البنغلاديشيات يقهرن التحديات ويقتحمن عالم الصحافة

كان عددهن خمسا قبل 30 عاما.. واليوم يتألقن في أكثر من 100 مؤسسة إعلامية

الإعلامية شرمين إبراهيم
TT

ارتفع عدد الصحافيات في بنغلاديش، التي تعد رابع أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان بعد إندونيسيا وباكستان والهند بـ148.6 مليون نسمة، من خمس أو ست صحافيات قبل نحو 30 عاما إلى المئات في الوقت الحالي. وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية في هذا المجال، فإن بعض التقديرات تشير إلى أن الصحافيات في وسائل الإعلام البنغلاديشية، بما في ذلك القنوات التلفزيونية، يشكلن أكثر من 7 في المائة من إجمالي عدد الصحافيين في البلاد، لتحتل بنغلاديش المركز الثاني في شبه القارة الهندية في هذا الصدد، بعد الهند التي تأتي في الصدارة.

ولم تقتحم السيدات عالم الصحافة إلا في الثمانينات من القرن الماضي. والآن، تعمل السيدات في أكثر من 100 مؤسسة إعلامية في البلاد. ويزداد عدد الصحافيات بمرور الوقت نتيجة للطفرة التي تشهدها وسائل الإعلام في بنغلاديش، والتي باتت تتفوق على كثير من البلدان المجاورة من حيث عدد الصحف والقنوات التلفزيونية، حيث يوجد بها 35 قناة تلفزيونية و11 قناة إذاعية وعشرات الصحف.

في عام 1985، التحقت ديزي مودود للعمل بصحيفة «داينيك بوربوكون» وأصبحت أول سيدة تعمل في مجال الصحافة في منطقة شيتاغونغ ببنغلاديش، وارتقت مودود في العمل الصحافي إلى أن وصلت الآن إلى منصب مساعد رئيس تحرير الصحيفة. ولقيت مودود دعما كبيرا من أسرتها للعمل في هذه المهنة، ولكنها واجهت كثيرا من الصعوبات. وعن ذلك تقول مودود: «كان يتعين علي أن أثبت نفسي باستمرار، وأكون في عملي أفضل من زملائي من الرجال، الذين اعتقد كثير منهم أنني لن أستطيع القيام بالعمل مثلهم. كان يتعين علي أن أكون قوية حتى أتمكن من البقاء، وإلا كانت التحديات ستقهرني».

والآن، أصبح هناك نحو 70 صحافية في مدينة شيتاغونغ. وتعد بنغلاديش أحد البلدان الإسلامية القليلة التي تتمتع بحرية الصحافة، ولا يقوم دستورها على الشريعة الإسلامية. وكان عمل الصحافيات، ولا سيما البنغاليات المسلمات، قد بدأ خلال الاحتلال البريطاني عندما قام نور جاهان بيغوم بنشر «مجلة بيغوم»، قبل شهر واحد من الاستقلال عن الحكم البريطاني عام 1947.

ونجحت موني ساها، وهي صحافية معروفة تعمل بقناة «إيه تي إن بانغلا» التلفزيونية، في أن تصل لمكانة صحافية مرموقة من خلال عملها الجاد ومعرفتها الواسعة ومثابرتها، وهي الصفات التي أهلتها لأن تشغل منصب رئيسة قطاع الأخبار بالقناة.

وتقول ساها: «العمل مراسلة تلفزيونية صعب للغاية، سواء في بنغلاديش أو في أي مكان في العالم، ولذا فهي مهنة شاقة للغاية على السيدات. في السابق، كانت هذه المهنة تقتصر على الرجال بسبب طبيعة العمل الشاق والتنقل من مكان لآخر في أي وقت، وهو ما يعني وجود مخاطر كثيرة في العمل. أما اليوم، فقد تغير هذا السيناريو واقتحمت السيدات هذا المجال بشدة وتغيرت النظرة للمرأة على أنها كائن ضعيف، وهذه هي الأسباب التي دفعتني للعمل بهذه المهنة».

ومنذ البداية، أرادت ساها أن تصبح مراسلة جيدة، وليس مجرد سيدة يقتصر عملها على أخبار المرأة. لقد أرادت أن تصبح صحافية مرموقة، وبالفعل نجحت في تحقيق أهدافها. لقد أثبتت ساها أن مهنة الصحافة لا تفرق بين رجل أو امرأة، ولكنها تعترف بمن يعمل بقوة لتحقيق أهدافه.

