ناشر «المصري اليوم» : قضية تسريبات حوار السيسي «فقاقيع لا قيمة لها»

صلاح دياب أكد أنه يقتدي بـ «الشرق الأوسط» في تطوير صحيفته.. ولا يتدخل في أعمال التحرير

TT

قال ناشر صحيفة «المصري اليوم»، المهندس صلاح دياب، وهو يتطلع من شرفة مكتبه المطلة على نيل ضاحية الزمالك بالقاهرة، إن الصحافة الإلكترونية أصبحت تضع أعباء على الصحافة الورقية، لكن يمكن التغلب عليها من خلال برامج وخطط تخص تطوير البوابة الإلكترونية للوسائط المتعددة، وقد أطلقت الصحيفة موقعا لها على الإنترنت أخيرا. وقال دياب، وهو رجل أعمال معروف، في حوار مع «الشرق الأوسط»، إن «المصري اليوم» تحاول استلهام تجربة صحيفة «الشرق الأوسط» في التطوير والتحديث ومواكبة المتغيرات التي تشهدها الصحافة العالمية في الفترة الأخيرة.

وتحدث أيضا عن تسريبات الحوار الصحافي الذي أجرته صحيفته مع قائد الجيش المصري الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وقال إن مضمون تلك التسريبات لم يخرج عن نص الحوار المنشور، وإن ما أثير بشأنها لا يزيد عن كونه «فقاقيع لا قيمة لها».

وتابع دياب قائلا في ما يتعلق بالأنباء التي ترددت عن عزم «المصري اليوم» الاستغناء عن رئيس التحرير، ياسر رزق، عقب تسريبات حوار السيسي، إن رئيس التحرير يحوز ثقة إدارة الصحيفة وثقة الفريق أول السيسي وثقة القارئ، وإن قرار بقائه من عدمه يخص مجلس الأمناء. وأضاف: «أنا لست سلطة عقاب ولا إطاحة ولا تثبيت».

وكشف المهندس دياب عن الضغوط التي تعرض لها كرجل أعمال، عبر أنظمة الحكم المختلفة، بسبب إصدار صحيفته المستقلة قبل تسع سنوات، وهو أمر لم يكن معروفا في الصحافة المصرية منذ عقود. وعما إذا كان قد شعر بالندم بسبب دخوله عالم الصحافة، قال إن لحظة الشعور بالندم «تأتيني آلاف المرات رغم أنني لا أتدخل في التحرير». وإلى أهم ما جاء في الحوار:

* بعد تسع سنوات من تأسيسك لـ«المصري اليوم»، هل أنت قلق من الصحافة الرقمية؟

- لو الصحافة الورقية تراجعت لحساب الصحافة الرقمية فيجب أن نلحق بها نحن أيضا. وهذا مجال نعمل فيه بشكل ممتاز، بحيث أن ما قد نفقده في ناحية سوف نكسبه في الناحية الأخرى. لكن مما لا شك فيه أن الناس سيستمرون في قراءة الصحف سواء ورقية أو رقمية، ولذلك فإن التطوير مهم جدا.. ثم إن «المصري اليوم» ينبغي أن تتحول إلى ميديا متكاملة مثل أن تبدأ بـ«تلفزيون أونلاين (على الإنترنت)»، و«البورتال (البوابة الإلكترونية للوسائط المتعددة)»، وغيرها. ونحن نعطي نظام «البورتال» اهتماما خاصا، ونتقدم في القياسات التي تقيس مدى نجاح «البورتال» بشكل واضح. لكن من ضمن الأشياء التي يهمني أن أقولها إننا ننظر نظرة خاصة إلى صحيفة «الشرق الأوسط» كقدوة، لأن وجودها في لندن، مكان الإصدار، واتصالها الحتمي والضروري بالإصدارات الأخرى الغربية بصفة عامة سواء أميركية أو إنجليزية أو غيرها.. هذا يعطيها نوعا من الرؤية والتفوق، وهذه الرؤية تكون عابرة للحدود المحلية وتعمل على تطوير الصناعة كلها بصفة عامة. نحن ننظر أيضا لصحيفة «الشرق الأوسط» كمطور لصناعة الصحافة العربية كلها، لكن بطبيعة الحال لا يمكن أن نتجاهل المذاق المصري والمذاق الخليجي والمذاق السعودي والمذاق المغربي.. ونحن نحاول أن نخرج صحافة متطورة لكن بمزاج مصري يناسب القارئ المحلي. والتعريف الجديد، أو التعريف الأكثر واقعية، هو أننا نحاول أن نخرج إعلاما جديدا مرتبطا بالمزاج المصري.

