هل سترسخ الصحافة الإلكترونية في الوسط الإعلامي أقدامها؟

وسط زيادة مساحة الإعلان والتصفح عبر الهواتف الجوالة

TT

كان رحيل عزرا كلين، مؤسس مدونة صحيفة «واشنطن بوست».. «ونك بلوغ» صاحبة الانتشار الواسع التابعة، وانتقاله إلى شركة «فوكس ميديا (Vox Media)»، الأسبوع الماضي أحد أبرز القضايا التي سيطرت على المشهد الإعلامي في الوقت الراهن، لأنه يرتبط بشكل مباشر بالقضية الخلافية بشأن ظهور الأخبار عبر شبكة الإنترنت. وعندما قررت كتابة مقالي بخصوص ذلك الموضوع، قال لي رئيس التحرير: «أرجو ألا تشرح الإنترنت للقراء يا ديفيد».

وبعد نشر المقال على الموقع الإلكتروني للصحيفة، تلقيت آراء مجموعة من الكتاب والمحررين الذين قاموا بوضع نظام اقتصادي متميز للأخبار كان من بينهم الكثير من الأسماء الكبيرة المشهورة. وتسبب هذا الموضوع في إثارة ردود فعل متنوعة ما بين الشعور بـ«الاستغراب» أو الدعم القوي، بيد أن السؤال المطروح بقي كما هو: هل ستكون الصحافة الإلكترونية مجرد فقاعة أم أنها محاولة للحصول على المال أو السلطة؟ كانت الآراء كثيرة، بيد أن مساحة النشر محدودة، ولذلك فقد يكون هناك فائدة أكبر للتعمق بشأن هذا الأمر.

كانت الهجرة السريعة لرؤوس الأموال، فضلا عن تزايد الاهتمام بالتغطية الإخبارية والتحليل، أمرا غريبا في أغلب فترات الازدهار التكنولوجي. لكن هل أنشئت شركة ضخمة بغرض الاستمرار أم أنها محاولات متكررة من رجال الأعمال والمستثمرين للاستفادة من حركة الأموال السريعة والمتحررة بشكل مفاجئ؟

لعل أبرز الأمثلة على ذلك الارتفاع المفاجئ الذي حققته مجلة «فايس ميديا (Vice Media)» والذي كان أحد الأسباب التي أدت إلى حالة من الدهشة، فقد باعت مجلة فايس - التي ظهرت في عام 1994 كمجلة إباحية أسسها شابان من مونتريال - خمسة في المائة من أسهمها في شهر أغسطس (آب) إلى شركة «فوكس (21st Century Fox)» مقابل 70 مليون دولار أميركي. لترفع قيمة الشركة، التي تقدم الكثير من الأخبار والترفيه ولها تعاقدات مع شركة «إتش بي أو»، ناهيك بنشاط تجاري متزايد للفيديوهات عبر الإنترنت، ووكالة الإعلانية، إلى 1.4 مليار دولار أميركي، بحسب «نيويورك تايمز».

والآن يرغب الجميع في أن يكونوا مثل «فايس» أو التشبه بها. وكان فيري شين سميث، مؤسس «فايس»، يتوقع أن تصبح «فايس» مثل «سي إن إن» في المستقبل، وهو ما بدا أمرا مثيرا للضحك في حينه، لكن قيمة الشركة التي فاقت في الوقت الراهن، صفقة بيع صحيفة «واشنطن بوست» في الفترة الأخيرة بمقدار خمسة أضعاف يجعل الأمر قابلا للتصديق.

عمل مايكل موريتز في مجال الإعلام في مجلة «تايم»، ويشغل الآن منصب رئيس مجلس إدارة شركة «سكويا كاپيتال (Sequoia Capital)، وهي شركة لرأس المال المخاطر.

ويقول موريتز: «هناك تغيير يحدث بسرعة شديدة أكثر من أي وقت مضى». وكانت جميع الجرائد التي تصدر صباحا وبعد الظهيرة والتلفزيون والعروض الإخبارية لشبكات العمل التي تعمل بالأسلاك والمجلات الشهرية والأسبوعية تتصدر المشهد في فترات كثيرة. بيد أن الذي يسيطر على المشهد هذه الأيام هو البيانات الإخبارية الموجزة بشكل أكثر من ذي قبل بسبب حركة التكنولوجيا التي تسارعت وتيرتها للغاية».

ويقول جيمس ديل، الذي يشغل منصب المدير التنفيذي للوكالة الإعلانية داخل مؤسسة غاوكر «Gawker»، أنه يعتبر الصحافة الإلكترونية بمثابة أنشطة تجارية حقيقة لكنها في الوقت ذاته فقاعات أيضا.

وأضاف ديل أن «وادي السيليكون يستخدم في كثير من عمليات تصل أرباحها إلى مليارات، فيما بدأت عملية إنفاق المليارات بغرض الاستحواذ لتدخل في صدام مع المشهد الإعلامي. بيد أنه لم يثبت أن الإنفاق على هذه الأنشطة سيكون مجديا».

وطبقا لما أوضحته صحيفة «وول ستريت جورنال»، فقد تنمو الحركة الرقمية الإلكترونية، رغم انخفاض معدلات الإعلان المدفوعة نتيجة المنافسة بين كثير من المواقع المختلفة. وعندما ذكرت هذه الظاهرة لديل وجيم بانكوف بمؤسسة «وكس (Vox)» قال كلا منهما إن الأسعار كانت في تناقص للإعلان عن السلع، ولكنهما أصرا على أن الإعلان المصمم حسب الطلب على المواقع من خلال وجود محتوى تحريري جيد كان بالفعل من الأنشطة التجارية القوية التي زاد هامش ربحها بشكل كبير.

وفي السياق ذاته، يقول كيفين ريان، أحد مؤسسي موقع «بيزنس إنسايدر (Business Insider)، أن الموقع كان يشهد زيادة في عائدات كل الصفحات على مدار تسعة أرباع سنوية متتالية. وقال لي ريان: «هذه ليست فقاعة، فهناك اتجاهات علمانية تدعمها - مثل زيادة مساحة الإعلان وزيادة التصفح عبر الهواتف الجوالة - بما يشير إلى أن الشركات الإعلامية الكبيرة المستقبلة بدأت تظهر أمام أعيننا الآن».

وفي موقع «ذا نيويورك»، قال جورج بيكر إن المستقبل المشرق الذي تخيله ريان يعول بشكل كبير على الضجة الإعلامية أكثر من التعويل على إحدى العناصر المهمة، ألا وهي كتابة التقارير.