المستشار الإعلامي أدريان مونك: إما القبول بواقع الإعلام الجديد أو دفن الرأس في الرمال

يدرب على التعامل مع الصحافة باستخدام خدمة «غوغل إيرث» ومسلسل «ذا ويست وينغ» الدرامي

TT

يولي رئيس قسم الصحافة والنشر في جامعة «سيتي» اللندنية، أدريان مونك، اهتماما كبيرا بمنطقة الشرق الأوسط، ويرى أن الإعلام العربي هو في الواقع أفضل بكثير من الانطباع السائد عنه، معتبرا ان هناك مجالا كبيرا لتطويره للأفضل... وبخلاف الأكاديميين التقليديين، فإن مونك لا يكتفي بالكلام، فهو نشط وملم بما يجري في ساحة الإعلام العربي، وقد عمل مستشارا لمشاريع وحكومات عربية عدة فيما يخص مجال الاعلام، وهو يتحضر للمزيد منها، تحديدا في البحرين والسعودية. وللوقوف عند تجربة مونك، واسلوبه اللافت في التدريب على التعامل مع الصحافيين، التقت «الشرق الأوسط» به في مقر عمله بجامعة «سيتي» في لندن، وفيما يلي نص الحوار:

* فلنبدأ بالعودة الى عملك الميداني، كيف تلخص تجربتك الصحافية؟ - لقد بدأت مع أخبار شبكة «سي بي اس» (الأميركية) في عام 1987 كمتدرب في مكتبهم اللندني، وحصلت على وظيفة مباشرة بعد تخرجي من «اوكسفورد» عام 1988، وكانت «لوكوربي» أول قصة كبيرة لي، ومن ثم توالت الأحداث فكانت حرب الخليج على الأبواب، وفي لبنان كانت هناك قضايا رهائن لم تحل، الاتحاد السوفيتي كان قد بدأ بالانهيار، لقد كانت تلك فترة ممتازة للبدء في العمل بالصحافة الدولية، سافرنا كثيرا وقمنا بالعديد من القصص، لقد أمضيت 4 سنوات هناك. قبل أن أنتقل للعمل في برنامج «الأخبار عند العاشرة» الذي كان أحد أهم برامج الأخبار المسائية في بريطانيا، وقد عاد للتو بعد توقف دام طويلا على قناة «أي تي في»، ومعهم قمت بالكثير من الأمور ولكن على مستوى أعلى. وفي 1996 بدأت مع أخبار القناة الخامسة، وكانت في ذلك الوقت تعتبر خروجا عن طريقة تقديم الأخبار التقليدية، فكانت تعد من قبل فريق اكثر شبابا، وتحاول الوصول بالأخبار الى مشاهدين أصغر سنا، فمثلا جعلنا المذيع يقدم واقفا اضافة الى الكثير من الامور التي باتت معتمدة اليوم حول العالم في أخبار التلفزيون كاستخدام الغرافيكس و«تفكيك» التقارير الإخبارية، وبقيت معهم الى عام 2004 عندما انضممت الى «سكاي نيوز» لفترة قصيرة، ومن ثم جاءت فرصة ادارة كلية الصحافة والنشر في جامعة «سيتي» اللندنية، وتحمست لها سيما وانني كنت ألعب دورا ارشاديا للصحافيين الجدد خلال عملي في القناة الخامسة، وكنت قد وجدت في ذلك متعة، لذلك وافقت وانا ادير اليوم احدى اكبر كليات الصحافة في المملكة المتحدة.

* لا بد ان الانتقال من العمل الصحافي الفعلي الى مجرد تدريسه هو أمر صعب بسبب «لعنة» هذه المهنة التي تمنع محبها من أن يتركها، كيف تتعامل مع حنينك الى المراسلة عندما يكون هناك حدث كبير؟ - (ضاحكا) حسنا، أنا اقول للكثيرين انني اشعر مثل الممثل راي ليوتا في نهاية فيلم «غودفيلوز» (1990 – من إخراج مارتن سكورسيزي) عندما تاب من عمل المافيا طوال حياته، وفي النهاية قرر ان يتحول الى شخص عادي ويندرج تحت برنامج حماية الشهود، ويقول «كنت رجل عصابات، أما الآن فأنا صعلوك»، وفي أحيان أشعر أنني غير حقيقي لأني بت أتحدث عن الصحافة ولا أمارسها، ولكن من جهة ثانية لا شك انه من الممتع مساعدة الآخرين، ونقل التجربة اليهم، والاستمرار في تعلم الأمور حول هذه المهنة، فأنا هنا اراقب التوجهات الجديدة وأتعلم قضايا لم أكن أعرفها سابقا، والتعرف الى أناس جدد كذلك.

* ماذا عن عملك كاستشاري إعلام؟ - حسنا، من ضمن أول المشاريع التي عملت بها هي المساعدة في إطلاق قناة «الراي» بالكويت، وذلك كان مشوقا، ربما لأنها كانت أول مرة بالنسبة لي أرى فيها كيف تعمل صحيفة عربية كبرى، دهشت لأرى كيف أن الانطباع الذي لدى الكثيرين حول الصحافة العربية ليس دقيقا بأنها ضعيفة للغاية، وممولة حكوميا بالكامل، فقد عدت بانطباعات مختلفة وأحسست ان لديهم الكثيرين ليعلموني بأحوال الصحافة في الشرق الأوسط.

