الإعلام أشعل فتيل قصة ولادة الطفل الملكي في بريطانيا وقطف ثمارها

عناوين وحبكة صحافية وصور فوتوغرافية من الطراز الأول

العناوين الرئيسية لصحيفتي «الميرور» و«الصن»
TT

لم تكن بريطانيا العظمى البلاد الوحيدة المهتمة بمتابعة قصة حمل كاثرين مدلتون دوقة كمبردج، وتغطية تفاصيل ولادة أمير كمبردج الوريث الثالث للعرش البريطاني، إنما انتقلت حمى التغطية الإعلامية إلى جميع بقاع العالم من أوروبا إلى الولايات المتحدة الأميركية وآسيا، من دون استثناء، وخصصت جميع صحف العالم صفحاتها الأولى لخبر الولادة يوم الثاني والعشرين من يوليو (تموز) الحالي، وبعد خبر الولادة لم تخل صحيفة عالمية من الصورة الأولى التي التقطها المصورون الذين تكبدوا عناء الانتظار في حر لندن القاسي على رصيف مستشفى سانت ماري في بادينغتون.

لا شك أن المناسبة سارة جدا، فولادة أي طفل هي هدية حقيقية لأهله وعائلته، ولكن ما بالك إذا كان الطفل هو ابن الأمير ويليام ابن ولي عرش بريطانيا ووالدته الحسناء كيت؟ وبمجرد قدومه إلى العالم، احتل مرتبة عمه الأمير هاري في الترتيب الملكي وأصبح بذلك ملك بريطانيا المستقبلي.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ويطرحه كل من تابع شاشات التلفزة البريطانية والعالمية: «التغطية الإعلامية المكثفة لولادة أمير كمبردج، هل هي فعلا محط اهتمام البريطانيين والعالم أم أنها جرعة صحافية زائدة فرضت على القراء والمشاهدين؟».

والانتقاد الشخصي مفيد وبناء في الكثير من الأحيان، وهذا ما تفعله الـ«بي بي سي» البريطانية الرسمية في برنامج قصير تبثه صباح كل يوم سبت على قناتها الأولى، وهو فرصة للمشاهدين لانتقاد تغطية القناة لأخبارها على مدى أسبوع كامل وتعطي فيه الفرصة لمديري البرامج المعنية ونشرات الأخبار للرد والدفاع عن فكرتهم وتعليل أسباب وطريقة تغطيتهم من الناحية الصحافية، وحلقة هذا الأسبوع تتطرق إلى موضوع تغطية القناة على أكثر من ثلاثة أسابيع قصة ولادة الطفل الملكي، لدرجة أن بعض المشاهدين امتعضوا من الأمر ووصفوه بالأمر المستفز، وراح عدد كبير من قراء الصحف على الإنترنت يعلقون على التغطية بطريقة سلبية واصفين إياها بالسخافة، وقال الكثير من البريطانيين إن خبر الولادة وتبعاته فرضت على المشاهدين والقراء بسبب تخصيصها عددا كبيرا من ساعات البث على الهواء مباشرة، ومساحات واسعة على صفحات الجرائد والصحف المحلية والعالمية، ولو أن الصحيفة البريطانية الوحيدة التي أعطت الخيار لقرائها كانت الصحيفة اليسارية «الغارديان» التي كتبت على صفحتها الرئيسة على موقعها الإلكتروني «إذا كنت تفضل عدم تصفح الأخبار الخاصة بالولادة الملكية اضغط على الرابط وسيتم تحويلك إلى موقع الصحيفة الخالي من أخبار العائلة المالكة». وهذه ليست المرة الأولى التي تقوم بها الصحيفة بخطوة مماثلة؛ إذ قامت بالشيء نفسه عند تغطيتها لأخبار ذكرى تتويج الملكة.

المقيمون في بريطانيا شعروا بالفرح بسبب الولادة الملكية ولكنهم وصلوا إلى مرحلة تعبوا فيها من كثافة التغطية، ومتابعة الصحافيين للموضوع بشكل متواصل، فبدأ الصحافيون نصب خيامهم خارج المستشفى في الثلاثين من يونيو (حزيران) الماضي، وكان موضوع تاريخ الولادة قصة وبعدها كانت هناك قصة دخول كيت إلى المستشفى، والقصة الكبرى كانت ولادة الأمير الجديد، وبعدها كانت القصة الترويجية لزائري الدوق والدوقة في المستشفى، وبعدها قصة صورة المولود الجديد، وخروج كيت وويليام وطفلهما الجديد من المستشفى، ولم تنته القصة هنا ولم ينته مسلسل التخييم على الرصيف، فانتقل الصحافيون ونصبوا خيامهم خارج قصر كينسينغتون، ولا تزال أصوات المراسلين ومقدمي نشرات الأخبار تصدح أمام قصر باكينغهام لبث النشرات الحية من هناك، والتغطية مستمرة لمعرفة اسم المولود الذي عرف باسم «جورج ألكسندر لويس»، ويلخص الاسم الثلاثي ما يكنه الوالدان من احترام للملكة إليزابيث وحب متبادل لبعضهم البعض، فالاسم الأول جورج اختير تيمنا باسم والدها جورج السادس، أما ألكسندر فهو الاسم الثاني للملكة إليزابيث الثانية، وهو المفضل لوالدة الطفل دوقة كمبردج كيت ميدلتون، أما لويس فهو الاسم الرابع الذي يحمله والده الأمير ويليام.

