هل أخطأت «سي إن إن» بإحلال بيرس مورغان محل لاري كينغ؟

النجم الجديد أثار الكثير من المشكلات الجدلية.. وأعاد المشاهدين إلى البرنامج

لاري كينغ (يمين) و بيرس مورغان
TT

الكثير من الصحافيين والمعلقين رأوا أن إبعاد شبكة «سي إن إن» لمذيعها الأسطوري لاري كينغ وإحلال الصحافي الإنجليزي بيرس مورغان مكانه، كان خطأ فادحا. المعلق الكوميدي الشهير جون ستيوارت ظهر مع لاري كينغ في أيامه الأخيرة قبل أن يغادر وعبّر عن هذه الفكرة على طريقته اللاذعة. قال ستيوارت الذي شبه رحيل كينغ بهروب الشخص من السفينة الغارقة: «خطوة ذكية من (سي إن إن) أن تستبدلك بشخص لا أحد يعرف من هو!».

ولكن هل ارتكبت «سي إن إن» خطأ فادحا وكارثيا، كما قيل؟! يبدو أن الإجابة هي لا. أكثر من هذا، يبدو أن الشبكة كانت تعرف أكثر من منتقديها من هو مورغان ولماذا اختارته هو بالذات. الفترة الطويلة نسبيا التي قضاها خليفة كينغ في البرنامج تثبت أنه نجح في إثارة الكثير من القضايا الجدلية التي أعادت المشاهدين إلي مشاهدة البرنامج من جديد. مورغان خلاق مشكلات من الدرجة الأولى.

لا يتردد في مهاجمة ضيوفه إذا لزم الأمر ويصرخ في وجه ضيفه قائلا «كيف تجرؤ؟! كيف تجرؤ؟!». لا يخشى الاشتباك في قضايا حساسة لدى الشعب الأميركي قد تجلب عليه غضبا شعبيا. لا يخفي انحيازه ولا يراوغ في الجهر بآرائه. قال له مرة الرئيس كلينتون إنه يتمنى أن يكون مثله، يقول أكثر الأشياء جرأة بوجه خال من التعابير.

كل هذه الصفات هي التي كانت تبحث عنها «سي إن إن» ووجدتها في شخصية مورغان. السبب لذلك يبدو واضحا: هذا هو النوع السحري من الصحافيين الذي يجلب الجماهير. هذه هي صفات نجوم المحطات التلفزيونية الأميركية المحافظين أو الليبراليين التي تستقطب أكبر عدد من المشاهدين، وهذا ما كانت تفتقده الشبكة الشهيرة. «سي إن إن» كانت تخسر الجماهير بالطريقة التي كانت يدير بها كينغ برنامجه. كينغ معروف بأسئلته القوية ولكن المهذبة. الضيوف ينجذبون لشخصيته اللطيفة ويدفعهم هذا للإفشاء عن أسرار دفينة أو التصريح بآراء غريبة. حاضر البديهة ولكنه ليس حادا في أسئلته. حضوره واضح في البرنامج ويترك مساحة كبيرة لضيوفه. كل هذه الصفات التي كانت جيدة ومطلوبة في الإعلام التلفزيوني الأميركي إلى وقت قريب ولكن هذه الصفات نفسها تتسبب بالخسائر المالية اليوم. مزاج المشاهدين تغير، ويجب استقطاب مذيعين ينسجمون معه! مورغان أثبت أنه الخيار الصائب. مورغان صحافي شرس وذكي ويبدو أنه يستمتع عندما يهاجمه الآخرون أو حتى يصفونه بالغبي. يعرف كيف يثير المشكلات، وحتى يصنع من نفسه المحور الأساسي في القضية. من أهم القضايا التي أثارها مورغان قضية بيع الأسلحة النارية في الولايات المتحدة التي تفجرت بعد المجازر المتكررة التي ارتكبها في السنوات الأخيرة شخصيات مختلة راح ضحيتها الأبرياء، بينهم عشرات الأطفال. رغم حساسية هذه القضية، فإن مورغان لم يتردد أن يكون الصوت الأعلى في الإعلام الأميركي المطالب بالحد من بيع الأسلحة النارية. هذا الموقف جر عليه نقمة الرافضين من «تعديل الحق الدستوري للأميركيين للسلاح بأن يملكوا الأسلحة ويدافعوا عن أنفسهم» كما يرددون. اشتبك مورغان مع أبرز الشخصيات الرافضة الغاضبة. في مواجهة شهيرة في برنامجه، طالبت إحدى الشخصيات الغاضبة من موقفه، بترحيله من الولايات المتحدة والعودة لبلده. لكن مورغان رد عليه بطريقته المستفزة: «11 ألفا يقتلون سنويا في الولايات المتحدة بسبب الأسلحة النارية، مقارنة بـ35 شخصا في إنجلترا. هل تعرف الفرق بين 11 ألفا و35؟!». في قضية القتل الشهيرة التي راح ضحيتها المراهق ترافيان مارتن على يد جورج زيمرمان، والتي قيل إن دوافعها عنصرية، أثار مورغان الكثير من الجدل حول القضية ودخل في نقاشات ساخنة.

