الحرب الإعلامية تعود من جديد بين الصحافة الهندية والباكستانية

على خلفية استيقاظ نيودلهي على قصة تشويه جثتي اثنين من جنودها

صحف باكستانية تنشر يوميا تفاصيل عن الحادثة التي وترت العلاقات مع الهند (أ. ب)
TT

-تم تشويه جثتي اثنين من الجنود الهنود مؤخرا، ويقال إن القوات الباكستانية على الحدود المتنازع عليها بين البلدين في جامو وكشمير هي التي تقف وراء هذا.

وأثار هذا النبأ غضبا كبيرا في وسائل الإعلام الهندي بعد تصريح مسؤولين عسكريين بأن رأس إحدى الجثث قد قطعت وتم الاحتفاء بها في باكستان. وفجأة تغير كل شيء في صالات التحرير الناعسة، فبدت وكأن الحياة قد دبت فيها، حيث تعالت تنهدات الارتياح في كل المؤسسات الإعلامية في العاصمة الهندية دلهي، حيث ظهر مؤخرا خبر جديد يمكن الحديث عنه بعد أيام من تغطية أخبار الشابة التي تم اغتصابها بوحشية على متن حافلة متحركة في دلهي وموتها. لقد عادت الشمس لتشرق على دلهي مرة أخرى، وعاد المراسلون ومذيعو الأخبار إلى العمل.

وسيستمتع الجنود السابقون والدبلوماسيون المتقاعدون العائدون من إجازة الشتاء بدفء استوديوهات الأخبار. ولا يهم إذا كان كل ما لديهم من وقت للحديث هو أقل من دقيقة في برنامج إخباري يعرض في وقت متميز. لقد ظلوا يترددون على البرامج كل مساء «لأن الأمة تريد أجوبة». وتعد منطقة جامو وكشمير المتنازع عليها بالنسبة للإعلام الهندي والباكستاني منطقة رومانسية خطيرة تثير فور ظهورها الشعور القومي المتعصب في محاولة لتجسيده عبر الكلمات والتعليقات.

ولم يتحدث الإعلام الباكستاني عن الحادثة كثيرا، حيث ركزت بعض العناوين فقط على رد الهند على مقتلهما، وحذر مقال افتتاحي باللغة الإنجليزية من حدوث المزيد من المواجهات.

على الجانب الآخر استمر تصدر مقتل الجنود الهنود قائمة اهتمامات الصحف الهندية منذ 8 يناير (كانون الثاني) وهو تاريخ ورود خبر الواقعة إلى الإعلام. واستمر عرض القنوات الخاصة البارزة لتعليقات على شاشاتها مثل «عدوان باكستان المفتوح» و«الجنود الهنود يتعرضون إلى عمليات وحشية».

وكان العنوان الذي تصدر الصفحة الأولى من صحيفة «تايمز أوف إنديا»، أكثر الصحف الصادرة بالإنجليزية مبيعا، هو «القوات الباكستانية تقتل جنديين وتقطع رأس إحدى الجثتين وتمثل بها». وترددت هذه النبرة في صحف أخرى، حيث جاء في صحيفة «هندوستان تايمز»: «باكستان تعبر الحدود المتنازع عليها وتقطع رأس جندي هندي وتنحر عنق الآخر».

بدأ الصحافيون المدافعون ذكر «مصادرهم» التي تكشف لهم حقيقة جديدة كل يوم. وفجأة أدرك الصحافيون في التلفزيون الهندي أن دعاة انفصال إقليم كشمير زاروا باكستان منذ أكثر من شهر وقابلوا حافظ سعيد، الإرهابي الذي يستهدف الهند.

ونقل الصحافيون في التلفزيون المطلعين أنفسهم الخبر عن مصادرهم في وقت حدوث الهجوم تقريبا. وذكرت إحدى القنوات البارزة على حسابها على «تويتر»: «خططت باكستان للهجوم قبل حدوثه بشهر». ووصل أنصار فكر ماو تسي تونغ الذين خططوا للسيطرة على العناوين القومية قبل أشهر من وقوع الحادث إلى حائط مسدود.

ورغم أن الباكستانيين قتلوا عددا كبيرا من الجنود في كمين بولاية جهارخاند، يبدون مثل النجوم الجذابين في الإعلام الهندي. ورغم أن أنصار فكر ماو تسي تونغ زرعوا قنبلة تزن 2 كغم في جثة أحد الجنود، كان خبر الباكستانيين الذين قطعوا رأس الجندي أكثر جذبا وقرر الإعلام الهندي الالتزام بموضوعه المفضل. وأثارت القصة جدلا ساخنا في البرامج الحوارية التلفزيونية.

