«أوسكار» أفضل إضراب يذهب لكتاب التلفزيون في أميركا

تحركهم يتسبب بإلغاء احتفال «غولدن غلوبز» ويدمر نسب المشاهدة ويكلف لوس أنجليس 80 مليون دولار

يبقى مصير اقامة احتفال توزيع جوائز الاوسكار هذه السنة معلقا في حال استمر الاضراب («الشرق الأوسط»)
TT

يوم الاحد الماضي، خفتت الاضواء في المهرجان السنوي في هوليوود لتوزيع جوائز «غلوب» لأحسن افلام السنة الماضية. اين ذهبت الاضواء؟ اين ذهب الاحتفال، والتأنق، واللمعان؟ والحسناوات، والموضات، والابتسامات؟ في عصر اميركي اختفى فيه نفوذ نقابات العمال، وزاد نفوذ الشركات الرأسمالية، اثبتت نقابة كتاب المسلسلات التلفزيونية والافلام السينمائية (الاسم الرسمي: «اتحاد كتاب اميركا») انها قادرة على ان تهز هوليوود، واميركا، والعالم. وانها قادرة في التأثير على مهرجان «غلوب» السنوي. وربما ستؤثر، بعد شهر، في مهرجان «اوسكار» ،الاكثر شهرة، واهم نتيجة.

وكان متوقعا ما سيحدث يوم الاحد الماضي، وذلك لان النقابة قالت إن الاضراب الذي بدأ قبل اكثر من شهرين لن يستثني مهرجان «غلوب» ولا مهرجان «اوسكار». وفضل نجوم ونجمات هوليوود عدم حضور المهرجان على حضوره، واغضاب النقابة. وحتى اذا كانوا حضروا لإلقاء خطابات قبول الجوائز، ما كانت خطاباتهم ستكون مثل التي يكتبها المحترفون.

ولهذا، اضطر منظمو مهرجان «غلوب» لإعلان اسماء الفائزين عبر مؤتمر صحافي، والاستعانة ببرامج تلفزيونية اخبارية فنية مثل «اكسترا» و«انسايد ايديشن». وتحدث جورجي كامارا، رئيس نقابة مراسلي الاعلام الاجنبي في هوليوود (ظلت ترعى المهرجان السنوي منذ 65 سنة)، ليس من على خشبة مسرح المهرجان امام مئات من الممثلين والممثلات، ولكن في مؤتمر صحافي امام كاميرات برامج تلفزيونية اخبارية. واعتذر لما حصل. وقال، في تفاؤل منطقي: «سيكون مهرجان السنة المقبلة افضل». فقد حظي الحدث هذه السنة بنسبة مشاهدة صغيرة على شبكة «ان بي سي» لم تتجاوز 5.8 مليون شخص، مقارنة بـ 20 مليون مشاهد تابعوا الاحتفال الضخم الذي اقيم العام الماضي، بحسب ما ذكرت صحيفة «هيوستن كرونيكل». ما هو رأي نقابة المراسلين الصحافيين في اضراب نقابة كُتّاب المسلسلات والافلام؟ قالت جوليانا بانشيش، عضو النقابة: «نحن نؤيد الرفاق». وقالت ان تحدي الشركات العملاقة التي تنتج وتخرج الافلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية يحتاج الى شجاعة. وكأنها تذكر نفسها وزملاءها بذلك.

وخسرت منطقة لوس انجليس 80 مليون دولار كان سينفقها الممثلون والممثلات، والضيوف، والسياح على مصممي الازياء، ومصففي الشعور، وشركات الطعام، والشراب، وتأجير السيارات، والمربيات، وخادمات المنازل، بحسب ما ذكرت صحيفة «إيكونوميك تايمز» الاقتصادية. وبعيدا عن الغولدن غلوب والأوسكار، ظهر تأثير الاضراب جليا في حياة الأميركيين اليومية، فمثلا بسبب الاضراب المستمر منذ نحو شهرين، حرم الكثيرون من برامجهم المفضلة، مثل برامج الكوميديا الليلية كـ «تونايت شو» مع جاي لينو وبرنامج ديفيد ليترمان (اللذين يعتمدان بشدة على الكتاب المبدعين في كتابة النكت والمواقف الساخرة)، وهما اللذان عادا قبل ايام... وفيما استطاع ليترمان الوصول الى اتفاق مع كتاب برنامجه وعاد بحلقة قوية الأسبوع الماضي استضاف فيها مرشحة الحزب الديمقراطي الرئاسية، هيلاري كلينتون، أما جاي لينو، فقد قرر اختبار مهارته الشخصية في الكتابة، الأمر الذي اثار الكثير من الاعتراضات، ونقلت وكالة «أ.ب» عنه قوله «عدت الى ما كنت افعله في بداياتي، وبت اوقظ زوجتي في منتصف الليل لأسألها إن كان ما كتبته مضحكا». لكن إلى متى سيستمر لينو في كتابة نصوصه الساخرة بنفسه، سيما ان الاضراب تجاوز الشهرين؟ ففي يوم 5-11-2007، بدأ الاضراب الذي اشترك فيه 12.000 كاتب وكاتبة مسرحيات، ومسلسلات، وافلام سينمائية. ولم يصدق «تحالف منتجي الافلام والتلفزيونات» ان يقدر النقابيون على هز هوليوود. ولكن ذلك ما حدث.

