة. ويختتم حديثه بالقول: «استعادة الصحف القومية مصداقيتها واحترام الجمهور لها مرهون بتحرير تلك الوسائل. وكلما أفرطت السلطة السياسية في الهيمنة عليها تراجعت مصداقيتها، وهذا هو درس التاريخ».

وبحسب نقيب الصحافيين المصريين ممدوح الولي، فإن معايير اختيار رؤساء التحرير وضعها أعضاء مجالس إدارات المؤسسات القومية المنتخبون وليست النقابة أو مجلس الشورى، موضحا لـ«الشرق الأوسط» أنه وفقا للقوانين التي تحكم الصحافة حاليا فإن مجلس الشورى هو المنوط به اختيار رؤساء التحرير، بدليل أنه عند الطعن على تشكيل لجنة اختيار رؤساء التحرير تم رفض الطعن من القضاء.

وقال الولي: «التغيير كان يفرض نفسه، فسرنا في اتجاهين؛ الأول أن يقوم مجلس الشورى بتعيين رؤساء تحرير جدد، والاتجاه الثاني في الدستور بحيث ينص فيه على تشكيل مجلس قومي للصحافة يتولى إدارة شؤون الصحافة القومية بدلا من مجلس الشورى وتعود إليه الملكية واختيار رؤساء التحرير ومجالس الإدارات، بجانب تكليف عدد من المستشارين القانونيين لوضع نصوص جديدة لقانون الصحافة لرفع القيود عن حرية الصحافة».

ومن جانبه، اعتبر الدكتور حسن عماد مكاوي، عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة، أن الممارسات التي شهدتها الساحة الصحافية في الفترة الأخيرة أعادت إلى الأذهان ما كان يحدث في عهد مبارك من سيطرة الدولة على منابر الإعلام الرسمي، .

وأضاف الدكتور مكاوي أن النظام الإعلامي في مصر مضطرب في الفترة الأخيرة ويعاني من حالة تشوش، مشيرا إلى أن الوضع يتطلب هدم المؤسسات القائمة وإعادة هيكلتها من جديد وذلك بإلغاء وزارة الإعلام والمجلس الأعلى للصحافة وتعديل القوانين المقيدة للحريات وتشكيل لجنة من شيوخ المهنة تتولى إعادة هيكلة وضع الصحافة والإعلام بما يتواكب مع التغيير الجديد في المجتمع.

ويقول الكاتب الصحافي صلاح عيسى لـ«الشرق الأوسط» إن الصحافيين تقدموا بمقترح إلى الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور يضمن استقلال الصحف القومية بعيدا عن أي تيار أو جماعة، إلا أنهم لاقوا حالة من التضييق لدى أعضاء الجمعية بسبب هذا المقترح حيث طالبوا بأن تستمر ملكية الصحف القومية كما هي تابعة لمجلس الشورى بما يعني عدم وجود نية للتغيير.

.وتعاني الصحف القومية بحسب خبراء الإعلام من مشكلات عدة رغم أنها تضم نحو 85 في المائة من الصحافيين المصريين، فيحذرون من أن الصحافة القومية حاليا تحكمها قوانين كثيرة ومتعارضة؛ فالمؤسسات القومية تخضع لقانون الشركات وتحاسب كشركة تكسب وتخسر، وفي الوقت نفسه تعامل على أنها مملوكة ملكية عامة، بالإضافة لخضوعها لقانون النقابة إلى جانب وضعها الدستوري، الذي يصنفها بأنها سلطة رابعة، وتلك القوانين المتعددة تكيف الصحافة القومية على معايير مختلفة.

وبين حين وآخر يثار مبدأ الفصل أو الجمع بين الإدارة والتحرير في كل المؤسسات الصحافية القومية، فهناك من يراها خطوة مهمة وضرورية في التطور الإداري تعطي مزيدا من التخصص الذي يشهده العصر الحديث لأنه لسنوات طويلة مضت كانت الإدارة تطغى أحيانا وفي الأغلب على العمل الصحافي، حتى وصلت المؤسسات الصحافية لما وصلت إليه أحوالها المالية والإدارية.