محاكمات القرصنة التليفونية البريطانية بدأت تقترب من نهاياتها

الدائرة تضيق حول الرئيسة التنفيذية السابقة لمؤسسة روبيرت ميردوخ الإعلامية

صور التقطت بكاميرات المراقبة تبين تشارلي زوج ريبيكا بروكس في مرأب البناية وهو يحمل جهاز كومبيوتر ووثائق قال الادعاء إنه أخفاها خلف صندوق القمامة قبل وصول الشرطة لتفتيش منزلهما (رويترز)
TT

فضيحة القرصنة التليفونية في بريطانيا بلغت ذروتها في يوليو (تموز) 2011 واضطر عندها قطب الإعلام الأسترالي الأصل روبرت ميردوخ إلى إغلاق الصحيفة المتهمة بالتنصت الأكثر انتشارا في الصحافة الإنجليزية بعد أكثر من 168 سنة من النشر المتواصل، وذلك بعد أن جرى الكشف عن أن الصحافيين العاملين فيها قاموا بعمليات قرصنة طالت الآلاف من المشاهير والسياسيين وأبناء العائلة المالكة. الجلسات المنتظمة حاليا في محكمة الجنايات المركزية، حيث يحاكم ثمانية أشخاص ممن عملوا في الصحيفة، جاءت نتيجة لهذه الفضيحة بعد توجيه عدد من التهم أهمها عرقلة مجرى العدالة لهؤلاء.

القشة التي قصمت ظهر البعير في قضية القرصنة التليفونية المتهمة بها الصحيفة والمجموعة كانت الدخول على البريد الصوتي الخاص بمراهقة تدعى ميلي دولير قتلت بعد اختفائها عام 2002. الفضيحة أثارت اشمئزازا على الصعيد الشعبي وشكلت لجنة تحقيق تناولت موضوع أخلاقيات الصحافة والعلاقة بينها وبين المؤسسة الحاكمة. كما قامت الشرطة بفتح أكثر من تحقيق في الموضوع.

ريبيكا بروكس، التي تبوأت مراكز تحريرية وإدارية قيادية وحساسة في مؤسسة ميردوخ الصحافية، في صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» التي أغلقت أبوابها في يوليو وصحيفة «الصن» الشعبيتين، قبل أن تصبح رئيسة تنفيذية لـ«نيوز إنترناشيونال» الذراع البريطانية لنيوز كوربوريشن المدرجة في بورصة نيويورك، أصبحت على قائمة المتهمين بعمليات القرصنة والفساد، إلى جانب زميلها آندي كولسون، الذي تبوأ هو الآخر مركز رئيس تحرير الصحيفة المذكورة، ومن ثم عمل سكرتيرا إعلاميا لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون.

وعلى هذه الخلفية اعتقلت بروكس (45 سنة) ومعها كولسون، ووجهت لهما مع ثمانية آخرين مجموعة من التهم من بينها التنصت على هواتف والتآمر لعرقلة سير العدالة والتآمر لارتكاب سوء سلوك في مناصب عامة، أي تقديم الرشى مقابل الحصول على معلومات، إلا أن جميعهم أنكروا التهم الموجهة إليهم، ومن بينهم أيضا تشارلي بروكس زوج ريبيكا بروكس.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) بدأت محاكمة هؤلاء بالتهم المذكورة، وخلال جلسات المحكمة القائمة حاليا والمتوقع أن تستمر حتى هذا الربيع قبل صدور الحكم بحقهم، انكشفت أمور كثيرة من خلال المراسلات بينهم، ومن خلال الوثائق التي قدمتها «نيوز إنترناشيونال» للشرطة لإظهار حسن نواياها ووعودها بالتعاون مع السلطات القضائية في هذا الموضوع.

وحاول الادعاء إظهار عمليات التنصت على أنها لم تكن مجرد عمل اثنين من الصحافيين كانا قد حوكما وسجنا في عام 2006 بعد اختراقهما التليفونات الخاصة لبعض أبناء العائلة الملكية. وقال الادعاء بأن عمليات القرصنة تشكل ثقافة متفشية في هذه الصحف وكانت تمارس بمعرفة من رؤساء التحرير، أي كولسون وبروكس، وهذا ما ينفيه الاثنان.

وخلال جلسات المحكمة هذا الأسبوع عرضت صور التقطت بكاميرات المراقبة المنتشرة في الأماكن العامة والبنايات الخاصة التي تبين تشارلي زوج ريبيكا بروكس وهو يحمل مجموعة من المواد، قال الادعاء إنها كانت تحتوي على أجهزة كومبيوتر ووثائق أخرى، وإن الزوج كان يحاول التخلص منها قبل وصول الشرطة إلى شقتهما لتفتيشها لأنها تحتوي على أدلة دامغة لمعرفتها بعمليات التنصت التي مورست في الصحيفة خلال وجود ريبيكا بروكس على رأس قيادة المؤسسة الإعلامية.

