الهند: تقديم الالتماسات عبر الإنترنت

قوة جديدة من أشكال التواصل الاجتماعي بعد حادث الاغتصاب الجماعي

TT

قبل أسبوعين فقط، تم منع مغني الراب الهندي الشهير، هاني سينغ، من الغناء، بسبب صياغته كلمات غير لائقة لأغنية.

جاء في نص التماس أرسلته سيدة من دلهي تدعى كالبانا ميشرا عبر موقع «Change.org»: «يجب عدم السماح لهاني سينغ بتنظيم حفلات في الهند. إن صياغة مثل هذه الكلمات أمر مثير للاشمئزاز، والسماح له بغنائها خزي وعار. عبروا عن موقفكم للعالم، قاطعوا هاني سينغ، بعد يومين من وفاة ضحية حادث الاغتصاب الجماعي بإحدى الحافلات في دلهي، لا يمكن أن نسمح له بغناء مثل تلك الأغنيات الخليعة».

من الملحوظ أن الالتماس المنشور على الإنترنت قد أشعل الجدل وقام أكثر من 3500 شخص بالتوقيع خلال يوم واحد وتم إلغاء العرض.

يشير التماس ميشرا إلى قوة شكل جديد من أشكال النشاط الاجتماعي على شبكة الإنترنت، التي تعتبر وسيطا جديدا.. هؤلاء الذين يتبنون هذا النوع من الإقناع الأخلاقي يدلون بآراء مقنعة في صالحه، ومن الواضح أن الهنود لم يعد بإمكانهم تشغيل أغنيات سينغ في حفل، أو تجاهل كلماتها؛ متذرعين بكونها «مجرد كلمات». إن هذا هو التأثير الحقيقي للالتماس.

وفي دولة يتعين فيها على المواطن العادي المرور بمستويات من الروتين الحكومي العقيم للوصول إلى صانع القرار الذي يمكنه في نهاية المطاف تفعيل تغيير في إحدى القضايا، تعتبر الالتماسات المنشورة على الإنترنت أحدث الأدوات التي يوظفها الهنود من أجل إحداث تغيير في النظام أو النجاح في العثور على المسؤولين الذين يمكنهم تقديم شكاواهم إليهم.

وقد أدى هذا النشاط الفاعل على شبكة الإنترنت إلى ظهور مواقع إنترنت مجانية مخصصة فقط لتلقي هذه الالتماسات ودعمها. وهناك عشرات من هذه المواقع، من بينها «Change.org» و«Avaaz.org»، على سبيل المثال لا الحصر.

يقول أفيجيت مايكل، المدير الإقليمي لموقع «Change.org» في الهند: «إن مواقع الإنترنت على غرار مواقعنا توفر عددا من الأدوات لأي شخص يرغب في لمس تغيير إيجابي. تبدأ تلك الأدوات بأداة الالتماسات لمساعدة الشخص في تحديد الرسالة والشخص المستهدف. كما تسمح للشخص بمشاركة الالتماس على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن ثم حشد المزيد من الأشخاص. وفي النهاية، يمكنه طباعة التوقيعات وإرسالها إلى الجهة المستهدفة أو التواصل معها بشكل مباشر عبر البريد الإلكتروني».

وحينما تستخدم بشكل جيد، جنبا إلى جنب مع ضغط وسائل الإعلام على الجهة المستهدفة، من الممكن أن يفيد التماس على الإنترنت، بحسب مايكل، في إبراز عدد الأفراد الذين يدعمون القضية.

تضمنت حملات موقع «Avaaz» لعام 2012 التماسا وقع عليه قرابة مليون شخص دفاعا عن التعليم العام في باكستان بعد إطلاق النار على الطالبة الناشطة ملالا يوسفزاي التي تبلغ من العمر 15 عاما. وقد تم تقديمها من قبل مبعوث الأمم المتحدة مباشرة للرئيس الباكستاني الذي وقع عليها بنفسه.

