فأس رئيس الوزراء الإيطالي تهز أكبر مؤسسة إعلامية.. والمواهب الصاعدة تحتل شاشة التلفزيون

«الراي» بدأت في تقليص عدد العاملين وخفض الميزانية وإغلاق بعض مكاتب المراسلين

بينيديتا رينالدي أحد الوجوه الصاعدة مقدمة برنامج «الصباح» على تلفزيون «الراي» («الشرق الأوسط»)
TT

«الراي» في إيطاليا لا تعني الموسيقى الجزائرية الراقصة التي اكتسحت العالم (وأصل الكلمة: الرأي بالعربية)، بل هي أقدم مؤسسة إعلامية في البلاد للقنوات التلفزيونية الحكومية والإذاعات الرسمية المتعددة، بدأت لأول مرة عام 1923 حين ألقى موسوليني أول خطاب له بالراديو من مسرح دار الأوبرا في روما.

وتم في الشهر الماضي تعيين رئيسة جديدة هي آنا ماريا تارانتولا لهذه المؤسسة الضخمة التي تشبه الـ«بي بي سي» في بريطانيا بعد أن نقلها رئيس الوزراء الحالي من إدارة البنك المركزي إلى عالم البث والإعلام، كما عين بموافقة مجلس إدارة المؤسسة مدير جديد هو لويجي غوبيتوزي المولود في نابولي عام 1961، والذي درس الحقوق ثم الاقتصاد وعمل في شركة «ويند» للاتصالات وشركة «فيات» للسيارات مديرا ماليا وبعدها انتقل إلى بنك أميركا (فرع إيطاليا)، كما درس الاقتصاد والمالية في جامعة لويس المرموقة بروما. وهو أول مدير عام لـ«الراي» بعقد ذي مدة محددة تنتهي عام 2015 وراتب سنوي يبلغ 600 ألف يورو (750 ألف دولار).

وتعتبر «الراي» مملكة قائمة بذاتها، فعدد موظفيها يفوق الـ13 ألفا، ونشرات الأخبار فيها تعكس وجهات نظر الأحزاب الحاكمة والمعارضة، فالقناة الأولى للحكومة، والثالثة للمعارضة، ويبلغ عدد المشاهدين لأخبار القناة الأولى 6 ملايين كل ليلة.

«الراي» غنية في تاريخها الحافل ببرامج المنوعات الناجحة مثل «كانسونيسما» وبرامج يوم الأحد الترفيهية ونجوم التلفزيون المخضرمين أمثل رافايلا كارا وبيبو باودو وفابريتزيو فريزي، والبرامج السياسية المحبوبة من نوع «من باب إلى باب» الذي ما زال يقدمه حتى اليوم برونو فيسبا منذ 16 عاما، وحتى الإعلانات الشهيرة التي كان ينتجها المخرج الإيطالي الكبير فيديريكو فيليني بقيت عالقة في الأذهان حول المعجنات الإيطالية.

مصاريف «الراي» تغطيها الاشتراكات والإعلانات والدعم الحكومي، لكن المؤسسة ظلت تعاني دوما من العجز المالي، فإيطاليا في أزمة مالية هذه الأيام، ورئيس الجمهورية جورجيو نابوليتانو يريد عدم تسييس هذه المؤسسة الإعلامية بعكس القنوات المرئية الخاصة التي يملكها رئيس الوزراء السابق سلفيو برلسكوني التي تعبر عن وجهة نظر اليمين السياسي.

رئيس الوزراء الحالي البروفسور ماريو مونتي وعد منذ 6 أشهر بتخليص «الراي» من براثن الأحزاب بعد انخفاض ريع الإعلانات وتقلص عدد المشاهدين منذ التحول من البث المماثل (أنالوغ) إلى البث الرقمي (ديجيتال) في العام الماضي وزيادة عدد البرامج الهزيلة والإسفاف في تقديم الفتيات الراقصات في أغلب البرامج الترفيهية مثلما تفعل قنوات برلسكوني الخاصة.

وقرر مونتي مؤخرا الضرب بفأس التوفير، وطالب المؤسسة المتعددة الرؤوس بالتقشف أسوة بباقي هياكل الدولة، فبدأت «الراي» في تقليص عدد العاملين وخفض الميزانية وإغلاق بعض مكاتب المراسلين في نيويورك وبيروت وإسطنبول ونيو دلهي وموسكو وتحجيم ساعات الإرسال للقناة العالمية وإيقاف القناة الناطقة بالعربية وتقليص ميزانية إنتاج المسلسلات بما يعادل 40 مليون دولار لتصبح 185 مليون دولار لعام 2012، أي أقل بـ44 في المائة مقارنة بعام 2008. وبلغ مبلغ التخفيض الإجمالي في الميزانية هذا العام 330 مليون دولار، مما يهدد بالتضحية في نوعية البرامج الجديدة.

وتدعو استراتيجية «الراي» الحالية إلى مواجهة الأزمة بإبراز الوجوه الجديدة الشابة الصاعدة التي أثبتت فلاحها مؤخرا، وكذلك زيادة البرامج الفكاهية لتخفيف آثار الأزمة الاقتصادية مع تقليم البرامج القديمة (والسخيفة) التي ينتفع منها عدد من المتنفذين السابقين ومعارفهم أو صديقاتهم.

