خطة حكومية للنهوض بصناعة السينما الباكستانية

آلاف العاملين في القطاع فقدوا وظائفهم بعد فشلهم في الاستحواذ على اهتمام الحكومة

يعتقد الخبراء أن الأفلام الهندية ستساعد على إحياء صناعة السينما الباكستانية التي كادت تنتهي
TT

في أول أسبوع من شهر ديسمبر (كانون الأول) ترأست وزيرة الإعلام الباكستانية فردوس عاشق أعوان اجتماعا لصناع السينما الباكستانية في العاصمة الباكستانية إسلام آباد. وناقش الاجتماع حالة صناعة السينما الباكستانية التي يرثى لها وعبر عن الأسف الشديد لكون باكستان مضطرة لاستيراد أفلام من الهند حتى تلبي احتياجات عشاق السينما في باكستان.

وقالت أعوان: «إننا بحاجة إلى تعزيز ثقافتنا من خلال إحياء صناعة السينما الباكستانية ولن يتأتى ذلك إلا بالارتقاء بمحتوى الأفلام والحبكة الدرامية. لسنا بحاجة إلى الاعتماد على ثقافة أخرى، ولذا يتعين علينا إحياء صناعة السينما لدينا».

وأشارت الوزيرة الباكستانية إلى أن عشرات الآلاف من العاملين بصناعة السينما قد فقدوا وظائفهم بعدما فشل هذا القطاع المهم في الاستحواذ على اهتمام الحكومة. وقالت أعوان للمشاركين في الاجتماع إنها سوف تنقل تفاصيل حالة هذا القطاع إلى الرئيس ورئيس مجلس الوزراء.

وبعيدا عن الخطابات الرنانة والقوية، لم يقم هذه الاجتماع بالكثير من أجل إنقاذ تلك الصناعة التي تشهد انحدارا مستمرا منذ نحو عقدين من الزمان بسبب نقص التمويل من القطاع الخاص وعدم وجود فنيين مؤهلين وعدم قدرة هذا القطاع على منافسة صناعة السينما الهندية.

وقال الناقد السينمائي والصحافي الباكستاني خوار مشتاق: «صناعة السينما الباكستانية باتت في عداد الأموات منذ سنوات. هناك تدفق هائل للأفلام الهندية ولم يعد هناك من يشعر بالحاجة إلى إحياء صناعة السينما الباكستانية».

ويرى النقاد أن 2010 كان أسوأ عام في تاريخ صناعة السينما الباكستانية، لأنه لم يشهد سوى عرض سبعة أفلام فقط، كان الفشل الذريع مصير ستة منها، وهو ما أصاب الجمهور الباكستاني بحالة من الإحباط. وقال أحد النقاد الباكستانيين: «هذا العام أفضل نسبيا لأنه سيشهد عرض 14 فيلما ويبدو أن جميع هذه الأفلام جيد ومثير للاهتمام».

وقد توقفت شركات إنتاج الأفلام الباكستانية عن العمل لسنوات، ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى نقص التمويل من جانب القطاع الخاص. وفي عام 2009. توقفت صناعة السينما تماما عندما قامت حركة طالبان بالهجوم على دور العرض.

وقد شهدت مدينة لاهور، التي تعد مقر صناعة السينما الباكستانية، سلسلة من الهجمات التفجيرية والعمليات الإرهابية (كان بعضها موجها لدور العرض واستوديوهات تصوير الأفلام)، وهو ما أدى إلى توقف هذه الصناعة تماما.

وقال مشتاق: «باتت صناعة السينما الباكستانية على وشك الانهيار نتيجة للضغوط التي تتعرض لها من جهتين، أولهما هو الإغراق الذي تشهده السوق الباكستانية من الأفلام الهندية الأكثر جودة، والثاني يتمثل في الهجمات الإرهابية من جانب حركة طالبان».

وكانت الأفلام الهندية قد غزت السوق الباكستانية في الثمانينات من القرن الماضي بفضل شرائط الفيديو التي كانت منتشرة آنذاك. وحتى السبعينات من القرن الماضي، كانت صناعة السينما الباكستانية قوية بالدرجة التي تمكنها من منافسة نظيرتها الهندية وكان تعالج القضايا الاجتماعية للمجتمع الباكستاني بصورة رائعة، ثم بدأت تتداعى بعد ذلك عندما سحبت الحكومة الباكستانية تمويلها ودعمها، ولم تكتف بذلك ولكنها بدأت في فرض بعض القيود الثقافية على صناعة السينما خلال فترة الثمانينات. ولم تتعاف صناعة السينما الباكستانية منذ ذلك الحين. وخلال السنوات الأخيرة، قامت بعض دور الإنتاج بمحاولات كثيرة لإحياء صناعة السينما الباكستانية من خلال إنتاج بعض الأفلام الرائعة والشيقة، إلا أن جميع هذه المحاولات قد فشلت في مساعدة هذه الصناعة على النهوض من كبوتها مرة أخرى.

وقال أحد النقاد السينمائيين: «قامت المؤسسات الإعلامية بمحاولات جادة لإعادة إحياء هذه الصناعة، ولكن هذه المحاولات كانت على نطاق ضيق، بمعنى أنها كانت تقوم بإنتاج فيلم واحد خلال أربع سنوات على أقصى تقدير، في حين يتم استيراد نحو أربعة أفلام هندية كل شهر تقريبا».

ورغم الشعبية الجارفة التي تحظى بها الأفلام الهندية في باكستان، فإنها تخضع للرقابة قبل السماح بعرضها في دور العرض الباكستانية. وكانت الحكومة الباكستانية قد اتخذت قرارا بحذر بعرض الأفلام الهندية في دور العرض الباكستانية عام 1965 عندما اندلعت الحرب بين البلدين بسبب إقليم كشمير المتنازع عليه.