وصب مذيعو الأخبار الزيت على النار على خلفية موسيقية تثير في النفس شعورا بالتهديد، حيث تساءلوا عن خيارات الهند للرد على باكستان وعما إذا كان هناك جدوى من استمرار عملية السلام أو حتى لعب مباريات الكريكيت مع الفريق الباكستاني.

على الجانب الآخر، ظل فريق الكريكيت الباكستاني في الهند لأسبوعين بعد توقف المباريات خمس سنوات. وركزت المناقشات على قضايا تهم الهند مثل العلاقات التجارية وتحرير تأشيرات الدخول والإرهاب والعلاقات بين الشعبين. وعبر المعلقون الإخباريون عن غضبهم على شاشة القنوات الإخبارية بالتلفزيون الهندي، وحث حزب المعارضة الرئيسي الحكومة على فضح أفعال باكستان أمام المجتمع الدولي. وصرح زعيم حزب «بهارتيا جاناتا»، آرون جايتلي، لصحافيين: «يمكن إدانة باكستان واتهامها بارتكاب هذا الهجوم الوحشي».

وقارن بعض المعلقين بين مقتل الجنديين واشتباكات عام 1999 عندما احتل متسللون إسلاميون مدعومون من باكستان مرتفعات كارغيل شمال الجزء الهندي من كشمير.

وخسرت الهند المئات من أفراد قواتها قبل استعادة تلك المنطقة بعد قتال مرير أسفر عن حرب رابعة. وانقسم الخبراء على قناة «إن دي تي في» الإخبارية التي تعمل على مدار اليوم وطوال أيام الأسبوع إلى صقور وحمائم. وقابلت مقترحات برد عسكري على هذا الحادث دعوات لاستمرار الحوار. وانتقد أرناب غوسوامي، المحرر البارز في «تايمز ناو تي في»، خلال برنامج «نيوز أوار» الشهير، «الجنود الباكستانيين الجبناء» الذي ينسب إليهم تنفيذ هذا الهجوم. وأكد على ضرورة وقف دبلوماسية «غزل البنات» في إشارة إلى جولة فريق الكريكيت الباكستاني في الهند.

ورد المعلق الإخباري الباكستاني البارز ظفار هلالي، الذي كان في البرنامج أيضا، بقوله إن التمثيل بجثة أي شخص «عمل يستحق التوبيخ»، مشيرا إلى أن توجيه أصابع الاتهام للجيش الباكستاني «محض هراء».

وحذر مؤكدا على ضرورة أن تتم المناقشات بين الدولتين اللتين تمتلكان سلاحا نوويا في أجواء أكثر هدوءا.

أخذت العناوين تتابع في الظهور على شاشة «تايمز ناو» بالتزامن مع حمى الحرب. ومن تلك العناوين «ما الذي يمنعنا؟». كذلك أشار أرناب إلى أن الحوار بين البلدين لا معنى له وأن دلهي ينبغي أن توقف كافة إجراءات بناء الثقة مع إسلام آباد فورا.

وعلى العكس من ذلك بدا كاران تابار، الصحافي الهندي البارز، الذي يظهر على شاشة «سي إن إن» من خلال برنامجه «لاست وورد» «الكلمة الأخيرة» أكثر حكمة وتعقلا. لقد بدأ النقاش بسؤال في لب الموضوع وهو: «هل رد فعل الإعلام الهندي على مقتل الجنديين قومي حماسي؟».

ودار النقاش على حول الموضوع الصحافي الذي نشر على سبعة أعمدة في الصفحة الأولى من صحيفة «هندو» الهندية تحت عنوان «جدة هاربة تتسبب في اندلاع اشتباكات على المنطقة الحدودية». ويشير الموضوع الصحافي إلى أن مقتل الجنديين والتمثيل بجثتيهما حدث في إطار عمل انتقامي على خلفية القرار الهندي الاستفزازي بإقامة خنادق مراقبة بطول الحدود.

ونقلا عن مسؤول عسكري رفيع المستوى ومصادر حكومية، تشير الصحيفة إلى أن تجدد العنف مؤخرا على الحدود سببه شروع الجيش الهندي في إنشاء خنادق شمال الحدود. وجاءت هذه الخطوة بالأساس بعد عبور سيدة عجوز الحدود إلى الجزء الخاضع لسيطرة باكستان من إقليم كشمير لتكون مع أبنائها.