وتحدثت «الشرق الأوسط» إلى أحد الوجوه الصاعدة بينيديتا رينالدي التي تشبه صوفيا لورين في شبابها ونضارتها. وقد تم اختيارها لتقديم برنامج «الصباح» ذي الشعبية الواسعة الذي يشبه نوعا ما البرنامج الأميركي الشهير «صباح الخير أميركا».

وقد بدأ تقديم هذا البرنامج منذ عام 1986، ومن نجومه المعروفين مقدمة البرامج المحبوبة في إيطاليا أنطونيلا كليريشي في التسعينات، وتعمل رينالدي كل يوم مع زميلها جيراردو غريكو على تقديم البرنامج بطريقة جدية لطيفة تبتعد عن «الإغراء» وفكرة «النجمة الأولى»، لأن رينالدي، كما تقول عن نفسها تحب أن تكون «طبيعية غير متكلفة».

وتضيف «لا أحب أن أكون شخصية أخرى تختلف عن حقيقتي حين أظهر على شاشة التلفزيون». ولدت في روما عام 1981 وعملت لسنوات عدة في إذاعة الفاتيكان ودرست العلوم السياسية ثم بدأت تتعاون مع «الراي» منذ عام 2005 ورافقت رئيس الجمهورية الإيطالية نابوليتانو العام الماضي خلال احتفالات إيطاليا بذكرى إنشائها كدولة موحدة قبل 150 عاما، وتذكر رينالدي سفرها إلى عدد من بلدان الشرق الأوسط قبل عامين، وخاصة رحلتها إلى لبنان وزيارة قوات الأمم المتحدة العاملة في الجنوب، وكذلك زيارتها لإسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة.

وتقول بينيديتا رينالدي، إن المدير العام الجديد للمؤسسة زار برنامجها للتعرف على طريقة عملها، كما أنها شعرت بسطوة الرجال في الماضي على مؤسسة «الراي» ومحاولة بعض المسؤولين إعطاء المرأة «دورا خفيفا للترفيه»، لكنها مع زملائها في برنامج الصباح اليومي أعطوا البرنامج الآن «طابعا أكثر رزانة، إذ بدأت في إجراء المقابلات مع بعض الوزراء مثل جوليو تيرزي، وزير الخارجية الحالي (السفير الإيطالي السابق لدى الولايات المتحدة وخليفة كاميلو كافور، أحد مؤسسي الوحدة الإيطالية عام 1861)، بينما كان بعضهم يظن أنني ما زلت شابة وليس لدي نفوذ أو شأن يمكن الوثوق به».

وكان إعجاب الجمهور وزيادة عدد المشاهدين لحلقتها دليلا على نجاحها لأنها كانت تستخدم ذكاءها واستعدادها الثقافي والفكري بدلا من نظراتها الجميلة وأناقتها في اللبس والمظهر.

ولا تحب رينالدي أن يكون دور المرأة في التلفزيون الحكومي «مجرد زخرفة وديكور لأنني أؤمن بقضية المرأة والمساواة والمهم أن نبرهن أننا لسنا أغبياء وجسدنا لا يستدعي التحقير أو الإهانة».

وأردفت بينيديتا قائلة «سر النجاح لمقدمة البرامج الإعلامية هو أن تتحلى بالصدق والموثوقية وعليها أن تحضر مواضيع النقاش بعناية وتدرس الحجج والبراهين التي قد تستخدم في أي مناظرة».

ومضت تقول بطريقتها الجذابة الودودة «المشاهد يدرك بوعيه الفطري هذه الصفات، وحين عملت في قناة (الراي) الدولية وقدمت برنامج (إيطاليا تخاطب إيطاليا) شعرت بأن المغتربين الإيطاليين في الخارج يحبون مزية البساطة ويفضلون أن نقلل من إطراء ضيوف البرنامج والمبالغة في المديح كما يفعل البعض في إيطاليا».

وحين سألتها عن التوازن في حياتها بين العمل والأمور الشخصية أجابت بثقة «لا أحس بالضغط والقلق رغم أنني أستيقظ يوميا نحو الخامسة صباحا لأقدم برنامج (الصباح) في وقته المبكر (في السابعة بتوقيت روما)، لذا أقضي المساء في التحضير لبرنامج الغد، فعملي ممتع، وأشعر بالرضا على الدوام، وهذا الشعور مهم لمن يريد أن يعمل في الصحافة والإعلام، خاصة من جيل الشباب».

وبانتظار حلقة الغد من برنامج «الصباح خلال الصيف» على القناة الأولى الرسمية للتلفزيون الإيطالي لا تلاحظ بينيديتا التي تتميز بالتلقائية والنضارة وسرعة البديهة، أن برنامجها والبرنامج الذي يتبعه حول الطبخ الإيطالي يحتلان المقام الأول في كثير من البلدان البعيدة التي لا تنطق بالإيطالية مثل باكستان، حيث ينتظر المعجبون عناوين الصحف الإيطالية وإطلالة بينيديتا الباهية، ووصفة المعجنات (الباستا) بجبن الريكوتا من حليب الغنم وورق الغار والجوز، وكلها من المكونات المحبوبة في شبه القارة الهندية.