نمو صاروخي لسوق الإنترنت في الهند

تنمو سنويا بنسبة 41%.. والمستخدمون تتراوح أعمارهم ما بين 15 و34 عاما

TT

عندما عبرت شاهين دهادا، البالغة من العمر 21 عاما، عن رفضها لتوقف المرور بالمدينة التي تقيم بها بسبب جنازة سياسي على «فيس بوك»، لم يكن يخطر ببالها أن هذا سيؤدي إلى القبض عليها. وكذلك لم يكن يخطر ذلك ببال صديقتها رينو سرينيفاسان، التي نقرت زر «أعجبني» على هذا التعليق.

تساءلت شاهين في تعليق على «فيس بوك»، التي تعيش في بلدة بلغار على أطراف العاصمة التجارية الهندية مومباي في ولاية مهاراشترا الغربية، عن توقف المرور في شوارع مومباي بسبب جنازة السياسي بال ثاكيري المنتمي إلى حزب اليمين شيف سينا باتريارك ويبلغ من العمر 86 عاما.

وكتبت شاهين: «أناس مثل ثاكيري يولدون ويموتون يوميا ولا أحد يرى أي اختناق مروري بسبب ذلك». ولم تفعل رينو سرينيفاسان، المتهمة بأنها شريكتها في الجريمة، سوى النقر على زر «أعجبني». تم إلقاء القبض على الفتاتين بتهمة الحضّ على العداء والكراهية، لكن تم الإفراج عنهما بكفالة. لم ينتخب ثاكيري لتولي منصب ما، إلا إنه كان ينظر إليه لعقود كأكثر الرجال نفوذا في مومباي. أسس ثاكيري حزبه السياسي شيف سينا من خلال المزج بين الأصولية الهندوسية والدفاع المستميت عن الهنود الآريين، وهم أغلبية سكان مومباي، والتصدي للقيم الغربية.

ويقول محللون إن الخوف هو الذي منع نزول الملايين من الناس إلى شوارع المدينة الصاخبة للمشاركة في الجنازة. وقام نحو 20 ألفا من رجال الشرطة بدوريات في الشوارع الخالية بسبب التاريخ العنيف لحزب شيف سينا.

انسحبت الفتاتان من صفحتيهما على «فيس بوك» خوفا من التنكيل، بل واعتذرتا، لكن مؤيدو ثاكيري الغاضبين نهبوا عيادة علاج العظام التي يملكها عم إحدى الفتاتين. مع ذلك تقول الفتاتان إنهما لا تشعران بأي ندم على ما فعلتاه.

وانتقدت شاهين رجال الشرطة الذين ألقوا القبض عليها وعلى صديقتها. كذلك انتقد والد دهادا تصرف الشرطة قائلا: «نحن نقول إننا أحرار، لكننا لسنا كذلك من عدة أوجه».

يبدو أن دهادا وأفراد أسرتها حظوا بتشجيع بعد تقرير ضابط شرطة ذي رتبة رفيعة ذكر فيه أن القبض على دهادا وصديقتها أمر غير مبرر وينبغي اتخاذ إجراء ضد الضباط المتورطين. وتقول رينو التي تبلغ من العمر 21 عاما: «فجأة بدأت الناس تعرف اسمي وكل شيء تغير». وتعد رينو التي تصدر اسمها عناوين الصحف آخر ضحية من ضحايا الجمهورية المصابة بجنون الارتياب وتغني كلمات أغنية آشلي تيسدال المناسبة بشكل رائع. وفجأة بات الجميع يعرفون اسمها وتنهال على صفحتها على «فيس بوك» مئات الرسائل، بعضها يدعمها والبعض الآخر يدينها.

وعندما ذهبت رينو إلى الطبيب الأسبوع الماضي، صحبها اثنان من رجال الشرطة لحراستها. وتقول خريجة قسم النباتات والمغنية الناشئة: «لقد تحول الانتباه نحوي فجأة». مع ذلك يحذرها أبوها، ضابط البحرية السابق قائلا: «لا تعلقي على مواضيع جدلية لا تفهمينها». إنها نصيحة ربما لا تعجبها أو تعجب أكثر أبناء جيلها في الهند خلال القرن الواحد والعشرين.

وتعد الهند أسرع أسواق الإنترنت نموا بين مجموعة الدولة التي تضم البرازيل وروسيا والصين وجنوب أفريقيا بحسب دراسة حديثة أجراها كل من اتحاد غرف التجارة والصناعة الهندي «أسوتشام» و«كومسكور».