وأسفرت هذه الحادثة عن سلسلة من الاشتباكات قبل أن تتطور وتؤدي إلى مقتل الجنديين. وتذكر الصحيفة أن مثل هذه الحوادث شائعة، فقد حدثت واقعة مشابهة في الماضي ولم تجذب انتباه وسائل الإعلام كثيرا حينها. وتشير الصحيفة إلى أن واحدة من هذه الحوادث وقعت العام الماضي عندما اندلعت اشتباكات في كارنا بعد قطع رأس جنديين هنديين في هجوم من قبل القوات الباكستانية.

وردت القوات الهندية باستهداف موقع متقدم مما أسفر عن مقتل عدد من الجنود الباكستانيين وقطع رأس اثنين منهم. ونقل عن الصحافي الباكستاني البارز، نجم سيثي، في برنامج «كاران تابار»، إشارته إلى مقال الصحافية الهندية بركة دات الشهير الذي يحمل عنوان «اعترافات مراسلة حربية» التي ذكرت فيها «رأس وتشويه وجه جندي باكستاني» وصلبه على شجرة من قبل القوات الهندية خلال معركة كارغيل عام 1999.

ويمكن تفهم موجة الغضب العارم التي اندلعت على خلفية تشويه جثة الجنديين، لكن إذا كان هناك سجل لأفعال الجانبين المشابهة، فينبغي حينها أن تخبر وسائل الإعلام الهندي الناس بها. وواجهت الحكومة الهندية مطالبات ملحة من جانب القطاعات المتعصبة للتوجه القومي في الإعلام خاصة الإعلام الإلكتروني باتخاذ موقف ضد باكستان والرد على ما حدث.

ورغم ضبط النفس النسبي من الجانب الهندي، يبدو أن الحكومة الهندية بصدد التحول إلى تبني نهج صارم ضد باكستان تحت ضغط الإعلام.

اللهجة التي استخدمها الجنرال المتقاعدون في حواراتهم التلفزيونية لحث الجيش ضد باكستان. ظهر وزير الخارجية الهندي سلمان خورشيد على شاشة التلفزيون للتعبير عن قلق بلاده لكنه كان متحفظا. في اليوم التالي اجتمع وكيل وزارة الخارجية الباكستانية بوزيرة الخارجية ونقل لها المخاوف الهندية.

لقيت القصة تغطية متواضعة نسبيا في باكستان. فعلى قناتي «دون نيوز» و«جيو نيوز» الإخباريتين الجديدتين اللتين تبثان باللغة الأوردية، في حين غابت التغطية تماما في الصحف الصادرة باللغة الأوردية.

وقد أفردت عدة صحف باكستانية صادرة باللغة الإنجليزية بعض العناوين التي تركز على الرد الهندي. فقالت صحيفة «ذا نيشن»، الصحيفة الباكستانية التي تتخذ موقفا معاديا للهند: «وزير الخارجية الهندي يهدد بالتحرك، بعد المزاعم بمصرع جنديين». وقالت صحيفة «ديلي تايمز» الصادرة في لاهور، التي تتخذ موقفا معتدلا: «الهند تهدد بمهاجمة باكستان بعد مقتل جنديين».

وقد أشارت الصحيفتان إلى البيان الذي صدر في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) عن وزير الشؤون الخارجية الهندية سلمان خورشيد، الذي قال إن «رد الهند سيتحدد في أعقاب دراسة متأنية للتفاصيل، وسنتخذ خطوات ذات معنى وفاعلية».

وكانت صحيفة «ذا نيوز» الصادرة باللغة الإنجليزية، المعروفة بدفاعها عن السلام مع الهند، قد نشرت رسالة تهدئة في افتتاحيتها جاء فيها: «لا تحتاج أي من الدولتين إلى خوض حرب أخرى، بل ينبغي على كلتا الدولتين الانتقال إلى ما وراء ذلك. مثل هذه الحوادث الخطيرة لا يمكننا، بل لا يجب علينا، أن نسمح لها بأن تدفعنا إلى مسار نحو مزيد من المواجهة».