وانتصرت النقابة على التحالف هذا ليس تحالفا عسكريا، لكنه، حسب اهميته وتأثيره في صناعة الترفيه في اميركا وفي العالم، ربما اهم. تشترك فيه شركات عملاقة مثل: «فوكس» و«متروغولدين ماير» و«سي بي اس» و«ان بي سي» و«سوني للترفيه» و«وورنر» و«وولت ديزني» (التي تضم شبكة تلفزيون «اي بي سي»).

وفي الاسبوع الماضي، دخل الاضراب اسبوعه الحادي عشر. ويبدو انه سيسجل رقما قياسيا على اضراب مماثل سنة 1988. الذي استمر اثنين وعشرين اسبوعا. وكلف شركات السينما والتلفزيون والعاملين فيها اكثر من خمسمائة مليون دولار. حتى الآن، كلف الاضراب الحالي هذه الشركات والعاملين فيها اكثر من مليار دولار (رواتب، ومصروفات، وخدمات، وارباح، واستثمارات).

ولا تبدو في الافق آمال نهاية الاضراب الحالي. بل يزيد الجانبان حدة الحرب النفسية. اخيرا قال نيك كاونتر، رئيس وفد «التحالف» في المفاوضات مع «النقابة»: «كيف نتفاوض وهم يصوبون مسدساتهم نحو رؤوسنا. لا يفعل ذلك الا الاغبياء». وقال باتريك فيرون، رئيس النقابة: «افشلنا مهرجان غلوب، وسنفشل مهرجان اوسكار». كل ثلاث سنوات، كانت العلاقات تتأزم بين «التحالف» و«النقابة»، وذلك كلما يأتي موسم التوقيع على اتفاقية التعاون بين الجانبين. لكن توترت العلاقات هذه المرة، ووصلت حد القطيعة، ثم الاضراب. والسبب هو ما يسمى «الاعلام الرقمي»، مثل المسلسلات التلفزيونية الرقمية، وتسجيلات الفيديو، وفيديو الانترنت. طلبت النقابة دفع نسبة اضافية لكتاب المسرحيات والمسلسلات والافلام مع زيادة توزيع انتاجهم. وذلك لأن الشركات صارت تربح ارباحا اضافية كلما، مثلا، تحول المسلسل التلفزيوني من التلفزيون الى الفيديو، ومن الفيديو الى الانترنت.

اضراب سنة 1988 كان بسبب طلب ارباح اضافية مع ظهور شرائط الفيديو. واضراب هذه المرة طلب ارباحا اضافية مع ظهور «الرقميات»: اقراص الفيديو (دي في دي)، والانترنت. ثم بدأت، اخيرا، شركات السينما والتلفزيون تعرض بعض افلامها ومسلسلاتها في الانترنت. المطالب الحالية تتلخص في اضافة ثمانية سنتات (اقل من عشرة في المائة من الدولار) الى كل قرص فيديو (دي في دي) لصالح الكتاب والكاتبات. وكانت النسبة اربعة سنتات. ورغم ان الزيادة المطلوبة هي مائة في المائة بالمقارنة مع النسبة القديمة، تقول النقابة انها لا تزيد على نسبة عشرة في المائة من اجمالي ارباح الشركات.

في الجانب الآخر، تقول الشركات (التحالف) ان نسبة ارباحها قلت خلال السنوات الاخيرة بسبب زيادة تكاليف الانتاج، وارتفاع الرواتب، وزيادة تكاليف البنزين، والسفر، والتنقل.

