لماذا تأخر الإعلاميون الفرنسيون في استخدام «تويتر»؟

البدايات كانت صعبة لكن عدد الصحافيين المسجلين في تزايد مستمر

TT

أكثر من ثلاث سنوات كانت لازمة لكي يحوز «تويتر» إعجاب الإعلاميين الفرنسيين وقناعتهم بأنه حليف مهم لهم في مهنتهم. اعتمادهم على هذه الأداة للتواصل الاجتماعي والمهني لم يكن سريعا كما كان الوضع مع «فيس بوك»، بل إن الكثير منهم تساءلوا في البداية عن الجدوى من استخدامه. لوران جوفران من الأقلام المعروفة ورئيس تحرير أسبوعية «نوفال أوبزرفاتور»، عبر عن هذه المشاعر السلبية في عموده الأسبوعي بالصحيفة، منتقدا شبكة التواصل الجديدة «بعد شهرين من استخدام (تويتر) تبدو لي الشبكة التي تغرد وكأنها قفص من الطيور، لم أجد فيها صقورا ولا بلابل، بل ببغاوات وغربان لا تنقل إلا الشائعات والأخبار التافهة».

المشاعر نفسها عبرت عنها الإعلامية السمراء «إليزابيث تشونغي» التي لم تتردد في تشبيه «تويتر» بشخصية ثرثارة كبوابة عمارتها التي تنقل أخبار السكان. كتبت مقدمة البرامج الثقافية على موقع «أو فمينا»: «أعترف بأني لا أملك حسابا على (تويتر)، وأنا لا أخجل من ذالك، بل إنني فخورة، فأنا لا أجد في هذه الشبكة شيئا مفيدا، ولا أستمتع بالحكايات التي تكتب عن الحياة الخاصة للآخرين، ولا ماذا طبخوا أو شاهدوا من أفلام.. هل يستطيع أحد أن يقول لي ما الفائدة بالنسبة لأتباع المغني جاستين بيبر حين يخبرهم هذا الأخير في إحدى تغريداته بأنه يحب السلم المتحرك خاصة حين يتوقف ويصبح سلما عاديا..؟!».

أما الصحافي «فينسان غلاد»، من صحيفة «20 مينوت»، فيقول «منذ سنتين تقريبا والصحافيون الفرنسيون يرددون بأن (تويتر) رائع من دون أن يستعملوه، ببساطة لأنهم لا يعرفون كيف يستفيدون منه..». اليوم الذهنيات تغيرت، واستخدام الإعلاميين الفرنسيين لـ(تويتر) أصبح أقوى وأكثر انتظاما. دراسة حديثة لمعهد «سيزيون» بعنوان «غلوبال سوشيال جورناليزم» وضعت الصحافيين الفرنسيين في المرتبة السادسة عالميا من حيث استخدام «تويتر» مسبوقين بالكنديين (المرتبة الأولى)، والأميركيين (المرتبة الثانية)، والبريطانيين (المرتبة الثالثة).

التغيير بدأ منذ نحو ثلاث سنوات، بعد أن شهدت بعض الأحداث العالمية كالحملة الانتخابية لباراك أوباما وتفجيرات مومباي تغطية واسعة عبر «تويتر» جعلت الفرنسيين ينتبهون لأهميته المتزايدة. «كل شيء بدأ كظاهرة سحب أو محاكاة»، يشرح الصحافي بونوا رافائيل من موقع «بوست إف آر، ويضيف «عندما بدأ مستعملو الشبكة يتحدثون عن (تويتر) وتغريداته، بدأ الفضول يدفعهم لتجريبه، سهولة التسجيل واستخدام هذه الأداة الجديدة أقنعتهم بضرورة استخدامه». البقية تكفلت بها بعض الأحداث المهمة كقضية تورط المدير السابق لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس - كان في قضية اعتداء جنسي، والتي كان قد فجرها على «تويتر» طالب فرنسي وهز بها قاعات التحرير التي لم تكن قد تلقت الخبر بعد.