وفي الهند، يصاحب هؤلاء الذين يبدون اعتراضهم على عمالة الأطفال التماسات على الإنترنت على موقع «Avaaz»، من خلال أكثر من 650 ألف توقيع تطالب البرلمان الهندي بتمرير التشريع من أجل حظر الممارسة بشكل نهائي.

وفي كل مرة يحصل فيها التماس على توقيع، يتم إرسال المناشدة إلى الشخص المعني في صورة رسالة بريد إلكتروني جديدة تحمل توقيع الشخص. من ثم، إذا حصل التماس على 7000 توقيع، سوف يتلقى المسؤول سبعة آلاف رسالة بريد إلكتروني. إن التدفق المستمر لرسائل البريد الإلكتروني (وأحيانا الاتصالات الهاتفية) يمكن أن يصفه البعض بأنه مصدر مضايقة وإزعاج، ولكنه يساهم أيضا في جعل قضية ما على رأس أولويات المسؤول.

تسترجع بريثي هيرمان، مديرة حملات بموقع «change.Org»، التماسا حقق النجاح مؤخرا، وبموجبه حصلت 42 أسرة فقيرة في مادهيا براديش على حصتها من الحبوب المتاحة من خلال نظام التأمين الغذائي الهندي بعد عامين.

«حصلوا عليها خلال أسبوع. بالتأكيد، كان جامع الرسائل غاضبا إلى حد ما من وابل الأسئلة، ولكنها وسيلة للمشاركة»، على حد قول هيرمان.

يعتبر موقع «change.Org» حديثا نسبيا في الهند، حيث تم إطلاقه في يوليو (تموز) 2011 بعدد 450 ألف مستخدم مقارنة بخمسة وعشرين مليون مستخدم على مستوى العالم.

يشهد الموقع قرابة 15 ألف التماس شهريا، فيما يرسل المستخدمون الهنود عددا يتراوح بين 200 و300 التماس أسبوعيا. تقول هيرمان: «الموقع الإلكتروني في الهند ما زال في مرحلة مبكرة جدا، ولكن يعاد اكتشافه بشكل متزايد».

على مدى أشهر، خاضت سونيتا كاسيرا محاولة إجراء مقابلة مع مسؤولي المجلس المحلي للتحكم في التلوث. كان لديها مطلب بسيط، وهو إغلاق مصانع الأسبستوس التي تعمل بشكل غير قانوني وتبعث بملوثات في منطقة كاراولي في راجستان. وقد جربت الطرق التقليدية المعتادة. وظفت قانون الحق في المعلومات وتوصلت إلى أن هناك خمسة مصانع تعمل من دون التراخيص اللازمة.

وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، أعدت مقطع فيديو لأحد المصانع الملوثة للبيئة لمنظمة «فيديو فولونتيرز»، تلك المنظمة التي تركز على نقل أخبار من الصحافيين المحليين من المناطق الريفية.

وفي أغسطس (آب)، بدأت كاسيرا تنشر التماسا على موقع «www.change.Org» الخاص بنشر الالتماسات والعرائض على الإنترنت. على مدى شهر، جمع الالتماس نحو 3600 توقيع، وفي خلال 45 يوما، تمكنت كاسيرا التي تبلغ من العمر 39 عاما من مقابلة المسؤول المعني وقام المجلس بإغلاق المصانع الخمسة.

«أجرى الناس اتصالات بالمجلس من جميع الأنحاء. لم أكن لأيأس، ولكن من دون الالتماس لاستغرق الموضوع فترة أطول».

كانت أكثر اللحظات إرضاء لها عندما اتصل بها المسؤول ليعلمها بأنه قد تم إغلاق المصانع.

وسواء أكانت الالتماسات متعلقة بإضاءة الشوارع، أو حصول المعلمين على أجورهم، أو عدم زيادة أجور أعضاء البرلمان، أو توفير مياه شرب آمنة، أو إنقاذ النمور من الانقراض، تظهر الالتماسات المنشورة على الإنترنت بوصفها قناة مؤثرة للنشاط السياسي في الدولة.

