استوديوهات «إم بي سي» الجديدة تجعل المستحيل ممكنا

الدراما العربية تنتقل إلى المستقبل في دبي

الاستوديو ذو الشاشة الخضراء
TT

قبل الظهر تستطيع أن تكون في شمال ألاسكا تبحث عمن ينقذك من مطاردة دب قطبي لك. بعد الظهر أنت في زيمبابوي تشترك في رحلة «سافاري» في أدغالها. بعد ساعات تصبح في نيويورك لتجد نفسك تخرج من أحد فنادق مانهاتن لتستقل تاكسيا ينقلك إلى واحد من مسارح برودواي… كل هذا وأنت لا تزال في مكانك: في دبي.

سابقا ما كان ذلك ممكنا بمجرد إمعان الخيال. ربما تكون كاتبا روائيا أو شخصا بخيال يجنح بعيدا عن حدود الواقع الضيقة، فتسرح في خيالك متمنيـا أو متخيلا قدرتك غير الطبيعية على أن تكون في مكانين متباعدين في اليوم ذاته. الآن، في عصر مختلف يتيح لك تحقيق نصف هذه القدرة المشتهاة: أنت الآن في الشانزلزيه تحاول اجتياز الشارع على عجل، وبعد قليل ها أنت تقود سيارتك في «السانست بوليفارد» في هوليوود. تنظر في المرآة الخلفية بعدما مررت بشخص آخر يحاول اجتياز الشارع على عجل.

صنع الخيال وتحويله إلى واقع، ولو أنه واقع افتراضي، هو واحد من أهم ملامح الخطوة الكبيرة التي أقدمت عليها شركة O3 للإنتاج التابعة لمجموعة MBC في دبي عندما افتتحت، برعاية وحضور الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي استوديوهاتها في مدينة دبي للاستوديوهات. أمام حشد من المسؤولين والإعلاميين تم إلقاء خطب قصيرة وعرض أشرطة تعريفية بذلك الإنجاز وتابع الحضور نماذج مما أصبح بالإمكان إنجازه في دبي من أعمال تنقل الممثلين لأي منطقة من العالم من دون مغادرة الاستوديو الرحب الذي هم فيه.

كلمة السر هي: Green Screen أو «الشاشة الخضراء» التي تطالعك على شكل منصـة عريضة وعميقة في قلب الطابق الأرضي من الاستوديو حين تدخله. هي شاشة خضراء على أرضية من نفس اللون فوقها تتوزع آلات وأدوات تجعل المزج بين الواقع، الذي هو الممثل، وبين الخيال، الذي هو المكان ممكنا. وأخرى تمنح الإضاءة الصحيحة وثالثة تصور دقائق الحركة ورابعة تعرض في الخلفية ذلك المكان الذي لم يزره الممثل ربما في حياته بل عاش ليرى اليوم الذي ينتقل فيه المكان ليزوره هو.

ورغم أن الطموح مشروع والوثوب إلى قلب العصرنة التكنولوجية ضروري، فإن خلفيات قيام شركة O3 بمثل هذه الخطوة له خلفيات أساسية كما يقول فادي إسماعيل، مدير مجموعة الدراما في الشركة مفسرا:

«الحقيقة أن التوجه لهذا العمل، وإنجازه على النحو الذي يضع استوديوهاتنا في عداد أهم استوديوهات العالم من حيث الحداثة والاستيعاب التقني الواسع لتنفيذ كافة الأعمال الدرامية الممكنة، يعود إلى اندفاع الشيخ وليد الإبراهيم لرعاية أي خطوة من شأنها تعزيز مكانة (مجموعة MBC) بكافة أقسامها وأعمالها. كان يمكن لنا أن نكتفي عند النجاح الذي حققته هذه المجموعة إعلاميا ومن خلال محطتها التلفزيونية التي ثابرت على احتلال المقدمة بين المحطات العربية منذ إنشائها، لكن الشيخ أدرك مبكرا أنه لا يمكن الاكتفاء بالنجاح وأن علينا أن نسير خطوتين إلى الأمام دائما وأعتقد أن هذا ما جعلنا نحافظ على نجاحاتنا وما حققناه إلى اليوم».