* هناك اتفاقية تعاون بين البحرين وجامعة «سيتي»، أليس كذلك؟ - لدينا علاقة مفيدة مع وزارة الإعلام في البحرين، وقد استمتعنا بعلاقة جيدة معهم، وقد تحدثنا عن مشاريع مشتركة ننفذها معا. وفي العام الماضي، قبل الانتخابات، ذهبنا الى هناك لنرى كيف يمكن تطوير التغطية والعمل مع بعض الناس هناك حول أفكار متعلقة بهذا السياق، ومنها كيف يمكن العمل مع الاعلام الدولي من دون القلق بشكل مستمر حول ما الذي سيقولونه عنك، وأحد الأمور التي أسعى لشرحها في المنطقة هو أن الاعلام لم يعد محليا بفضل الفضائيات والانترنت التي غيرت طريقة عملنا بشكل كبير، وبالتالي، فعليك اما القبول بذلك والتعامل معه، أو دفن رأسك في الرمال مع التمني بأن لا تتم ملاحظتك، وهو أمر لن يعمل على الأرجح. أما كيف تتعامل مع هذا الواقع الجديد، فعليك أن تقبل بأن الاختلاف في وجهات النظر والانتقاد هما حقيقة ستواجهها، وفهم كيف يمكن ادارة ذلك، لأن ادارته بشكل ايجابي ممكن.

* حسنا، لديك اساليب غير تقليدية تستخدمها في عملك كمستشار للشؤون الاعلامية، مثل برنامج «غوغل إيرث» والمسلسل التلفزيوني الأميركي «ذا ويست وينغ» (1999 – 2006)، فكيف تسخر مثل هذه الأدوات لعملك؟ - أحيانا يجب على الناس أن يروا ماذا يجري حولهم، فمثلا اذا كنت في منصب حكومي او اداري مهم، فإن ابقاءك على وظيفتك وأداءك لمهامك يستهلكان كل وقتك، وسيبقيانك مشغولا ولن يمنحاك فرصة لمعرفة ماذا يدور في أروقة موقع «فيس بوك» مثلا او غيره من منصات «الإعلام الاجتماعي» Social Media مما قد يؤثر مباشرة في مجال عملك او حكومتك. لذلك، أحاول أن أشرح مثلا ماذا يمكن لبرنامج مثل «غوغل إيرث» أن يريك عن البلد الذي تعيش فيه. فمثلا في البحرين، هناك منطقة لا يمكن الوصول اليها، وأحدهم استخدم برنامج «غوغل ايرث» ليظهر ان ما بدا على انه قاعدة عسكرية هو حقيقة مجمع سكني، وبالنسبة للبحرين يمكنك حجب الخدمة عن الناس، لكن البحرينيين يسافرون إلى الخارج بطبيعة الحال وسيتمكنون من رؤية الأمر في النهاية. ولأعطي مثالا آخر عن البحرين، اذا دخلت لموقع «فليكر» الخاص بالصور، فستجد الكثير من الصور عن سباق الفورميلا واحد الشهير في ذلك البلد، وهذا غير انطباع الكثيرين عن البحرين بشكل ايجابي، ولكن من جهة ثانية، فستجد على نفس الموقع صورا لمظاهرات واخرى تدعي اعتداء الشرطة على أشخاص، فإذا جميع انواع الصور يمكن ان تظهر على هذا الموقع، وكلها تحكي أحداثاً معينة عن البلد الذي تتحدث عنه، وعلى كل حكومة أن يكون لديها جواب حول هذه القصص، وأفضل الاجابات هي الصريحة والشفافة، وليس الأعذار ولا الدفاع. وما احاول قوله هو انه على الحكومات ان تستوعب هذا الأمر كواقع، وتعد نفسها للتعامل معه بالمعايير التي باتت معتمدة عالميا، وهذا بالمناسبة ينطبق على المملكة المتحدة كذلك، فهي متأخرة مثلا في بعض قضايا حقوق الانسان واعلامها يحاسبها بشدة. كذلك، استخدم مسلسلات مثل «ويست وينغ» ونماذج من الحملات الاعلانية لمرشحي الرئاسة الأميركية لأوضح كيف يتم الانتقاد والرد عليه، وانطباعي ان الكثيرين في الشرق الأوسط يصدمون، عندما يرون ما يبث في هذه الإعلانات السياسية من انتقادات لاذعة ومسيئة يتوجه بها المرشحون لبعضهم البعض، وعلى الرغم من ذلك تتمكن أميركا من القيام بعملها، وعلى الرغم من انها عبارة عن مجتمع منقسم للغاية بين الديمقراطيين والجمهوريين، فإنها تبدو موحدة للخارج بمواصفات معينة. ما يقوله لك ذلك هو انه يمكن ان يكون لديك ثقافة إعلام شرس، ولكن في الوقت نفسه بلد متماسك وقوي.