وقالت الصحافية اللامعة بارفين سلطانة غهوما: «إنه لشيء رائع أن تقتحم السيدات مجال الصحافة ويقمن بعمل جيد». وشددت غهوما، التي تشغل منصب مساعد رئيس تحرير صحيفة «شوكالر خابور» البنغالية والسكرتير العام لمركز الصحافيات في بنغلاديش، على أهمية تحقيق التوازن بين الجنسين في صناعة الإعلام.

وأضافت غهوما: «انضم كثير من السيدات إلى العمل بمهنة الصحافة في بنغلاديش على مدى العقد الماضي. ومع ذلك، ما زالت السيدات يشغلن المناصب الأقل في تلك المهنة، حيث يسيطر الرجال على المناصب التنفيذية والتحريرية، ولذا فهناك حاجة ملحة لأن ترتقي المرأة للمناصب الأعلى على أساس الكفاءة وليس على أساس النوع».

وقالت فارزانا لابوني، وهي مراسلة بصحيفة «كالر كانثا»: «وصلت إلى ما أنا فيه الآن بفضل عملي الجاد وإخلاصي في العمل. أنا أعمل 10 مرات أكثر من زملائي الذكور. وكان يتعين علي أن أواجه الكثير من التحديات، سواء على المستوى العائلي أو الاجتماعي، أو حتى في مكان عملي».

وقالت لابوني، التي تغطي الأخبار الاقتصادية: «الآن، بات واضحا أنه يتعين علي أن أعمل أكثر من زملائي الذكور حتى يمكنني الاستمرار في هذه المهنة. إذا ما كان هناك تقريران جيدان في غرفة الأخبار، فإن التقرير الذي أعده أحد زملائي من الذكور سوف يكون له الأولوية والسبق على حساب التقرير الذي قمت أنا بإعداده، لأنني أنثى».

ومن جهته، قال ساجاد شريف، وهو مدير تحرير صحيفة «بروثوم ألو» البنغالية الأكثر شعبية، إن عمل المرأة في مجال الصحافة أصبح مثيرا للإعجاب الآن، مضيفا: «أصبحنا نرى الآن في بعض القنوات التلفزيونية أن السيدات يلعبن دورا مهما على مستوى اتخاذ القرار. صحيح أن عمل المرأة في الصحافة المطبوعة لا يرتقي إلى المستوى المأمول، ولكن عملها في الإعلام المرئي والمسموع مشجع للغاية».

وأضاف شريف أنه لا يعتقد أن العوائق الاجتماعية أو الدينية سوف تمنع المرأة من أن تشغل مناصب مرموقة في أي مهنة، بما في ذلك الإعلام، مضيفا: «لا أعتقد أن هناك أي شيء يمكن أن يمنع المرأة من العمل في مجال الإعلام. وكلما زاد عمل السيدات في مهنة الإعلام، أصبح الإعلام أفضل».

وقالت الصحافية البارزة شرمين إبراهيم لونا إن عمل المرأة في الصحافة بات أفضل من ذي قبل، حيث بدأت المفاهيم الاجتماعية الخاطئة تتلاشى بصورة تدريجية، مضيفة: «عانيت من التمييز في بداية عملي في مجال الصحافة، ولكن الوضع تغير الآن ولم يعد هناك أي مظهر من مظاهر التمييز والتفرقة من قبل زملائي». وأصبحت لونا أكثر استعدادا للعمل في هذه المهنة المحفوفة بالمخاطر، حيث باتت تحصل على دعم أكبر من قبل زملائها في العمل ومن قبل عائلتها أيضا. وعن ذلك تقول لونا: «هناك بعض المخاطر التي نواجهها كل يوم، ولكننا نحصل على دعم كبير من جانب مكتبنا وزملائنا في العمل».

وقالت غيتيارا ناصرين وهي أستاذة بقسم الاتصالات والصحافة بجامعة دكا: «تلعب العوامل الاجتماعية والثقافية دورا مهما في إعاقة أو تقدم المرأة في مجال الصحافة، ولكن هذا التوجه يتغير، في ظل الزيادة الكبيرة في أعداد السيدات العاملات في مجال الصحافة، ولا سيما العمل كمراسلات».

وعندما بدأت بوشبيتا علام في إجراء مقابلات مع المرشحات لبرنامج زمالة لتأهيل السيدات للعمل الصحافي، كانت تبحث عن السيدات اللاتي يتمتعن بقوة الشخصية والإرادة القوية على التميز في مهنة محفوفة بالمخاطر ويهيمن عليها الرجال. وتتذكر علام تلك المقابلات قائلة: «دخلت عليّ إحدى السيدات وسألتها: هل لديك المقدرة على مواجهة التحديات والعمل في ظل الكثير من الضغوط؟، وردت تلك السيدة قائلة: انتحر زوجي منذ يومين، وأنا هنا الآن للعمل. أنا أعمل بشكل جيد في ظل الضغوط».