إن الإرث الخالد لنيربهايا (الاسم المستعار الذي ابتكرته الفتاة التي توفيت جراء اغتصاب جماعي وحشي في حافلة في أحد طرق دلهي) هو حقيقة أن صدمتها قد أدت بالمجتمع الهندي في النهاية إلى النظر لنفسه في المرآة.

لقد دخلت أسئلة كانت على هامش وعي الهند الحضرية ضمن الاتجاه السائد: هل نربي أبناءنا على احترام النساء والتعامل معهن على قدم المساواة مع الرجال؟ هل نحمل في النهاية وطأة النسبة بين الجنسين التي تسبب في انحرافها حالات قتل الأجنة وقتل الأطفال؟ هل نحن مشتركون في جريمة تعظيم سينما بوليوود أشكال التحرش؟ هل يجب أن نسن تشريعا ضد جرائم الاغتصاب الزوجي؟

يكمن في صميم هذا التأمل واسع النطاق تساؤل غاية في الأهمية، ألا وهو: ما الذي يمكن فعله في سبيل تغيير مسار الأمور؟

إن الهنود اليوم على استعداد لإقرار مشكلة العنف والتمييز على أساس النوع الاجتماعي، وإدراك حقيقة أن كل فرد له دور يمكن أن يلعبه. وفي هذا السياق، ظهرت الالتماسات على موقع «Change.org» كأداة كامنة، ولكنها مؤثرة، فيما ينظر كثيرون لنقرة على لوحة المفاتيح وتوقيع افتراضي بوصفهما عنصرين أساسيين في «النشاط السياسي الإلكتروني» (Slacktivism)، أثبتت الحالة الهندية أن الضغط المستمر يمكن أن يحيل الالتماسات على الإنترنت إلى أشكال فاعلة من وسائل الإعلام.

لا يمكن أن توصل الشعارات السياسية بشكل مقنع وشامل التغيير الذي يرغب المجتمع في لمسه.. يتطلب هذا قلما وورقة (أو، في هذه الحالة، لوحة مفاتيح ووصلة إنترنت).

جمع التماس الصحافية ناميتا بندار على الإنترنت، الذي حمل عنوان «أوقفوا الاغتصاب الآن!» 392.692 توقيعا على التماس يطلب تدخل الرئيس براناب موخيرجي وكبير القضاة التاماس كبير. سعت لاتخاذ الحكومة والقضاء إجراء فوريا لمنع تكرار مثل هذه الحوادث.

ولضمان أن منبر نشر الالتماسات لا يظل منصبا على أهل الحضر في دولة نسبة انتشار الإنترنت فيها 15 في المائة، يتعاون موقع «change.Org» مع الكثير من الشبكات الأخرى التي تعمل على المستوى الشعبي مثل «سي جي نت سوارا»CGNet - Swara) ) و«فيديو فولونتيرز» (Video Volunteers) من أجل الوصول إلى المساكن الريفية. فضلا عن ذلك، فإنه يجري أيضا محادثات مع «غرامفاني»، المؤسسة الإذاعية الناجحة، من أجل دعم شبكته.

تكمن الشعبية التي يحظى بها هذا المنبر في قدرته على حشد أعداد كبيرة من الأفراد بسرعة (من خلال التوقيعات) في قضية ما، الأمر الذي يمكن أن يساعد شخصا مظلوما في جذب انتباه مسؤول.

تقول تانيا ديفايا، مدير المؤثرات بمؤسسة «فيديو فولنتيرز»: «نستخدمه بصورة أكبر حينما لا تجدي أشكال التدخل الأخرى نفعا، ونكون بحاجة لقطاع أكبر من الأفراد ومنبر دعم عام، فهو يجعل السلطة تبدو مطالبة بمخاطبة مشكلات قطاع أضخم من الأفراد. خلال الشهر الماضي، منذ حادثة الاغتصاب الجماعي الوحشية التي وقعت يوم 16 ديسمبر (كانون الأول)، زاد النشاط على موقع (change.Org) بشكل هائل من خلال التماسات تتنوع ما بين معلومات مقدمة من مواطنين للجنة العدالة (فيرما)، إلى مناشدة وزير الداخلية وقف الفحص بالأصابع لضحايا جرائم الاغتصاب».