وأوضحت الدراسة أن هذه السوق تنمو سنويا بنسبة 41 في المائة، حيث يبلغ عدد مستخدمي الإنترنت حاليا 125 مليونا. وتتراوح أعمار نحو 75 في المائة من المستخدمين ما بين 15 و34 عاما مما يجعل مستخدمي الإنترنت في الهند من أصغر المستخدمين سنا في العالم. في الوقت الذي لا يزال فيه وجود الإنترنت ضعيفا، حيث يتصل به أقل من 10 في المائة من السكان، تزداد شعبية مواقع التواصل الاجتماعي مثل «فيس بوك» و«تويتر» مثل الهواتف الجوالة في أنحاء البلاد. ازداد عدد المستخدمين من 8 ملايين في عام 2010، بحيث وصل حاليا إلى 50 مليون مشترك في الهند ويتزايد العدد يوميا.

ويسهم الهنود بجزء كبير من المحتوى، حيث ينقرون على «أعجبني» وينشرون أخبارا وصورا ورسائل على «تويتر» وكذلك يشاركون بمدوناتهم على الإنترنت. ويثير بعض هذا المحتوى قلق الحكومة. وتعيش كل من شاهين ورينو في بلد يتسم بالديكتاتورية المسلحة بالقسم (66 إيه) من قانون تكنولوجيا المعلومات لعام 2000 ذي الصياغة الغامضة والذي يعد تعديلا لقانون عام 2008.

وينص هذا القانون على الحكم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وغرامة على أي شخص يستخدم الكومبيوتر أو أي وسيلة من وسائل الاتصال في إرسال رسائل يتبين عدم صحتها أو تسبب «إزعاجا» أو «غير مناسبة» أو رسائل «مهددة» أو «مهينة» ورسائل إلكترونية تضلل متلقي الرسالة. ولا يوجد تحديد ووضوح في هذا القانون مما يسهل على الحكومة إساءة استغلاله في إرهاب أمثال شاهين ورينو والتنكيل بهم. وليس غريبا أن تقرر السلطات استخدام هذا القانون فقط في الحالات السياسية التي يتم خلالها نشر تعليق على الإنترنت ينظر إليه باعتباره مهينا للقوى التي تزعم تضررها.

ونادرا ما تستخدم الشرطة هذا القانون لمساعدة المواطنين العاديين الذين يواجهون تحرشا حقيقيا على مواقع التواصل الاجتماعي أو السيدات اللاتي يتعرضن لمضايقات على «فيس بوك». ولم يتم تسجيل حالة واحدة من هذا النوع تم تطبيق هذا القانون فيها في أي مكان في البلاد عام 2011 بحسب بيانات المكتب القومي لسجلات الجرائم. وسلطت معاملة الشرطة، التي تستحق التوبيخ، لشاهين ورينو الضوء على الصراع الدائر بين الحق الأصيل في حرية التعبير والقسم ذي الصياغة الفضفاضة من قانون تكنولوجيا المعلومات. وأثار القبض على الفتاتين عاصفة من الغضب والتساؤلات بشأن حرية التعبير، حيث اتهم المنتقدون الحكومة بإساءة استغلال السلطة.

ويوجه الإعلام ومحللون انتقادات لحكومة ولاية مهاراشترا على خلفية إساءة الاستخدام السافر للقانون ومحاولة تقويض حرية التعبير. وفي مواجهة غضب شعبي متزايد، أوقفت شرطة مومباي مؤخرا الضباط المتورطين في القبض على شاهين ورينو عن العمل. وتم القبض على عدد كبير من المشتبهين بالتورط في اقتحام عيادة الطبيب عم الفتاة شاهين. وتم نقل القاضي راماتشاندرا باغيد، الذي أمر بالإفراج عن الفتاتين بكفالة قدرها 15 ألف روبية (300 دولار) لكل منهما من بلغار بحسب إخطار صادر عن محكمة مومباي العليا. وكتب قاض سابق في المحكمة العليا ويرأس حاليا مجلس الصحافة الهندية في خطاب احتجاجي موجه إلى رئيس وزراء حكومة ولاية مهاراشترا: «نحن نعيش في دولة ديمقراطية لا دولة فاشية ديكتاتورية».

