«الديلي ميل» تثير معركة سياسية وإعلامية في بريطانيا

هاجمت والد الزعيم العمالي ولمحت إلى ولاء الابن كرئيس وزراء «مقبل» ورفضت الاعتذار

مقال «الديلي ميل» تحت عنوان «الرجل الذي كره بريطانيا» مع صورة للأب رالف ميليباند مع ولديه ديفيد وزير الخارجية الأسبق، والابن الأصغر الزعيم الحالي لحزب العمال إد (إ.ب.أ)
TT

صحيفة «الديلي ميل» البريطانية اليومية، أثارت أخيرا زوبعة سياسية وحيرة بين الوسط الإعلامي بسبب الهجوم اللاذع والتجريحي الذي تعرض له زعيم حزب العمال المعارض إد ميليباند من خلال مقال يتناول تاريخ والده رالف ميليباند، الأكاديمي الماركسي الذي توفي عام 1994.

وكتبت الصحيفة مقالا في عددها الأسبوعي مقتبسة بإسهاب مما كتبه والد الزعيم حول بريطانيا في شبابه. المقال في الصحيفة كتب تحت عنوان: «الرجل الذي كان يكره بريطانيا»، الأمر الذي أغضب ابنه إد الذي دافع عن والده في مقابلات عدة مع عدد كبير من وسائل الإعلام البريطانية، خصوصا هيئة البث البريطاني «بي بي سي»، قائلا إن والده لم يكره بريطانيا وإنما على عكس ذلك أحبها عندما انخرط في سلاح الجو الملكي خلال الحرب العالمية الثانية مدافعا عنها ضد ألمانيا النازية.

المقال تضمن اقتباسات اعتمدت فيها الصحيفة على مذكرات رالف ميليباند عندما كان في سن السابعة عشرة. لكن المثير للجدل هو استنتاجات الصحيفة، وهذا ما عكسه المانشيت الرئيس بأن ميليباند الأب هو «الرجل الذي كره بريطانيا».

البعض اعتبر المقال، من جهة، ضربة سياسية موجهة ضد «رئيس الوزراء المنتظر» من قبل الصحيفة التي توصف باليمينية والمعادية لحزب العمال، بعد أن صعدت شعبيته مع اقتراب الانتخابات العامة وأدائه الجيد خلال المؤتمر السنوي للحزب قبل أسبوع. ومن جهة أخرى، اعتبر المقال هجوما استباقيا على الزعيم العمالي قبل أيام من البت في تقرير لجنة ليفيسون التي نادت بتشكيل جسم إعلامي يضبط خروقات الصحافة المكتوبة، وهذا ما يدعمه إد ميليباند وتعارضه الصحيفة وحزب المحافظين، الذي يحكم بصيغة ائتلافية مع حزب الديمقراطيين الأحرار، والأخير أيضا يتفق هو الآخر مع توصيات اللورد ليفيسون، ويختلف مع حليفه في الحكومة حول ضبط أخلاقيات العمل الصحافي على ضوء فضيحة التنصت، التي تفجرت في بريطانيا في صيف 2011.

عندما انتخب الأخوان ميليباند، ديفيد وإد، لمجلس العموم وأصبحا وزراء في الحكومة العمالية السابقة، أولا، تحت زعامة رئيس الوزراء الأسبق توني بلير، وثانيا بزعامة غوردون براون، أضحت هذه العائلة السياسية حديث الساعة بين أوساط المثقفين وبالتحديد بين اليساريين منهم، ممن عاصروا والدتهما الأكاديمية اليسارية ماريان ووالدهما رالف ميليباند، المهاجر اليهودي والأكاديمي الماركسي، الذي قدم إلى بريطانيا من بلجيكا عندما كان في سن السادسة عشرة عام 1940 هروبا من النازية بعد احتلال بلجيكا.

ميليباند الأب لم ينتم إلى الحزب الشيوعي، كما قال كاتب سيرته الذاتية مايكل نيومان في كتابه: «رالف ميليباند وسياسة اليسار الجديد» الذي نشر عام 2002 ونشر مقتطفات منه في صحيفة «الغارديان» بعد نشر مقال «الديلي ميل». في بداية حياته السياسية حضر رالف ميليباند مؤتمرات حزب العمال في الخمسينات من القرن الماضي، إلا أنه اكتشف كماركسي أن هذا الحزب «اجتماعي ديمقراطي، مثله مثل الأحزاب العمالية الأوروبية الأخرى التي تسمي نفسها اشتراكية، لكن تبقى برامجها دعامة حقيقية للنظام الرأسمالي العالمي وليس نقيضا له». ومن هنا جاءت مقولته الشهيرة: «هذا الحزب لن يعمل شيئا للطبقة العاملة البريطانية». وعلى هذه الخلفية جاءت آراؤه التي كتبها حول بريطانيا قبل أكثر من 70 عاما، والتي نشرت بعضا منها صحيفة «الديلي ميل».

الصحافي جافري ليفي تناول ما كتبه رالف عام 1940 «حول التعصب القومي للرجل الإنجليزي»، والذي قال فيه إنه «أحيانا يتمنى أن يخسر الإنجليز الحرب حتى يصحوا قليلا». وفي سن الـ45 كتب رالف بازدراء تجاه المؤسسات البريطانية مثل كلية أيتون وكلية هارو وجامعات أكسفورد وكمبردج، و«النوادي الخاصة والكنيسة والملكية وصحف الأحد».

