مجلة فرنسية تنتهك خصوصية دوقة كمبريدج

تعيد للأمير ويليام مرارة صراع ربع قرن مع الصحافة

الأمير ويليام وكاثرين دوقة كمبريدج حافيا القدمين خلال جولتهما في جنوب شرقي آسيا وجنوب المحيط الهادئ باسم الملكة إليزابيث الثانية للاحتفال باليوبيل الماسي لها (رويترز)
TT

في خطوة غير مسبوقة لجأ الأمير ويليام، الوريث رقم اثنين للعرش البريطاني، للقضاء، لمنع مجلة فرنسية من نشر المزيد من صور زوجته كاثرين، دوقة كمبريدج (تعرفها الصحافة الشعبية باسم التدليل كيت)، كما سجل محاموه شكوى لنيابة باريس ضد المجلة بتهمة انتهاك قانون الخصوصية الفرنسي، لنشرها صور زوجته بلا ملابس الجزء العلوي. كيت في حمام الشمس كانت مثل «الغالبية الساحقة من الفرنسيات»، عبارة استخدمتها رئيسة تحرير المجلة كورقة توت قائلة إن «مشهد النساء بصدر عار أمر مألوف على بلاجات فرنسا وحدائقها العامة».

محامو الأمير ويليام وظفوا العبارة نفسها لتعرية مقولة رئيسة التحرير لأن موكلتهم كاثرين لم تكن في مكان عام كالبلاج، بل في حديقة قصر أوتيه المملوك للفيسكونت لاينلي ابن عم الملكة إليزابيث، ولم يكن في الحديقة أحد سوى زوجها. أي كانت في مكان خاص عندما استخدم مصور (بقي اسمه سرا حتى ساعة كتابة السطور) عدسة تلسكوبية من بعد كيلومتر لالتقاط الصور بلا إذن صاحبتها. وهي جريمة في القانون الفرنسي الذي يشمل أيضا الرسم بالألوان أو حتى بتسجيل صوتي أو استراق السمع دون إذن صاحب الأمر.

ولا توجد مثل هذه القوانين في بريطانيا مما يعطي قضية الخلاف القانوني حول نشر المجلة الفرنسية للصور بعدين: أحدهما قانوني، والآخر مهني صحافي في بريطانيا؛ حيث ينشغل الصحافيون والمدافعون عن حرية التعبير بما قد تنتهي إليه تحقيقات لجنة اللورد ليفيسون في أخلاقيات وممارسات شارع الصحافة.

فكثير من الساسة والمشاهير يحثون اللورد ليفيسون على التوصية بإصدار تشريعات خصوصية على النمط الفرنسي مما يعتبره الصحافيون رقابة.

مكتب الأمير ويليام رفض حجة رئيسة التحرير بحق عموم الناس في رؤية صور كيت كشخصية عامة ليس فقط في بريطانيا وإنما في بقية أنحاء العالم، لدرجة أن كثيرا من نساء العالم شرقا وغربا، يقلدن أزياءها بدليل أن أي فستان أو حذاء أو قبعة تظهر بها، تنفذ مثيلاتها من محلات الأزياء النسائية في غضون 48 ساعة.

محامو ويليام قالوا إن دافع رئيسة التحرير الجشع؛ فغرامة انتهاك قانون الخصوصية في القضايا السابقة كانت 45 ألف يورو، وهو مبلغ تافه مقابل أرباح المجلة المتوقعة من زيادة التوزيع وبيع حقوق النشر لمطبوعات أخرى.

جدل رئيسة التحرير رفضه جميع الصحافيين البريطانيين بلا استثناء في خطوة غير مسبوقة. فالمعتاد أن الصحافيين، خاصة في بريطانيا البلد الأول في تقديس حرية الصحافة وغياب قوانين تنظيمها، دائما ما يدعمون زملاء المهنة عند مخالفتهم قوانين منع النشر دعما لحرية التعبير.

والجدل بشأن الأمن القومي، بأن عدسة المصور قد تستبدل ببندقية قناص في يد إرهابي أو عدو للمملكة المتحدة رفضه الصحافيون قائلين إن «الاحتمال نوقش مع خريطة توضيحية تنتقد التقصير في حراسة ابن ولي العهد، بلا حاجة لصور زوجة الأمير».

وكانت جميع صحف ومجلات بريطانيا رفضت شراء الصور عندما عرضها وكيل أعمال المصور قبل عرضها على المجلة الفرنسية، على الرغم من أن أي أخبار تتعلق بدوقة كمبريدج تضمن رواج التوزيع، بل إن الوكالات المتابعة لأرقام التوزيع تقارن «عامل كيت» في توزيع الصحافة الشعبة بالتأثير المشابه لحماتها الراحلة ديانا أميرة ويلز، عندما كانت صورها وأخبارها تضمن مضاعفة أرقام التوزيع (ولا تزال أخبار ونظريات المؤامرة عن غموض حادث مصرعها عام 1997، تظهر على صحف التابلويد من حين لآخر والهدف طبعا زيادة التوزيع).