لكن في حين أن الحوافز للتقدم مشهودة منذ تأسيس الشركة سنة 1991 إلا أن ثمة دوافع أخرى وراء تأسيس الاستوديو تحديدا. يكمل مدير مجموعة الدراما المسؤول عن الإنتاج والتوزيع:

«ربما النقطة الفاصلة هي المسلسلات التركية الدرامية وما أحدثته من رد فعل كبير في واقع الإنتاجات الدرامية العربية بشكل عام. من ناحية، اكتشفنا قدرة الدراما التركية احتلال المركز الأول من إقبال المشاهدين. انتشارها جعلنا نفكر في الكيفية التي تقام عليها أعمالنا الدرامية وكيف يمكن تطويرها. وبالفعل تغيـر الوضع لأفضل مما كان عليه بالنسبة لصناعة الدراما التلفزيونية في هذه المنطقة من العالم. اليوم المسلسلات المصرية أفضل مستوى مما كانت عليه اليوم. ربما السورية لا تستطيع أن تتقدم وسط ما يحدث الآن على الساحتين الأمنية والسياسية، وهذا ما يفسر تراجعها، لكنها حين تعود فإنها ستجد نفسها في موقف منافس سيتطلب منها المزيد من الجهد لكي تبقى في عداد الأنجح تسويقيا».

ويضيف: «نحن قررنا أن لا ننتظر. كنا ننتج أعمالنا الدرامية مثل سوانا عبر تصويرها في استوديوهات عادية أو في مواقع تصوير خارجية. الآن وعبر التعاون مع مؤسسة هي الأولى في مضمار (الشاشة الخضراء) وهي Stargate Studios بات بإمكاننا القول: إن إنتاجاتنا، تقنيا وصناعيا، أصبحت تملك ذات المرافق والقدرات العالمية التي في الولايات المتحدة وسواها».

طبعا ما يبقى مجال أهمية قصوى، هو النص: كل ما يمكن للتقنية تحقيقه من بصريات وخلق عوالم مذهلة رائع، لكن شيئا لا يرفع من قيمة المضمون غير النص الجيد وإلا لنال العمل نصف ما يستحقه من نجاح وهو النصف المرئي فقط. ما هو واضح أن الجميع يوافق على هذا المبدأ وأن الطريق الآن مفتوحا لدمج مستوى أعلى من الكتابة بمستوى أعلى من الإمكانيات البصرية.

* الخطوة الأكثر تعقيدا من ناحيتها فإن «ستارغايت استوديوز»، التي انطلقت من مدينة باسادينا في ضواحي لوس أنجليس الشمالية ولديها الآن فروع في تورونتو وفانكوفر وبرلين ومالطا وقريبا في لندن، رائدة في هذا المجال. هي مؤسسة خدمات إنتاجية في المقام الأول تستطيع أن تصمم الإنتاج تقنيا وبصريا وأن توفر ما يتطلبه الإنتاج من كاميرات وأدوات عمل مختلفة، كما - وهو ما تطلب التعاون القائم حاليا بينها وبين مجموعة MBC لتحقيق التوليف الصحيح بين المادة الدرامية ومتطلباتها التقنية بحيث يؤدي ذلك إلى صياغة مسلسل بالغ الثراء صوريا بتكلفة أقل من تلك التي يتكبدها مسلسل درامي واحد اللهم إلا إذا كان من الإنتاج الفقير والمحدود أساسا.

بكلمة واحدة يمكن المقارنة بين مسلسل «عمر» الذي تمتع بكافة شروط الإنتاج الكبيرة في محيطها العربي والتاريخي على الأقل، وما كان يمكن أن يوفره من تكاليف لو أنه نفذ اليوم بمساعدة التقنيات المتوفرة.

