خطط لثورة رقمية في «فاينانشيال تايمز»

في إطار الاحتفال بعيد ميلادها الـ125

TT

ارتبط اللون الوردي بالصحة، وفي الماضي كان اللون الوردي الفاتح لصفحات «فاينانشيال تايمز» مؤشرا على تمتعها بنوع من الحصانة من ويلات التداول التي عانتها الصحف القومية الأخرى.

لكن «فاينانشيال تايمز» البريطانية تشهد ثورة رقمية، تلك التي يقول عنها ليونيل باربر رئيس التحرير إنها تتطلب تغييرا تحريريا مستمرا، وقد تشهد تراجع أهمية تلك الصفحات الوردية لتحل محلها هيمنة الأخبار الإلكترونية.

وكشف تقرير مبيعات الصحف الذي نشر الأسبوع الماضي انخفاض مبيعات «فاينانشيال تايمز» بنسبة 3.85 في المائة مقارنة بشهر ديسمبر (كانون الأول) لتصل إلى 275.375 نسخة.

الآن، ومع استعدادات الصحيفة للاحتفال بعيدها الـ125 يوم الأربعاء، كشف باربر الذي يرأس تحرير الصحيفة منذ عام 2005 عن أحدث خططه «النسخة الرقمية أولا»، التي ستكون مزيجا من التغيير في عملية الإنتاج، وتغيير الاستراتيجية لتوجه الطبعات الدولية وخفض الموظفين لا محالة.

يعتقد باربر بأهمية أن تعكس التغييرات الداخلية الحقائق الخارجية، التي تعني تبني المميزات التي وفرتها الابتكارات التكنولوجية، إلى جانب قبول المطالب المتغيرة للقراء أصحاب الفهم المتطور على نحو متزايد للمشهد الإعلامي الجديد.

تعني هذه التغيرات خفض 35 وظيفة، لكن في المقابل ستتوافر عشر وظائف في المحتوى الرقمي، وهو ما سيقلل عدد الوظائف التي سيتم خفضها إلى 25 من مجموع عدد الصحافيين البالغ عددهم 600 صحافي، 100 منهم يعملون خارج بريطانيا. وأكد باربر أن التخفيضات، رغم كونها مؤلمة، ضرورية؛ لأن هذه المؤسسة العريقة ينبغي أن تتمتع بكفاءة مالية.

وقال: «مناخ العمل يتغير. لسنا بحاجة إلى تحديث الصحيفة خلال الليل، ومن ثم لا نحتاج إلى الكثير من الأفراد الذين يعملون ساعات أثناء الليل لإنتاج صحيفة للأخبار الآنية. هذا أشبه بعصر البخار؛ لأن الأخبار الآن يتم تحديثها على الموقع».

إذن فسوف يكون هناك عدد قليل من الصحافيين الذين يعملون في لندن أثناء الليل، وتغييرات أقل في الصفحات ونظام عمولات أكثر كفاءة. وستحمل طبعات «فاينانشيال تايمز» في كل من الولايات المتحدة وآسيا وأوروبا نفس الصفحة الأولى للطبعة الدولية، رغم الاختلاف الذي ستشهده الصفحة الأولى في المملكة المتحدة بحسب «الغارديان» البريطانية.

ألن يثير ذلك غضب القارئ الأميركي، كأن تقوم الصحيفة على سبيل المثال بالحديث عن النظام المصرفي الصيني بدلا من آخر الأنباء بشأن شركة «ديل»؟ يقول باربر: «كلا على الإطلاق، لأن سبب تميزنا في التوزيع داخل الولايات المتحدة لا يعود إلى تغطيتنا الأخبار الأميركية، فهم لا يقرأونها لهذا السبب. إن جمهورنا مؤلف من أميركيين يهتمون بالشؤون العالمية من فئة النخبة؛ من صناع قرار وشخصيات بارزة في الإدارة، وأعضاء بارزين في الكونغرس. إنهم يريدون نافذة على العالم، وهذا هو ما تقدمه لهم (فاينانشيال تايمز). هذا لا يتعارض مع واجبنا في تغطية الأخبار الخاصة بالولايات المتحدة، مثل (وول ستريت) والاحتياطي الفيدرالي والتكنولوجيا التي تشكل عاملا بالغ الأهمية بالنسبة لهم».

