هل «الجزيرة» متساهلة جدا مع قطر وحلفائها؟

تخطط عبر قناتها الإنجليزية للوصول إلى 260 مليون منزل في 130 دولة

TT

حجزت قناة «الجزيرة» القطرية مقعدا مؤثرا في الصف الأول لأحداث «يوم الغضب» في العاصمة المصرية القاهرة قبل نحو عامين، وهي الأحداث التي أطاحت بنظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك.

وبينما سارع العديد من المؤسسات الإعلامية الغربية بتكثيف تغطيتها للثورة المصرية الوليدة آنذاك، كانت قناة «الجزيرة» تعد تقارير عن تلك الاحتجاجات غير العادية التي انتهت باشتعال مقرات الحزب الوطني الحاكم ونزول الجيش المصري إلى الشارع.

وانعكاسا لما أنجزته الثورات العربية نفسها، فقد مهدت الثورة المصرية الطريق أمام قناة «الجزيرة»، التي انطلقت قبل 16 عاما وتتخذ من الدوحة مقرا لها، لخوض تجربة أكثر تعقيدا، حيث تسعى القناة إلى بسط نفوذها الدولي من خلال الاستثمار في سوق التلفزيون الأميركي.

وتعرف قناة «الجزيرة» في منطقة الشرق الأوسط بتقاريرها الجريئة أحيانا والثورية أحيانا أخرى عن تلك المنطقة التي تعاني من القمع السياسي. وكانت القناة قد قامت بشراء شبكة تلفزيونية تابعة لنائب الرئيس الأميركي السابق آل غور، ووصفت تلك الخطوة بأنها «تطور تاريخي» في سوق الإعلام الأميركي، الذي كانت تخطط للتوسع فيه منذ فترة طويلة. وتخطط «الجزيرة»، التي لديها قناة ناطقة باللغة الإنجليزية وتصل إلى أكثر من 260 مليون منزل في 130 دولة مختلفة، لإطلاق قناة إخبارية في الولايات المتحدة تستهدف الوصول إلى 40 مليون منزل أميركي.

وبينما تحتفل «الجزيرة» بصفقتها الجديدة في الولايات المتحدة، فإنها تواجه قضايا صعبة تتعلق بتغطيتها الإخبارية وما إذا كانت مستقلة عن النظام الحاكم في قطر أم لا، حيث يتم تمويل المحطة بصورة جزئية من الحكومة القطرية، علاوة على أن الدور السياسي المتزايد لقطر في التحولات التي تشهدها المنطقة العربية قد زاد من التدقيق في طريقة تغطية القناة للأحداث.

وقال جين كينينمونت، وهو باحث بارز بقسم الشرق الأوسط في مؤسسة «تشاتام هاوس» البحثية التي تتخذ من العاصمة البريطانية لندن مقرا لها: «زاد الربيع العربي من انتشار ومصداقية قناة (الجزيرة) في الغرب، ولكن القناة أصبحت أكثر عرضة للنقد في العالم العربي، أو بات يتم النظر إليها على أنها قناة مسيسة، على الأقل».

وقد أتاحت الثورات، التي اجتاحت العالم العربي وأسقطت الأنظمة الحاكمة من تونس وحتى اليمن، لقناة «الجزيرة» فرصة استثنائية للوصول لعدد أكبر من المشاهدين. ومع ذلك، أثارت هذه الثورات مشكلات كبيرة في ما يتعلق برؤية الجمهور لحيادية القناة.

وعلى الرغم من أنه يتم النظر إلى قناة «الجزيرة» الناطقة باللغة الإنجليزية على أنها تتمتع بدرجة كبيرة من الحرية والحيادية، فإن بعض المحللين يرون أن المواقف التي تتبناها الدوحة في ما يتعلق بالسياسة الخارجية - بما في ذلك دعم الثوار المسلحين في ليبيا وسوريا - تنعكس بدرجة كبيرة في التغطية الإخبارية للمحطة، ولا سيما في قناة «الجزيرة» الناطقة باللغة العربية. ويرى منتقدون أن الحركات الإسلامية التي تحاول قطر بناء علاقات جيدة معها تلقى اهتماما وتعاطفا كبيرا من جانب القناة، في حين تخصص القناة جزءا كبيرا من وقتها للحديث عن الادعاءات بأن المناوئين والمعارضين للرئيس المصري محمد مرسي، وهو عضو سابق في جماعة الإخوان المسلمين، هم عملاء لجهات خارجية.

ويرى بعض المراقبين أن «الجزيرة» تتسم بالحذر في ما يتعلق بالتقارير الإخبارية الحساسة حول قطر، مثل الحريق الذي اشتعل في إحدى الحضانات في الدوحة العام الماضي والذي أسفر عن مصرع 13 طفلا و6 آخرين. ومع ذلك، تنفي القناة أنها لم تقم بتغطية تلك المأساة على وجه السرعة.

وقال مايكل ستيفنز، وهو باحث بمعهد «رويال يونايتد سيرفيس» للخدمات البحثية في قطر: «(الجزيرة) شبكة مستقلة بصورة عامة، ولكنها تعمل في ضوء القيود السياسية كما هو مفهوم في قطر».

من جهتها، تنفي «الجزيرة» أنها متحيزة بأي شكل من الأشكال في تغطيتها الإخبارية، بما في ذلك موقفها من الدول الخليجية الحليفة لها، وتقول إنها بعيدة كل البعد عن الأجندات السياسية، مضيفة: «كنا نغطي الأحداث التي تجري في سوريا قبل وقت طويل من اهتمام الحكومات الخارجية بذلك».

وتقول القناة إنها تحصل على «جزء كبير» من تمويلها من الحكومة القطرية، وإنها شركة خاصة لا تهدف للربح ولديها مصادر أخرى للتمويل، مثل الإعلانات. وعلى الرغم من أن الشيخ أحمد بن جاسم آل ثاني، المدير العام لـ«الجزيرة»، هو عضو في الأسرة الحاكمة في قطر، فإن القناة تقول إنه لا علاقة له بالحكم وإنه جزء من «إدارة محترفة ومهنية قادت (الجزيرة) للنجاح بغض النظر عن جنسيات أو ألقاب أعضائها».

ولعل التحدي الأكبر الذي لا يمكن التنبؤ به والذي يواجه قناة «الجزيرة» حاليا ينبع من المشهد السياسي القطري، الذي يبدو على خلاف الصورة التي تسوقها المحطة عن نفسها، كشبكة جريئة تقوم بنقل أخبار حقيقية من الشارع العربي. وعلاوة على ذلك، حكمت السلطات القطرية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي على أحد الشعراء بالسجن مدى الحياة، بعد نشره قصيدة تسيء لأمير قطر وتحرض على نظام الحكم، ولكن «الجزيرة» لم تهتم كثيرا بفكرة أن سمعتها قد تتأثر للغاية بسبب قبضة الحكومة القطرية القوية في الداخل. وقالت القناة: «لم يتم أبدا تكليف صحافيينا بتغطية خبر أو عدم تغطيته بسبب ضغوط من خارج هذه المؤسسة».

* ساهم في كتابة التقرير عبير علام من صحيفة «فايننشيال تايمز» من القاهرة

* خدمة «واشنطن بوست»

* خاص بـ«الشرق الأوسط»