جدل في باكستان حول تغطية الصحف المحلية لأخبار طالبان

الحكومة الأفغانية اتهمتها بدعم الحركة والسعي إلى إضعاف موقفها

تعتبر تغطية حركة طالبان مسألة ليست بسيطة بالنسبة إلى معظم الصحافيين الباكستانيين
TT

منذ عام تقريبا عقد مؤتمر لأصحاب ورؤساء تحرير الصحف الموجودة في مدينة بيشاور الباكستانية، قرروا فيه إجراء بعض التغييرات الجذرية على طريقة تناول الموضوعات المتعلقة بالإرهاب والتطرف في صحف بيشاور، وهي مدينة تقع على مرمى حجر من مركز نشاط العمليات المسلحة في مناطق القبائل شمال غربي باكستان.

وصرح أحد المشاركين في المؤتمر: «لقد قرروا أن لا تمجد صحف مدينة بيشاور الإرهاب والمتطرفين، وأن لا تفرد الصفحات الأولى منها لتغطية الأعمال الإرهابية وتصريحات العناصر المسلحة».

إلا أن هذا لم يغير أي شيء، فلم تكد تمضي 6 أشهر حتى كان معظم صحف بيشاور لا يكتفي بنشر تصريحات لحركة طالبان باكستان المتمركزة في مناطق القبائل الباكستانية فحسب؛ بل وينشر تصريحات حركة طالبان الأفغانية أيضا.

وقد صار من المألوف أن تنتقد الحكومة الباكستانية الصحافة المطبوعة بسبب دعمها حركة طالبان والمتطرفين، إلا أن أحدث الانتقادات لميل الإعلام الباكستاني إلى دعم حركة طالبان جاء من خارج البلاد، حيث لم تكتف الحكومة الأفغانية بمنع الصحف الباكستانية من القدوم والتوزيع داخل المدن والبلدات الحدودية الأفغانية، بل ألقت القبض على الموزع المحلي للصحف الباكستانية في كابل ووضعته وراء القضبان لأكثر من أسبوع.

وفي الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، قامت الحكومة الأفغانية بحظر جميع الصحف الباكستانية، متهمة إياها بدعم حركة طالبان والسعي إلى إضعاف موقف الحكومة. وسوف يتم منع دخول الصحف في النقاط التي تدخل منها في أقاليم نانجارهار وكونار ونوريستان الشرقية المتاخمة لباكستان.

وأعلن متحدث باسم الحكومة الأفغانية: «خلال الأشهر الأخيرة، شنت الصحف الباكستانية حملة معادية للحكومة الأفغانية، خاصة في الأقاليم الشرقية. إن هذه الصحف تمارس دعاية لحركة طالبان، وتعترض على وجود القوات الأجنبية في أفغانستان، وتشن حملة مناهضة للحكومة». كما ذكرت وزارة الداخلية في بيان لها أن هذه الصحف «تستهدف القوات الأفغانية» في مقالاتها، وكشف المتحدث باسم الحكومة عن أن رجال الشرطة على الحدود الأفغانية قد بدأوا بالفعل في جمع كل الصحف الباكستانية من المتاجر وأكشاك بيع الصحف في إقليم نانجارهار.

وقد بدأت الأصداء السلبية لفرض هذا الحظر تتردد بالفعل داخل كابل، إلا أن الصحف الباكستانية لم تغير من نفسها، وبرزت بعض الأصوات داخل أوساط الصحف في بيشاور (وهي مدينة قريبة من أفغانستان ويتم إرسال معظم الصحف منها إلى المدن الأفغانية) تطالب بتغيير في السياسة التي تسير عليها الصحف. وذكر غلام داستاغير، وهو صحافي كبير من بيشاور: «قبل أشهر قليلة، عقد أصحاب ورؤساء تحرير الصحف في بيشاور لقاء وقرروا عدم تسليط الضوء على تصريحات العناصر المسلحة والإرهابيين لأن هذا يثير حالة من الغضب داخل المجتمع. كان قرارهم الأساسي هو عدم تمجيد الإرهابيين، ولكن لم تكد تمر 6 أشهر حتى عادوا إلى المربع الأول.. ولم يلتزموا بهذا البيان لأكثر من 6 أشهر». وأشار غلام، الذي يكتب في مجلة «هيرالد» السياسية الاستقصائية، إلى أن المشكلة الأساسية هي أنه حتى إذا أمكن حمل الصحف على الالتزام بهذا المبدأ، فإن القنوات الإخبارية سوف تستمر في فعل هذا، «مما سيؤثر على توزيع الصحف».

