إسلام آباد: وسائل الإعلام الورقة الرابحة في حسم الانتخابات المقبلة

مذيعو البرامج الحوارية السياسية في الصدارة

مبنى البرلمان الباكستاني في العاصمة إسلام آباد
TT

يمكن أن تشعرك قدرتك على التأثير على الأحداث السياسية في أحد الأنظمة الديمقراطية الهشة بالفخر، ويزداد هذا الشعور قوة حتى عندما ينسب المحللون والمراقبون الإطاحة بإحدى الحكومات العسكرية إلى دور وسائل الإعلام.

هذا في الواقع ما حدث في باكستان عندما بدأ محللون سياسيون يصفون في تعليقاتهم سقوط الرئيس السابق برويز مشرف بأنه من صنيع الجيل الباكستاني الصاعد بفضل دور وسائل الإعلام الإلكترونية القوية.

لقد بدأت الطبقة السياسية الباكستانية التي جاءت إلى السلطة بعد الإطاحة بالرئيس مشرف فترة حكمها بإدراك حقيقة أنها تحتاج إلى التودد لوسائل الإعلام، إذا كانت تريد لحكومتها إبحارا سلسا.

ومن ناحية أخرى، ينظر إلى نجاح وسائل الإعلام القوية باعتباره نقطة انطلاق لمزيد لتنامي دورها بصورة أكبر في التأثير بصورة مباشرة في النتائج السياسية لسياسات البلاد. ليس من المستغرب، في هذه الحالة، أن يتوقع المحللون السياسيون والمحللون الإعلاميون أنه من المرجح أن تؤثر وسائل الإعلام بشكل حاسم على نتائج الانتخابات البرلمانية القادمة في شهر مايو (أيار) المقبل.

وفي خضم سيطرة وسائل الإعلام على المشهد السياسي في البلاد، يبقى مذيعو البرامج الحوارية السياسية في الصدارة، وفي الواقع، ترتبط شعبية البرامج الحوارية بشعبية المؤسسات الإعلامية.

وقال إعجاز شافي جيلاني، رئيس مؤسسة «غالوب باكستان»، أثناء حديثه إلى «الشرق الأوسط»: «تعتمد شعبية البرنامج الحواري ومذيعه إلى حد كبير على شعبية القناة التلفزيونية». وتظهر معظم استطلاعات الرأي العام، التي أجرتها المؤسسات التجارية الضخمة للترويج لحملة إعلاناتها، شبكة تلفزيون «جيو» الباكستانية بوصفها القناة الإخبارية الرائدة في البلاد. ويضيف إعجاز شافي جيلاني قائلا: «أتفق تماما مع القول إن كامران خان وحامد مير والدكتور شهيد مسعود حصلوا على نصيب الأسد الممثل في جمهور المشاهدين البالغ عددهم عشرة ملايين».

لذلك، ليس من المستغرب أن يتأثر كامران خان سلبا عندما بدأ حزب الشعب الباكستاني الحاكم بالرد على الحملة التي تبناها المذيعون ضد الفساد المتفشي في صفوف الحكومة.

«سنقطع أيديكما إذا لم تصمتا فورا»، هكذا جاء التهديد الموجه إلى كل من كامران خان والدكتور شهيد مسعود مقدمي الأخبار الباكستانيين البارزين من قبل رنا آفتاب أحمد أثناء خطابه الذي ألقاه أمام تجمع حاشد في لاهور منذ خمسة أشهر، في وقت كان يواجه فيه كل من حكومة الرئيس آصف علي زرداري وحزب الشعب الباكستاني أزمة سياسية متفاقمة على خلفية المزاعم المتعلقة بالفساد المالي وغسل الأموال.

وأعطى الدور الحاسم الذي لعبته وسائل الإعلام الباكستانية القوية في الإطاحة بحكومة الرئيس السابق برويز مشرف مزيدا من الثقة للمذيعين لمواجهة أي حكومة تجرؤ على التحدي والتشكيك في دور وسائل الإعلام كأداة مطلقة غير مقيدة لنشر المعلومات والأفكار في المجتمع الباكستاني.