وقد تم تخفيف هذا الحذر عام 2006 عندما شهدت العلاقات الثنائية تحسنا كبيرا نتيجة الحوار الذي ركز في الأساس على تحسين العلاقات الثقافية بين البلدين والاتصال بين الشعبين الباكستاني والهندي. وقال مسؤول بارز بوزارة العلاقات الثقافية الباكستانية: «في عام 2006. وافقت الحكومة الباكستانية على السماح بعرض ثلاثة أفلام هندية في باكستان كل شهر».

ومنذ قيام الحكومة الباكستانية برفع الحظر المفروض على الأفلام الهندية في باكستان بصورة جزئية، شهدت صناعة السينما في باكستان نوعا من التطور إلى حد ما. ويعتقد الخبراء أن الأفلام الهندية سوف تساعد على إحياء صناعة السينما الباكستانية، حيث يقول نديم مانديوالا، وهو صاحب دار سينما ورئيس رابطة ملاك دور السينما في كراتشي: «عرض الأفلام الهندية سوف يعطي دفعة لصناعة السينما الباكستانية ويساعد على إحياء ثقافة السينما في باكستان التي كادت تنتهي».

وأضاف مانديوالا أن عدد دور العرض في باكستان قد انخفض من 1400 في الثمانينات من القرن الماضي إلى 250 فقط حاليا. وبعد رفع الحظر في شهر أبريل (نيسان) 2006، كان أول فيلم هندي يتم عرضه في باكستان هو فيلم «تاج محل»، وهو مأخوذ عن قصة حقيقية للإمبراطور المغولي شاه جهان وحبه لزوجته ممتاز محل الذي دفعه لبناء نصب تاج محل الشهير.

ومع ذلك، تدهورت العلاقات الهندية الباكستانية مرة أخرى في الآونة الأخيرة عقب الهجوم الإرهابي على مدينة مومباي الهندية. وبعد اتهام جماعات متشددة في باكستان بالوقوف وراء هذا الهجوم، أعلنت الحكومة الهندية عن توقف الحوار مع باكستان. ولم يؤثر هذا التدهور في العلاقات على حب وعشق الشعب الباكستاني للسينما الهندية. وقال خوار رياض، وهو حرفي ينتمي للطبقة الوسطى، لصحيفة «الشرق الأوسط» خارج إحدى دور العرض: «خلال السنوات الأربع الماضية، أصبحت معتادا على الذهاب للسينما مرة أخرى بعدما سمحت الحكومة بعرض الأفلام الهندية، وقبل ذلك كنت معتادا على مشاهدة الأفلام في المنزل».

ويرى المثقفون الباكستانيون أن الشعبية الطاغية للأفلام الهندية في باكستان تعد بمثابة غزو ثقافي، وهو ما يمكن أن يكون له تأثير سلبي للغاية على القيم الأخلاقية في المجتمع الباكستاني. وما يزيد قلق هؤلاء المثقفين بشكل خاص هو مستوى الفحش الذي بات، على حد قولهم، شيئا أساسيا في الأفلام الهندية.

ومن بين الأسباب الرئيسية لهذه المشكلة هو الإنتاج الضعيف للسينما الباكستانية، ويكفي أن نعرف أنه يتم إنتاج 30 فيلما باكستانيا كل عام مقابل 1000 فيلم هندي. وفي كلمته في البرلمان الباكستاني الأسبوع الماضي، قال مسؤول بوزارة العلاقات الثقافية الباكستانية: «صناعة السينما الباكستانية عاجزة عن إنتاج أفلام جيدة، ويعود جزء كبير من هذه المشكلة إلى أنه لا يوجد من يستثمر في إنتاج الأفلام الباكستانية».

ونتيجة لذلك، أصبحت السوق الباكستانية أرضا خصبة للصراع القوي بين السينما الهندية والسينما الأميركية لجذب الجمهور، ولكن الأفلام الهندية لديها ميزة كبيرة وهي اللغة المشتركة بين الهند وباكستان، حسب رأي أحد النقاد.

ويرى النقاد أن شغف الشعب الباكستاني بالذهاب إلى السينما لرؤية الأفلام الهندية ما هو إلا جزء بسيط من هذه المعضلة، ولكي نفهم هوس الباكستانيين بالسينما الهندية يتعين علينا الدخول لعالم أقراص الـ«دي في دي» المقرصنة، حيث يقول عرفان خان، وهو صاحب محل لبيع الـ«دي في دي» في إسلام آباد: «جميع الأفلام الهندية تكون متاحة مقابل 55 روبية للفيلم (أقل من دولار واحد) في محلي هذا، بعد عرضها بيومين اثنين فقط في دور العرض. وهناك إقبال كبير للغاية على شراء هذه الأفلام».

ويرى مسؤولون بوزارة العلاقات الثقافية الباكستانية أن عرض الأفلام الهندية في باكستان سوف يعطي دفعة لصناعة السينما الباكستانية. ورغم مرور ست سنوات كاملة على سماح الحكومة الباكستانية بعرض الأفلام الهندية في باكستان، فإن صناعة السينما الباكستانية لم تخرج من محنتها، ولذا قد يتعين على الشعب الباكستاني أن يتعايش مع ما يسمى بالغزو الثقافي القادم من الهند لفترة أطول.

وعلاوة على الغزو الثقافي القادم من الهند، تواجه صناعة السينما الهندية تحديا آخر يتمثل في الإرهاب القادم من شمال البلاد، وهو ما يمثل الخطر الأكبر على صناعة السينما الباكستانية، حيث يختبئ الممثلون والممثلات لدواع أمنية، بدلا من الظهور وتصوير الأفلام في الأماكن العامة.