ديما صادق: بين الموضوعية والإنسانية أنحاز إلى الثانية

الإعلامية اللبنانية ترفض الحكم على آرائها السياسية انطلاقا من هويتها الطائفية

الإعلامية ديما صادق
TT

بدأت الإعلامية اللبنانية ديما صادق مسيرتها المهنية من الصحافة المكتوبة من دون أن تتنازل عن طموحها في الإعلام المرئي. وكان لها ما كان في عام 2007 حين انطلقت من وسيلة إعلامية حزبية قبل أن تنتقل إلى مؤسسة تلفزيونية أخرى تعتبرها اليوم «الأكثر موضوعية». استطاعت خلال سنوات معدودة أن تحجز لها مكانا خاصا بها تاركة «بصمة حوارية» تميزها عن غيرها وإن كان الأمر يجعلها دائما في «موقع المتهم» من جمهور مختلف الأفرقاء. بين الموضوعية والإنسانية لا تنفي انحيازها للثانية، حاملة لواء القضايا الاجتماعية وحق الشعوب. تعترف أنها كأي امرأة تفرح عندما توصف بالـ«جميلة» لكن شرط أن لا يقتصر الأمر على المظهر الخارجي بل ويترافق مع آراء حول عملها ومهنيتها. وفيما يلي نص الحوار:

* كيف كانت بداية ديما صادق المهنية؟

- بدأت غمار الصحافة حين كنت لا أزال أدرس العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف. وفضلت حينها أن أنطلق بناء على نصائح من أساتذة في هذا المجال، من الصحافة المكتوبة رغم أنّ عيني كانت منذ البداية مصوبة على العمل التلفزيوني. وبعد فترة تدريب في جريدة «السفير» اللبنانية انتقلت لأعمل كمساعدة لرئيس التحرير الصحافي الراحل جوزيف سماحة، وهي تجربة أكسبتني خبرة مهمّة شكلت دعما في حياتي المهنية. وفي عام 2007. انضممت إلى فريق عمل قناة «OTV» عند افتتاحها، وتوليت حينها تقديم برنامج سياسي. وفي عام 2011 انتقلت إلى محطة «LBCI»، التي أعتبرها أيضا خطوة مهمة في مسيرتي الإعلامية.

* هل تشعرين بالندم في أحيان معينة على اختيارك مهنة الإعلام؟

- بالعكس، أحب هذه المهنة وأمارسها بشغف وحماسة، وهي المهنة التي لطالما تمنيت وبذلت جهودا لأخوض غمارها.

* هل تفكرين أن تعودي إلى الصحافة المكتوبة أم تجدين نفسك أكثر في الإعلام المرئي؟

- الصحافة المكتوبة كانت تجربة خضتها في بداية حياتي المهنية، لكنني لا أشعر بشغف العودة إليها أو ممارستها.

* ما هو أوّل تحقيق أو مقابلة قمت بإجرائها، ومع من كانت؟

- أوّل تحقيق قمت بإعداده في جريدة «السفير» كان ميدانيا، بينما المقابلة كانت مع النائب سامي الجميل في عام 2001. كان حينها زميلي في الجامعة.

* إلى أي حد تعتبرين أنك حقّقت أهدافك في الحياة وما هي الأمور التي لا تزالين تطمحين إليها؟

- مما لا شكّ فيه أنّ هناك الكثير من الأهداف التي أعمل على تحقيقها، وكان أحدها أن أكون إعلامية سياسية. ومن هنا يستمر العمل على تحقيق أهداف أخرى ترتبط بمعظمها بعملي ومهنتي، وأهمها، تطوير الذات، إذ لا يزال هناك الكثير من الأمور التي أحتاجها لأرضى على نفسي بشكل كامل.

* كنت في محطة الـ«OTV» المحسوبة على فريق سياسي معين وأصبحت اليوم في قناة «LBCI» التي تعتمد سياسة مختلفة، كيف اختلف العمل بالنسبة إليك وأين تجدين نفسك أكثر؟

- الأولى كانت معروفة بخطها السياسي الحزبي بينما لا هوية سياسية للثانية، وهو الأمر الذي يشعرني اليوم براحة أكبر في مؤسسة غير منحازة وأعتبر أنّها الأكثر موضوعية بين القنوات اللبنانية. كما أنّ خط الإعلام الاجتماعي وقضايا حقوق الإنسان التي أصبحت من أولويات المحطة في الفترة الأخيرة، هي عناوين تمثلني وأجد نفسي في صميمها للدفاع الشرس عنها مهنيا واجتماعيا. لكن لا يعني ذلك أنّني كنت أتعرض في الـOTV» لأي ضغوط سياسية، بل أؤكّد أنّه لم يطلب مني يوما أن أسأل سؤالا أو أتجنب آخر.