* معروف في «بزنس الإعلام» أن المؤسسة التي لا تحقق ربحا يكون مصيرها الزوال، فهل تحقق «المصري اليوم» أرباحا؟

- بورتال «المصري اليوم (أي بوابة الصحيفة الإلكترونية للوسائط المتعددة) تحقق ربحا.

* من الإعلانات وليس الاشتراكات، أليس كذلك؟

- تحقق ربحا من الإعلانات، وبعد ذلك من المفترض - بعد أن تأخذ «البورتال» مكانتها اللازمة وتكون من الخمس الأوائل في الإنترنت بمصر، عالميا، مع «غوغل» ومع غيره، أو حتى من العشر الأوائل - أن تطلب اشتراكا من القارئ للحصول على الخدمة بالطريقة التي أشرت إليها. وبطبيعة الحال ليست هناك صحافة ستستمر من دون تحقيق ربح. أنا لا أنظر إلى مؤسسة «المصري اليوم» على أساس أنها تحقق ربحا.. أنا أريدها أن تحقق ربحا لتطوير نفسها وتطوير أدواتها وتطوير العاملين فيها. هذا ما أتمناه. لكن أنا لا يمكن أن أحقق هذه الخطوة إلا حين تسدد استثمارات وديون «المصري اليوم» كلها.

* يعني يمكن أن نقول إن «المصري اليوم» منذ تأسيسها لم تحقق أرباحا؟

- لا.. «المصري اليوم» عملت استثمارات كبيرة وأصبح لها مطبعة وأصبح لها استثمارات في الـ«سوفت وير» والـ«هارد وير». وكل هذا قيمة مضافة. لكن هذا يستدعي سداد كل هذه «النفقات»، وهذا يتطلب وقتا. «المصري اليوم» أيضا كان لها أخطاء، وهذه الأخطاء كان لها تكاليف، وسبب هذه الأخطاء أنه لم يكن لدينا سوابق في الصحافة الخاصة اليومية في مصر.

* أخطاء مثل ماذا؟ وهل كانت قبل «ثورة» 25 يناير (كانون الثاني) 2011، أم بعدها؟

- هذه الأخطاء كانت قبل 25 يناير 2011 وبعدها. وعلى سبيل المثال توزيعنا وصل في فترة من الفترات إلى 700 ألف نسخة في اليوم. وكانت تكلفة النسخة 130 قرشا، وكنا نبيعها بـ100 قرش فقط، فانظر ما هو مقدار الخسائر اليومية.. وبالتالي اضرب هذا المبلغ في 30 يوما لتعرف قيمة الخسائر الشهرية. هذه الأمور لم نقف عندها في فترة الحماس عند إصدار الجريدة.

* صدرت بعد «المصري اليوم» العديد من الصحف المستقلة اليومية أيضا في السوق المصرية، هل جعلك هذا تشعر بالقلق؟ هل دعاك لإعادة ترتيب الأوراق في واقع المنافسة الجديد؟

- نحن طبعا في منافسة. ولا يمكن أن يكون هناك أي صحيفة في العالم تحتل المركز الأول والثاني والثالث والرابع. نحن حاليا نحتل المركز الأول على مستوى الصحف الورقية في مصر على الإطلاق، لكن هذا لا يعني أن نستكين، بالعكس. في اليوم الذي نشعر فيه بالاطمئنان فإن هذا يكون بداية الهبوط، أي عمل ناجح لا يستمر في النجاح إلا إذا كان يصاحبه الشعور بالقلق.

* هل هناك مشاريع محددة ستقوم بها في الفترة المقبلة لتطوير «المصري اليوم» من أجل الاحتفاظ بالقراء أو زيادة عدد من يشترون الصحيفة، وخاصة أن النسخة الورقية أصبحت متاحة على الإنترنت ويمكن تصفحها مجانا من الحواسب ومن الهواتف وغيرها؟

- شغلنا الشاغل هو التطوير. وهناك قراء ما زالوا يفضلون شراء الصحيفة الورقية لما فيها من «توضيب» معين وإبراز لموضوعات معينة ومتابعة كتّاب أعمدة وغيرها. والمعروف أن قراءة الجريدة عادة وليست مسألة قراءة أخبار فقط.

* هل تتخيل أن المواطن العربي يمكن أن يأتي عليه يوم ويسدد ثمن ما يطالعه من موضوعات صحافية على الإنترنت؟

- القارئ العربي لا يختلف عن أي قارئ في العالم. التكنولوجيا تطال العربي مثلما تطال الأميركي أو غيره، بدليل أنه معك «موبايل» ومعك إنترنت وكلها أدوات غربية.. فلماذا تسأل سؤالا يثبت أنه لا حدود وأنه لا يوجد ما يسمى قارئا عربيا وقارئا هنديا. القارئ قارئ ويتعامل مع الوسائل بشكل واحد تقريبا.

