روجر إبرت صحافي أميركي سبق زمانه

مؤسس لإمبراطورية بتوليفة سحرية من التغريدات ومقاطع الفيديو والصور

روجر إبرت (نيويورك تايمز)
TT

في المؤتمرات الصحافية وكذلك على الإنترنت، يتحدث دائما المهتمون بوسائل الإعلام حول تأسيس صناعتهم الخاصة ويتمنون أن تمكنهم التوليفة السحرية من التغريدات ومقاطع الفيديو والصور، وحتى المقالات المكتوبة من أن يصبحوا ذائعي الصيت. وكأن ذلك شيء جديد.

منذ وفاة روجر إبرت يوم الخميس، تم نشر الكثير من المقالات الرائعة حول كتاباته المميزة في «شيكاغو صن تايمز» ومهاراته النقدية التي أدت إلى فوزه بجائزة بوليتزر في عام 1975، والتي كانت أول مرة يتم فيها منح تلك الجائزة لمقال نقدي لفيلم سينمائي. يمكننا أن نستدعي كافة تلك التفاصيل، ولكن دعونا أيضا نتذكر أن جزءا كبيرا مما خلفه إبرت كان نموذجا مذهلا لكيف يمكن أن يصبح الصحافي شيئا مختلفا.

لقد كان السيد إبرت رجلا عصريا للغاية. فقبل أن تعج وسائل الإعلام بخبراء تطوير عمليات البحث، وخبراء وسائل الإعلام الاجتماعية ومحاضري الإدارة، كان السيد إبرت يستخدم كافة التقنيات والبرامج المتاحة لتطوير عشقه للأفلام واهتماماته المهنية الخاصة.

لقد كان حقا يحب الصحف، ولكنه لم يكن يعاني من حنين مضنٍ تجاهها. فقد كان من أوائل من تبنوا شبكات الإنترنت، وكان فخورا بامتلاكه لحساب خاص على «الكومبيوسيرف» وبخلاف الكثير من أقرانه، كان يسارع في اقتناء الأجهزة الجديدة. ولكن ليس فقط تبنيه للتكنولوجيا هو ما جعله شخصا يستحق التقدير والمحاكاة.

فعلى الرغم من أن إبرت كان ناقدا فنيا يتمتع بروح شاعر، فإنه كانت لديه أيضا حاسة مالية نافذة؛ وهي الحاسة التي مكنته عبر تاريخه المهني كصحافي منذ الستينيات ليس فقط من النجاة من عدد لا نهائي من الأزمات التي كانت تمر بها تلك المهنة، بل ساعدته على الازدهار عبر اغتنامه للفرص الجديدة وتوسيع مجال عمله في كل خطوة يخطوها.

وكما أن «جاي - زد» ليس مجرد موسيقي، فإن روجر إبرت كان أكثر من مجرد ناقد فني؛ لقد كان كاتبا صحافيا، ومقدم برامج، ومتحدثا جماهيريا، ومؤلف كتب، ومنظم مهرجانات وناشرا إلكترونيا. وعلى الرغم من رحيله عن عالمنا، فإنه ما زال حاضرا معنا من خلال موقعه، «RogerEbert.com» معربا عن الالتزام والاستمرارية اللتين تسعى وراءهما الشركات الإعلامية.

وتثبت مهارات إبرت أن كل الأشياء الجديدة بدأت في مكان ما. فقد بدأ يعمل كناقد فني في «الصن تايمز» في 1967. وكان مبدعا وذكيا وهو ما يرجع في جانب منه إلى أنه كان بارعا في التفكير كالرجل العادي فيما كان البارعون في عالم النقد الفني يتبنون خطابا نخبويا. وقد أدرك السيد إبرت أهمية التسويق منذ وقت مبكر؛ فكان يتفاوض على حقوقه في مؤلفاته المكتوبة ومشاركاته في 200 صحيفة واستغلال عروض الأفلام التي يقدمها في الترويج للأفلام الأكثر مبيعا.

في عام 1975، كون شراكة تلفزيونية طويلة المدى مع جين سيسكل، خصمه في «شيكاغو تريبيون»، ليقدما برنامجا على الهواء يطرح نقاشات حول الأفلام لمحطة تلفزيون محلية. ثم تمكن الثنائي من تحويل برنامجهما الصغير إلى برنامج ناجح على مستوى البلاد، بحسب «نيويورك تايمز».

وبدخولهما عالم التلفزيون، أثبت الرجلان معا ما يمكن أن يقدمه صحافيان غير مبهري المظهر من محتوى جيد المستوى وهو ما يرجع في جانب منه إلى أنهما كانا يعبران عما يجول بخاطريهما ويتبادلان الأفكار دائما. ومن خلال رؤيتهما الفنية - إبهام للأعلى أو إبهام للأسفل - لم يتمكنا فقط من إخراج النقد الفني من دائرة النقاد النخبويين، ولكنهما أضافا الديمقراطية إلى الممارسة النقدية، وتنبآ بعصر «فيس بوك» الذي يعتمد على «اللايك».