* كيف تصفين واقع الإعلام اللبناني اليوم في ظل الانقسام الحاد الذي بات يحكم سياسة كل وسيلة إعلامية؟

- أرفض تقويم الإعلام اللبناني، لكن كل ما يمكنني قوله هو أنّه متأثّر بالانقسامات السياسية والشحن الطائفي والعنف على مختلف الأصعدة.

* إلى أي حد تعتبرين أنّه لا يزال هناك موضوعية في الإعلام العربي اليوم وهل ينعكس ذلك على المؤسسة التي تعلمين فيها؟

- الموضوعية باتت شبه معدومة في الإعلام. لكن ومن دون أي مبالغة، أنا على يقين أنّ قناة «LBCI»، لا سيما في السنوات الأخيرة، هي «الأكثر موضوعية» في لبنان. لذا أؤكّد أنني أعمل في مؤسسة غير منحازة سياسيا، تعرف كيف تنقل الخبر بدقّة والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يضرّ الصالح العام أو يؤجّج الفتنة.

* بين «الموضوعية» و«الإنسانية»، ماذا تختارين؟

- الموضوعية في معالجة الأمور السياسية مطلوبة ولا أتنازل عنها، لكن عندما يتعلّق الأمر بالإنسانية فعندها لا وجود بالنسبة لي للموضوعية. وهذا ما تؤكده مواقفي وآرائي التي أعلن عنها جهارا، دعما للثورة السورية، كما كل الثورات العربية. لذا، أشكر ربي دائما على أنني عشت يوم التحرير في 25 مايو (أيار) 2000. واستطعنا مواجهة إسرائيل في حرب يوليو (تموز) 2006. وشهدت على سقوط الرئيس المصري السابق حسني مبارك، وأنا اليوم أشاهد ثورة الشعب السوري على الظلم والاستبداد.

* يبدو واضحا أنّ هذه الانقسامات انعكست على الإعلاميين في لبنان وفقا لتوجهات الوسيلة التي يعملون فيها، هل يمكن القول: إن ديما صادق تحمي نفسها من «هذه الآفة»، ولماذا هناك دائما جدل حول أسلوبك في «مواجهة الضيوف» والحكم على هويتك السياسية؟

- أرفض أن يحكم علي أو على آرائي السياسية انطلاقا من هويتي الطائفية. وهذا الجدل أو حتى الاتهامات التي تنهال علي في كل مرّة أستضيف فيها شخصية تنتمي إلى فريق سياسي معيّن، وإن كان يزعجني في بعض الأحيان، أعتبره أمرا إيجابيا لناحية عدم إظهار ميولي السياسية، وذلك لأنني ألعب دور المدافع عن الفريق الآخر وآرائه، وهذا هو الهدف الذي أتمنى أن أكون قد نجحت في تحقيقه. أما فيما يتعلّق، بموضوع «مواجهة الضيوف»، فقد اخترت هذا الأسلوب ليكون الخط الذي أعتمد عليه، وذلك بهدف إحراج السياسيين، لأنني أعتبر أنّ المقابلة لا يجب أن تكون نزهة بالنسبة إليهم يطلقون خلالها ما يشاءون من دون حسيب أو رقيب، بل عليهم بذل جهد لإقناع الناس، وعلينا نحن وضعهم أمام مسؤولياتهم.

* من هي الشخصية الإعلامية التي كانت ولا تزال قدوتك في الإعلام عالميا وعربيا؟

- أعتبر كلا من عماد الدين أديب والإعلامي البريطاني تيم سيباستيان في محطة «بي بي سي» ومقدم برنامج «Hard talk»، من أبرز الإعلاميين، وكنت أحرص على متابعتهما خلال دراستي الجامعية، واليوم أستطيع القول: إن المصري باسم يوسف، يجذبني أيضا كشخصية إعلامية تقدّم عملا مميزا عن كل ما هو موجود اليوم على الساحة.

* هل هناك من كاتب أو كتّاب معينين تحرصين على متابعتهم؟

- في الصحافة، لا يمكنني تحديد اسم دون آخر، إذ هناك عدد كبير من الصحافيين الذين أتابع كتاباتهم ومقالاتهم بشكل دائم في الصحف اللبنانية والعربية.

وفي الأدب، أقرأ أيضا لأسماء عدّة، إنما أحرص على الاطلاع على أعمال الكاتب والفيلسوف التشيكي «ميلان كونديرا» وصادق جلال العظم وياسين الحاج صالح، لا سيما فيما يتعلّق بالثورة السورية.

