الإعلام الرياضي.. «عازف» على الوتر الحساس وأداة لتصفية الحسابات الشخصية

رعاية الشباب: نرفض مصادرة مكاسب الرياضة لمجرد التعصب

فقدت إدارات الأندية قدرتها الكاملة على التعاطي مع ما يثار حولها في الإعلام
TT

سقف مرتفع من الحرية، وتزايد ملحوظ في أعداد المهتمين بالوسط الرياضي، وسهولة كبيرة في الوصول إلى صناع القرار أحدثتها مواقع التواصل الاجتماعي، وغيرها من الأسباب أعطت قوة للإعلام الرياضي السعودي كي تخلق منه «جهازا» يملك القدرة على تغيير قرارات قديمة واستحداث الجديد منها داخل أروقة إدارات الأندية الرياضية السعودية مهما بلغت من المجد.

الأمير نواف بن فيصل بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب، انتقد الإعلام الرياضي السعودي على خلفية ما يشهده من جوانب قصور وتقصير تظهر بين فترة وأخرى، غير أنه أبدى «تفاؤلا» من قدرة وسائل الإعلام الرياضية على تجاوزها وتلافيها خلال الفترة المقبلة.

وقال الأمير نواف بن فيصل بن فهد في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «شهد الإعلام الرياضي السعودي في السنوات الـ10 الأخيرة تطورا ملحوظا من عدة جوانب، وذلك نتيجة العصر ومتطلباته، ولا سيما أن وزارة الثقافة والإعلام تسعى في هذا الاتجاه من أجل تقديم الرسالة الإعلامية الرياضية».

استخدام الإعلام الرياضي كأداة لتصفية حسابات شخصية بين الأندية السعودية على مستوى الإدارات وحتى الجمهور، بات واضحا جدا لمتابعي الوسط الرياضي، وهو ما علّق عليه الرئيس العام لرعاية الشباب قائلا: «نتمنى من وسائل الإعلام الابتعاد عنها، خاصة أن العاملين في الأندية الرياضية متطوعون بجهدهم ويمضون كثيرا من وقتهم لإنجاح نشاطات وبرامج أنديتهم وفق الإمكانيات المتاحة».

ودعا الأمير نواف إلى زيادة اهتمام القائمين على وسائل الإعلام السعودية باختيار كوادرهم وتطوير أدواتهم من وقت لآخر، فضلا عن أهمية تعريفهم بلوائح وأنظمة النشاطات الرياضية والضوابط المختلفة، وذلك بهدف إعطاء الإعلامي الرياضي سعة أفق أكبر وقدرة على تحليل الأحداث بموضوعية، والابتعاد عن ما يسيء للآخرين وللنشاط الرياضي بشكل عام.

وحول دور الإعلام الرياضي في زيادة نعرة التعصب بين جماهير الأندية المختلفة، أبان الرئيس العام لرعاية الشباب بأنه لا يمكن أخذ ركن واحد والتركيز على أخطائه بعيدا عن بقية الأركان والأسس الأخرى التي تشكل منظومة العمل الرياضي المكوّنة من مجاميع كثيرة يعد الإعلام واحدا منها.

وزاد «كل ركن مسؤول عن تقصيره ومطالب بإيجاد حلول ومعالجات لها بدلا من إلقاء تبعات أي أمر على الآخرين، حيث إن الإعلام الرياضي يعد شريكا مع بقية قطاعات الوسط الرياضي، والتي بتكاملها تنتج عملا طيبا ومثمرا».

وذكر أن التعصب موجود على مستوى كافة دول العالم ولا يمكن توقع نهايته في الأوساط الرياضية، غير أن المأمول تقليص الجانب المؤذي فيه وما يسيء للآخرين أو يصادر مكاسب رياضة الوطن والمتميزين فيها لمجرد الانتماء، وهو ما ينبغي رفضه تماما.

وفي خضم الإثارة التي تعج بها وسائل الإعلام الرياضية، فقدت إدارات الأندية قدرتها الكاملة على التعاطي مع ما يثار حولها في الإعلام، الأمر الذي أضحى مؤثرا بشكل كبير في ما تصدره من قرارات، بينما أشار الأمير نواف بن فيصل إلى أن رؤساء الأندية ما زالوا قادرين على تأدية مهامهم بالشكل المطلوب.

ولكنه استدرك قائلا: «مسألة التأثر بما يتم نشره أو بثه عبر وسائل الإعلام أمر طبيعي، حيث إن كل من يعمل سواء في الوسط الرياضي أو غيره يؤثر ويتأثر بما يحدث حوله ويتفاعل معه، إلا أنه من المفترض التفاعل بشكل إيجابي مع محاولة التواصل بالطريقة المحببة للنفس، والتي تخلق لغة تفاهم مشترك هدفها الارتقاء بالنشاط الرياضي».

في حين يرى مشعل القحطاني المقدّم في قناة دبي الرياضية، أن الإعلام الرياضي بشكل عام تحول إلى ما يسمى بـ«ما يطلبه الجمهور»، في ظل اعتماد وسائل الإعلام الرياضية على مواقع التواصل الاجتماعي ومتابعة آراء الجماهير من خلالها.

ويقول مشعل القحطاني في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إن تأثير الإعلام الرياضي أكبر ما يكون على الجماهير الذين باتوا يتملكون أصوات أكثر من السابق من شأنها أن تحرك إدارات الأندية وتؤثر في قراراتها».