وقال وزير الاتصالات الهندي، كابيل سيبال، في مقابلة تلفزيونية على قناة إخبارية: إنه «انزعج بشدة من القبض على الفتاتين»، مشيرا إلى أن الشرطة أساءت استغلال القانون. وأضاف سيبال أن سلطات تطبيق القانون بحاجة إلى توعية بشأن كيفية تنفيذ هذا الجزء من قانون تكنولوجيا المعلومات، مؤكدا أن الحكومة تفكر في توضيح نص القانون لضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث في المستقبل. ويقول سيبال إن هذا القانون لا يهدف إلى منع الناس من التعبير عن آرائهم في أي موضوع، مؤكدا أن حرية التعبير حق أساسي ولا بد من حمايته. وأصدر وزير الاتصالات تعليمات جديدة تجعل من الصعب على الشرطة القبض على الناس بسبب تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت الأخرى، حيث بات لازما الآن الحصول على موافقة من ضابط رفيع الرتبة للقبض على أي شخص بتهمة تتعلق بهذا الجزء المثير للجدل من قانون تكنولوجيا المعلومات. وشهدت الهند مؤخرا عددا من قضايا القبض على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي الذين عبروا عن غضبهم من السياسيين. تم القبض على رجل الأعمال رافي سرينيفاسان، البالغ من العمر 46 عاما ويقيم في مدينة بونديتشيري الساحلية، في أكتوبر (تشرين الأول) بسبب نشره رسالة على موقع «تويتر» ينتقد فيها كارتي تشيدامبارام، ابن وزير المالية الهندي. وتم الإفراج عنه مؤخرا بكفالة. وفي سبتمبر (أيلول) حبس رسام الكاريكاتير، عاصم تريفيدي، في مومباي بتهمة إثارة الفتنة برسومه المناهضة للفساد. وتم إسقاط التهم عنه فيما بعد. وفي مايو (أيار) ألقت وحدة مكافحة جرائم الإنترنت بشرطة مومباي القبض على ميانك موهان شارما، وكي في جيه راو بسبب انتقادهما بعض قادة حزب المؤتمر على «فيس بوك». وألقت السلطات في ولاية البنغال الغربية خلال شهر أبريل (نيسان) القبض على معلم أرسل إلى أصدقائه رسما كاريكاتيريا ينتقد رئيس الوزراء، ماماتا بانيرجي في رسالة عبر البريد الإلكتروني. وتم إطلاق سراحه بكفالة هو الآخر.

وفي الماضي تم احتجاز هينا باكشي وكمالبريت سينغ في مدينة شانديغار بموجب قانون تكنولوجيا المعلومات بسبب نشر رسائل مهينة على صفحة شرطة المرور على موقع «فيس بوك». وطبقا لقانون تكنولوجيا المعلومات، لم يكن سيتم الإفراج عن هينا وكان من المحتمل أن يحكم عليها بالسجن ثلاث سنوات. ولجأت هينا إلى نشر هذه التعليقات بسبب عدم اهتمام الشرطة بالبلاغ الذي قدمته بسرقة سيارتها.

وزادت الحكومة الهندية إشرافها ورقابتها على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي خلال العامين الماضيين. وأصدرت في أبريل عام 2011 حزمة من التدابير المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات والتي توجب على المواقع الإلكترونية ومزودي خدمة الإنترنت الاستجابة لطلبات أي مستخدم أو جهة مختصة حذف أي محتوى ينظر إليه باعتباره يتضمن «ازدراء» أو «إهانة» أو «كراهية» في غضون 36 ساعة من تقديم الشكوى.

وأقامت الحكومة العام الماضي دعاوى قضائية ضد 21 شركة من بينها «مايكروسوفت» و«فيس بوك» و«ياهو» و«غوغل» تطالب فيها بحذف المواد المرفوضة والتحريضية والعرض المسبق لمحتوى المستخدم قبل نشره. وبحسب آخر تقرير شفافية لـ«غوغل»، والذي يغطي الفترة بين يناير (كانون الثاني) ويونيو (حزيران) عام 2012، سعت السلطات الهندية إلى معرفة تفاصيل عن مستخدمي الإنترنت في 2.319 حالة وطلبت حذف 596 مادة من مواقع مختلفة على الإنترنت، وهو ما يمثل ارتفاعا بنسبة تزيد على مائة في المائة خلال الستة أشهر الماضية. ويبلغ عدد الحالات التي تتعلق بالخصوصية والأمن 374، والتي تتعلق بالتشهير 120، والتي تتعلق بالإهانات الدينية 75.

الأمر الصادم هو اندفاع الشرطة نحو تطبيق الأحكام الصارمة لذلك القانون في كل الحالات المذكورة آنفا، لكن أخيرا أجبر الغضب الشعبي السلطات على سحب كل القضايا التي تم اتهام الأشخاص المذكورين فيها. وأثارت هذه الأحداث تساؤلات خطيرة وجادة ليس فقط بشأن فهم سلطات تطبيق القانون لذلك القانون، بل أيضا بشأن وجود وبقاء مساحة الديمقراطية داخل البلاد.

وطعنت شريا سينغال، الطالبة في دلهي، على القانون أمام المحكمة العليا موضحة أن القسم (66 إيه) فضفاض وغامض ولا يصلح أن يكون معيارا يحتكم إليه لإمكانية إساءة استخدامه. واستدعت المحكمة، التي تنظر في حالة الفتاتين، ممثلي حكومات الولايات الأخرى ليوضحوا الأسباب وراء القبض عليهما في غضون الأربعة أسابيع المقبلة.