والمسألة ليست ما يرتسم على الشاشة من خلفيات. هذه مسألة منتهية منذ أمد عندما كان كل المطلوب هو وضع الممثل أمام صورة من الأشجار الطويلة للادعاء بأنه في متنزه في ولاية أوريغون. الآن يستطيع الممثل أن يتصرف كما لو أنه في ذلك المتنزه بنفسه. للتفسير يقول السيد إسماعيل:

«لنتصور أنك تريد تصوير الممثل وهو يجتاز شارعا مكتظا بالسيارات. تعرض، حسب التقنية الجديدة، صورة لطريق في إحدى المدن وهي تشهد حركة سير متواصلة. على الممثل ليس فقط أن يمثل اجتياز الشارع ناظرا حوله بحذر ثم الركض صوب السلامة، بل على الإنتاج أن يحسب المسافات بدقة لأنه لو تحرك الممثل دفعة واحدة إلى الأمام فإن ذلك سيخلق وضعا غير صحيح. سنرى إحدى السيارات تمر به وهو في منتصف الشارع. في الواقع كانت ستصدمه بلا ريب وهذا الواقع عليه أن ينتقل إلى الشاشة حتى ولو كانت السيارة افتراضية».

هذه بعض تفاصيل العمل التقنية وهي كافية لفهم كل تلك الآلات المثبتة في سقف الاستوديو وجوانبه. كما يقول رئيس الخدمات التقنية سمير القادم من كرواتيا للانضمام إلى شركة تشبه الأمم المتحدة، لتعدد جنسيات العاملين فيها: «ستتيح تلك الآلات للممثل معرفة أين يقف لتمرير خدعة بصرية أو للتلاؤم معها. كيف يتجه وينضوي تحت شروط العمل الصحيح والمقنع للتصوير الناجح».

كل ذلك، يـضيف، لم يكن ممكنا لولا ثورة الدجيتال. وهذا صحيح نراه اليوم في شتى الشؤون الفنية التي تعتمد على الإنتاجات الفنية والبصرية من أفلام سينمائية إلى أشرطة دعائية أو حتى مجرد خلفية لمقدمي برامج التلفزيون ما يدفع بالسؤال حول ما إذا كان مقدم هذا البرنامج الإخباري يقف فعلا أمام الملعب الرياضي الكبير أو هو لا يزال في راحة الاستوديو داخل المحطة؟

يقوم مساعد رئيس الخدمات التقنية محمد سليمان، وهو إماراتي المولد وفلسطيني الأصل، بالتعريف بالاستوديو ككيان إجمالي:

«يتألـف من ثلاثة طوابق. كل دور أو طابق له خصائص عمل مختلفة والغاية منه هو وضع كل ما له علاقة بأعمال شركة O3 في مكان واحد بما في ذلك مكاتب الإدارة».

الطابق الأرضي يحتله استوديو التصوير الشاسع. يبدو فارغا حين الزيارة إلا من الآلات والأجهزة الإلكترونية المختلفة، لكن الحياة ستدب في أوصاله خلال هذا الشهر عندما يبدأ العمل على تصوير إنتاجات درامية حديثة.

الطابق ذاته يشمل غرف الماكياج والملابس وبعض الأعمال المرتبطة بالتصوير مباشرة. في الطابق الثاني تكمن الغرف التي ستشهد كافة عمليات «البوست برودكشن» (مرحلة ما بعد التصوير) وهي متعددة وكثيرة في الصوت والصورة. أما الطابق الثالث ففيه غرف للمديرين والمنتجين وغرف أخرى لعمليات ما بعد التصوير.