اليوم تغريدات الصحافيين في كل مكان، في الصحافة المكتوبة، الإذاعة والتلفزيون، لدرجة جعلت وسائل الإعلام تستخدمها كمصدر خبر موثوق فيه. ولا أحد أصبح يتساءل عن الجدوى من استخدام «تويتر»، بل إن العديد من الصحف باتت تنشر بانتظام تعليقات صدرت عن مشاركات مغردين، ولم تعد صحيفة ولا نشرة إخبارية واحدة تخلو من فقرة «تغريدة اليوم» أو «تغريدة الأسبوع» أو «حصاد تويتر».. إلخ.. عدد الصحافيين المسجلين في تزايد مستمر: 53 في المائة من صحافيي أسبوعية «لكسبرس» يستعملون «تويتر»، و25 في المائة من يومية «ليبراسيون»، و19.30 من «لوموند»، و19 في المائة من «لوفيغارو»، وأكثر منهم صحافيو الإذاعة الذين ينشطون بكثافة على «تويتر»: 83 في المائة من مذيعي «أوروب1»، 72 في المائة من مذيعي محطة «آر إم سي»، ومن «فرانس انفو» 54 في المائة يمتلكون حساب على «تويتر». أما الشخصيات الإعلامية التي تنشط بالتلفزيون فهي الأكثر تسجيلا لعدد التابعين، المذيع سيباستيان كووي من قناة «إينرجي 12» يملك ما يزيد على 542 ألف تابع على «تويتر»، بينما يسّجل زميله نيكوس إلياغاس من القناة الأولى 370 ألف تابع.

انتشار هذه الظاهرة جعل مسؤولي وسائل الإعلام المختلفة يحذرون الصحافيين المغردين من مغبة الانزلاق في أخطاء مهنية. «أوليريان فيارس» رئيس تحرير موقع صحيفة «نوفال أوبزرفاتور»، بعث برسالة كشفت عنها مجلة «تيلي راما» موجهة للصحافيين يحذرهم فيها من انتقاد الصحيفة على «تويتر» أو انتقاد الإدارة، أو نشر تغريدات على سبيل السخرية. لذا فإن تجاوز الخطوط الحمراء على «تويتر» كلف بعضهم مكانه، وهو ما حدث مع المذيع المعروف جوليان كوربي الذي فُصل من القناة الثانية عشية نشره لتغريدة انتقد فيها سياسة القناة، علما بأن بعض الأحداث الداخلية التي عرفتها فرنسا مؤخرا سجلت مشاركة مكثفة للمغردين كمسلسل حرب الزعامة بين كوبي وفيون على خلافة ساركوزي على رأس حزب اليمين، والمناوشات الكلامية بين رفيقة الرئيس الفرنسي الحالية فاليري ترايفيلير وزوجته السابقة سيغولين رويال، ومؤخرا الجدل حول قانون ترخيص زواج المثليين.

على أن استخدام الصحافيين الفرنسيين لـ«تويتر» مختلف عن زملائهم في الدول الغربية الأخرى، فحيث يستعين به البريطانيون مثلا كمصدر خبر وأرضية تشتد فيها المنافسة المهنية، يُفضل الفرنسيون وضع ثقتهم أكثر في مساحات تعبير أكبر كالمدونات، وتخصيص «تويتر» للتعليق على حدث مهم أو استخدامه كرابط نحو مقالاتهم أو برامجهم. دراسة معهد سيزيون «غلوبال سوشيال جورناليزم» كشفت أن 53 في المائة من الصحافيين الفرنسيين يستعملون «تويتر» لأغراض مهنية بحتة عكس «فيس بوك» الذي يستعملونه كثيرا في إطار شخصي (في 50 في المائة من الحالات)، كما أن أغلبهم من الشباب الذي يعمل بالقطعة في مجال الصحافة المكتوبة. للتذكير نسبة الفرنسيين الذين يستعملون «تويتر» في تزايد مستمر، فمن 4 في المائة سنة 2008 قفزت النسبة لـ10 في المائة عام 2012، وهو ما يعادل 3 ملايين مستعمل حسب دراسة أخيرة لمعهد «ميديا متري».