وقد انتقدت وزيرة الخارجية الباكستانية هينا رباني خار وسائل الإعلام الهندية على تعاطيها مع قضية التمثيل بجثث الجنود الهنود، ورفضت الاتهامات بانتهاك وقف إطلاق النار على جانبي خط السيطرة. وقالت الوزيرة: «حتى بعد استشهاد جنود من جانبنا، كنا نحافظ على الآلية الثنائية. في الوقت الذي تصدر فيه من جانبهم تصريحات قوية عندما يقع القتلى في صفوفهم».

وأشارت خار إلى أن باكستان تعاملت بسلوك مسؤول كل مرة واجهت فيها تحديا. وقالت: «أنا فخورة بأن أمثل حكومة، تتصرف بصورة مسؤولة في كل مرة واجهت فيها موقفا متحديا».

في الثامن من يناير عندما ذكرت التقارير الأولية للقيادة الشمالية للجيش الهندي مصرع جنديين في انتهاك لوقف إطلاق النار في قطاع منذار، أن الجثث تم التمثيل بها وقطع رأس إحداها وتم حمل الرأس بعيدا، كانت الصحافة الهندية حذرة في التركيز على عائلة الجندي مفصول الرأس هيم راج، حيث أضربت أم وزوجة الجندي رغم دفنه إلى أن تعيد باكستان رأس الجندي. وكانت وسائل الإعلام الهندية تنقل تقارير بشكل منتظم عن العائلة والزيارات التي يقوم بها سياسيون لإقناع العائلة بتناول الطعام.

وسط هذا الغضب توجه بعض الصحافيون في كلا البلدين إلى مواقع التواصل الاجتماعي للتساؤل عما إذا كان الإعلام قد تمادى في تغطية الحادث. فتقول شارما على «تويتر»: «المغالاة في الوطنية لم تكسب حربا، ولم تخدم سلاما»، وكتبت أيضا: «الأمر يصبح مثار قلق خطير عندما يتوقع من الصحافيين أن يعلوا مصلحة الوطن أولا».

وقال عمر قرشي، مستخدم آخر لـ«تويتر»: «بدأت الهند انتهاكات وقف إطلاق النار، التي ربما يكون الباكستانيون قد ردوا عليها، بيد أن الفرد بحاجة إلى قراءة التعليقات في وسائل الإعلام في كلا البلدين»، وكتب أيضا: «في أحد الجانبين هناك تغطية صامتة، وفي الأخرى هناك سباق نحو الحرب كما لو كانت الخطوة المنطقية القادمة معركة شاملة».

ما أثار الدهشة، انتقاد السياسي الكبير ماني شانكار آير ما وصفه تحريض وسائل الإعلام الهندي مقارنا إياها بالملالي الباكستانيين. وقال متحدثا الأسبوع الماضي خلال مؤتمر في دلهي وأكد كلا الجانبين دمر العلاقات الجيدة بين الدولتين الجارتين في جنوب آسيا.

الأمر ذاته أكدته شوما تشودري رئيسة تحرير مجلة «إنديا تيهلكا»، التي تحدثت في المؤتمر ذاته قائلة لو أن صناعة القرار كانت بيد بعض الصحافيين الهنود لكنا نخوض حربا الآن.

وعلى الرغم من تراجع حدة تبادل الاتهامات تدريجيا على جانبي الحدود، تسعى الحكومة الهندية جاهدة إلى استرضاء وسائل الإعلام القومية من ناحية والحفاظ على استمرار عملية السلام الهندية الباكستانية من ناحية أخرى. وقد أثبت ذلك صعوبة بالغة، حيث ركزت وسائل الإعلام الهندية على التصريحات الأخيرة لقادة القوات الجوية الهندية.

وقد أدان قائد الجيش الهندي بيكرام سنغ الأعمال الباكستانية ومقتل الجنديين والتمثيل بجثتيهما في كشمير. وأوضح الجنرال سنغ أن الرد الهندي سيكون عنيفا إذا ما وقع هجوم عليها. وقال الجنرال: «ما أغضبنا كانت الطريقة التي تم التعامل بها مع جنودنا»، مشيرا إلى أن العمل المزعوم يتناقض والأعراف العسكرية وقواعد الاشتباك التي تحدد استخدام القوة. وطالب باكستان بإعادة رأس الجندي.

في الوقت ذاته، قال قائد القوات الجوية الهندية المارشال إن إيه كي براون: «إذا تواصلت هذه الاعتداءات، فقد نلجأ إلى دراسة بعض الخيارات الأخرى للرد».