واستشهد القحطاني على ذلك بقرار إقالة مدرب نادي النصر السعودي السابق الذي تم إصداره بناء على حدة النقد التي كانت موجودة حينها في وسائل الإعلام الرياضية رغم تأكيدات رئيس النادي على استمرار المدرب لمواسم أخرى.

ولفت إلى أن الإعلام الرياضي في السابق كان يعمل على إظهار الإيجابيات والسلبيات، غير أنه أصبح حاليا مجرد ناقل لصوت الجماهير، مستدركا: «ينبغي على وسائل الإعلام القيام بذلك، ولكن ليس إلى درجة أن تتجرد إدارات الأندية من قدرتها على اتخاذ أية قرارات نتيجة تأثرها بما يحدث في كواليس الصحافة أو البرامج التلفزيونية من خلال ما يطرحه الجمهور».

وشدد القحطاني على ضرورة «وضع إدارات الأندية استراتيجيات تبني عليها أعمالها وفق خطط قريبة وبعيدة المدى، شريطة الابتعاد عن التأثر بالإعلام الرياضي على هذا النحو وإصدار قرارات متعلقة بما يتم نشره عبر وسائل الإعلام الرياضية».

وأفاد المقدم في قناة دبي الرياضية، بأن الاستماع إلى حديث الجماهير ليس عيبا، إلا أن الخطأ يكمن في تحويله إلى محرك أساسي، ولا سيما أن الجمهور متعدد الشرائح من ناحية الفئات العمرية أو حتى الثقافات، واصفا الإثارة الحالية التي تشهدها وسائل الإعلام الرياضية بـ«غير المنطقية».

وأضاف: «ينبغي إشراك الجماهير في القضايا الرياضية من خلال إبداء آرائهم واتخاذ القرارات بنسبة لا تتجاوز الـ30 في المائة، خاصة أنهم عاطفيون في أغلب حالاتهم، مما يحتم على الإعلام الرياضي ضرورة إمساك العصا من المنتصف وعدم الانجراف وراء الأحاديث العاطفية في الوسط الرياضي».

وكما للإعلام الرياضي تأثير واضح في رؤساء الأندية، أصبح أيضا ذراعا محركة للاعبين داخل المستطيل الأخضر إيجابية كانت أو سلبية، حيث أن كثيرا منهم قد يبدعون أو يخفقون في أدائهم أثناء مسيرتهم الكروية على خلفية ما يدور حولهم من أحاديث وجدل عبر وسائل الإعلام الرياضية المختلفة.

وبالعودة إلى الأمير نواف بن فيصل بن فهد، علق بالقول: «ميزة لاعبي العصر الحالي تواصلهم بشكل أفضل وأسرع مع الجمهور مقارنة بما كان عليه اللاعبون قبل عقدين من الزمن، وهو ما جعل من الإعلام عاملا أساسيا في حياة الرياضيين دون استثناء».

واستطرد الرئيس العام لرعاية الشباب في القول «يجب على اللاعبين أيضا التفاعل مع الإعلام بما يزيد من تطوير مهاراتهم وقدراتهم، والابتعاد عن التصريحات المثيرة التي قد تصدر من الآخرين على حساب الروح الرياضية واحترام الكيانات والرموز الرياضية».

من جهته، أكد رجاء الله السلمي المحاضر في جامعة الملك عبد العزيز بجدة ومذيع القنوات الرياضية السعودية، أن الإعلام الرياضي لديه القدرة في التأثير على الأندية واللجان وحتى فيما يتعلق بالمنتخب السعودي، لافتا إلى وجود قرارات تصدر بعد الضغط الإعلامي في أعقاب انتقادات كثيرة لإحداث التغيير.

وقال رجاء الله السلمي لـ«الشرق الأوسط»: «بات من الممكن للمشجع تقديم رأيه لوسائل الإعلام الرياضية عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فضلا عن ارتفاع سقف الطرح في الوسط الرياضي كونه يتمتع بشفافية أكبر وقدرة على مواجهة الأخطاء، وهو ما منح الإعلام الرياضي هذه القوة في التأثير».

وبين السلمي أن قوة الإعلام الرياضي تصنع الأفضل دون إغفال ضرورة الابتعاد عن اعتبار وسائل الإعلام الرياضية شريكا في صنع القرار، وإنما يمكن تصنيفها كأداة مراقبة قوية، ولا سيما أنها تنبه للأخطاء وتدعو إلى تصحيحها.

ولكنه استدرك في القول: «قد يتم التوجه من خلال الإعلام الرياضي إلى صنع المزيد من الإثارة المؤدية للاحتقان، الأمر الذي من شأنه أن يوتر الرياضة ويخرجها من دائرة التنافس العادية إلى مصدر لمعاناة الأندية وإثارة الجمهور والتعصب الرياضي»، موضحا أن وسائل الإعلام الرياضية بإمكانها تقديم الإصلاح وصنعه بشكل جيد، فضلا عن دفعها لاتخاذ القرار الصحيح.

وطالب رجاء الله السلمي بضرورة توفر المصداقية في الطرح من قبل وسائل الإعلام الرياضية والابتعاد عن الميول وألوان الأندية، إلى جانب تقديم رؤى واضحة وعدم الاكتفاء بالتشخيص فقط، وإنما من الضروري أيضا تقديم العلاج.