تلفزيون «واشنطن بوست» لمواجهة انخفاض مبيعات الطبعة الورقية

صحافي أنيق ووسيم صار أول مقدم لنشرة الأخبار

TT

في الشهر الماضي، دشنت صحيفة «واشنطن بوست» ما يمكن أن يسمى تلفزيون «واشنطن بوست»، كواحد من آخر محاولاتها لمواجهة الانخفاض الكثير والمستمر في مبيعات الصحيفة الورقية، منذ انتشار الإنترنت، خاصة خلال الخمس سنوات الأخيرة، هبط كثيرا توزيع الصحف الورقية في الولايات المتحدة.

ومنذ البداية، كانت أول محاولة لمواجهة ذلك، في كل الصحف الرئيسية تقريبا، هو: الانضمام إلى الإنترنت «واشنطن بوست» أسست موقعها قبل خمس عشرة سنة تقريبا. ومع تطور تكنولوجيا الإنترنت، وزيادة القراء فيه، وزيادة عائدات الإعلانات، صارت بعض المواقع أكثر قراءة من توزيع كل صحيفة ورقية.

ومع بداية محو الخط الفاصل بين الإنترنت والتلفزيون، بدأ تلفزيون «واشنطن بوست»، ويسمى الآن «فيديو واشنطن بوست»، مع توقع أن يكون الاثنان وسيلة واحدة مع زيادة التطور التكنولوجي. لهذا، في الوقت الحاضر، ينقسم الموقع إلى: فيديو مسجل (كليب)، وفيديو حي (لايف)، ونشرة أخبار (فولد). وفي كل الحالات، ينطلق من «نيوزروم» (قاعة الأخبار في مبنى الصحيفة؛ حيث يوجد قرابة أربعمائة صحافي).

لا يمكن الحكم على هذه المحاولة الجديدة لأنها جديدة تكنولوجيا. ولأنها جديدة بشريا: لأول مرة، تريد صحيفة رئيسية تحويل مخبريها (أو جزء منهم) إلى مذيعين. خلال كل تاريخ الصحافة الأميركية، ظلت الصحافة تنقسم إلى مكتوبة، ومذاعة، ومتلفزة، وغيرها. لم يكن صعبا انتقال مخبر إذاعي إلى التلفزيون بسبب التشابه بين الوسيلتين. لكن، ربما لن يكن سهلا انتقال مخبر صحيفة إلى التلفزيون. توجد في «فيديو واشنطن بوست» (الحي) رسالة من رئيس التحرير إلى المخبرين: «لأن هذا إرسال حي، من وقت لآخر، تظهر على الشاشة شرائط ملونة. عليكم إعادة تنزيل الفيديو، والضغط على زر التشغيل، أو الانتظار حتى يبدأ الفيديو تلقائيا». ويوضح هذا أن الصحافة المنشورة ليست مثل الصحافة المتلفزة. ويوضح أشرت، في إعلانات الوظائف الجديدة للموقع في «واشنطن بوست»، إلى أن كل صحافي يقبل سيقضي فترة تدريب «لمواجهة التغيير في طبيعة العمل». شعار نشرة أخبار «تلفزيون واشنطن بوست» يسمى «فولد» هو: «طريقة جديدة لمشاهدة الأخبار» وهدف النشرة هو:

أولا: تقديم أخبار سريعة ومركزة.

ثانيا: النشرة طولها 24 ساعة كل يوم.

ثالثا: شاهد ما تريد، ولا تشاهد ما لا تريد.

رابعا: أرسل أي خبر إلى أي مكان.

ومع بداية السنة، ظهر أول مقدم أخبار تلفزيون من «واشنطن بوست»: بروك سيلفا باراغا. عمل لسنوات مراسلا للصحيفة الورقية. غير أنه كان من أوائل المراسلين الذين استخدموا الفيديو مع المسجل، والكاميرا مع القلم. وعندما كان مراسلا في الصين، أعد ونشر فيلما وثائقيا عن الصين (المسألة الصينية). وعندما كان مراسلا في دول أفريقيا، أعد ونشر فيلما مماثلا عن أفريقيا (يوم واحد في أفريقيا). لهذا، يبدو أن قدرته على الدمج بين كتابة وتصوير خبر ساعدته في أن يكون أول مقدم نشرة أخبار في «واشنطن بوست». وربما ساعدته وسامته وأناقته أيضا. يجلس في قاعة الأخبار، ويرتدي بدلة من دون ربطة عنق (ربما دليلا على خليط من شخصية رسمية وغير رسمية). وفي الشهر الماضي، قال في مقابلة معه: «أعرف جيدا الفرق بين نشرة أخبار التلفزيون التي كانت تشاهد قبل ثلاثين سنة، والنشرة التي أقدمها أنا. كان الشخص يجلس ليشاهد وولتر كرونكايد مقدم أخبار تلفزيون (سي بي إس) يلخص أحداث اليوم في نصف ساعة. ما لم يقله كرونكايت ربما لن يعرفه المشاهد. وبطريقة أو أخرى، أعتقد أن المشاهد، مثل غيره، كان يتأثر بآراء كرونكايت، حتى إذا قلت أنا بأن كروناكيت كان مذيعا محايدا».

