الثري الروسي مالك الصحف البريطانية يجد لنفسه وظيفة جديدة

ألكسندر ليبيديف يغادر أثرياء مجلة «فوربس» ويصبح نائب محرر بصحيفة «نوفيا غازيتا»

يملك ألكسندر ليبيديف صحيفة «الإندبندنت» وصحيفة «ذا لندن ايفننغ ستاندرد» في بريطانيا وصحيفة «نوفيا غازيتا» المعارضة
TT

في ضوء المصطلحات الروسية المستخدمة في تلك الحالات، يمكن أن نقول: «سقط ألكسندر ليبيديف ولكن ليس بالضربة القاضية». تتناسب هذه الكناية المستعارة من رياضة الملاكمة، على وجه الخصوص، مع رجل الأعمال البالغ من العمر 53 عاما، الذي ساءت أزماته ومشاكله في عام 2011 عندما حاول التعدي على أحد الضيوف في أحد برامجه الحوارية على شاشة التلفزيون الروسي. وأدى هذا التصرف غير اللائق إلى إدانته في شهر يوليو (تموز) الماضي بتهم التعدي على الآخرين وصدر حكم ضده بقضاء 150 ساعة في خدمة المجتمع. بيد أنه، على أقل تقدير، ليس مسجونا، وهو ما كان يمكن أن يحدث في حال إلصاق التهمة الأصلية والغريبة «التصرف الهمجي بدافع الكراهية السياسية». ولم يعد ليبيديف هو الملياردير المدرج على قائمة مجلة «فوربس» بعد أن تعرض مصرفه «بنك الاحتياطي الوطني» لضرر بالغ. وعلاوة على ذلك، جرى بيع شركته للخطوط الجوية «ريد وينجز» بثمن بخس. ووفقا لإحصائياته، جرى نشر نحو 500 مقالة بغرض تشويه سمعته على شبكة الإنترنت في روسيا والتي كانت جميعها جزءا من حملة متقنة «لتشويه سمعته في مجال العلاقات العامة».

والجدير بالذكر، أن ليبيديف كان صريحا عندما تساءل عما إذا كان ما زال بإمكانه القدرة على تحمل النفقات لدعم وسائل الإعلام الإخبارية التي يمتلكها، وهي صحيفة «الإندبندنت» وصحيفة «ذا لندن ايفننغ ستاندرد» في بريطانيا وصحيفة «نوفيا غازيتا» المعارضة التي تصدر مرتين أسبوعيا في موسكو وتنتقد باستمرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتنشر تحقيقات عن تجاوزاته.

ورغم محنته، بقي ليبيديف محتفظا بزهوه المتأنق واستمر في تقمص مظهر المقاتل. ولا يزال ليبيديف يمتلك أكبر مزرعة بطاطس في أوروبا بالقرب من أملاك الروائي الروسي الأسطوري ليو تولستوي في منطقة تولا، حيث سيقضي هناك فترة عقوبته في الاعتناء برياض الأطفال.

ورغم ذلك، يبدو ليبيديف أقل اهتماما بالبطاطس مقارنة بوظيفته الجديدة، حيث يشغل منصب رئيس الوحدة الاستقصائية بصحيفة «نوفيا غازيتا»، متبنيا برنامجا مناسبا لحملته التي يشنها ضد «الأموال القذرة»، حيث يجري حاليا عملية غسل الأموال لنحو 25 تريليون دولار أميركي من المكاسب غير المشروعة، التي لا تخضع لمراجعة أو فرض ضرائب، عبر النظام المالي العالمي. ومن بين هذه المبالغ (حسبما أوردت شبكة العدالة الضريبية، إحدى المجموعات المستقلة)، جرى تهريب نحو 700 مليار دولار أميركي خارج روسيا بطريقة غير قانونية على مدار الأعوام العشرة الماضية. وتضم قائمة الأفراد، المتورطين في الاستفادة من الاختلاس والاحتيال والسرقة الصريحة، بعض الأشخاص الذين يلقي ليبيديف باللائمة عليهم في التسبب في مشاكله.

ويقول ليبيديف، الذي يدعم معارضة الرئيس بوتين: «يعتقد العالم الغربي أن الكرملين هو الذي يقف وراء هذه الهجمات، وليس أنا. ويعد هذا الفعل من تنفيذ عصابة منظمة من قطاع الطرق». وأشار ليبيديف، في مقابلة أجريت معه الشهر الماضي في مكتبه الكائن في صرح فخم جرى ترميمه في موسكو، أنه بدأ التحقيق في وقائع النصب والاحتيال على البنوك والشركات الروسية منذ فترة طويلة. وأضاف، مبتسما: «تخفيت كمصرفي لكي أفعل ذلك».

وقد أقدم ليبيديف على تلك الخطوة بسبب عدم وجود أحد غيره في روسيا يؤدي هذا الدور. ويوضح قائلا: «لا يفعل ذلك الأمر البنك المركزي ولا الشرطة ولا أي شخص. إنه أمر لا يمكن تصوره». وفي الواقع، شرع ليبيديف في تجربته الأولى عندما استكشف الجوانب المظلمة للرأسمالية بوصفه كان عميلا سريا للاستخبارات السوفياتية في لندن في أوائل ثمانينات القرن الماضي، عندما قرر يوري أندروبوف، الذي كان رئيس الاستخبارات السوفياتية في ذلك الوقت، الخروج من العالم الأكاديمي السوفياتي المقيد آيديولوجيا لاكتشاف كيف أصبح الغرب غنيا لهذه الدرجة. ويقول ليبيديف «أدرك أندروبوف أشياء معينة، منها أن الرأسمالية ما كانت لتنهار». ولا يحب ليبيديف أن يعتبر نفسه واحدا من «الأثرياء»، وهي الكلمة المستخدمة لوصف الأشخاص شديدي الثراء في روسيا، حيث إنه ينبذ هؤلاء الأشخاص واصفا إياهم بالفظاظة والجشع.

وعلى أي حال، لم يعد هذا المصطلح ساريا. ويوضح ليبيديف «أنا لست ثريا، فلم يعد لدي المال الكافي حتى ينطبق علي هذا الوصف. وبالإضافة إلى ذلك، لا أريد أن أثقل كاهلي بالمسائل التجارية التي يمكن أن تؤدي إلى نوع من تضارب المصالح. فأنا مجرد نائب محرر عادي». وفي هذا الدور الجديد الذي يلعبه، ينطلق ليبيديف بقوة للبحث عن حلفاء، وقد اتخذ تلك الخطوة بالفعل عندما أرسل خطابا في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي إلى دول مجموعة العشرين موضحا الآثار المدمرة لـ«أموال الكسب غير الشريف». وقد أضاف ليبيديف قائمة بغسل الأموال لحالات احتيال واختلاس لم تخضع للفحص في عشرات البنوك الروسية، بجانب تقدير تلك الأموال، في كل حالة، حيث لا تقل تلك المبالغ عن مليار دولار اختلسها المديرون الفاسدون، والذين وجد الكثير منهم ملاذا آمنا في الغرب.

*خدمة «نيويورك تايمز»