ومع ذلك، فإنه بصرف النظر عن القدرة على حشد تأييد على شبكة الإنترنت بسرعة فائقة، فإن هذا النوع من الالتماسات يواجه كثيرا من الانتقادات عادة ما يشار إليه باسم «النشاط السياسي الإلكتروني» (Slacktivism)، ويرى منتقدو هذا النوع من النشاط أن التوقيعات على الإنترنت يمكن أن تثني أي شخص عن الاعتراض خارج نطاق شبكة الإنترنت، أو اتخاذ أي خطوة أخرى جوهرية ربما اتخذها في ظل غياب إمكانية إرسال الالتماسات على الإنترنت.

يشير البعض أيضا إلى أن إرسال الالتماسات على الإنترنت ربما يرضي قطاعا من السكان مهتما بالفعل بالقضية. يعاني هيرمان وبالاشاندران بشكل واضح من وطأة التساؤلات، ويقولان إنهما يسمعان ذلك طوال الوقت.

«هناك اتجاه للنظر بشكل سلبي إلى فكرة حشد الناس عبر الإنترنت حول قضية، لكن العالم قد تغير.. في حالة وجود 25 شخصا على الأرض، يمكننا حشد 1000، ليس الأمر مماثلا للإعجاب بصفحة على موقع (فيس بوك)، وليس من العدل القول إن هؤلاء الأفراد لا يقومون بأي عمل؛ فهم يساعدون الناس في الاحتشاد لتأييد قضية من دون مواجهة مشكلات الموقع الجغرافي وتركيز جل طاقتهم في موضع واحد. إن نوع (هذا ضد ذاك) من النشاط السياسي غير عادل. هل كنا سنجد هذا الكم الهائل من الالتماسات إذا لم تجد الإجراءات المادية على الأرض نفعا؟»، تتساءل هيرمان.

تعترف بعض الدول بشكل رسمي بإرسال الالتماسات على الإنترنت. على سبيل المثال، في الولايات المتحدة يملك البيت الأبيض نظام التماسات رسميا بموجبه يجب أن تعترف الحكومة بأي التماس حصد أكثر من 25 ألف توقيع. ورغم ذلك، فإن الهند مختلفة حينما نأتي لتداخل الإدارة والإنترنت وأيضا استخدام الإنترنت. «كل أعضاء البرلمان لديهم حسابات بريد إلكتروني، لكن كثيرا منهم لا يستخدمونه. وهذا هو مكمن التحدي»، هذا ما يقوله بالاشاندران.

وتكمن صعوبة التواصل عبر الإنترنت أيضا في إمكانية الدخول على شبكة الإنترنت. في الهند، تعتبر شاشة الهاتف هي أول شاشة سيراها الكثير من الهنود، وستأتي زيادة إمكانية الدخول على شبكة الإنترنت عبر الهواتف. من ثم، يقول موقع «Change.Org» إنه سوف يعمل على زيادة استخدام الهاتف الجوال في التعامل مع الالتماسات على الإنترنت، ولن يكتفي باستخدام أجهزة الكومبيوتر. على سبيل المثال، يستخدم موقع «سي جي نت» نظام «المكالمات التي لم يتم الرد عليه» في نقل الأخبار وبثها، كما استخدمتها أيضا حركة «أنا هازاري» في حشد دعم ضد الفساد.

ويقول بالاشاندران عن الإنترنت: «إن الأمر لا يتعلق بشخص واحد فقط، وإنما بتضخيم صوت واحد، وهو الأمر الذي يمكن أن يتيح إمكانات لا حدود لها».