محاسن الإعلام الاجتماعي ومساوئه

تغطية انفجارات بوسطن أثارت أعلى نسبة اهتمام في مشاهدة نشرات الأخبار

صورة جوهر تسارناييف المتهم بالضلوع في تفجيرات بوسطن على صفحته في أحد الموقع الاجتماعية الروسية (رويترز)
TT

حسب تقرير نشره مركز «نيلسين»، أثارت انفجارات بوسطن، التي قتلت 3 أشخاص، وجرحت قرابة 200 شخص، ثم اتهم بها شقيقان هاجرا إلى أميركا من الشيشان، أعلى نسبة اهتمام بمشاهدة نشرات الأخبار في التلفزيون منذ الإقبال على أخبار الإعصار «كاترينا» سنة 2005، الذي شهد أكثر إقبال على نشرات الأخبار منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) سنة 2001.

لكن، لا «كاترينا»، ولا 11 سبتمبر، شهدا ظهور أداة إعلامية جديدة، غير التلفزيون والإذاعة والصحف، وهي الإعلام الاجتماعي. وبقدر ما كان الإعلام الاجتماعي عاملا إيجابيا في مضاعفة توزيع الأخبار والتعليقات، كان عاملا سلبيا في نشر أخبار غير صحيحة.

لكن، كما أثبتت التغطية الإعلامية في حادثي 11 سبتمبر و«كاترينا»، تختلط العواطف بالعقلانيات، والإشاعات بالحقائق. وضاعف الإعلام الاجتماعي هذا في حالة انفجارات بوسطن.

كان هناك، في البداية وقبل معرفة الجناة، السؤال الأول: من فعل هذا؟ في 11 سبتمبر، أشار الإعلام إلى أشخاص عندهم «ملامح شرق أوسطية»، وصارت هذه عبارة بديلة لمسلمين. وفي انفجار بوسطن، وبعد ساعات، نشر على الإنترنت معلومات عن «ملامح شرق أوسطية»، وأيضا عن «مسلمين». وطبعا، الإنترنت ليس حذرا مثل أجهزة الإعلام الرئيسة.

لكن، حتى هذه يبدو أنها تأثرت بإشاعات الإنترنت. وقال جون كينغ، مذيع تلفزيون «سي إن إن»، في حذر، أو شبه حذر: «أريد أن أكون حذرا جدا. هذا موضوع حساس، قالت لي مصادر في الشرطة إن وراء الانفجارين رجل داكن اللون».

ونشرت صحيفة «نيويورك بوسطن» صورة شاب «ملامحه شرق أوسطية» ويحمل حقيبة، وسمته: «رجل الحقيبة»، وضخّم الإنترنت الموضوع بأن صاحب الصورة «مغربي»، وقال آخرون إنه «مصري»، وقال غيرهم إنه «سعودي».

وقال تلفزيون «فوكس»، ربما اعتمادا على الإنترنت، فإن الشخص الذي وضع المتفجرات «سعودي»، من دون أن يعلن اسمه. وسارع مكتب التحقيق الفيدرالي (إف بي آي)، ونفى ذلك.

لكن، في وقت لاحق، ركزت الأخبار على «سعودي مجروح». ويبدو أن «الملامح الشرق أوسطية» للطالب السعودي عبد الرحمن الحربي الذي جرح في الانفجار، ونقل إلى المستشفى، أشعلت نيران الشائعات. وقالت أخبار إن «واضع الانفجارات جرح في الانفجارات». ثم ظهرت «جريحة ذات ملامح شرق أوسطية»؛ السعودية نورة العجاجي.

وهكذا، اعتمد الإعلام الرئيس على سجلات المستشفى الذي نقل إليه الجرحى، وتعقب الذين عندهم «ملامح شرق أوسطية».

وأرسل تلفزيون «فوكس» كاميرات وصحافيين إلى شقة الطالب السعودي. وسأل المذيع زميله: «هل تعتقد أن صديقك فعل هذا؟» وطبعا كان هذا سؤالا تجريميا. ومثل صورة «نيويورك بوست»، انتشرت مقابلة «فوكس» حول العالم.

وكان الرئيس باراك أوباما حذرا عندما قال إن الشرطة تبحث عن الجناة، من دون أن يحدد أي شيء عن ألوانهم، أو أوطانهم، أو أديانهم. بل حتى لم يستعمل كلمة «إرهاب.» وطالب بتحري الحقيقة، وعدم التسرع في إصدار الأحكام من دون حقائق.

