«فوكس نيوز»: الانكسار في غرفة الأخبار

هل تحولت المحطة الإخبارية إلى ترس في آلة الدعاية الجمهورية خلال الحملة الرئاسية؟

(من اليسار) بريت باير وميغان كيلي وكارل روف في الليلة الأخيرة من انتخابات الرئاسة الأميركية يحللون المشهد الأخير على شاشة «فوكس نيوز» (نيويورك تايمز)
TT

هناك اعتقاد شائع في الولايات المتحدة وخارجها بأن قناة «فوكس نيوز» تحولت إلى ترس في آلة الدعاية الجمهورية خلال الحملة الرئاسية، بإتاحة الفرصة للكثير من المرشحين الجمهوريين والدفاع بضراوة عن ميت رومني عندما فاز بترشيح الحزب الجمهوري لخوض انتخابات الرئاسة.

وعلى مدى شهور خطبت قناة «فوكس نيوز» ود قاعدتها من المحافظين بدعاية سياسية تصف الرئيس أوباما بأنه كان خطأ فادحا، وأن غالبية الأميركيين يرون في رومني البديل الأفضل في أوقات الأزمة، وأن استطلاعات الرأي التي تظهر عكس ذلك تحركها دوافع سياسية ولا تستحق الدراسة.

لكنّ المسؤولين عن قناة «فوكس نيوز» واجهوا يوم الثلاثاء خيارا قاسيا بعدما تبين إخفاق رومني وهو: هل كانت «فوكس نيوز» في الأساس قناة للأخبار أم مكانا للدفاع؟ حتى الوقت الراهن على الأقل، اختارت «فوكس نيوز» أن تكون قناة إخبارية. لكن غالبيتكم شاهد دون شك أو قرأ عن لحظة الانكسار ليلة الانتخابات بين مذيعي قناة «فوكس نيوز»، وكارل روف، الذي بغض النظر عن إدارته للجنة العمل السياسي التي تهدف إلى هزيمة الرئيس، كان ينقل التغطية المباشرة. ورغم رغبة المصادر الإخبارية في الوصول إلى المصادر المطلعة، بدا الدوران الأساسيان لروف في الصراع العميق بعدما أعلن مكتب الأخبار في «فوكس نيوز» فوز الرئيس بولاية أوهايو بذل قصارى جهده لضمان عدم إعادة انتخاب أوباما، وقال روف إن الدعوة كانت سابقة لأوانها وإن محرري الأخبار تجاهلوا معلومات هامة.

وعلى الرغم من سماح قناة «فوكس نيوز» له بنشر معلوماته، فإنها لم تستسلم، والأهم من ذلك أنها لم تشكك في شرعية الانتخابات كلية، الخطوة التي كان من الممكن أن تؤدي إلى نوع من التوقعات غير السليمة.

ظهرت الغريزة الصحافية الأفضل التي يتحلى بها العاملون في قناة «فوكس نيوز»، عندما نقلوا الحقائق المؤكدة، التي جنبت القناة حينئذ تهميش نفسها وأنهت، على الأقل لليلة واحدة حربها على الرئيس. مشاهدة برنامج إخباري بشفافية في حرب «فوكس نيوز» مع نفسها تتماشى وحياة التلفزيون الاستثنائية. فبعد الحادية عشرة صباحا يوم الثلاثاء أعلنت قناة «فوكس نيوز» أن ولاية أوهايو أصبحت في قبضة الرئيس أوباما، لكن روف الذي ساهم في تمويل إعلانات هجومية على الرئيس بقيمة 300 مليون دولار كان يتلقى اتصالات من مسؤولي رومني يعترضون على هذه التوقعات. وخرج على الهواء ليتحدى ذلك، مستشهدا بالبيانات التي كان قد تلقاها من أمين ولاية أوهايو. وتقول ميغان كيلي، المذيعة المشاركة، متحدثة عما يدور في عقول الكثير منا: «هذا غريب».

إذا كانت قناة «فوكس نيوز» قد دعمت تحت الضغط من حملة رومني وروف، لكنها أثارت اضطرابات قد تكون مؤقتة لكنها أضرت كثيرا بصورتها بين مشاهديها الحريصين. وعوضا عن ذلك توجهت كيلي عبر الصالة وواجهت غرفة الأخبار باحتجاج روف. وطلبت من رئيس فريق الأخبار في «فوكس نيوز» آرون ميشكين: «أخبرني عما إذا كنت متأكدا من مصدرك في أوهايو بالنظر إلى الشكوك التي أثارها روف الآن»، ربما كانت كيلي تتساءل أيضا: «هل نحن مؤسسة إخبارية أم أننا أداة لأجندة محافظة؟».