ومن الموضوعات التي تتم مناقشتها في هذه البرامج الحوارية التلفزيونية، والتي يتناولها المذيعون، تلك المتعلقة بالشؤون السياسية والأمنية والعسكرية والسياسة الخارجية والفساد المستشري في صفوف الحكومة والصعوبات الاقتصادية التي يواجهها عامة الناس والتطرق إلى الماضي الملوث لكبار الساسة وكيف دمر الحكم العسكري في الماضي النسيج السياسي والاجتماعي للمجتمع الباكستاني.

وفي هذا الصدد، قال رنا قيصر، صحافي بارز ورئيس تحرير سابق لصحيفة «ديلي تايمز» التي تصدر باللغة الإنجليزية: «إن موضوع المناقشات في هذه البرامج الحوارية يمكن أن يكون أي شيء له علاقة مباشرة بالمشكلات التي يواجهها المجتمع». ولم تكن إطاحة وسائل الإعلام الباكستانية بالحكومة العسكرية من السلطة هي آخر مرة تسعى فيها للتأثير على مجريات الأحداث، فما زالت تغامر بالتأثير على مسار الأحداث السياسية في البلاد.

واستطاعت القنوات الباكستانية الإلكترونية، في ظل توالي الأزمات الراهنة، أن تثبت وجودها في كل منعطف للأحداث. خذ على سبيل المثال الأزمة السياسية الأخيرة التي واجهتها البلاد عندما نجح عالم دين بارز في حشد آلاف من الناس في شوارع إسلام آباد خلال مهلة قصيرة.

لم يكن دور وسائل الإعلام الباكستانية في هذه المغامرة السياسية بالصغير، حيث قال فصيح الرحمن، وهو معلق سياسي ورئيس تحرير صحيفة «ذا نيشن» الباكستانية التي تصدر يوميا باللغة الإنجليزية، في إسلام آباد: «نجح القادري في جمع حشود تراوحت أعدادها ما بين سبعين ألف ومائة ألف شخص في شوارع إسلام آباد في غضون خمسة أسابيع، وجاءت تلك الحشود التي تبعته من أقصى أنحاء البلاد».

وأصبح من السهل لأي شخص توجيه رسالة سياسية إلى أبعد ركن من أركان البلاد في المجتمع الباكستاني، فهناك أكثر من عشر قنوات إخبارية في البلاد تعمل على مدار الساعة، وتمكن القادري من استغلال هذه القنوات بشكل جيد. لقد أذاعت القنوات الإخبارية الباكستانية الرائدة إعلانه المدفوع الأجر حول تنظيم مسيرة حاشدة لمدة أسبوع، حيث يقول فصيح الرحمن: «تبث بعض القنوات الإخبارية الرائدة إعلان القادري باستمرار كل عشر دقائق».

وقد تحدث القادري بشجاعة خلال حملته الإعلانية التي استمرت على مدار الأسبوع قبيل انطلاق المسيرة الحاشدة من لاهور قائلا: «اخرجوا إلى الشوارع، هذه فرصتكم الأخيرة، إذا فشلتم هذه المرة، فسوف تفشلون في مساءلة الحكومة الحالية عن أفعالها المشينة». وتجدر الإشارة إلى أن فصيح الرحمن رئيس تحرير صحيفة «ذا نيشن» أكد لـ«الشرق الأوسط» أن القادري دفع أكثر من مليار روبية لثلاث من القنوات الإخبارية الرائدة مقابل إذاعة حملته لمدة أسبوع.

لم تكن هذه المرة الأولى التي يستخدم فيها أحد الساسة أو رجال الدين شاشة القنوات التلفزيونية الخاصة لتوجيه رسالته السياسية وحشد الآلاف من عامة الناس في شوارع البلاد. فقبل ثلاث سنوات في منتصف عام 2009، دعا رئيس الوزراء السابق نواز شريف إلى تنظيم مسيرة احتجاج سياسي في لاهور (وصفها آنذاك بالمسيرة الطويلة)، وقد استخدم نفس الأسلوب لحث العامة على النزول إلى الشوارع.