ومن المتوقع أن يبتعد ويليام وكيت عن الأضواء بعد تغطية إعلامية مكثفة أحاطت بميلاد الأمير قبل عدة أسابيع من ميلاده، وقال متحدث ملكي إن الزوجين يرغبان الآن في بعض الخصوصية. وقال: «هذا الآن وقت الخصوصية والهدوء لكي يتعرفا على ابنهما».

وأثار الإعلان عن ولادة الطفل الملكي في لندن مساء الاثنين الماضي المغردين ليرسلوا أكثر من 25300 تغريدة في الدقيقة، في ذروة النشاط على شبكة التواصل الاجتماعي «تويتر»، ويعد ذلك مؤشرا على الاهتمام الكبير الذي أثاره هذا الحدث على حسب ما أعلن الموقع.

وشارك الجهاز الإعلامي للزوجين هذه الحماسة على الإنترنت مع إرساله تغريدة حول دخول كيت إلى مستشفى سانت ماري، ومن ثم إعلان الولادة وهو نبأ أعيد إرساله من مغردين آخرين أكثر من 15 ألف مرة. وبعد دقائق قليلة على إعلان نبأ ولادة الطفل شهد «تويتر» أكثر من 25300 تغريدة في الدقيقة.

والجدل حول التغطية الإعلامية المكثفة كبير بحسب استطلاعات للرأي نشرها مركز بيو للأبحاث، الذي بين أن 25 في المائة فقط من الأميركيين الذين شملهم الاستطلاع كانوا يتابعون خبر حمل كيت، ولو أنه من المعروف عن الأميركيين حبهم للعائلة المالكة البريطانية وزيارة القصر الملكي على رأس جدولهم السياحي إلى المملكة، إلا أنه في الواقع هذا التصور لا يشمل إلا نسبة معينة من الأميركيين.

كما أظهرت دراسات سابقة عن الاهتمام بثماني قصص عن العائلة المالكة يرجع تاريخها إلى عام 1986 من بينها حفل زفاف ويليام وكيت، أن 60 في المائة من المشاهدين لم يتابعوا هذه الأحداث. وفي بريطانيا وجد استطلاع لمؤسسة حكومية أن 46 في المائة كانوا مهتمين بدرجة كبيرة بالمولود الجديد.

في حين أن 57 في المائة من الهنود الذين شملهم استطلاع للرأي مماثل مهتمون بالمولود الملكي الجديد.

وقد تكون الصحافة زادت من جرعة تغطيتها ولكن لا يمكن أن نغض الطرف عن العناوين الصحافية الرائعة التي تصدرت الصحف البريطانية والعالمية، فالمعروف عن صحيفة التابلويد «الصن» البريطانية أنها تبدع في اللعب على كلام عناوينها، وهذا ما فعلته في تغطيتها لخبر الولادة الملكية واختارت عنوان «The Son» و«الغارديان» كانت دبلوماسية في طبعتها الورقية وعنونت صفحتها الأولى بـ«Welcome Baby Cambridge» (أهلا بأمير كمبردج).

ولعبة العناوين والحبكة الصحافية لم تنته في طبعات صحف يوم الثالث والعشرين من يوليو (تموز) إنما ارتقت إلى مستوى آخر من الإبداع المهني عند نشرها الصورة الأولى لأمير كمبردج في اليوم التالي، وهذه الصورة وضعت مهارة أهم المصورين البريطانيين والعالميين على المحك، فكانت النتيجة صورة رائعة للطفل، ويبدو وكأنه يلوح بيده الصغيرة تصدرت صحيفة «الديلي ميل» وتحتها عنوان «Baby’s First Royal Wave» (أول تحية ملكية للطفل)، وصحيفة «الغارديان» اختارت صورة لكيت وويليام مع طفلهما وعنوان «Hello World» (مرحبا يا عالم)، واختارت صحيفة «الديلي تلغراف» صورة مماثلة مع عنوان «Our Little Prince» (أميرنا الصغير). أما بالنسبة للتغطية التلفزيونية فحدث ولا حرج، فكانت شاملة وحية ولا تزال مستمرة. وانهمكت وسائل الإعلام العالمية في موجة محمومة من التقارير حول المولود المنتظر للأمير ويليام وزوجته كيت مرورا بالتقارير المتلاحقة عن تاريخ إنجاب الطفل وتكهنات لا تنتهي عن اسمه وعن طريقة ولادته، فيما تقدم محطات تلفزيونية من أنحاء العالم تقارير على مدار الساعة عن آخر المستجدات من خارج المستشفى في لندن المقرر أن تضع فيه كيت مولودها.

كما انصرف المعلقون إلى تحليل الطريقة التي سيتم تربية المولود الملكي الجديد بها، ليرجح الكثيرون أنها ستكون بسيطة لا تدخل فيها تعقيدات التقاليد الملكية، بسبب تأثر الأمير ويليام بوالدته الراحلة الأميرة ديانا التي اشتهرت بتحديها الكثير من التقاليد وكسرها من خلال الخروج مع ابنيها إلى أماكن عامة مثلهم مثل الأطفال العاديين.