* لكن الإنترنت خلقت هاجسا لصناعة الصحف الورقية.. في الغرب بعض الصحف والمجلات أغلقت، بينما تمكنت صحف ومجلات ورقية أخرى من تطوير نفسها والتغلب على مشكلة الإنترنت، وأعني بسؤالي أنه في كثير من الصحف الغربية من الصعب الوصول إلى مقال لكاتب معين من على موقع الصحيفة الورقية على الإنترنت من دون الاشتراك في الصحيفة أو سداد ثمن المقال، ولذلك لجأت الكثير من الصحف الورقية ومواقعها الإنترنتية إلى تحسين مستوى المحتوى الإعلامي الذي تقدمه حتى تجد مقابلا ماديا لهذا المحتوى، كيف ترى الأمر مصريا أو عربيا؟

- سنصل إلى هذا.. لأن التكنولوجيا هي التي ستفرض هذا الأمر. والثقافة والتعليم المتزايد هما اللذان سيفرضان هذا.

* حسنا، هل أنت راض عن المحتوى الإعلامي الذي تقدمه الصحافة الورقية والإنترنتية في مصر في الفترة الأخيرة؟

- إذا قلت إنني راض فلن يكون هناك تطوير. أنا طبعا عيني على (صحيفة) «إنترناشيونال نيويورك تايمز»، ومعجب بمحتواها وبحجم إعلاناتها وبشكل إعلاناتها وبإخراجها، فنحن لدينا مجال كبير جدا للتطوير.

* المهندس صلاح دياب كقارئ.. حين يكون أمامك الصحف المصرية، هل أنت راض عن المستوى المهني فيها؟

- طبعا يوجد تطور في كل الصحف سواء الخاصة أو التابعة للدولة.

* أنا أسأل عن نظرتك للمحتوى، أي الموضوعات نفسها، هل كان يوجد في الماضي محررون محترفون أكثر من الآن، أم ماذا؟

- هذا الأمر يتسم بالصعود والهبوط.. مثل أي شيء آخر. وأي شركة تنتج منتجا سواء كان منتجا صحافيا أو تجاريا أو استهلاكيا من طعام وشراب، فهذا المنتج قابل للتطوير في المضمون وقابل للتطوير في الشكل الخارجي، وفي كل شيء.

* «المصري اليوم» كمؤسسة مضافة لمؤسساتك الكثيرة، هل تفكر في أن تكون مؤسسة عابرة للحدود، بمعنى أن يكون لها مكاتب كبيرة في عدة عواصم؟

- نحن حاليا نحاول أن نغطي قضايا التسعين مليون مصري، ثم سنبحث بعد ذلك الموضوع الخارجي الذي ليس في أولوياتنا حاليا. كما أعتقد أن صحيفة «الشرق الأوسط» قائمة بهذا الموضوع تماما.. أي بالتغطية والوجود في العديد من العواصم حول العالم. ولا نريد أن ندخل في منافسة مع «الشرق الأوسط».

* هل تلقيت أي اتصالات من نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك حين أصدرت «المصري اليوم»؟ هل جرى جس نبضكم على الأقل في ذلك الوقت؟ هل جرى نصحكم بأمور معينة تخص النشر عن الرئاسة أو الجيش أو القضاء؟

- لم يحدث على الإطلاق.. لكن كان هناك، بطبيعة الحال، مضايقات تعرضنا لها كمستثمرين. مضايقات غير مباشرة على الرغم من أننا خرجنا بـ«المصري اليوم» كجريدة مستقلة وليست جريدة معارضة. الجريدة المستقلة لم يكن لها مكان مفهوم في العالم العربي. كان الحال حينها يقول إما أن تكون معي أو ضدي. وهذا غير صحيح. نحن لدينا انحيازات، وهي للصالح العام. قد نتفق مع بعض الناس بعض الوقت في بعض الأمور، ولا يمكن أن أتفق مع كل الناس كل الوقت في كل الأمور.