هذا النمط من القضايا الصاخبة والجدلية هو لعبة يبرع فيها مورغان. قد لا يخرج المتابع بمعلومات هامة ولكن سيشعر بالكثير من الإثارة والحماس. سيشعر أنه طرف في القضية. يقول مورغان في حوار له أخير مع مجلة «فوربس» عن الفرق بينه وبين كينغ: «أنا سجالي وأطرح آرائي الشخصية، وهو ما يتجنبه لاري كينغ الذي يفضل الحوارات التلقائية». لهذا لم يكن المتوقع أن يثير كينغ الكثير من المشكلات فيما لو بقي يقدم البرنامج. كينغ الذي قدم أكثر من سبعة آلاف حلقة، يواصل نفس أسلوبه الذكي اللطيف في برنامجه الجديد، ولكنه، وهذا متوقع، لا يحظى بالكثير من المشاهدين.

في «تويتر» يواصل كينغ أسلوبه المحتفي بضيوفه، يلتقط صورا لضيوف برنامجه، وفي كل مرة يغرد «كم من الرائع أن تلتقي هذا الشخص». هذا الشخص قد يكون كل ضيف يحل في البرنامج. كينغ يعكس الشخصية الأميركية اللطيفة، ولكن الشخصية الإنجليزية الأكثر حدة وصراحة، هي المطلوبة في الإعلام اليوم. الإنجليزي مورغان لا يحتفي بضيوفه في «تويتر» ولكنه قد يدخل في ملاسنات طويلة، لا يمكن حتى تخيل أن كينغ قد يفكر فيها. آخر الملاسنات التي خاضها مورغان كانت مع سارة بالين، الحاكمة السابقة لولاية ألاسكا. غردت بالين بأنها ترفض الدعوات المتكررة التي قدمها لها مورغان للظهور في برنامجه لأنها مشغولة بأشياء أهم (وضعت صورة لها بعد اصطيادها دبا)، وأضافت موجهة حديثا للإنجليز: «ماذا فعلنا لكم لكي نستحق هذا البيرس!». لم يصمت مورغان، كما هو متوقع، فهو محب لهذه الصدامات، ورد عليها بتغريدات متلاحقة قال لها فيها إنه مستعد أن يقدم لها دروسا في التاريخ، وإن عرضه ما زال قائما إن كان لديها الشجاعة. وصفت بالين البرنامج بالمخزي، فقال لها هل تستطيعين أن تنظري إلى السخرية في هذا الكلمة من منزلك، في إشارة خبيثة منه لإجابة بالين الساذجة عندما سألتها المذيعة كيتي كوريك عن التعامل الأميركي المفترض مع روسيا فيما لو أصبحت نائبة الرئيس، جون ماكين، فقالت بالين إنها تفهم الروس لأنها تستطيع أن ترى روسيا من منزلها في ألاسكا! بالطبع مورغان لم يضع الفرصة، ليس فقط من أجل الهجوم على بالين، بل بجلب مزيد من الإثارة والأضواء لبرنامجه ولاسمه ولقناة «سي إن إن». قرار «سي إن إن» لم يكن خطأ فادحا، بل كان واقعيا وذكيا، حتى لو دفع ثمنه مذيع أسطوري بحجم لاري كينغ.