الأخبار في حاجة إلى أخبار

وسط الحاجة إلى صحافة تعتمد على المعرفة

TT

مؤخرا، صدر كتاب: «إنفورمينغ ذا نيوز» (إبلاغ الأخبار: الحاجة إلى صحافة تعتمد على المعرفة). ويمكن تلخيص العنوان في عبارة: «الأخبار تحتاج إلى أخبار». وذلك لأن الكتاب ينتقد كثيرا من المواد الإخبارية في الإعلام الأميركي، ويقول إنها لا تحتوي على أخبار مفيدة، وعلى أخبار نزيهة.

مؤلف الكتاب هو توماس باترسون، أستاذ الحكومة والصحافة في مدرسة كيندي للحكومة، التابعة لجامعة هارفارد.

ومنذ بداية الكتاب، لا يخفي باترسون أنه من مدرسة وولتر ليبمان، واحد من أهم الصحافيين الأميركيين في القرن العشرين (توفي عام 1974). يصف بعض كبار الصحافيين الأميركيين ليبمان بأنه «بتهوفن الصحافة». ومن الذين قالوا ذلك جيمس بويلان، مؤسس «كولومبيا ريفيو أوف جورناليزم» (دورية الصحافة التي تصدرها كلية الصحافة التابعة لجامعة كولومبيا، في نيويورك)، وحاليا أستاذ في جامعة ماساجوستيس (في أمهيرست).

قال: «كان بتهوفن صلبا، رغم قليل من الاهتزاز، ويظل مؤسس الفن السيمفوني. وينتقد البعض ليبمان، لكنه يظل مؤسس النقد الصحافي الجاد». وأشار إلى بعض كتب ليبمان، ومنها: «الحرية والأخبار» و«الرأي العام». وأشار إلى قول ليبمان: «لا حرية حيث لا توجد معلومات».

كتب ليبمان بعض كتبه بعد الحرب العالمية الأولى، وبعضها بعد الحرب العالمية الثانية (توفى وعمره 83 سنة). وركز على أن الحروب تهدد، وأحيانا تدمر، الناس والمنشآت. وأيضا تهدد، وأحيانا تدمر، حرية الصحافة. وذلك بسبب الحظر على المعلومات الهامة. وبسبب تغلب الوطنية المتطرفة على النزاهة الصحافية.

لهذا ركز ليبمان على شيئين:

أولا: النزاهة.

ثانيا: الخبرة.

والآن، بعد نصف قرن من ازدهار ليبمان وأفكاره، يقول مؤلف هذا الكتاب نفس الشيء. وبدلا عن الحروب الأميركية القديمة، يستعمل أمثلة الحروب الأميركية الأخيرة (حرب فيتنام، حرب العراق، حرب أفغانستان، حرب الإرهاب، إلخ..). ويقول إن الصحافة النزيهة يجب أن تكون نزيهة بصرف النظر عن سياسات الحكومة. ويحذر من الخلط بين الصحافة والوطنية (خاصة الوطنية المتطرفة، الشيفونية). هذه إشارة إلى أن الحماس الصحافي للوطن، خصوصا وقت الحروب، يأتي على حساب النزاهة.

ثم ينتقل إلى النقطة الثانية: «لا يمكن أن تكون الصحافة نزيهة دون صحافيين يجمعون المعلومات المفيدة، وينشرونها».

وكتب المؤلف: «من المفارقات أنه، في عصر تكنولوجيا المعلومات، تفتقر الصحافة الأميركية للمعلومات. صارت فاسدة لأنها صارت رخيصة».

ما هو الحل؟

أولا: «صحافة المعرفة الغنية الدسمة».

ثانيا: «صحافة الصحافيين المدربين».

وأضاف: «في عصر تكنولوجيا المعلومات (حيث يمكن أن يكون كل واحد صحافيا) يجب أن يرتفع مستوى الصحافة (الحقيقية) في الدقة، والنوع، والتقديم».

وهذه أهم فصول الكتاب:

أولا: فساد المعلومات (التي يقدمها الصحافيون حاليا، لأنهم يميلون نحو استخدامها لأهداف غير النزاهة الصحافية).

ثانيا: مشكلة المعلومات (توجد معلومات صحيحة، وتوجد معلومات غير صحيحة. ويتحمل الصحافيون مسؤولية التفريق بينها).

ثالثا: مشكلة المعرفة (وهي غير مشكلة المعلومات. لأن كل المعارف معلومات، ولكن ليست كل المعلومات معارف).

رابعا: مشكلة الديمقراطية (دون توفير معلومات مفيدة، وصحافيين مؤهلين، تفتقر الديمقراطية إلى أساسها، وهو: معلومات يعتمد عليها الناس لممارسة حرياتهم).

عن فساد المعلومات، يشير الكتاب إلى ما قال ليبمان: «كل شعب لا تتوفر له المعلومات المفيدة يعاني من فساد، وضعف، وفقدان هدف، وخوف، وفي النهاية، كوارث».

ويستعمل الكتاب أمثلة من الغزو الأميركي للعراق (عام 2003) ليوضح الفرق بين المعلومات المفيدة، والمعلومات غير المفيدة، أو الخطأ. وليوضح، أيضا، تأثير الحروب على النزاهة الصحافية.

ويقول: «أيدت أغلبية غير كبيرة الرئيس السابق بوش لغزو العراق. لكن، كان هذا التأييد بسبب معلومات خطأ، وبسبب قلة المعلومات المفيدة». وقال: «اعتقد أميركيون أن العراق اشترك في هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001. بل اعتقد أميركيون أن طيارين عراقيين اشتركوا في هذه الهجمات».

واعتمد على نتائج استطلاعات، في ذلك الوقت، أوضحت أن أغلبية الأميركيين الذين أيدوا الغزو كانوا هم الذين يؤمنون بهذه المعلومات الخطأ.

ثم انتقل الكتاب ليوضح أن المعلومات الخطى لا تقتصر على السياسة الخارجية. وأشار إلى أنه، في عام 1964، عندما قررت الحكومة إضافة كميات من الكولورايد إلى ماء الشرب، لوقايتها من الأوبئة، عارض ذلك عدد ليس قليلا من الأميركيين. وقالوا إنها «مؤامرة شيوعية».

وفي كل الحالات، ينتقد الكتاب الصحافيين لأنهم:

أولا: لا يلتزمون بالنزاهة (خاصة وقت الحروب، باردة أو ساخنة).

ثانيا: لا يركزون على المعلومات المفيدة.

وعن هذه النقطة الأخيرة، أشار إلى تقرير من معهد «كارنغي» في واشنطن عام 2006 بأن احترام القراء للصحافة انخفض، وذلك لأكثر من سبب: قلة النزاهة، الاهتمام بزيادة الربح، و«فيروس الترفيه».

استعمل عبارة «إنترتينمانت فايروس» (فيروس الترفيه). وقال إن جزءا كبيرا من المعلومات صار «رخيصا»، بسبب تركيزه على أخبار المشاهير، ونجوم الرياضة والسينما والتلفزيون.

وعاد إلى وولتر ليبمان، وإلى قوله: «تفشل الديمقراطية عندما تنضب المعلومات المفيدة والمعلومات النزيهة».