لكن ذكرى مطاردة المصورين لديانا، ومصرعها في باريس – خاصة بمطاردة مصورين فرنسيين - لعبت دورا أساسيا في الأزمة القانونية بين مكتب الأمير ويليام والمجلات التي نشرت صور زوجته. فويليام يذكر كصبي ما حدث لوالدته مع الصحافة وحادثة موتها، بينما اعتبره كثيرون مسؤولية صحافيين فرنسيين، وقد أبدى عزمه علنا وفي جلسات خاصة بألا يسمح بتعرض زوجته لما تعرضت له أمه مع المصورين.

رفض الصحف البريطانية نشر الصور، قرار براغماتي مهني وليس أخلاقيا.. فشعبية كيت وويليام تعود لعوامل إيجابية ليس بينها سلبيات كحال شعبية صور الممثلات وأخبارهن مثلا.. أولها حب الشعب الشديد للملكة، وبدورها تشير تصرفاتها إلى أن ويليام هو أقرب الأحفاد لقلبها، ومصادر القصر تؤكد حب الملكة الشديد لكيت.

الملكة والأمير فيليب المتمسكان بالتقاليد المحافظة، عبرا عن رضائهما عن مظهر وأزياء كيت وتصرفاتها العامة المتسمة بالرزانة واحترام التقاليد واللباقة وحسن التصرف (مقارنة بطيش ديانا وتصرفاتها غير المسؤولة مع الصحافة). وتتصرف كيت بتلقائية طبيعية في تعاطفها مع الناس العاديين، وتفهمها لأبناء الفقراء أثناء زيارات المعاقين وملاجئ اليتامى بأسلوب لم يره البريطانيون منذ الحرب العالمية الثانية عندما كانت الملكة إليزابيث الأم (أم الملكة إليزابيث الثانية) تنزل إلى الأماكن التي دمرتها قنابل الطيران الألماني وتشارك ربات البيوت الوجبات ومساعدتهن بين الأنقاض، وكانت الأميرتان إليزابيث (الملكة الحالية) وشقيقتها الأميرة مارغريت تعملان تطوعا في إصلاح سيارات الجيش ضمن مجهود المدنيين الحربي عندما عملت نساء بريطانيا في المصانع والمناجم وقيادة القطارات بينما انشغل الرجال في الدفاع عن الوطن.

نشاط كيت وويليام (طيار إنقاذ في سلاح الجو الملكي) بين الناس العاديين أحيا في الذاكرة الشعبية دور العائلة الملكية بين صفوف الشعب في صمود الحرب العالمية. ولذا قدر الصحافيون أن نشر صور لكيت، قد يعتبرها الشعب فاضحة، ستجلب غصب القراء بدلا من زيادة التوزيع.

وبالمقارنة مثلا، نشرت «الصن» الشعبية صورا غير محترمة للأمير هاري (أصغر أحفاد الملكة) يلهو في لاس فيغاس، وهو بلا ملابسه التقطتها فتيات دعاهن الأمير هاري إلى حفل أقامه. الصور والخبر أثارا مسألة توفير الأمن له، وأيضا تساؤلات حول مدى حكمة تصرفاته خاصة أنه طيار هليكوبتر في الجيش برتبة يوزباشي (يخدم حاليا في أفغانستان).

صفق الصحافيون لقرار «الصن»، كتحد للقوى المطالبة بالرقابة، وقدمت «الصن» في تبريرها جدلا قويا حول علاقة صور هاري بسمعة الجيش والأمن القومي، لكن لا محل لهذا الجدل من الإعراب في حالة صور دوقة كمبريدج.

الدرس المهم هنا، والذي يسوقه المدافعون عن حرية الصحافة، والرافضون للجنة تحقيق ليفيسون ويعتبرونها إهدارا للمال العام في محاولة لفرض رقابة على الصحافة، أن قوانين الخصوصية الصارمة الموجودة في فرنسا وإيطاليا لم تمنع مجلة فرنسية وإيطالية من نشر صور لم تستأذن صاحبتها في الأمر؛ بينما تقاليد «فليت ستريت»، وموازنة علاقة القارئ كمستهلك إعلامي بالصحيفة كسلعة إعلامية وحساسية الصحافيين تجاه مشاعر القراء، أثبتت أنها أفضل ألف مرة من القوانين واللوائح من أجل صحافة حرة مسؤولة.