رسائل تهديد وصور مزيفة على مواقع الإعلام الاجتماعي تسبب ذعرا في الهند

صور لضحايا الزلازل والتسونامي قدمت على أنها لأعمال عنف طائفية في ولاية أسام

TT

بشكل مفاجئ قام نحو 50.000 شخص في الآونة الأخيرة بالنزوح من المناطق الشمالية الشرقية للهند إلى ولاياتهم الأصلية، وقد أدى هذا الاندفاع المحموم إلى إعلان هيئة السكك الحديدية الهندية عن تنظيم رحلات بقطارات خاصة كل 4 ساعات. ويعود هذا النزوح المذعور إلى رسائل التهديد والكراهية والصور المثيرة للفوضى التي انتشرت على بعض وسائل الإعلام الاجتماعية (مواقع التواصل الاجتماعي) في الآونة الأخيرة. وفي حقيقة الأمر، كانت غالبية هذه الصور لضحايا الزلازل وموجات تسونامي، وتم تصويرها على أنها صور لمسلمين وقعوا ضحايا للعنف الطائفي في ولاية أسام التي تقع في شمال شرقي البلاد. وتم إرسال كثير من الرسائل النصية إلى الناس في شمال شرقي البلاد، بعدما تم تنقية قاعدة البيانات التابعة لشركات الجوال لكي يتم التركيز على المواطنين المقيمين في ولاية أسام، كما تم استخدام الخوادم وشبكات الخدمات الخاصة لتحميل الصور على وسائل الإعلام الاجتماعية، التي تخفي هوية المستخدمين المنتمين لعدد من البلدان المختلفة. ونتيجة لذلك، شنت الهند حملة صارمة على وسائل الإعلام الاجتماعية ومواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت.

وخلال التحقيقات، توصل مسؤولون بارزون إلى أن هذه الصور قد ظهرت في وسائل الإعلام الاجتماعية لأول مرة في أوائل شهر أغسطس (آب) الماضي. وأعدت الجهات الأمنية تقريرا مكونا من 40 صفحة، بمساعدة المنظمة الوطنية للبحوث التقنية وفريق التعامل مع طوارئ الحواسب في الهند، ونجح هذا التقرير في تتبع المحتوى الذي تم تحميله من كل من باكستان والولايات المتحدة وبعض الدول الخليجية.

وقامت الحكومة الهندية بإحالة الأمر للسلطات الباكستانية حتى يتم القبض على الجناة، وسوف ترسل الأدلة إلى باكستان. وفي تلك الأثناء، أعلنت باكستان عن أنها سوف تغلق كل المواقع الإلكترونية التي تنشر ما قد يؤدي إلى إحداث اضطرابات في الهند، وسوف تتخذ إجراءات صارمة ضدها إذا ما ثبت تورطها في ذلك.

ومن جانبه، صرح وزير الداخلية الباكستاني، رحمن مالك، بأن باكستان لا تتدخل في «القضايا الداخلية» للبلدان الأخرى، مؤكدا أنه سيتم اتخاذ إجراءات صارمة ضد هذه المواقع إذا ما ثبت تورطها.

وفتحت وزارة الداخلية الهندية خطوط اتصال مع شركات «غوغل» و«تويتر» و«فيس بوك» وطلبت مساعدتها في التحقيقات الدائرة في هذا الصدد. وأرسلت الوزارة خطابات إلى المكاتب الرئيسية لكل من شركتي «غوغل» و«فيس بوك» في الولايات المتحدة تطلب فيها المساعدة في تعقب عناوين المواقع التي قامت بنشر تلك الصور حتى تتمكن من كشف خيوط تلك المؤامرة.

وقد ركزت التحقيقات الأولية التي أجراها المحققون المختصون في القضايا الإلكترونية في الهند على مجموعتين إلكترونيتين تتخذان من باكستان مقرا لهما، وهما جيش التحرير المسلم وقراصنة باكستان، بسبب قيامهما بنشر رسائل غير صحيحة على وسائل الإعلام الاجتماعية تحض على الكراهية والعنف في ولاية أسام. وبالإضافة إلى هاتين المجموعتين، تم فتح تحقيقات مفصلة للرقابة على 3 مواقع أخرى، بما في ذلك الجماعة الإسلامية وموقع «Yemtv.com»، كما تعمل الجهات الأمنية على معرفة الخيوط الأساسية لتلك المؤامرة التي تهدف إلى إحداث اضطرابات واسعة في الهند عن طريق نشر مقاطع فيديو ونصوص ورسائل نصية استفزازية بشأن الصراع بين المسلمين والبوذيين في ولاية أسام.

وقد أكد «فيس بوك» و«يوتيوب» للحكومة الهندية أن أصل كثير من المحتويات المنشورة على شبكة الإنترنت حول هذه القضية قد جاء من خارج الهند، وكان معظمها من باكستان المجاورة، مشيرين إلى أن الصور المنشورة ليس لها أي علاقة بالأحداث التي شهدتها ولاية أسام.