كانت دعوة رئيس الوزراء السابق نواز شريف إلى هذه المسيرة في مارس (آذار) 2009 من أجل إعادة رئيس المحكمة العليا افتخار محمد شودري لمنصبه (الذي أقيل منه من قبل الرئيس السابق برويز مشرف)، ولهذا الغرض، أعلن أنه سيتوجه بالمسيرة نحو إسلام آباد بصحبة آلاف من أنصاره السياسيين. استخدم نواز شريف نفس الأسلوب بظهوره على الشاشات التلفزيونية على الهواء مباشرة موجها نداء إلى سكان مدينة لاهور بالخروج إلى الشوارع لمناهضة الحكومة.

وسرعان ما تم تطويق المدينة بشكل مكثف من قبل قوات الشرطة والقوات شبه العسكرية، وعلى الرغم من ذلك، عندما أطلق نواز شريف دعوته على شاشة التلفزيون، كسر الآلاف من البشر الحواجز التي أقامتها الشرطة ونزلوا في الشوارع، حيث جاءت دعوته كالتالي: «سأخرج من بيتي وأرجو أن تخرجوا من بيوتكم أيضا، لا تخافوا من الشرطة».

يقول الكثير من خبراء وسائل الإعلام إنها كانت المرة الأولى التي يستخدم فيها زعيم سياسي شاشة التلفزيون في جمع حشود ضخمة في الشوارع لتنظيم احتجاجات ضد الحكومة. تتم مشاهدة القنوات التلفزيونية الباكستانية في كل زاوية وركن من البلاد، حيث يقول فصيح الرحمن: «تتم مشاهدة القنوات التلفزيونية في كل من المناطق الريفية والحضرية في البلاد»، وبعد أن أطلق رئيس الوزراء السابق نواز شريف دعوته للاحتجاج ضد الحكومة عبر شاشات التلفزيون في عام 2009، أظهر العلامة طاهر القادري أنه كان أكثر مهارة في استخدام وسيلة الاتصال الجديدة لخدمة أغراضه السياسية.

وأبلغ مباشر الزيدي، رئيس قناة «دون تي في» الباكستانية، «الشرق الأوسط» أن هناك عنصرين قد ساعدا في نجاح حملة القادري التي ظهرت على شاشات القنوات الخاصة: «كان العنصر الأول هو إعلان القادري مدفوع الأجر والذي بثته كل قناة إخبارية باستمرار على مدار الأسبوع. أما العنصر الثاني، فتمثل في التغطية التي حصلت عليها مسيرته الطويلة من قبل قنوات التلفزيون».

وأخبر الزيدي «الشرق الأوسط» أن القادري كان غريبا على المشهد السياسي الباكستاني وأن الشاشات التلفزيونية جعلت منه وجها مألوفا لدى العامة.

وظلت القنوات الإخبارية الرائدة تعيد بث رسائله القصيرة كل عشر دقائق بشكل مستمر لمدة أسبوع قبيل انطلاق المسيرة الطويلة. لقد قامت هذه الإعلانات مدفوعة الأجر والتي تضمنت رسالته السياسية الحماسية بدورها كما ينبغي. لم تبدأ القنوات التلفزيونية التغطية العادية للمسيرة الطويلة إلى أن وصلت الاحتجاجات مدينة إسلام آباد، حيث كان اهتمام وسائل الإعلام منصبا على أخبار أخرى ذات أهمية وطنية. قال الزيدي: «لم تبدأ التغطية الإعلامية المنتظمة للمسيرة الطويلة إلا في اليوم الثاني من مسيرة القادري، لأن خبر قتل أعضاء من الطائفة الشيعية في كويتا كان أهم خبر بالنسبة لوسائل الإعلام».

يشير معلقون سياسيون وخبراء إعلاميون آخرون إلى أن المسيرة الطويلة للعلامة القادري اعتمدت في نجاحها اعتمادا كليا على شاشات القنوات التلفزيونية الباكستانية، ولقد كتب طلعت حسين، والذي يعمل مذيعا باكستانيا لبرنامج حواري سياسي بارز، في عموده الصحافي الأخير: «لقد كان عرضا إعلاميا من جانب القادري، وأعطت له وسائل الإعلام منصة لتقديم عرضه. كان تقاطع دي تشوك (تلك الساحة أمام البرلمان الباكستاني) بمثابة استوديو تدور فيه خمسون كاميرا. عمل الدكتور القادري مذيعا على الهواء طيلة أربعة أيام».