قال ميشكين مبتسما: «نحن مرتاحون حقا لمصدرنا في أوهايو». وكان هو ورفاقه، والجميع إلى جانبهم، مقتنعون أنه لم تكن هناك أصوات جمهورية كافية في أوهايو لتمكن رومني من تغيير المعادلة. بدت كيلي مقتنعة بذلك. شعر روف بالهزيمة، وبمرور الوقت تبين فوز الرئيس بما لا يدع مجالا للشك. في تلك اللحظة انحازت إلى الصحافة في نقل الوقائع اعتمادا على الحقائق لا على تعصب حزبي.

وكما قال زميلي جيرمي بيترز، فقد كان مايكل كليمنت، نائب الرئيس التنفيذي للأخبار، هو صاحب القرار بالسماح لروف بالحديث عما لديه ثم أرسل كيلي للتحقق من الأمر. وقال كليمنت في مقابلة هاتفية: «كان كل ما شغلني هو إعلان الحقائق فور ظهورها».

وأشار إلى أنه بمجرد علم «فوكس نيوز» أن الأرقام الواردة من مكتب الأخبار صحيحة، اختاروها. وقال: «أنا أعلم أن عددا كبيرا من مشاهدينا كانوا سيصابون بالإحباط بسبب النتائج. لكني أعمل على الجانب الإخباري، والأهم من ذلك كان نقلها بصورة صحيحة». ومع انتهاء اللعبة المعلنة، تراجعت شعبية القناة بين الكثير من المشاهدين. في الساعة العاشرة مساء كان أكثر من 10 ملايين مشاهد يتابعون قناة «فوكس نيوز»، لكن هذا العدد انخفض في الأغلب إلى النصف في الساعة الحادية عشرة، ما إن تبين أن الرئيس قد فاز بفترة رئاسية جديدة.

كان جون ستيوارت وسلات وآخرين يستمتعون بالحرب الداخلية في «فوكس نيوز»، لكني وجدت أن الأمر برمته مطمئن نوعا ما. كانت تلك ليلة صعبة في «فوكس نيوز» بعض النظر عن الأسلوب الذي أداروا به تلك الليلة.

كانت القناة قد ألقت بكل أوراقها وكشفت عن رغباتها، عدا الإعلان عن أنها ستكون الليلة الكبيرة لرومني. وخلال الإعداد للانتخابات جهزت القناة الاستوديو بلافتات مؤيدة لرومني دون وخز من ضمير، وحافظت على إحاطة مشاهديها بفقاعة رقيقة من الأفكار المحافظة بشأن دولة فقدت الاحترام لرئيسها.

وتشير مؤسسة «ميديا ماترز»، مؤسسة رقابة ليبرالية، إلى أن قناة «فوكس نيوز» أذاعت خلال الأيام الأخيرة من الحملة أكثر من ساعتين ونصف من خطابات رومني في مقابل 27 دقيقة من الخطابات التي ألقاها أوباما. لكن القناة لم تكن بمفردها في التأييد المطلق لمرشح واحد، فبحسب مركز أبحاث «بيو» للجودة في الصحافة، كان 71 في المائة من إعلانات قناة «إم إس إن بي سي» عن رومني سلبية، بينما بلغت نسبة الإعلانات السلبية عن الرئيس على قناة «فوكس نيوز» 46 في المائة في تلك الفترة.

ولعل أحد أسباب كون نتيجة الانتخابات الحالية صادمة هو أن مشاهدي الإعلام المحافظ قيل لهم مرارا وتكرارا إن التحليلات السائدة لا يمكن الوثوق بها، وهو ما عكس الآيديولوجية الليبرالية وليس البيانات. لكنهم خدعوا من قبل وسائل الإعلام التي شاركتهم قيمهم، وقد أوضح ديفيد فروم، كاتب الرأي الليبرالي هذه النقطة في برنامج «مورننغ جوي» على قناة «إم إس إن بي سي» الأسبوع الماضي عندما قال إن الجمهوريين تم استغلالهم والكذب عليهم من قبل مجمع الترفية المحافظ.

الحملات الدعائية دائما ما تهتم بدعم حزب واحد، والمنافسة، لكن الانتخابات تهتم بشأن ما يجري حقا. جميعنا لدينا اهتمامات أساسية و«فوكس نيوز» هي الأبرز، لكنّ أحدا من العاملين في مجال الأخبار يرغب في أن يبدو مخطئا وأن ينتهي به الأمر يبدو غبيا.

أطلقت «فوكس نيوز» الصيحة في أوهايو وكانت ثالث شبكة تنشر أخبار الانتخابات خلف قناة «إن بي سي» وقناة «إم إس إن بي سي» لأن رجال الإعلام يعملون ويعلمون البيانات التي يقولونها. ورغم رغبة الكثيرين من مشاهدي روف ومشاهدي «فوكس نيوز»، جاءت النتائج مغايرة وفاز أوباما بفترة رئاسية ثانية كرئيس للولايات المتحدة. فقد اتخذنا قرارنا وهم نقلوا هذا القرار.

• خدمة «نيويورك تايمز»