وتسعى الحكومة الهندية للحصول على تفاصيل دقيقة من مقدمي الخدمات الإلكترونية حول الأشخاص الذين قاموا بتحميل ونشر هذا المحتوى، ولكن مشغلو المواقع الإلكترونية أكدوا أن هذه المعلومات يجب أن ترسل من خلال الحكومة الأميركية، وبناء على ذلك أرسلت الهند طلبا إلى الولايات المتحدة وبعض الدول الخليجية للحصول على المساعدة حتى تتمكن من تتبع عناوين المواقع التي قامت بتحميل المحتوى الذي يهدف إلى إحداث اضطرابات طائفية في البلاد.

وقال مسؤول في وزارة الداخلية: «هناك تركيز على 3 منظمات في باكستان - الجماعة الإسلامية وحركة الإنصاف الباكستانية وإحدى القنوات التلفزيونية الخاصة - التي من المحتمل أن تكون هي من قامت بتحميل هذا المحتوى. إننا بحاجة لمعرفة من قام بنشر هذا المحتوى، ويتعين على الولايات المتحدة أن تقدم لنا الدعم بشكل كبير».

وفي الوقت الذي قد تضطر فيه الحكومة للانتظار حتى تحصل على المساعدة اللازمة من الولايات المتحدة والدول الخليجية، فإنها قررت شن حملة شرسة على المواقع الإلكترونية التي رفضت إزالة هذا المحتوى الذي قد يؤجج الفتنة الطائفية. وقال مسؤول في وزارة الاتصالات الهندية: «تلقينا أوامر صارمة من وزارة الداخلية بحجب مثل هذه المواقع. لقد حصرنا نحو 350 موقعا سيتم حجبها بسبب نشر رسائل تحض على الكراهية».

وتأتي هذه الخطوة بعد يوم واحد من إعلان الحكومة عن حجب 254 موقعا بسبب قيامها بنشر هذه المحتوى. وتعكس هذه القضية مدى النفوذ الذي تتمتع به وسائل الإعلام الاجتماعية في الهند، والتي تجذب أكثر من 60 مليون مستخدم، وإلى أي مدى يمكن التلاعب بهذا المجتمع المزدهر.

وعلاوة على ذلك، أدت هذه القضية إلى إثارة الجدل بشأن القضايا المتعلقة بحرية الإنترنت وتنظيم المحتوى. وكانت الهند قد شهدت خلال العامين الماضيين ازدهارا هائلا لوسائل الإعلام الاجتماعية التي جذبت أعدادا هائلة من الشباب، حيث يشير أحد التقارير الصادرة عن هيئة «آي كروسينغ» إلى أن نحو 36 مليون هندي يستخدمون موقع «فيس بوك»، وأن ما يقرب من 50 في المائة منهم تحت سن الـ50. وتشير التقديرات المنشورة على المواقع الإلكترونية الهندية لعام 2012 إلى أن موقعي «تويتر» و«لينكد إن» قد نجحا في جذب 15 مليون مستخدم لكل منهما.

وفي الحقيقة، تعد وسائل الإعلام الاجتماعية بمثابة سلاح ذي حدين في الهند، فمن جهة أدت هذه المواقع إلى وجود مجتمع نابض بالحياة على الإنترنت ووسعت من الحوار المجتمعي وسمحت بوجود منبر للتواصل بين النشطاء والعامة حول آلاف القضايا، ومن جهة أخرى أصبحت بمثابة أداة للدعاية المغرضة، كما حدث مؤخرا في قضية نزوح الآلاف من مدن بنغالور وحيدر آباد في شمال شرقي البلاد.

وخلال العام الماضي، قوبلت تصريحات وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الهندي كابيل سيبال بشأن فرض رقابة على المحتوى المنشور على شبكة الإنترنت بموجة من السخرية والتشكيك من الجميع. ومع ذلك، ثبت للجميع بعد ذلك أن سيبال كان محقا، حيث طالب الجميع في أعقاب الشائعات المنتشرة بصورة كبيرة على الإنترنت بشأن العنف في ولاية أسام بفرض رقابة على المواقع الإلكترونية. وقد استغل صناع القرار هذه القضية بصورة إيجابية وأعلنوا عن حتمية فرض رقابة على الإنترنت، ولكن من دون المساس بحرية التعبير.

وثمة سؤال يطرح نفسه بقوة في أوساط المثقفين والنخبة والدوائر السياسية في الهند: هل يجب فرض رقابة على المحتوى المنشور على الإنترنت في بلد هش من الناحية الاجتماعية مثل الهند أم لا؟ وهل سيؤثر ذلك على حرية الإبداع؟ ويرى المؤيدون لفرض نوع من «الرقابة» على الإنترنت أن قضية ولاية أسام توضح بما لا يدع مجالا للشك الحاجة إلى فرض رقابة على الإنترنت حتى لا تؤدي لنشر الفوضى والاضطرابات، وعلى الجانب الآخر يرى المعارضون لهذه الخطوة أنه لا يجب إلقاء اللوم على وسائل الإعلام الاجتماعية وحدها، وأنه يتعين على الحكومة أن تعيد النظر في دورها في عملية تطبيق القانون وفرض النظام.