المسلسلات التركية تجتاح الإعلام الباكستاني

«العشق الممنوع» يسحب البساط من هيمنة «بوليوود»

أيزر شخصيات مسلسل (حريم السلطان) التركي
TT

طالما كانت تخشى صناعة الترفيه المحلية في باكستان من المنافسة الأجنبية، لكن العام الماضي جلب معه تحديا غير مسبوق للصناعة متمثلا في الدراما التركية.

وأصبحت المسلسلات التركية تحديا كبيرا أمام صناعة الترفيه المحلية في باكستان عام 2012، حيث بدأت القنوات التلفزيونية الترفيهية المحلية عرض مسلسلات تركية في أوقات يوجد فيها أكبر عدد من المشاهدين.

وحققت بعض هذه المسلسلات نجاحا في المجتمع الباكستاني بعد وقت قصير من عرضها، واجتاحت بالتالي الإعلام الباكستاني، بتغطيات موسعة، بل وأزاحت المسلسلات الباكستانية المليئة بالنجوم وحلت محلها.

وشهد العام الماضي بداية استيراد القنوات الخاصة الباكستانية، التي تعمل في صناعة الترفيه، عددا كبيرا من المسلسلات التركية وعرضها في أوقات بها نسبة مشاهدة عالية، وحققت تلك المسلسلات نجاحا سريعا.

وقال أحد ناقدي الدراما المحلية: «لقد أحدثت هذه المسلسلات تحولا في القنوات التلفزيونية المحلية». أصبحت المنافسة شديدة في ظل ظهور قنوات ترفيهية خاصة جديدة والتي حصلت على حقوق بث مسلسلات تركية حصريا. ولا يستطيع أحد التنبوؤ بأن قناة جديدة لها حقوق عرض محتوى أجنبي، ستثير صخبا سريعا رغم أنها لا تعرض أي محتوى محلي أصيل.

ولم يجذب مسلسل «العشق الممنوع»، الذي يعرض على قناة «أردو 1» الخاصة الجديدة، الفتيات فقط، بل ربات البيوت الأكبر سنا أيضا. لقد حظي بشعبية كبيرة وأثار جدلا واسعا في صناعة الترفيه حول تفضيل القنوات التلفزيونية المحتوى الأجنبي على المحتوى المحلي بحسب ما جاء في تعليق على إحدى القنوات الإخبارية المحلية.

وبعد نجاح قناة «أردو 1» والدراما التركية، ظهر على الساحة الإعلامية جدل حول خسارة الدراما المحلية أمام الدراما التركية. ويقول أحد النقاد الفنيين: «هناك حديث عن حصول مسلسل (العشق الممنوع) على نسبة مشاهدة أعلى من التي حصل عليها مسلسل (هامسافار) الذي اقترب من 11.5 على المقياس».

ويقول شهاب مصطفى، ناقد الدراما الباكستانية، إن عرض محتوى هندي من أفلام بوليوود على شاشات التلفزيون الباكستاني أثار احتجاجا كبيرا منذ عشر سنوات، مشيرا إلى أننا نسمع الاستياء نفسه بسبب عرض المسلسلات التركية. ويقول شهاب: «ينبغي على النقاد أن يسألوا أنفسهم سؤالا بسيطا: لماذا اتجه المشاهدون إلى المسلسلات الأجنبية عندما كان أمامهم الاختيار بينها وبين المسلسلات المحلية؟ الإجابة بسيطة وهي أن المسلسلات الأجنبية أفضل».

والسؤال الذي يثار حوله جدل ساخن في باكستان هو لماذا يفضل المشاهد الباكستاني الدراما التركية على الدراما الباكستانية. وقدم مقال افتتاحي في صحيفة «إكسبريس تريبيون» الباكستانية ذات النهج الليبرالي ومقرها كراتشي إجابة مفادها: «إنهم حاولوا مشاهدة ممثل يقوم بدور صديق في مسلسل على إحدى القنوات، في حين لعب دور الأب في مسلسل آخر على قناة أخرى. ويجدون ممثل يلعب دور الشرير في مسلسل، بينما يمثل دور أحمق البلدة في مسلسل آخر». ويقول شهاب: «لقد سأم الناس من مشاهدة الوجوه نفسها. باستثناء المسلسلات القليلة التي تضم عددا كبيرا من النجوم، تفتقر أكثر الحبكات الدرامية إلى الإبداع والخيال».

وهناك فرق كبير بين شعبية الدراما التركية والدراما الهندية منذ عشرة أعوام. عندما بدأت المسلسلات الهندية في اكتساب الشعبية بين مشاهدي التلفزيون الباكستاني، كان هناك رأي مناهض للغزو الثقافي وأن المحتوى الأجنبي يفسد المجتمع الباكستاني. ويقول ساردار شهاب: «مع ذلك الوضع مختلف الآن، فتركيا بلد إسلامي مثل باكستان، ولم يعد هناك أي شيء يدعو إلى القلق من غزو ثقافي من بلد غير إسلامي».