فادي إسماعيل: «هذه خطوة لا غنى عنها لتطور أي مؤسسة إنتاجية جادة، وهي تطلبت دراسات واتصالات ومباحثات طويلة ومعقدة، لكنها استحقت كل الجهد الذي بذل فيها. MBC لا ترضى لنفسها أن تتأخر عن تبوأ المركز الأول في كل شأن من شؤون العمل بما في ذلك شأن إنتاج وصنع وتسويق الأعمال التلفزيونية المنتجة هنا. كان بالطبع يمكن الاكتفاء بشراء ما يتم إنتاجه من قـبل شركات أخرى، لكن هذا ليس تقدما ولا يعزز التطور الدائم الذي تنشده المجموعة. هذا الاستوديو هو عنوان مرحلة أساسية في هذا التطور المنشود».

* «غرين سكرين» في البيت التقدم التقني بات أكبر من أن يحصى أو يتجزأ. صنع الوهم وتحويل الافتراض إلى واقع مرئي (ولو أنه ليس الواقع الفعلي) بات ممكنا يمارسه المحترفون في استوديوهاتهم الكبيرة كما الهواة في منازلهم وأمام آلاتهم الصغيرة. المتطلبات: كومبيوتر حديث. برامج مناسبة ودراية بالمفاتيح الأساسية للعمل (نصفها مؤمن عبر شراء برامج كومبيوتر غرافيكس من المحلات المتخصصة).

«الشاشة الخضراء» (أو «كروما كي» كما اسمها أيضا) ستتيح للراغب في راحة منزله أن يضع الحركة الأمامية التي يريد أمام منظر خلفي من دون أن يعني ذلك أن التصوير تم في ذلك المكان البعيد. معظم العمليات من هذا النوع تتم بعد تصوير المادة وإن كان من الممكن، خصوصا للمحترفين، تفعيل هذا الخداع خلال الإنتاج نفسه عبر برامج أكثر تعقيدا.

للقيام بعملية تصوير حركة ما أمام خلفية لم تكن موجودة خلال التصوير هناك خطوات لا بد منها. التالي مهاما أولى لا بد منها علما بأن هناك تفاصيل تقنية أخرى تؤمنها البرامج التقنية المتوفرة في مرحلتي صنع هذا التأثير وما بعده.

لكن بصرف النظر عن درجة الاحتراف ووجهة العمل ومستواه، فإن المبدأ أدناه هو الذي يجعل من سوبرمان، وسواه من «السوبر هيروز» قادرا على الطيران في الأجواء جميعا.

أولا: النص الذي يتيح لك معرفة التفاصيل التي تحتاج إليها بما في ذلك اختيار الخلفية المناسبة بناء على ما يحتاجه النص فعلا.

ثانيا: عليك أن تحصل على كاميرا حديثة ستصور بها الصورة التي ستستخدمها على الخلفية الخضراء.

ثالثا: الطريقة الأرخص للعمل هي صنع «الشاشة الخضراء» بنفسك (الطريقة الأخرى شراء برنامج متخصص). وهذه الطريقة تبدأ بشراء ورق أخضر سميك من ذلك المستخدم في المدارس للرسم (كل ورقة من هذه الأوراق عليها أن تلصق بشريط لا لون له على الجدار لتولف شاشة عريضة). الطريقة الأخرى هي لمن سيداوم إنتاج صور على خلفيات خضراء، وهي تلوين الجدار باللون الأخضر.

رابعا: الغرفة المختارة للتصوير عليها أن تكون ذات إضاءة جيدة.

خامسا: يتم تنزيل الصورة الحقيقية المفترض بها أن تخلف الشاشة الخضراء. وهذه توضع تحت نهاية الشاشة الخضراء في مطلع الأمر. تفاصيل هذه العملية موجودة في البرنامج الذي لا بد من شرائه (من منتجات Adobe Media).

سادسا: يتم تطبيق الخطوات التي ينص عليها البرنامج من اختيار الحجم الصحيح للشاشة إلى تنزيل الصورة الأمامية ثم سحبها إلى الحيز الذي تحتله الشاشة الخضراء.