* لكن حين كنت تلتقي في المناسبات مع بعض قيادات السلطة السابقة في عهد مبارك، ألم يكن هناك من يتحدث معك بشأن ما كان ينشر في الجريدة، أو يبدي بعض المؤاخذات؟

- طبعا مسألة المؤاخذات هذه مستمرة.. ومستمرة إلى الآن في حالات كثيرة. أريد أن أقول لك شيئا.. لو عملت صحافة مستقلة فلا بد أن تدرك أن هذه العملية لها ثمن، والثمن قد يكون أحيانا ثمنا كبيرا. كان لها ثمن في عهد مبارك، وكان لها ثمن في عهد (الرئيس السابق محمد) مرسي، وأقول لك إنه سيكون لها ثمن في العهد المقبل أيضا، أيا ما كان. ما دمت ستقف مستقلا وتقول إن هذا صح وهذا خطأ، فسيكون هناك ثمن أيضا.

* هل أتت عليك لحظة تمنيت فيها لو أنك لم تكن قد دخلت في عالم الصحافة؟

- هذه اللحظة تأتيني آلاف المرات.. في كل مشكلة، وفي كل حرج مع شخص معين، في كل عتاب عبر الهاتف، رغم أنني لا أتدخل في التحرير، لكن هناك أناسا يتصورون أنني أتدخل في التحرير. كل مرة من هذه المرات كنت أندم، لكن الغاية والقصد هو الصالح العام، فيجب أن نتحمل النتائج المترتبة على سلامة القصد.

* «المصري اليوم» انفردت بحوار مع قائد الجيش، وخرجت تسريبات من الحوار لم تكن قد نشرت في الصحيفة، مما تسبب في لغط عن المسؤول وراءها، ولغط بشأن استمرار رئيس تحرير الصحيفة الذي أجرى الحوار، ما الحقيقة وراء كل هذا؟

ـ لا شيء.. طبعا كان الحوار مميزا، والتسريبات التي جرى تداولها لم تخرج عن نص الحوار ومضمونه، وليس فيها مفاجأة، وكله كان منشورا.. ولا شك أن الحوار يثير بعض الغرائز المهنية لدى الغير. والبعض أراد أن يضخم الموضوع. ياسر رزق كان محل تقدير لإدارة «المصري اليوم»، ومحل تقدير وثقة الفريق أول عبد الفتاح السيسي، ومحل ثقة القارئ. وأعتقد أن ما أثير مما يسمى بـ«تسريبات» من الحوار لا يزيد عن كونه «فقاقيع لا قيمة لها ولا معنى»، ولا سيما أن التسريبات لم تأت بأي شيء جديد ولم تخرج بسر خفي لم يشر إليه الحديث المكتوب والمنشور في الصحيفة.

* دارت تكهنات في سوق الإعلام المصرية أنك ستطيح بياسر رزق من رئاسة التحرير بسبب تلك التسريبات، ما تعليقك؟

- إطلاقا.. أنا لا أتدخل في هذا، ولا أملك هذا. وقرار وجود رئيس تحرير أو ذهاب رئيس تحرير قرار مجلس أمناء «المصري اليوم»، ومجلس أمناء «المصري اليوم» تقليد موجود في كل الصحف العالمية. وحين أخذت صحيفة «الشرق الأوسط» بهذا التقليد قمنا نحن أيضا في «المصري اليوم»، بعد ذلك، بالأخذ بهذا النظام. ونحن لا نعاقب على خطأ غير مقصود إطلاقا. وأنا لست سلطة عقاب ولا إطاحة ولا تثبيت.

* مَن من الكتاب تحب أن تقرأ لهم؟

- كثيرون جدا.. أحب أن أقرأ لصلاح منتصر والشاعر فاروق جويدة وعمرو الشوبكي وسليمان جودة وحمدي رزق، ولكثيرين غيرهم. وأحب أن أقرأ جدا لمحمد المخزنجي. ومبدئيا أحب أن أقرأ لكل كتاب «المصري اليوم».

* ومَن من مذيعي برامج الدردشة التلفزيونية الليلية يستهويك في الفترة الأخيرة؟

- هناك مثلا إبراهيم عيسى ويسري فودة ولميس الحديدي وعمرو أديب.. هناك مذيعون لا تستطيع أن تحول القناة حين تراهم. والإعلام التلفزيوني أثر في المصريين فهو يفتح وجهات النظر، لكن لو تكرر يكون مملا.

* ماذا تفعل حين تجد أحد أفراد أسرتك يداوم على مطالعة صحيفة غير صحيفة «المصري اليوم»؟ هل تشعر بالغضب؟

- بالعكس، زوجتي تقرأ صحيفة غير «المصري اليوم» كل يوم. من هواياتها أن تقرأ صحيفة «الأهرام»، فلماذا أغضب؟! بالعكس.. آخذ منها «الأهرام» وأقرأ ما يستهويني فيها. وهذا لا يمنع أنها تطالع «المصري اليوم» أيضا. معظم الناس لا يكتفون بصحيفة واحدة.