ولا يبدو ان هذه المشكلة سوف تقل في المستقبل، وذلك بسبب ظهور مزيد من الاختراعات الرقمية. اخيرا، صار «الاعلام الرقمي» يشمل، بالاضافة الى الانترنت واقراص الفيديو، التليفونات الرقمية التي تستقبل اجزاء من مسلسلات تلفزيونية وافلاما سينمائية، ويشمل تحول الانترنت الى سوق لبيع وتأجير هذه المسلسلات والافلام. (بعد ان كان الناس يذهبون الى محلات تأجير الافلام، صارت بعض هذه المحلات تريحهم من عناء ذلك، وتؤجر لهم الافلام في مواقعها في الانترنت).

خلال الاسبوع الماضي، اعلنت خمس من شركات «التحالف» ما يشبه الهزيمة. اعلنت انها سوف تفصل عددا من المنتجين، والمديرين، والمخرجين، والكتاب. اعلنت ذلك شركات: «فوكس» و«يونيفيرسال» و«اي بي سي» و«وارنر» و«سي بي اس». وقالت انها لن تقدر على الاستمرار في دفع رواتب لهم، وفوائد خلال الخدمة، وفوائد ما بعد الخدمة. تشمل قائمة الذين سيفصلون هيو جاكمان، من كبار منتجي «سي بي اس»، وكان يستعد لبداية انتاج مسلسل جديد. واعلنت شركة «اي بي سي» الغاء ثلاثين عقدا لانتاج افلام ومسلسلات جديدة. والغت الشركات الاخرى عقودا اقل عددا. ورغم ان الالغاء يزيد السحب القاتمة فوق هوليوود، لكنه يحمي هذه الشركات من مزيد من الخسائر في المستقبل، لانه يوفر مصروفات تبلغ عشرات الملايين من الدولارات.

ومن المفارقات ان هذه الشركات ستفصل كتابا وكاتبات اعضاء في نقابة كتاب اميركا. وكأنها تقول لهم ان اضرابهم هو سبب فصلهم.

ومن المفارقات ان تعلن قرارات الفصل هذه في يناير، لانه شهر انتاج افلام ومسلسلات للخريف. لكن، كيف ينتج اي شيء، والاضراب يؤثر في كل شيء؟ ومن المفارقات ان نقابة الكتاب والكاتبات لجأت الى نفس «الاعلام الرقمي» (سبب كل هذه المشاكل ) لنشر آرائها ومواقفها. لجأت الى مواقع في الانترنت مثل «يوتيوب». ووزعت افلاما قصيرة تصور مذيعين في قنوات تلفزيونية يريدون القاء نشرة الاخبار (لكنهم لن يقدروا بسبب الاضراب). وتصور مسلسلات تلفزيونية تعود احداثها الى الوراء، بدلا من التقدم نحو الامام (بسبب الاضراب). وتصور حلقة فكاهية لبرنامج مقابلات ليلي، مثل «تونايت شو»، يشرف عليه قادة النقابة، بدلا عن صاحب البرنامج (بسبب الاضراب).

وبرهن قادة النقابة انهم نقابيون حقيقيون بتسيير مظاهرات في لوس انجليس. مثل التي شهدها، اخيرا، وليام بوث، مراسل جريدة «واشنطن بوست» في لوس انجليس. كتب: «حمل دان غاريت، الذي يشترك في كتابة مسلسل «فاميلي غاي» (ولد العائلة) لافتة مكتوبا عليها باليد: «سيكون النصر حليفي». وحمل توم موريلو، الذي يشترك في كتابة مسلسل «ذا ماشين» (الماكينة)، لافتة مكتوبا عليها باليد: «انا اكتب، لهذا انا موجود».

واضاف الصحافي في وصفه: «كان هناك آلاف من امثالهما. وتطوع بعضهم لكتابة لافتات باليد (لم تكن هناك لافتات صناعية، مطبوعة مسبقا). وتطوع بعضهم لتوزيع القهوة والعوامات. وتطوع بعضهم لمساعدة الكبار في السن، ومنهم من ظل يكتب مسلسلات وسيناريوهات منذ ان ظهر التلفزيون قبل اكثر من نصف قرن. ولم يحمل متظاهر لافتة، لكنه حمل قلما عملاقا. وحمل آخرون اقلاما ومحابر واوراقا، رموز ربما اهم مهنة في التاريخ: الكتابة».

واضاف الصحافي في وصفه: «بينما كان آلاف النقابيين يتظاهرون في «فوكس بلازا»، كان رؤساء ومديرو شركات الاخراج والانتاج في الطوابق العليا في عمارات افنيو «اوف ذا ستارز» (شارع النجوم) ينظرون اليهم من نوافذ مكاتبهم».