ويرى العديد من المعلقين أن آراء رالف كانت موجهة ضد المؤسسات البريطانية التي اعتبرها ركيزة النظام الرأسمالي، ولم تكن موجهة ضد بريطانيا. وكان يبغض حزب العمال الذي اعتبره بعيدا كل البعد عن مصالح الطبقة العاملة.

وعندما أصبح الابن البكر ديفيد وزيرا للخارجية في حكومة توني بلير على الرغم من صغر سنه، وبعدها أصبح الابن الثاني الأصغر إد، زعيم المعارضة الحالي، وزيرا للبيئة، ترددت نكتة بين أوساط المثقفين خصوصا اليساريين تقول إن «رالف (الوالد) كان دائما يردد مقولة أن حزب العمال لن يعمل شيئا لصالح الطبقة العاملة البريطانية، والآن جاء دور ولديه، ديفيد وإد، لإثبات صحة مقولته».

بعض أصدقاء والدهما، ممن كانوا يترددون على بيت العائلة، خلال المد اليساري في السبعينات من القرن الماضي، قالوا إن رالف قد يكون تحرك في قبره مع تقدم ولديه إلى الصفوف الأمامية لحزب العمال، إلا أن كاتب السيرة الذاتية مايكل نيومان قال إن رالف لو كان حيا لكان فخورا بالنجاح السياسي لولديه.

نهاية شهر سبتمبر (أيلول) وبداية أكتوبر (تشرين الأول) هي فترة انعقاد مؤتمرات، وفي الأسبوع الماضي عقد حزب العمال، بزعامة إد، مؤتمره بنجاح، وكان تقييم المعلقين السياسيين أن الزعيم أبلى بلاء حسنا خلال المؤتمر وأصبح في رأيهم يسير بخطوات وثيقة ستوصله إلى سدة الحكم ويصبح رئيسا للوزراء بعد فوزه بالانتخابات البرلمانية العامة المقبلة في صيف 2015.

قد تكون النجاحات الأخيرة للزعيم إد، وراء الهجمة الأخيرة التي شنتها عليه صحيفة «الديلي ميل» وخوفها من وصول إد إلى «داونينغ ستريت» خلال أقل من سنتين، كما قال بعض المعلقين، أمثال اليستار كامبل، مدير مكتب اتصالات توني بلير سابقا، الذي هاجم رئيس تحرير الصحيفة ووصفه بالجبان لأنه لم يحضر إلى المقابلة مع «بي بي سي» ليدافع عن المقال وبعث نائبه لهذه المهمة.

أن تهاجم صحيفة «الديلي ميل» بعض قيادات حزب العمال، ليس بالشيء الجديد، لكن في هذه المناسبة حاولت أن تثير علامات استفهام حول وطنية وولاء الزعيم إد ميليباند لبريطانيا من خلال تاريخ والده رالف «الرجل الذي كان يكره بريطانيا».

جون بريسكوت نائب رئيس الوزراء الأسبق اعتبر المقال هجوما على الزعيم الحالي، مشبها ذلك بـ«الاغتيالات الشخصية». وقال بريسكوت في تعليقات لهيئة البث البريطاني «لا يحق اللجوء إلى اغتيال شخصية إد لآراء والده».

وقال رئيس الوزراء ديفيد كاميرون لـ«بي بي سي» إن إد كان محقا في الدفاع عن والده، «لو حدث أن هاجم أحد والدي فسوف يكون رد فعلي بنفس طريقة رد فعل إد». أما زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار نيك كليغ حليف كاميرون في الائتلاف الحاكم فقال على موقعه مدافعا عن إد: «في السياسة تركل الكرة وليس اللاعب».

وقال إد في مقابلة مع «بي بي سي»: «هذه كذبة، والدي لم يكره بريطانيا، لقد انخرط في سلاح الجو الملكي البريطاني خلال الحرب العالمية وقاتل ضد القوات النازية مدافعا عن بريطانيا. إنه من حق (الديلي ميل) أن تكتب عن أفكار والدي، وهذا شيء مشروع، لكن عندما تقول إنه كان يكره بريطانيا، فهنا علي أن أدافع عنه. والدي عشق بريطانيا.. جاء مهاجرا إلى بريطانيا».

الصحيفة أعطت الحق للزعيم العمالي للرد في مقال يكتبه بنفسه، لكنها رفضت الاعتذار. ودافع نائب رئيس التحرير عن الموقف قائلا إن العنوان والمقال مكملان لبعضهما البعض. ورفض جون ستفيل، المرشح لخلافة رئيس التحرير الحالي بول ديكار، الاعتذار عندما طلبت منه «بي بي سي» الاعتذار عن عنوان المقال. إلا أن مالك «الديلي ميل» و«ميل أون صنداي» اللورد روذرمير اعتذر شخصيا لإد ميليباند بعد أن حضر مراسل يعمل في الصحيفة الأسبوعية إلى مراسم دفن خال ميليباند وحاول الحصول على تعليقات حول موضوع المقال من بنات الشخص المتوفى. حتى رئيس تحرير الصحيفة لم يكن يعلم بما قام به المراسل، مما أثار اشمئزاز العديد من السياسيين. وكتب اللورد روذرمير إلى ميليباند رسالة اعتذار عن هذا العمل وأنه يأسف لما حدث، لكنه لم يعتذر عن المقال الذي نشر في «الديلي ميل».