الصحف الأردنية تعاني أزمة مالية خانقة بسبب الخسائر المتراكمة

«الورقية» مهددة بالإلغاء إذا لم تدعمها الحكومة بإلغاء الضرائب على الورق

TT

تواجه الصحف الأردنية اليومية الورقية أزمة مالية خانقة نتيجة ارتدادات الأزمة المالية العالمية وتبعاتها على سوق الإعلان والتسويق، إضافة إلى تأثرها بالإعلام الإلكتروني الذي بات يهدد مستقبل معظم الصحف وأقدمها.

ويعيش عدد من الصحف الأردنية أزمة مالية خانقة أخرت رواتب العاملين فيها، مما اضطر العاملين إلى رفع أصواتهم بالتذمر لما لحق بهم من اختلالات معيشية، خاصة أن البعض ملتزم للبنوك بقروض ومواعيد تسديد زادت عليهم فوائد هذه البنوك، وأصبح البعض عرضة للحجز على الضمانات المقدمة اتجاه هذه القروض.

وهذه الحالة تعيشها صحيفة «العرب اليوم» التي ما زالت حتى الآن غير قادرة على صرف راتب شهر مايو (أيار) الماضي لموظفيها، حيث أبلغ عدد من الصحافيين العاملين بالصحيفة أن راتب شهر أبريل (نيسان) تم تسليمه في العاشر من شهر يونيو (حزيران) الحالي.

وقال نائب رئيس التحرير في الصحيفة أسامة الرنتيسي: «إننا نمر بأزمة مالية نتيجة تراجع الإيرادات، وتضخم الكادر الوظيفي». وأضاف الرنتيسي أن «مالك الصحيفة وعدنا بأن تتحسن إيرادات الصحيفة وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه»، مشيرا إلى أن العاملين في الصحيفة ليس أمامهم إلا الصبر حتى تنفرج هذه الأزمة.

وأشار إلى أن الأزمة المالية العالمية أثرت على سوق الإعلان، إضافة إلى منافسة الإعلام الإلكتروني للصحف الورقية الذي أثر على إيرادات التوزيع.

ولا ينكر الرنتيسي أن الصحافة الورقية تلقت ضربة قاسية من الإعلام الإلكتروني، وهذه المشكلة تواجه الصحافة الأردنية بشكل خاص، والصحافة العالمية بشكل عام، حيث إن الإعلام الإلكتروني استحوذ على نسب كبيرة من جمهور الصحافة الورقية، ومن نسب الإعلان التي تعتبر العمود الرئيسي لأي صحيفة ورقية.

وختم الرنتيسي بالقول: «إننا أمام مشكلة، ومالك الصحيفة وعد بإيجاد حلول لها. وإنه لا يوجد أمام العاملين إلا الصبر لتوفير سيولة لمدخلات الإنتاج إضافة إلى تأمين الرواتب».

ولم يكن حال صحيفة «الدستور»، أقدم الصحف الأردنية، أفضل من حال زميلتها «العرب اليوم»، فقد سلمت العاملين فيها رواتب شهر مايو الماضي في العاشر من الشهر الحالي نتيجة أزمة مالية تمر بها الصحيفة وتراكم الخسائر في سنوات سابقة.

فقد أقدمت الهيئة العامة للشركة الأردنية للصحافة والنشر الناشر لصحيفة «الدستور» على إطفاء الخسائر المتراكمة والبالغة 5 ملايين دينار أردني، ما يعادل 7 ملايين دولار من علاوة الإصدار والاحتياطي الخاص والاحتياطي الاختياري.

وقال رئيس مجلس إدارة الشركة الدكتور أمين المشاقبة لـ«الشرق الأوسط» إن هذا الإجراء تم اتخاذه حتى لا يصل مجمل الخسائر إلى 75 في المائة من رأسمال الشركة ويتم تصفيتها حسب قانون الشركات.

وأضاف أن إطفاء الخسائر هو إجراء ضمن سلسلة إجراءات ستقوم إدارة الشركة باتخاذها؛ من رفع رأسمال الشركة أو إعادة هيكلة الديون المتراكمة على الشركة والبالغة 8 ملايين دينار، التي من شأنها تخفيض فوائد البنوك التي تصل حاليا إلى أكثر من 900 ألف دينار سنويا.

وقال إن رواتب العاملين الشهرية البالغة 300 ألف دينار أصبحت هاجسا لتأمينها، مشيرا إلى أن هناك إيرادات شهرية نحو أكثر من مليون دينار، إلا أن الأرباح بالكاد تصل إلى حد تأمين الرواتب الشهرية ودفع الفوائد البنكية، إضافة إلى تأمين فتح اعتمادات بنكية لشراء الورق والأحبار.

وقال إن إدارة الشركة حاولت ضغط النفقات وزيادة الإيرادات قدر الإمكان وضمن الظروف المتاحة، وهذا يظهر جليا في الإنجازات والإجراءات المتخذة خلال العام، وهذا يتمثل في عدة أمور، منها:

- رفع مجمل الربح للشركة بمبلغ 1.289.313 دينارا وتخفيض خسائر الشركة بمبلغ 996.175، وبما نسبته 35 في المائة مقارنة بالعام الماضي.

- زيادة إيرادات الشركة بمبلغ 982.000، ويشكل ما نسبته 8 في المائة، أعلى من إيرادات العام الماضي وبنسب 15 في المائة للإعلانات، وبمبلغ 517 ألف دينار، و5.5 في المائة للمطابع بمبلغ 431 ألف دينار، و4 في المائة في الاشتراكات والتوزيع بمبلغ 34 ألف دينار.

