هل تحمي الشركات أخلاق التواصل الاجتماعي؟

نقاش رأسمالي أم نقاش فكري وثقافي؟

فتاة اميركية تتابع موقعا للتواصل الاجتماعي
TT

مع انتشار استعمال شبكات التواصل الاجتماعي في الإنترنت، زاد النقاش حول مستوى أخلاق هذا التواصل: هل يكتب أي شخص أي شيء؟ أم يجب أن تكون هناك حدودا؟ ماذا عن الشتائم، والإساءات، والإحراجات؟ وأهم من ذلك، ماذا عن العبارات الإباحية، والصور العارية، والجنس المباح؟

طبعا، يستمر النقاش حول هذه المواضيع في الإنترنت مثلما في بقية المجتمع، مع كل الاعتبارات الحضارية، والثقافية، والدينية، والاجتماعية.

لكن، ظهر في الولايات المتحدة عامل جديد ربما لم يضع له كثير من المتناقشين، سلبا أو إيجابا، اعتبارا. وهو أن الشركات التي تعلن في المواقع الاجتماعية تحرص على «سمعتها». وبالتالي سمعة المواقع التي تنشر فيها إعلانات.

وكتب عن هذا الأميركيان مارك روسو، وبيرنارد جنسن في تقرير عنوانه: «أسماء الشركات في الإعلانات». وقال تقريرهما إن النقاش عن أخلاقية الإعلانات ليس فقط عن التعري والإباحية، ولكن، أيضا، عن طريقة عرض الإعلانات نفسها.

وقال التقرير إن هذه الشركات تمارس الآتي:

أولا: كلمات لامعة ومبهرة لجذب القارئ.

ثانيا: إجبار القارئ على قراءة الإعلان.

ثالثا: تغيير أو حجب الإعلانات المنافسة.

وأشار التقرير إلى برامج تشجع العرض المثير للإعلان، مثل: «أدوب فلاش» و«ادبلوك» و«نوسكريبت». وانتقد استعمال بعض الشركات، وخاصة الشركات الكبيرة، لها في إعلاناتها على الإنترنت.

في الجانب الآخر، قالت بعض هذه الشركات إن محتوى المواقع الاجتماعية أهم من طريقة نشر الإعلانات فيها. كما أن شركات التواصل نفسها، مثل «فيس بوك» و«تويتر»، صارت تهتم بمحتوى ما ينشر فيها. ربما ليس لوضع «مبادئ أخلاقية»، ولكن خوفا من هروب إعلانات الشركات الكبيرة.

وكتبت تانزينا فيغا في صحيفة «نيويورك تايمز» أن المواقع التي تريد إعلانات الشركات، خاصة الكبيرة، صارت تضع اعتبارات لحرص هذه الشركات على «سمعتها».

وفي الأسبوع الماضي، واجهت شركة «فيس بوك» هذه المشكلة عندما ووجهت بأن اتصالات اجتماعية في موقعها تسيء إلى المرأة، وتتحدث عن أعضاء جسدها، وقلة عقلها، وإباحة استغلالها، والإساءة إليها.

وكانت منظمات نسائية شنت حملة عنيفة على هذه المواقع، واتهمت شركة «فيس بوك» برعايتها. وبسبب ذلك، اضطرت شركات عالمية كبيرة، مثل شركة «نيسان» لصناعة السيارات، إلى سحب إعلاناتها من «فيس بوك».

وبسبب الضغوط الكثيرة، أصدرت شركة «فيس بوك» بيانا قالت فيها: «ليس سهلا العثور على المواد التي تخالف قوانيننا. وسنعمل على تطوير تكنولوجيا العثور هنا».

وهكذا، صارت أخلاقيات الإنترنت، وخاصة أخلاقيات المواقع الاجتماعية، مثار نقاش، ليس فقط وسط خبراء، ومثقفين، وسياسيين، ولكن، أيضا، وسط الشركات، وبعضها كبيرة، ومن أعمدة النظام الرأسمالي.

وأصدر ديفيد روتر، نائب رئيس شركة «نيسان الأميركية» بيانا قال فيه: «طبعا، تريد الشركات التي تنشر إعلاناتها تحقيق شيء واحد محدد، وهو قراءة أكبر عدد من القراء لهذه الإعلانات. وطبعا، تريد أن تفعل ذلك بطريقة إيجابية تحسّن سمعتها، وتزيل أي انتقادات في ذهن القارئ للإعلان، أو للشركة».

وأضاف: «لا تقع المسؤولية على الشركات التي تنشر إعلاناتها، ولكن على الشركات التي تدير المواقع التي تنشر فيها هذه الإعلانات». وقال إن شركة «نيسان» بدأت تتعاون مع شركة «فيس بوك» لحل هذه المشكلة.

واشتركت في النقاش شركة «يونيليفار» التي تنتج وتبيع صابون «دوف». وتنشر إعلانات لجذب النساء إلى منتجاتها. وكانت منظمات نسائية اتهمت الشركة بنشر إعلانات في مواقع تواصل اجتماعية تسيء إلى المرأة. وقالت ستاسي برايت، مديرة في قسم صابون «دوف»: «إعلاناتنا في شبكة (فيس بوك) لا تستهدف صفحات معينة، ولكنها تستهدف القراء. ونحن لا نختار الصفحات. شركة (فيس بوك) هي التي تفعل ذلك».

وقالت سارة فاينبيرغ مديرة الاتصالات الإعلامية في «فيس بوك»: «إذا علمنا أن صفحة تكتب أشياء تعارض سياستنا، لا ننشر فيها إعلانات».

وتدخل خبراء إنترنت، وقالوا إن المشكلة حقيقية، وهي صعوبة السيطرة على الإنترنت، ليس فقط من جانب الحكومات والمسؤولين، ولكن، أيضا، من جانب شركات الإنترنت نفسها، مثل «فيس بوك» و«تويتر». وقالت اودري سيغال، مديرة شركة «تارغيت كاست» (فرقة الاستهداف، استهداف القراء في الإنترنت): «بصراحة، ليست هناك أي سيطرة كاملة. والسبب هو تكنولوجية الإنترنت. ليست هذه صفحات مجلة، يقرأ القارئ الإعلان، أو يتحاشاه. تكنولوجيا إعلانات الإنترنت تجعلها تظهر، وتتجدد، وتتغير، كلما فتح القارئ الموقع».

وبينما يستمر هذا النقاش عن أخلاقيات المواقع الاجتماعية، وعن دور الشركات (شركات الإعلانات، وشركات المنتجات، وشركات الإنترنت نفسها)، يظل شيء واحد مستمرا ومؤكدا، وهو زيادة الإقبال على الإنترنت، وزيادة فرص الإعلانات فيه.

وفي الأسبوع الماضي، أعلن موقع «ايماركتر» (التسويق الإلكتروني) أن عائدات إعلانات المواقع الاجتماعية في الإنترنت في الولايات المتحدة يتوقع أن تصل إلى سبعة مليارات دولار بعد سنتين. وأن ذلك سيكون نسبة 12 في المائة من جملة إعلانات الإنترنت.

ومن المتوقع أن تصل إيرادات إعلانات «فيس بوك» في الولايات المتحدة إلى أربعة مليارات دولار، بالمقارنة مع ثلاثة مليارات في الوقت الحاضر. وإلى مليار دولار، من نصف مليار، بالنسبة لشركة «تويتر».

لهذا، يبدو أن النقاش حول أخلاقية المواقع الاجتماعية هو «نقاش رأسمالي»، وربما أكثر من فكري، أو ثقافي، أو ديني.