لكن، شن عليه قادة في الحزب الجمهوري هجوما عنيفا؛ فاضطر، في الخطاب التالي، أن يشير إلى «الإرهاب» و«الإرهابيين»، من دون أي إشارة إلى «ملامح شرق أوسطية»، لكن، يدري أو لا يدري، أشعل النار ضد المسلمين، لأن كلمتي «الإرهاب» و«المسلمين» صارتا، بعد هجمات 11 سبتمبر، مرتبطتين في أذهان كثير من الأميركيين.

في الوقت نفسه، تطورت اتهامات «السعودي». ونقلت الأخبار أن الرئيس باراك أوباما اجتمع مع الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، مع تلميحات بأن للاجتماع صلة بـ«السعودي». وقالت أخبار أخرى إنه نقل إلى السعودية، إشارة إلى أخبار ما بعد هجوم 11 سبتمبر؛ بأن الأمير بندر بن سلطان سفير السعودية في واشنطن، رتب نقل آلاف من المبتعثين السعوديين إلى بلدهم.

وأشعلت النار أكثر صفحة عبد الرحمن الحربي في موقع «فيس بوك»، ونقلت أخبار بأن فيها صور مسدسات وبنادق وقنابل. وحتى بعد أن تحولت الأنظار إلى الشقيقين: تامرلان وجوهر تسارنايف، تسابق الإعلام، الرسمي والخاص، إلى ربط كلمة «الإسلام» بهما. وركز أكثر على الشقيق الأكبر تامرلان، وأنه صار «يصلى 5 مرات في اليوم».

وقالت صحيفة «كريستيان سيانس مونيتور»: «كانت كثير من التكهنات الأولية حول هوية منفذي التفجيرات خلال هذا الأسبوع خطأ»، ومن أسباب ذلك أن الشرطة نشرت على الإنترنت صورا وفيديوهات للمتهمين. وبينما طلبت الشرطة من الناس مساعدتها اعتمادا على هذه الصور والفيديوهات، حللها بعض الناس، وشرعوا ونظروا. ومرة أخرى، ركزت أغلبيتهم على «ملامح شرق أوسطية».

وقالت الصحيفة إن الشرطة لم تضلل الناس، ولم تشجعهم على التحليلات والنظريات، وإنها مارست ضبط النفس في التصريحات. لكن، طبعا، لا تسيطر الشرطة على الإنترنت.

ثم جاءت المرحلة الثالثة: بعد أن تأكد أن الرجلين مسلمان، ما هو رأي المسلمين؟ وامتلأت شاشات التلفزيونات بأسئلة إلى قادة المنظمات الإسلامية، وأساتذة جامعات مسلمين، وشباب وشابات، وحتى طلاب في مدارس ابتدائية عن: «ما رأيك (والجناة منكم)؟».. وفي الإنترنت، بدأت مرحلة الشتائم.

حتى قبل ذلك، كان مسلمون كرروا عبارة «نرجو أن لا يكون مسلما»، وأعاد هذا إلى الأذهان أحداث 11 سبتمبر، وذكّر بسنوات الاعتقالات، والتحقيقات، والمضايقات. وكأن المسلمين، بصورة أو أخرى، ساهموا في إشعال نار الإعلام ضدهم.

وقال إريك راش، يميني، في تلفزيون «فوكس» اليميني: «يوجد مسلمون أشرار»، وكأنه يريد أن يخفف اتهامه بأن لا يشمل كل المسلمين. ورب ضارة نافعة بالنسبة لقادة المنظمات الإسلامية؛ انهمر عليهم الإعلام، وهو عادة لا يركز عليهم. وكرر الإعلام تصريحات، مثل التي قالها نهاد عوض المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير): «يدين المسلمون الأميركيون، مثل جميع الأميركيين من جميع الخلفيات، الهجوم الجبان ضد المشاركين والمتفرجين في ماراثون بوسطن»، ونشر الإعلام، مع الاتهامات المباشرة وغير المباشرة، معلومات إيجابية عن المسلمين في أميركا. وما يقومون به للتواصل مع الشعب الأميركي، ومع الإدارة الأميركية. وجهودهم ليكونوا جزءا من الشعب الأميركي، وتقديم بعض النماذج الناجحة، أكاديميا، واقتصاديا، وفي مجالات التواصل مع الأديان الأخرى.