وأضاف: «لكن ما نقدمه هو عبارة عن تحليل متعمق رائع لأخبار عن أوروبا، حيث تشكل أزمة اليورو الحدث الأضخم في الوقت الراهن؛ ولذا فنحن نقدم لهم البضاعة التي لا يمكنهم العثور عليها في أي مكان آخر. نحن نصل النقاط بين هذه القصص خارج أميركا، ونشرح السبب وراء ارتباطها بالولايات المتحدة». يعلم باربر، ككل رؤساء التحرير، متطلبات النسختين الورقية والإلكترونية، لكنه كان متأخرا في دخول عالم «تويتر»، فكانت أولى تغريداته على «تويتر» في يناير (كانون الثاني) من العام الحالي. وتبرز صفحته على «تويتر» بحبه للكريكت بصورة له مرتديا الزي الأبيض ويتحدث مع السياسي ولاعب الكريكت السابق عمران خان.

وبحسب صفحته على موقع «تويتر»، يحب باربر ركوب الدراجات ولعب الكريكت والاستماع إلى الأوبرا، كما أنه يتحدث الألمانية بطلاقة، ومشجع لفريق سان أنطونيو سبيرس. أكد باربر أنه لا يستطيع قراءة المستقبل، ومن ثم لا يمكنه الإجابة على أسئلة مثل: إلى أين نحن متوجهون؟ وكل ما يعرفه هو أنها ستكون رقمية، في الوقت ذاته ستظل النسخة الورقية هامة. ويقول: «لا تزال مصدرا لعائدات الإعلان، وأنا أرغب في التأكد من أن الصحيفة ستتمكن من الاستمرار لوقت أطول، فهي أيضا أداة تسويقية. أضف إلى ذلك أن بعض قرائنا القدامى لا يزالون يرغبون في قراءة النسخة الورقية. انظر، نحن منهمكون في عمل متوازن دقيق في هذه الفترة من التحول الأشبه بالأرجوحة، ومن ثم لا نريد أن نفشل. نحن نريد أن نقوم بانتقال سلس، وهذا هو ما نقوم به».

إلى ذلك توسع «فاينانشيال تايمز» من قاعدة اشتراكاتها، الذين يبلغ عددهم 600.000 مشترك، وهو ما يوفر للصحيفة أضخم عدد قراء على الإطلاق.

ويقول الرئيس التنفيذي لمجموعة «فاينانشيال»، جون ريدينغ، إن الشركة تقف في منعطف تاريخي، لكن كلا من باربر وريدينغ يقولان إنهما يشعران بالملل من الشائعات التي تقول إن جون فالون، الرئيس التنفيذي الجديد لشركة «بيرسون»، يرغب في بيع «فاينانشيال تايمز».

يأتي 25 في المائة من نسبة الزيارة إلى موقع الصحيفة عبر الهواتف الجوالة. قراءة الأخبار أثناء التنقل هو جزء من ثقافة متنامية، وبخاصة بين الشباب الذين يفضلون استخدام التطبيقات أيضا. ومن بين مستخدمي الصحيفة المسجلين هناك عدد كبير في الفئة العمرية بين 25 و34 الذين يدخلون إلى موقع الصحيفة عبر التطبيق لا عبر المتصفح.

تتمثل مهمة باربر القادمة في التأكد من وصول الأفراد إلى الصحيفة أيا كان التطبيق الذي يستخدمونه. ويشير إلى أن الهدف هو جعل الصحيفة مكملة للموقع، وقال في تفسيره حول كيفية تحقيق ذلك: «الأخبار الآن لا تقتصر على الصحيفة، لكن الصحف بحاجة إلى الشعور بأهمية التوقيت والصلة بالموضوع، وأيضا الضرورة الملحة؛ فهي لا تهتم بنشر ما حدث في الساعة الحادية عشرة الليلة الماضية في لندن بقدر من الإسهاب، بل كل ما تهتم به هو نقل الأخبار بصورة جيدة، أو تقديم مواد لم تلق حظها من التغطية الجيدة، وعرض ذلك بصورة يمكنها إبراز الضرورة الملحة. وأضاف: «ينبغي أن يكون الإنترنت موقعا للصحافة الجيدة والغنية بالمصادر والموثوقة. من الواضح أن الصورة المطبوعة ستحظى بمزيد من الجهد بداخلها، وستكون أكثر تعبيرا وارتباطا بالموضوعات».

ثم تحدث عما سماه «فكرا ثوريا جديدا»، بطرحه سؤالا: «لماذا لا يكون عندي صفحة مستعدة قبل 18 ساعة؟ في خلال فترة وجيرة من العام الحالي سأتحدث إلى التنفيذيين يوم الثلاثاء لأسألهم ماذا لدينا بشأن يوم الخميس؟ هذا أمر يمكننا إنجازه عبر استخدام شبكتنا الدولية، ومن خلال الاستفادة من القوالب والتفكير المسبق، والصفحات التي تم إعدادها بشكل مسبق، والتي تحتوي على أخبار مالية منتقاة بعناية، يمكننا تقديم قصص إخبارية لا يملكها آخرون».