وفي عام 1982، تركا التلفزيون المحلي وعقدا صفقة مع شركة «تريبيون» التي كانت قد بدأت عملها في مجال التسويق التلفزيوني، والتي لم تدفع لهما فقط قدرا كبيرا من المال ولكنها منحتهما 25% من الأرباح. لقد قام السيد إبرت بحساب أرباحه على منشفة لكي يوضح لإحدى الإعلاميات في التلفزيون المحلي بشيكاغو كيف يمكن للتسويق أن يجعلها مشهورة وربما ثرية. وقد اعتمدت أوبرا وينفري على تلك النصيحة.

ومعا، استطاع سيكل وإبرت أن يصبحا ذائعي الصيت، ومن أصحاب أكثر الرواتب ارتفاعا بين كتاب الأفلام في التاريخ من خلال استخدامهما التلفزيون لنشر أفكارهما. وكان «كارسون» و«لترمان» سعيدين بمشاركة السيدين إبرت وسيسكل في تحديث برامجهما المسائية. ثم استمرا في التطور، وانضما لديزني في عام 1986 وغيرا اسم البرنامج - الذي كان «عروض خبيثة» ثم أصبح «عن الأفلام» - لكي يصبح «سيسكل وإبرت والأفلام». ثم بعد عام، تم اختصار اسم البرنامج إلى «سيسكل وإبرت» بعدما أصبحا شهيرين.

كان السيد سيسكل أكثر براعة في الأمور المالية، فيما سمح السيد إبرت بذكاء لصديقه ووكيلهما بعقد الصفقات الخاصة بالبرنامج. ولكن السيد إبرت لم يكن جاهلا بالأمور المالية، فقد كانت لديه رؤيته الخاصة على نحو ما. فقد كان بارعا في استخدام التكنولوجيا للتطوير. فعندما أثر مرضه على صوته، انتقل إلى عالم الإنترنت وتمكن من إثبات حضور قوي ومستمر من خلال موقع RogerEbert.com وعندما تيقن من أن العمليات الجراحية لن تعيد له صوته استخدم أداة إلكترونية لكي يستمر في حياته كرجل تلفزيوني. وفي الوقت الذي كانت فيه الشركات الإعلامية تجاهد لإنشاء مهرجاناتها الخاصة، كان إبرت متقدما بنحو 15 عاما من خلال تقديمه لمهرجان «ارتفيست»، وهو مهرجان الفيلم الذي أسسه في مقاطعة شامبين بإلينوي. ولم تقتصر نجاحاته على عالمي التلفزيون والصحف، فقد ألف ما يزيد على العشرين كتابا بما في ذلك كتاب حول فيروسات الكومبيوتر وكتاب آخر حول الوجبات التي يمكن إعدادها في ماكينة إعداد الأرز. وكتب عدة سيناريوهات بما في ذلك سيناريو فيلم «ما وراء وادي الدمى».

وعلى الرغم من أنه فقد صوته، تزايدت قدرته على الكتابة. ففي عام 2012، كتب أكثر من 300 عرض للأفلام، وهو أكبر عدد يقدمه خلال تاريخه المهني في عام واحد. وبعدما انضم إلى «تويتر» في أكتوبر (تشرين الأول) 2009، شارك بفعالية حيث قدم مما يزيد على 30 ألف تغريدة إلى متابعيه الذين بلغ عددهم 840 ألف متابع. وقبل وفاته بيوم، كتب مقالا في مدونته أعلن فيه عن «إجازة من المشاركة» نظرا لانشغاله بالكثير من المهام الأخرى.

فيقول: «في الوقت الحالي، سوف أنخرط في (إبرت الرقمي)، والموقع التفاعلي Rogerebert.com الذي أعيد تصميمه والذي أصبح قابلا للبحث به. وسوف تعرفون المزيد عن خصائصه الجديدة المثيرة في 9 أبريل (نيسان) عندما يتم إطلاقه».

بالنسبة للكتاب والشركات الإعلامية التي تبحث عن وسائل جديدة للتكيف مع المد الرقمي، أثبت السيد إبرت أن ركوب الأمواج بحماسة أسهل كثيرا من السباحة ضدها. ويبدو أن الكتابة الجيدة، والتجديد الدائم والحماس بشأن ما سيأتي لاحقا قد حقق المعادلة بالنسبة له. وأخيرا فإن نجاحك في شق طريقك رغم صعوبات الحياة اليومية ليس بالأمر السيئ.