* هل تشاركين في إعداد نشرات الأخبار والمقابلات السياسية التي تجرينها في برنامج «نهاركم سعيد»، أم تتركين المهمة للفريق المختص؟ وهل تمارس عليك بعض الضغوط أو فرض قواعد معينة لجهة الأسئلة والقضايا المطروحة؟

- المشاركة في الإعداد هي جزء مهم وأساسي في العمل، لذا أحرص، ولا سيما في حلقات البرنامج أن أشارك واطلع وأناقش في كل الأمور والمواضيع. وهنا أؤكّد أنني أعمل بعيدا عن أي ضغوط أو «قواعد سياسية» تفرض علي من أي جهة في المحطة.

* هل يزعجك أنّ ردّ الفعل الأول عندما يذكر اسم ديما صادق، يكون التركيز على جمالها قبل مهنيتها؟

- بداية أعتبر أنّ موضوع الجمال هو مسألة نسبية، فقد يعتبرني البعض جميلة، في حين يجدني البعض الآخر غير ذلك. لكن بالنسبة لي كأي امرأة، هذا الأمر لا يزعجني طالما لم يختصر بالمظهر وترافق مع آراء حول عملي، لا سيّما أنّني لم ولا أعتمد على شكلي الخارجي في عملي والجمال ليس المعيار الأساسي للحكم على أي إعلامي أو إعلامية.

* هل تلجئين إلى الـ«تقويم الذات»؟ وما هي الانتقادات التي قد تقدمينها لديما صادق اليوم؟

- بالتأكيد أنتقد نفسي، وهذه الانتقادات أناقشها فقط مع ذاتي ومع المقربين جدا مني. لكن ما أستطيع التأكيد عليه هو أنّني أحرص على تطوير نفسي باستمرار بغض النظر عن الموقع المهني الذي قد أصل إليه أو لا.

* كم ساعة تعملين أسبوعيا؟ وإلى أي حدّ تجدين نفسك قادرة على الفصل بين مهنتك وحياتك الخاصة والاجتماعية؟

- أعمل 48 ساعة أسبوعيا، وهي الساعات المنصوص عليها في قانون العمل. لكن مما لا شكّ فيه أنّني «أعيش عملي»، إذ يصعب الفصل بين مهنتي وحياتي الاجتماعية في بلد يعيش على التوترات السياسية والأمنية التي تفرض علينا متابعة كل ما يحصل لحظة بلحظة.

* كيف توفقين بين عملك وعائلتك، وهل تشعرين أن النجاح في العمل قد يكون على حساب الحياة الشخصية؟

- مما لا شك فيه، أنّه في بعض الأحيان ينتابني شعور بالذنب تجاه ابنتي «ياسمينا». لكن أحاول قدر الإمكان التوفيق بين عائلتي ومتطلبات مهنتي، لا سيما أنّ الأولى هي حياتي والثانية هي جزء أساسي من شخصيتي ومستقبلي.

* ما رأيك بوسائل الإعلام الجديدة وإلى أي حد تعتبرين أنها بدأت تحل مكان القديمة؟

- وسائل الاتصال الحديثة أصبحت هي الأساس ومصدر الخبر لحظة بلحظة بعدما كنا ننتظر، قبل 10 سنوات، المساء أو اليوم التالي للاطلاع على الأخبار، وبالتالي لم تعد مهمة وسائل الإعلام التقليدية اليوم نقل الخبر إنما البحث عما وراء الخبر، وهنا التحدي بحد ذاته بالنسبة للأخيرة.

* هل تعتقدين أنّه مع هذا التطور وتعدّد القضايا، أصبحنا بحاجة إلى صحافيين وإعلاميين متخصصين؟

- لا مانع من وجود إعلاميين متخصصين في أي مجال أو قضية، وهذا بات معتمدا في وسائل الإعلام، خاصة على صعيد المستشارين. لكن المطلوب من الإعلامي أنّ يكون ملما، ولو بالحد الأدنى بمختلف المواضيع وقادرا على معالجتها.

* ما هي الوسيلة الإعلامية، في المرئي أو المسموع أو المكتوب، التي تتابعينها باستمرار؟

- أحرص على متابعة أكبر قدر ممكن من وسائل الإعلام، بحسب ما يتوفّر لدي من وقت. وفيما يتعلّق بالأزمة السورية اليوم، أعطي الأولوية لقنوات «الجزيرة» و«العربية» و«سكاي نيوز» و«بي بي سي».

* ما هي النصيحة التي تقدمينها للشباب المبتدئين الذين اختاروا الصحافة مهنة لهم؟

- الأهم هو حب هذه المهنة وممارستها بشغف، ومن ثم المثابرة والمتابعة وتطوير الذات باستمرار لكسب ثقة المشاهد.