وأدت الشعبية الكبيرة غير المتوقعة للمسلسلات التركية المدبلجة إلى ثورة في التلفزيون الباكستاني، يرى الكثير من الممثلين المحليين أنها قد تؤدي إلى موت الدراما المحلية.

وخرج الممثلون إلى الشوارع مطالبين بحماية الحكومة ومنع هذه المسلسلات المدبلجة. وتشبه ما ساقوه من حجج تلك الحجج التي انتشرت عندما حققت المسلسلات الهندية نجاحا كبيرا في باكستان وتم حظر قنوات هندية مثل «ستار بلاس». وجاء في تعليق بصحيفة «إكسبريس تريبيون» التي تصدر باللغة الإنجليزية يوميا: «لقد كانت الحجة معقولة آنذاك رغم كونها خاطئة، أما الآن فلم تعد مقنعة. في البداية يمكن أن نناقش الأمر من وجهة نظر أخلاقية، حيث يحق للمشاهدين اختيار شكل الترفيه الذي يريدونه، وليس من حق الحكومة أن تتخذ القرار نيابة عنهم. لقد قالت السوق كلمتها وبات من الواضح أنها تريد المسلسلات التركية المدبلجة باللغة الأردية والتي يبدو أنها تحقق نجاحا كبيرا».

وبغض النظر عن أن الدراما التركية مقبولة أكثر من الدراما الهندية، تلاقي مقاومة كبيرة من صناعة الترفيه المحلية. وعقدت رابطة المنتجين المتحدين، وهي مؤسسة تضم منتجين دراما محليين، مؤتمرا صحافيا خلال الأسبوع الماضي في إسلام آباد طالبت خلاله الحكومة بحظر عرض المسلسلات التركية على محطات الترفيه التلفزيونية، مشيرين إلى أنها لا تضر بحظوظ الدراما المحلية فحسب، بل أيضا تقدم للجمهور الباكستاني محتوى غير مقبول أخلاقيا.

واتهمت الرابطة خلال المؤتمر الصحافي قوانين الرقابة الحكومية بالازدواجية، حيث تسمح بعرض أشياء في المسلسلات الأجنبية، بينما تمنع عرضها في المسلسلات المحلية. على سبيل المثال، يقول البعض إنه غير مسموح بظهور المشروبات الكحولية في المسلسلات الباكستانية، ومع ذلك ظهرت سيدات تتناولن المشروبات الكحولية وهن متكئات في حوض استحمام خلال أحداث مسلسل «العشق الممنوع».

وينصح ناقدو الدراما الباكستانية منتجيها بالاستعداد إلى المنافسة بدلا من الاعتماد على الحجج التي ليس لها أساس من الصحة. وكتب أحد أبرز ناقدي الدراما في إحدى الصحف المحلية: «بعيدا عن المحتوى، لا تستطيع رابطة المنتجين المتحدين السيطرة على المد التكنولوجي. وستزداد سهولة الوصول إلى القنوات الجديدة في ظل انتشار الوصلات المباشرة في المنازل شئت أم أبيت. إضافة إلى ذلك، في ظل التقارب بين التلفزيون والإنترنت، تزداد الاختيارات وتتجاوز حدودنا. وهذا ما يحدث بالفعل في الغرب».

وأوضح الناقد الدرامي: «ماذا ستقول الرابطة عندما تجد نفسها أمام منافسة من مصر أو المغرب أو تونس أو كازاخستان. ويجب أن تدرك أن المشاهد الباكستاني تذوق طعم المحتوى الأجنبي، وأحبه ويريد المزيد منه. كل هذا يعني أن على الرابطة بذل المزيد من الجهد. إنهم بحاجة إلى التعاقد مع وجوه جديدة قادرة على المنافسة وتقديم حبكات درامية جديدة أفضل».

ويرى بعض النقاد الفنيين أن على صناعة الدراما الباكستانية التعلم من الفشل الذي منيت به صناعة السينما الباكستانية، حيث لم تستطع الصمود أمام صناعة الأفلام الهندية ولم يعد لها أي وجود الآن تقريبا. ويوضح النقاد الفنيون أن منع الحكومة عرض أي محتوى أجنبي لم يفلح في باكستان. ويقول شهب مصطفى: «ظلت لصناعة السينما الباكستانية الساحة بأكملها لعقود طويلة، حيث كانت الأفلام الهندية ممنوعة من العرض في دور السينما في باكستان، ومع ذلك لم يكن لهذا أي تأثير يذكر على الإنتاج المحلي من الأفلام، بل وتراجع مستوى أفلامنا».

مع ذلك يرى الكثيرون في صناعة الدراما المحلية أن المسلسلات الباكستانية ليست عديمة الجدوى بالشكل الذي تم تصويره على مدى الأشهر القليلة الماضية. ويضيف شهاب مصطفى: «على سبيل المثال، تم إنتاج مسلسل (هامسافار) الذي لاقى قبولا كبيرا لدى مشاهدي التلفزيون الباكستاني».