وتفتخر بنغلاديش بوجود وكالة أنباء تديرها سيدات وتركز على قضايا المرأة، وهي وكالة أخبار التلفزيون (تي في إن إيه)، وهي عبارة عن تعاون مشترك بين المركز الدولي للصحافيين الذي يتخذ من واشنطن مقرا له ومركز بنغلاديش لتنمية الصحافة والاتصالات ومقره دكا. وتقوم هذه الوكالة بتدريب السيدات على العمل الصحافي وكتابة تقارير عن قضايا المرأة وحياتهن في بنغلاديش.

وأعربت شانتا ماريا (وهي صحافية إذاعية) عن قلقها من أن العمل في مجالات الرياضة والاقتصاد والسياسية يقتصر على الرجال في بعض المؤسسات الإعلامية، وإن كان الأمر يعد أقل حدة في وسائل الإعلام الإلكترونية عنه في وسائل الإعلام المطبوعة. وأشارت شانتا إلى أن الفرص متاحة لعمل السيدات في الصحافة، وأن السيدات يتغلبن على التحديات التي تنطوي عليها هذه المهنة.

وقالت الصحافية سطانة رحمن، التي تعمل في إحدى مؤسسات الإعلام الإلكتروني: «تتمتع النساء بالقدرة على تحمل المسؤولية والإخلاص في العمل، وأنا أتحمل المسؤولية في عملي، وأقوم بالعمل الذي يتعين علي القيام به بكل إخلاص، حتى لا ينتقد أي شخص عملي ويقول إنه (عمل امرأة). يتعين على أن أتفوق في عملي كصحافية، من دون النظر إلى كوني سيدة. إنني أحث السيدات على العمل في مجال الصحافة ومواجهة التحديات التي تنطوي عليها هذه المهنة، لأنني أعتقد أن الصحافة مناسبة تماما لعمل السيدات».

وخلال آخر مؤتمر عقده مركز الصحافيات البنغلاديشي «ناري سانغباديك كيندرا»، طالب المتحدثون بتقدير الصحافيات بصورة أكبر وتشجيع السيدات على الالتحاق بالعمل الصحافي. وقدم سيما مسلم، وهو مدير قسم الأبحاث بمعهد الصحافة البنغلاديشي، ورقة تظهر أن السيدات يحصلن على مقابل أقل من زملائهن من الذكور في بعض المؤسسات الإعلامية، ويعملن تحت ضغوط اجتماعية هائلة ويواجهن مشكلات كبيرة في التنقل. وطالب المشاركون بعلاج مشكلة عدم التوازن بين الجنسين في الإعلام، مشيرين إلى وجود حاجة ملحة لمنح السيدات الفرص نفسها التي يحصل عليها الرجال.

وقال محفوظ أنعم، وهو رئيس تحرير صحيفة «ديلي ستار» اليومية، إن المؤسسات الإعلامية لا تلتفت إلى اختلاف النوع، مضيفا: «لا تبحث الصحيفة عن نساء للعمل، ولكنها تقوم بتعيين الشخص الأفضل، سوءا كان ذكرا أم أنثى».

وقال أحسن عزيز، وهو مالك مجلة «تشيتاغون» الأسبوعية الناطقة باللغة الإنجليزية: «سوف أقوم بتعيين أي شخص كفء، بغض النظر عما إذا كان ذكرا أو أنثى، ولكن عدد خريجي الجامعات الذين يجيدون اللغة الإنجليزية غير كافٍ».

وقالت الصحافية فرحانة ميلي التي تعمل في مجال الصحافة المطبوعة إنها تأمل أن تتجه السيدات بصورة أكبر للعمل في مجال الصحافة، مشيرة إلى أن الوضع اختلف كثيرا الآن عما كان عليه قبل 10 سنوات. وأشارت ميلي إلى أن النساء يجب أن يحصلن على المقابل المادي ذاته الذي يحصل عليه الرجال في تلك المهنة. وقالت فريدة ياسمين، وهي محررة صفحة المرأة بصحيفة «اتفاق»، إنه يتعين على العائلات التقليدية أن تتكيف مع التغييرات التي شهدها المجتمع في بنغلاديش، مضيفة: «لا يعترض الآباء عندما تعمل بناتهن طبيبات، ويعملن في المستشفيات حتى وقت متأخر من الليل، إذن لماذا يتغير الوضع عندما يعملن في الصحف أو القنوات التلفزيونية؟ سوف يتغير هذا الوضع عندما يقوم عدد كاف من السيدات بمواجهة هذه التحديات والتغلب على العقبات التي تواجههن في مجال الصحافة».