وفتح أسواق خارجية جديدة للطباعة في كردستان العراق، والحصول على عطاء بقيمة 310 آلاف دينار لتعويض الفاقد في طباعة الصحف السورية.

يذكر أن البيانات المالية قد بينت أن خسارة الشركة للسنة المنتهية في 31 ديسمبر (كانون الأول) 2012 قد بلغت 1.829.660 دينارا أردنيا، كما بلغ مجموع الخسائر المتراكمة للشركة 5.089.791 دينارا أردنيا.

ورغم ذلك فقد اعتصم عاملون في «الدستور» من محررين وصحافيين وإداريين وفنيين، 2013؛ احتجاجا على تأخر رواتب شهر مايو الماضي لأكثر من عشرة أيام، حيث تعهد الدكتور مشاقبة بأن يقوم بصرف الراتب الشهري بحد أقصى يوم 5 من كل شهر، وعلل سبب التأخير بشراء بعض مدخلات الإنتاج من ورق وأحبار وغيرها للجريدة.

وقال مستشار التحرير جمال العلوي لـ«الشرق الأوسط»: «إننا طالبنا إدارة الصحيفة بعدة مطالب وفق جدول زمني، وهي الالتزام الخطي من قبل الإدارة بمواعيد صرف الراتب الشهري وعدم تأخيره بأقصى حد عن 5 من كل شهر، وتتحمل (الدستور) كل الأمور المالية إذا حدث أي تأخير، وتحديد موعد الزيادة السنوية بأثر رجعي وفورا، وإعادة الموظفين الذين تم فصلهم فصلا تعسفيا إلى عملهم».

من جانبه قال رئيس الدائرة الاقتصادية في «الدستور» عوني الداود إن قنوات الاتصال بين العاملين والإدارة مفتوحة ولا داعي للاعتصام؛ لأن ذلك يضر بسمعة الصحيفة، مشيرا إلى أن تنظيم الاعتصام يتم عندما تكون قنوات الاتصال مع الإدارة مقطوعة، وبالنسبة للإدارة فإنها منفتحة على العاملين، وتعمل كل جهد ممكن للنهوض بالصحيفة، خاصة أن هناك إيرادات سنوية تصل إلى 14 مليون دينار، لكن تراكم الخسائر والقروض والرواتب أثقلت كاهل الميزانية.

على الصعيد نفسه فإن صحيفة «الراي» الأردنية لم تسلم من الرياح التي عصفت بالصحف الورقية في البلاد، فأرباح الصحيفة تراجعت، كما تشير بياناتها المالية السنوية، حيث حققت العام الماضي 2011 أرباحا لم تتجاوز بعد الضريبة 1.35 مليون دينار مقارنة بعام 2010.

ويقول رئيس تحرير الصحيفة سمير الحياري إنه تم تدوير الأرباح عن طريق تخصيص الأسهم، خاصة أن أكبر مالك لهذه الأسهم هو مؤسسة الضمان الاجتماعي، موضحا أن موجودات الشركة «الراي» يصل إلى 55 مليون دينار.

ويقر الحياري بحقيقة تراجع الصحف الورقية في المملكة، ويضع لذلك عدة أسباب، أبرزها ارتفاع كلفة الإنتاج والتراجع في إيرادات الإعلان والتضخم في الأجور.

ويؤكد الحياري أن الصحافة الإلكترونية لعبت دورا في التراجع الحاصل بالنسبة للصحافة الورقية، مشيرا في هذا الصدد إلى اتجاه الجمهور الكبير للإنترنت الذي ساهم بصورة أو بأخرى في تراجع الصحافة الورقية.

ويقول إنه رغم التراجع فإن الصحف الورقية تظل لها نكهتها لدى القارئ، وهناك جمهور عريض له عادات صباحية في قراءة الصحيفة مع فنجان القهوة.

ويضيف أن «الراي» أخذت تطور نفسها، سواء ورقيا أو إلكترونيا، لمواكبة متطلبات الجيل الصاعد، حيث أدخلت تحسينات على الموقع الإلكتروني، خاصة أن هناك أكثر من عشر صحف إلكترونية منتظمة تعمل بمهنية عالية، إضافة إلى وجود المئات من المواقع الإلكترونية التي تعمل بالصحافة دون ترخيص رسمي.

وبالنسبة لصحيفة «الغد» الأردنية، فلا توجد أرقام محددة حول الوضع المالي للصحيفة التي تصدر عن «الشركة الأردنية المتحدة للصحافة والنشر» وهي مساهمة خاصة، غير أن العاملين في الصحيفة يتداولون معلومات مفادها أن الصحيفة منيت بخسائر العام الماضي، نتيجة مصروفاتها الكبيرة، لا سيما على الرواتب والأجور والتعيينات غير المدروسة.. الأمر الذي دفع إدارة الصحيفة لوقف أية تعيينات جديدة للعام الحالي.

فيما أوضح بعض العاملين أن الوضع المالي للصحيفة ما زال مستقرا، وأن الصحيفة تحقق أرباحا، ولكنها ليست كما كانت في الأعوام السابقة.

ولا يمكن الجزم بأن طفرة المواقع الإلكترونية والإخبارية في الأردن هي المتسبب الوحيد بتراجع الصحافة الأردنية الورقية بشكل حاد. فثمة عوامل كثيرة باتت تضيق الخناق أكثر فأكثر على الصحف اليومية، بما يهدد استمرار بعضها خلال السنوات العشر المقبلة، أبرزها تراجع الإعلان والتوزيع وتراجع مداخيل المطابع التجارية للصحف التي تسند هذه الصحف خلال الأزمات.