وأضاف: «لكن، الذي يشاهد نشرة الأخبار التي أقدمها يشاهدها 24 ساعة في اليوم، ويختار ما يريد أن يشاهد، ويرسل ما يريد إلى قريب أو صديق، وإذا لم تعجبه أخباري، ينتقل إلى خبير في السياسة الخارجية أو الفضاء ليسمع تحليلاته عن آخر الأخبار السياسية أو الفضائية. وإذا لم يعجبه هذا، يذهب إلى مكتبة التلفزيون؛ حيث مئات من الفيديوهات عن أي شيء تقريبا».

وبسبب استمرار تطور تكنولوجيا الإنترنت، حتى بعد بداية نشرة أخبار «تلفزيون واشنطن بوست»، أضيفت إليها أشياء جديدة. بالإضافة إلى مشاهدة نشرة الأخبار:

أولا: يرسل المشاهد تعليقات وأخبارا لتظهر خلال النشرة.

ثانيا: بعد نهاية النشرة، يشترك في نقاش مع مقدمها.

ثالثا: يرسل تعليقه في فيديو ليظهر هو نفسه في نشرة الأخبار.

وعلى الرغم من أن التلفزيون يقدم مقابلات صحافيين في «واشنطن بوست» مع خبراء (كما يفعلون في تقاريرهم في الصحيفة الورقية، يعتبر أن صحافيي «واشنطن بوست» أنفسهم هم «خبراء» (كل في مجال تخصصهم). لهذا، يظهر كثيرا صحافيون، لا يقدمون فقط الأخبار متلفزة، ولكن، أيضا، يقدمون آراء في موضوع كتبوه. وبهذا، بدا زوال خط فاصل آخر: بين الخبر والرأي. لكن، مثلما تفصل «واشنطن بوست» بين المخبرين وكتاب الرأي في الصحيفة الورقية، تفصل بين خبر الصحافي المكتوب والآراء التي يقدمها في «تلفزيون واشنطن بوست». في الحقيقة، حتى في الماضي، لم تكن «واشنطن بوست» تمنع صحافييها المحايدين من الظهور في قنوات تلفزيونية لتقديم آرائهم.

وهناك الجانب العملي، وهو أن هؤلاء الصحافيين «المعلقين» موجودون داخل قاعة الأخبار، ويلغي هذا، تقريبا، عادة نقل الخبير إلى استوديو التلفزيون، أو نقل كاميرا التلفزيون إلى مكتب أو منزل الخبير.

ليست «واشنطن بوست» أول صحيفة ورقية تدخل هذا المجال (وهي، طبعا، صحيفة مهمة ومؤثرة، داخليا وخارجيا). وليست أول موقع في الإنترنت: منذ سنوات، يطور موقع «ياهو» قناة تلفزيونية باسمه. وأيضا، موقع «غوغل»، وغيره.

وعن هذا الظاهرة قال جوي كوستيلو، مدير شركة «أورب» الإلكترونية: «كان المستهلكون يرغبون في هذا منذ فترة طويلة، لكن التكنولوجيا، وشركات هذا النوع من الإنتاج لم تتمكن من القيام بذلك، ومع سيطرة الظاهرة الرقمية، توجد الآن أطنان من المعلومات المذاعة والمتلفزة والمكتوبة التي يمكن أن تنتقل من وسيلة إلى أخرى». وأضاف: «كانت المشكلة هي عدم قناعة بعض الناس بالطبيعة المتغيرة لمحتوى القنوات، وأيضا، معارضة شركات (الكييل) التي تنقل قنوات التلفزيون».

وقال إن المستقبل واسع أمام مشاريع مثل مشروع «تلفزيون واشنطن بوست». وذلك بسبب التطور في نقل الإعلام الرقمي إلى أجهزة الإستيريو ومكبرات الصوت، وأجهزة التلفزيون. وأشار إلى «تلفزيون أورب»، الذي بدأ بنقل الموسيقى من الإنترنت إلى التلفزيون، وأضاف: الآن، سيقدر الناس على مشاهدة مواقع مثل: «نت فليكس» أو «هوليو» أو «يوتيوب» على شاشات تلفزيوناتهم.

هل تقدر شركات «الكيبل» عن حجب «تلفزيون واشنطن بوست»، وغيره؟ أجاب: «لا يمكنهم إغلاقها، فهذا جزء أساسي من التكنولوجيا التي طورناها على مدى السنوات الماضية. أنت لست بحاجة سوى إلى كومبيوتر واحد، وشبكة إنترنت، ومتصفح إنترنت، وبرامج إلكترونية، ووصلة لاسلكية».