* وما هي انطباعاتك عن الإعلام العربي حاليا؟ - حسنا، قيام دبي بايقاف بث قنوات باكستانية أخيرا يعد خطوة للوراء، لأن ذلك أرسل رسالة للخارج، مفادها انه بالرغم من السمعة الليبرالية التي تصبغ دبي، فإن هذه الليبرالية موجودة بموجب إذن، وليس التقليد او القانون، لأنه عندما تقرر الحكومة فعل شيء فهي تنفذه، وهذا بالنسبة لي خطوة للوراء بالنسبة للمنطقة، لأنها كانت فرصة جيدة للناس أن يقولوا «نحن لا نتحكم بالناس في مدينة دبي للاعلام».

* قرأت لك مقالا مشابها حول رأيك في قناة الجزيرة الانجليزية، أليس كذلك؟ - رأيي انه بالنظر الى الكثير من وسائل الاعلام العربية ذات البعد الاقليمي وليس المحلي، فإن هذا التوجه يعد مريحا لأنك ببساطة تستطيع القول لن ننظر الى قضايا البلد الذي نبث منه، حتما ان ذلك أسهل بكثير، تخيل لو أنني أجلس هنا في المملكة المتحدة لأحاكم غيري في بلدان أخرى دون أن أنظر الى ما يجري في بلدي من قضايا اجتماعية او حقوق انسان. ورأيي ان الاعلام العربي الاقليمي والدولي مذنب في هذا السياق كما هو الحال مع كافة وسائل الاعلام الدولية التي لا تبحث عن المشاكل في حديقتها الخلفية الخاصة بها. والمقصود هنا ليس البحث عن المشاكل لغرض البحث عنها وحسب، ولكن لتحسين المجتمع الذي نعيش فيه، عندما لا تقوم بهذا العمل في حديقتك الخلفية فهناك مشكلة، أنا مثلا من أكبر منتقدي هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) لكن لا يمكن أن أنكر انها تحدت الحكومة بخصوص ملفات عدة من بينها العراق، وعلى أي شخص يريد ان ينتقدها ان يعترف انها على الأقل لم تستح بخصوص الكثير من القضايا وطرحت الأسئلة الصعبة على الحكومة.

* ما مشكلتك مع الـ «بي بي سي» إذا؟ - أنا لست مع «رسم الرخصة» (الضريبة التي يدفعها المقيمون في بريطانيا لقاء امتلاكهم لتلفزيون ويذهب دخلها لتمويل الهيئة البريطانية)، فهي «ضريبة من دون تمثيل»، لأنني أعتقد انك اذا كنت ستفرض رسوما على الناس، فعليك ان تمنحهم صوتا، وهو ما لا تفعله البي بي سي، فالمسألة هي إما أن تقبل الأمر كما هو أو أن تتركه برمته.

* اعتقدت ان الأمر متعلق بكتابك الجديد «هل يمكنك الوثوق بالاعلام»، وبالمناسبة هل يمكنك الوثوق بالاعلام؟ - لا، فالإعلام بمفهومه التقليدي لم يعد كافيا اليوم. في الأيام الخوالي، كان يمكنك الاعتماد على جريدتك المحلية لفهم ما يدور حولك، وكانت هذه الوسائل تؤدي عملا جيدا لما كان يعد قصصا كبيرة في ذلك الوقت كحريق في بنك محلي او ما شابه. أما اليوم، فلا يمكنك العمل بهذه الطريقة، فالأمور متداخلة ببعضها، ولم يعد هناك قصة محلية بالمفهوم القديم، ولم تعد وسائل الاعلام التقليدي كافية لاعطاء صورة كاملة عما يدور حولك، والمشكلة انه حتى الاعلام الجديد، الانترنت، ليس جاهزا بعد لتلبية حاجات الناس المعلوماتية.

* سيرة ذاتية

* أدريان مونك

* بروفسور وكاتب في شؤون الإعلام، يرأس حاليا قسم الصحافة والنشر في جامعة «سيتي» بلندن، ويعمل كذلك في مجال الاستشارات الاعلامية. عمل بين عامي 1988 و1992 في قسم الأخبار بشبكة «سي بي اس» الأميركية، وفي اخبار قناة «أي تي في» بين عامي 1992 و1996 وفي أخبار القناة الخامسة بين عامي 1996 و 2004، وفي «سكاي نيوز» عام 2005. اعد تقارير من مناطق مختلفة، من بينها ايرلندا الشمالية، البوسنة، روسيا، أميركا، الهند، اوروبا الشرقية، والشرق الأوسط. في 14 فبراير عام 1989 كان أول من نقل قصة الفتوى ضد الكاتب سلمان رشدي. حاصل على بكالوريوس في التاريخ الحديث من جامعة «اكسفورد»، وماجستير في ادارة الاعمال من «لندن بزنس سكول» (ال.بي.اس). له كتاب منشور عام 2004 هو «كرانش تايم»، وآخر ينشر في إبريل المقبل بعنوان «كان يو ترست ذا ميديا؟» (هل يمكنك الوثوق بالاعلام؟).