ولكن بالنسبة لمعظم الصحافيين العاملين، فإن مسألة تقديم تغطية لحركة طالبان ليست بالمسألة البسيطة، حيث ذكر لجريدة «الشرق الأوسط» يعقوب شرفات، وهو صحافي أفغاني يعمل في بيشاور ويدير «وكالة الأنباء الأفغانية» التي تخدم وكالات الأنباء الدولية ويقع مقرها في إسلام آباد، أنه تماما كما تفعل المؤسسات الصحافية الأفغانية، فإن الصحف الباكستانية هي الأخرى تنشر تصريحات حركة طالبان الأفغانية، مؤكدا: «الصحف الباكستانية تنشر بانتظام تصريحات حركة طالبان وكذلك تصريحات قوات (إيساف) والحكومة الأفغانية. إن نشر أخبار عن حركة طالبان ليس شيئا سيئا، وممارسة الدعاية نيابة عنهم ليست شيئا سيئا على الإطلاق.. حتى قناة (بي بي سي) وإذاعة (آزادي) التي تبث من مدينة براغ تبث تصريحات حركة طالبان». وذكر أنه حتى إذا نجحت الحكومة الأفغانية في استبعاد الصحف الباكستانية فعليا من المدن الأفغانية والريف الأفغاني، فإن هذا لن يحل مشكلة الحكومة الأفغانية، موضحا: «الحكومة الأفغانية ستحظر الصحف الباكستانية، ولكن ماذا عن القدر الكبير من المشاهدة للقنوات الإخبارية الباكستانية مثل (جيو تي في) و(تلفزيون خيبر)؟ لن يستطيعوا حظر هذه القنوات التي تتم مشاهدتها عن طريق أطباق الأقمار الصناعية».

وأشار يعقوب شرفات إلى حقيقة لافتة للنظر في هذا الصدد، حيث ذكر أن هناك قطاعا صغيرا جدا من السكان في أفغانستان يستطيعون قراءة الصحف الباكستانية الناطقة باللغة الأوردية، معلقا: «الأفغان لا يستطيعون قراءة اللغة الأوردية.. إلا أنهم جميعا يفهمون الأوردية جيدا.. مما يجعلهم معرضين لرسالة القنوات ذات الشعبية مثل قناة (جيو)».

وصرح مدير توزيع للصحف الكبرى في إسلام آباد (اشترط عدم ذكر اسمه) لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة الأفغانية انزعجت من تغطية صحيفة ناطقة بلغة البشتو تدعى «الوحدات» للأحداث الجارية في أفغانستان، موضحا: «تم وضع موزعي (الوحدات) في السجن لمدة أسبوع، وكان السبب الرئيسي لذلك هو المواد المؤيدة لحركة طالبان التي نشرتها الصحيفة.. لكنهم فرضوا حظرا على جميع الصحف».

إلا أن كثيرين يرون أن هذا الحظر لن يكون له أي تأثير مالي على الصحف الباكستانية؛ إذ يقول مدير التوزيع: «لن يكون له أي تأثير على الصحف الباكستانية.. (الوحدات) هي الصحيفة الوحيدة التي كانت توزع على نطاق واسع في أفغانستان.. أما بقية الصحف، فلا تبيع أكثر من 150 نسخة لكل منها».

ولكن مع ذلك، فهناك قلق في وسائل الإعلام الباكستانية من أن يقطع هذا الحظر التواصل الشعبي بين البلدين، حيث أعربت «الجمعية العامة للصحف الباكستانية» عن قلقها الشديد من الحظر الذي فرضته الحكومة الأفغانية على الصحف الباكستانية، ووصفته بأنه يحرم الناس من «حقهم في المعرفة». وأصدرت الجمعية بيانا قالت فيه إن الصحف تنشر الأخبار والآراء، ومن ثم فهي تعزز العلاقات بين شعبي البلدين، ودعت الجمعية وزارتي الإعلام والخارجية إلى متابعة هذا الموضوع مع نظيرتيهما الأفغانيتين من أجل استئناف عمليات تصدير وبيع الصحف الباكستانية.

وحتى في أفغانستان لم يؤيد مجتمع الصحافيين هذا الحظر، وإن طالبوا وسائل الإعلام في باكستان بأن تتوخى جانب التحفظ عند تناول الأحداث التي تقع في أفغانستان. وشدد كبار الصحافيين الأفغان على ضرورة أن يجلس رجال الإعلام من كلا البلدين معا لمناقشة كيفية نقل الحقيقة دون اللجوء إلى الدعاية. وقال رئيس «الاتحاد الأفغاني الوطني للصحافيين» عبد الحميد مبارز: «أرى أن حظر الصحف الباكستانية ليس حلا، وأنا لا أؤيد مثل هذه القيود». ويرجح مبارز أن تكون التوترات الأخيرة بسبب الهجمات التي تتم عبر الحدود هي التي تسببت في فرض هذا الحظر على الصحف الباكستانية، مضيفا: «الأفغان حساسون للغاية من القصف الصاروخي الباكستاني لإقليمي كونار ونوريستان».

ووصف صحافي أفغاني كبير آخر هو سامي يوسفزاي، الذي يكتب في مجلة «نيوزويك»، الحظر الأفغاني بأنه منهج غير صحي، واستطرد قائلا: «كثير من الصحف الباكستانية، خاصة الصحف الناطقة باللغة الإنجليزية، تبنت منهجا متوازنا تجاه الأحداث»، وإن كان يرى أن بعض الصحف الباكستانية تقدم محتوى لا يتم فهمه جيدا في أفغانستان، وأضاف يوسفزاي أن هذا الحظر على الصحف لن يكون له أي تأثير، لأن الناس يمكنهم دائما الاطلاع على محتوى الصحف عن طريق الإنترنت، مبديا استياءه من حظر قنوات التلفزيون الأفغانية في باكستان.