وقال الادعاء إن تشارلي بروكس، الذي يعمل في تدريب الخيول وتربطه علاقات شخصية برئيس الوزراء ديفيد كاميرون منذ أيام الدراسة في كلية ايتون الشهيرة، حاول إخفاء جهاز كومبيوتر (لاب توب) خلف صندوق القمامة في مرأب السيارات التابع للبناية التي يعيش فيها مع ريبيكا بروكس في غرب لندن. هذه الأغراض تركها بروكس إلى طاقم من المساعدين لزوجته في العمل من أجل الاحتفاظ بها. لكن بعد أن انتهت الشرطة من تفتيش الشقة أعاد الفريق المواد إلى مكانها في المرأب، إلا أن العاملين في قسم التنظيف في العمارة وجدوا جهاز الكومبيوتر والأغراض الأخرى قبل أن يجري استرجاعها من قبل شالي بروكس. لكن ينفي الزوج والزوجة التهم والتآمر لعرقلة سير العدالة، وإخفاء أدلة عن مفتشي الشرطة. لكن الصور التي عرضت في المحكمة تبين بوضوح ما كان يقوم به الزوج تشارلي يوم 17 يوليو 2011. وخلال هذا الوقت كانت ريبيكا بروكس في طريقها لمحطة الشرطة بعد قرار اعتقالها، أي بعد أيام من استقالتها من رئاسة نيوز إنترناشيونال.

يوم الثلاثاء الماضي شاهدت لجنة المحلفين صورا لمارك هانا رئيس قسم جهاز الأمن في نيوز إنترناشيونال، الذي وصل إلى المرأب لأخذ جهاز الكومبيوتر من المرأب. وقد أظهرت قوائم التليفونات الجوالة أنه كان على اتصال دائم مع تشارلي بروكس طيلة الفترة. وشوهد وهو يتجه إلى النقطة نفسها ومعه الأغراض التي تركها تشارلي في المكان نفسه. وينفي هانا التهم الموجهة إليه، أي التآمر لعرقلة سير العدالة.

وكان قد تبين خلال المحاكمة أن إحدى الصحف تمكنت من اختراق هاتف كيت ميدلتون دوقة كمبردج وزوجة الأمير ويليام نجل ولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز، التي كانت صديقته آنذاك. وكشفت المحكمة أيضا عن أن هاتف الأمير هاري شقيق الأمير ويليام تعرض للقرصنة، حيث تلا ممثل الادعاء أندرو أديس رسالة تلقاها الأمير هاري من رجل غير معروف، حيث غير المتصل من نبرة صوته وتظاهر بأنه صديقة الأمير هاري آنذاك تشيلسي ديفي. وقال المتصل الذي أفادت وكالات الأنباء بأنه كان الأمير ويليام مازحا مع شقيقه: «مرحبا، أنا تشيلسي.. أريد فقط أن أخبرك أنني أفتقدك كثيرا وأعتقد أنك أفضل رجل شعره بني اللون رأيته في حياتي».

وفي بداية المحكمة تبين أن بروكس كانت على علاقة عاطفية مع آندي كولسون. محامي الدفاع بدأ في مداخلته في اليوم الأول تسليط الضوء على رسالة تعود إلى عام 2004 تظهر العلاقة التي تجمع المتهمين الرئيسين، اللذين تربعا على عرش أهم وأكثر الصحف الشعبية في العالم. وحاول التركيز في كلمته قائلا إن هناك ثقة متبادلة بين الاثنين ولهذا فإن «ما كانت تعرفه بروكس عرفه كولسون أيضا والعكس صحيح»، وأن اعترافات سابقة بالتنصت لأشخاص عملوا مراسلين ومحررين وخبراء في التنصت، بعضهم حكم عليهم بالسجن سابقا، يبين أنه من المستحيل أن يقوم الأربعة بهذه الأعمال التي كلفت الصحيفة مئات الآلاف من الجنيهات من دون علم رؤساء التحرير، أي ريبيكا بروكس وآندي كولسون.

وقال المدعي العام آندرو إيديس للمحكمة إن الصحيفة دفعت للمحقق الخاص غلين مولكير من أجل التنصت على الهواتف بالإضافة إلى مشاركة كل من كليف غودمان مراسل الشؤون الملكية وإيان إدموندسون رئيس قسم الأخبار في الصحيفة. وأضاف إيديس «أن النيابة تقول إنه من المهم أن يكون في بلد حر صحافة حرة، لكنها تقول أيضا إنه لا يحق للصحافيين انتهاك القانون الجنائي مثل أي شخص آخر».

قضية التنصت كلفت مجموعة ميردوخ الإعلامية ملايين الجنيهات من التعويضات للضحايا وجرت تسوية الكثير من القضايا مع المشاهير قبل أن تصل إلى المحاكم. ومنذ تلك الفضيحة قسم ميردوخ إمبراطوريته الإعلامية إلى قسمين، واحد للصحف وآخر للإعلام السمعي البصري. ويملك ميردوخ في بريطانيا صحفا مثل «الصن» الشعبية الواسعة الانتشار، وصحيفة «التايمز» الرصينة، وصحيفة «صنداي تايمز» الأسبوعية.

ومع اندلاع الفضيحة التي شغلت الرأي العام البريطاني قرر رئيس الوزراء تشكيل لجنة تحقيق يرأسها القاضي بريان ليفيسون، تنظر في أخلاقيات المهنة. اللجنة بعد سنة من المداولات والسماع للشهود والسياسيين قدمت توصياتها قبل عدة شهور. وما زالت الأحزاب السياسية تحاول إيجاد صيغة لتنظيم مهنة الصحافة المكتوبة دون المساس بحريتها. وقد اتفقت الأحزاب على ميثاق ملكي يضبط عملها، وهذا ما رفضته معظم المؤسسات الإعلامية، ولم يجر الاتفاق عليه بعد. وتعد الصحف الميثاق ضربة قاضية للصحافة في بريطانيا تضع حدا لحريتها التي دامت خلال 300 عام الماضية. وتحاول حاليا تقديم التماس للقضاء لإيقاف أي مشروع قرار يفرض عليها الالتزام بما يفرض عليها من خلال الميثاق الملكي.