الصحافة الورقية .. بوابة العبور لـ«الشاشة الفضية» عربيا

خلافا لما هو سائد في الغرب من استقطاب الصحف للوجوه التلفزيونية

تعتمد كثير من برامج الفضائيات على مراجعة مقالات الصحافيين واستضافتهم
TT

فيما يبدو أنها ظاهرة عكسية لما يحدث في الغرب من استقطاب الصحافة المكتوبة لنجوم التلفزيون، باتت الصحافة الورقية في العالم العربي، وفي السعودية تحديدا، «بوابة» عبور لشاشات الفضائيات، والتي بدت ترى في الصحافة «رحما» ولودا لنجومها المستقبليين، في الوقت الذي تزخر فيه فضائيات عربية شهيرة بالعشرات من مقدمي البرامج، كانوا في الأصل أبطالا جماهيريين من خلال أعمدتهم، وتحقيقاتهم، وآرائهم، المنشورة في الصحافة المكتوبة.

ويسود اعتقاد كبير في الوسط الإعلامي العربي، ان الصحافة المكتوبة، هي أكبر وأكثر جرأة من الإعلام المرئي، وهو ما يدفع بالأخير لمحاولة الاستفادة من مشاهير الأولى، رغم أن الأمر قد يكون متعلقا كذلك بقدرات غير مكتشفة لدى الشخص، كما كان الحال مع الاعلامي عماد الدين أديب، مثلا، الذي عمل طويلا في مطبوعات الشركة السعودية للابحاث والنشر ، قبل ان يصبح نجما تلفزيونيا في شبكة اوربت.

إلا ان عبد الرحمن الراشد مدير قناة العربية، يقول لـ«الشرق الأوسط»: أرى أن الإعلام المكتوب له مميزات تمنحه حرية أكبر في الحركة من الإعلام المرئي.

ويعيد الراشد الأمر لعدة أسباب، منها؛ أن طرق الموضوعات في الإعلام المكتوب، يتسم بالشمولية، للجهد والوقت والتحقيق والتدقيق الذي يحاول الصحافي من خلاله الإلمام بكافة عناصر القصة الصحافية.

فيما أن الإعلام المرئي، والحديث للراشد، يحاول أن يختصر الموضوع بفترة زمنية قصيرة ربما ما بين (دقيقة ونصف الدقيقة إلى دقيقتين)، قد تدفعه للاستغناء عن كثير من العناصر المهمة في إعداد القصة الإخبارية.

عبد الرحمن الراشد كان أحد أهم من استعانت بهم الشاشة الفضية لإدارة برامج حوارية، باعتباره كان رئيسا لتحرير واحدة من أهم المطبوعات العربية، وهي صحيفة «الشرق الأوسط». وخاض الراشد الذي يدير دفة قناة العربية الفضائية الآن، تجربة التقديم التلفزيوني في عام 1997، من خلال برنامج يسمى «العين الثالثة» كان يبث عبر شاشة مركز تلفزيون الشرق الأوسط (ام بي سي). وعاد عبد الرحمن الراشد، الذي لا يزال على تواصل مع صحيفة «الشرق الأوسط» من خلال عمود يومي، لخوض تجربة التقديم التلفزيوني عبر شاشة المستقبل اللبنانية هذه المرة، من خلال برنامج حمل اسم «ساعة ضيافة». ولكن، «هل تكفي شهرة الكاتب أو الصحافي، كي تكفل نجاحه في التقديم التلفزيوني»؟.

عليا الكزبري مديرة العلاقات العامة في مؤسسة دبي للإعلام أكدت في إجابتها عن السؤال، أن الشهرة قد تقطع على الصحافي 60 في المائة من مشوار نجاحه في التقديم التلفزيوني. غير أن الـ40 في المائة المتبقية، والرأي لا يزال للكزبري، تعتمد على «الكاريزما».

وتؤكد عليا، التي تدير العلاقات العامة في مؤسسة «دبي للاعلام»، التي استعانت أخيرا بعدد من مشاهير الصحافة المكتوبة، خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط» بأنه ليس بالضرورة أن يكون النجاح حليف الصحافي الذي يخوض تجربة التقديم التلفزيوني. وتقول «هناك من نجح فعلا، وهنالك من لم ينجح في دوره الجديد».

وتقول عليا كزبري، ان الإعلام المكتوب «له دور كبير في اقناع الناس والجمهور»، معللة عمليات استقطاب الإعلام المرئي للصحافيين، لرغبة القنوات في الاستفادة من الثقة المتبادلة التي تولدت بين الصحافي وجمهوره، ونقلها إلى شاشات التلفزة.

وترتبط عمليات استقطاب الصحافيين المتميزين في مجال الكتابة الصحافية، بقوة لغة تعبيرهم، وحضورهم، وخلفياتهم المعرفية ذات العلاقة بالموضوعات المناقشة، وهو ما تؤكد عليه كزبري التي تقول ان نجاح الصحافي «يأتي لإلمامه بكثير من الموضوعات، وثقافته التي تكفل تسهيل مهمته أمام شاشة التلفاز».

ويلفت عبد الرحمن الراشد، النظر إلى أن الإعلام المرئي، يسعى دوما لاستقطاب كتاب الرأي المشتغلين في القضايا المجتمعية الصرفة.

ولعل من ابرز الأمثلة على ذلك، تجربة الصحافي الراحل جبران التويني في «ال بي سي» في برنامج خاص عن الانتخابات الرئاسية في التسعينات، والبرنامج السياسي الحالي على شاشة «المستقبل» الذي يدعى «الاستحقاق»، الذي يقدمه الصحافي علي حمادة. الساحة الإعلامية العربية، تزخر بالكثير من الأسماء التي انخرطت في التقديم التلفزيوني بعد أن حققت شهرة واسعة في الصحافة المكتوبة، ولعل حسين شبكشي الإعلامي السعودي، أحد الأمثلة التي اتجهت كذلك. وتشهد الساحة الإعلامية العربية، موجة عكسية خلاف الموجودة في العالم الغربي. حيث ان الأمر في وسائل الإعلام العربية، يقوم على استقطاب الصحافيين المشهورين، وإيكال مهمة تقديم البرامج التلفزيونية لهم، على عكس ما يحدث في الغرب، الذي يعمد على استكتاب المشاهير والنجوم في الصحف المقروءة.

ويرجع تركي الدخيل الإعلامي السعودي، الذي يقدم برنامج «إضاءات» على قناة العربية الإخبارية، هذا الأمر، للثقافة التلفزيونية في الغرب، والذي قال إنها «تبلورت بشكل واضح».

وقال الدخيل لـ«الشرق الأوسط»: «ان الوضع في العالم العربي لا بد أن يكون مختلفا بطبيعة الحال، فلم تتبلور ثقافة التلفزيون حتى الآن، فضلا عن أن أقدم قناة فضائية لا يتجاوز عمرها الـ16 عاما، وغالبية القنوات التي كانت تعمل في الماضي رسمية لا تحمل من التلفزيون إلا اسمه».

ومن وجهة نظر الدكتور عبد العزيز بن سلمة، متخصص سعودي في مجال الإعلام، ان انتقال الصحافيين إلى تقديم الأعمال التلفزيونية «أمر لا يخلو من عنصر المخاطرة».

وقال ابن سلمة لـ«الشرق الأوسط» مبررا وجهة نظره تلك: «ان الصحافي الذي ينتقل للعمل في وسائل الإعلام المرئية قد يحترق ويفقد وهجه ولا يستطيع أن يعود للكتابة مرة ثانية». ويضيف معللا مكمن الخطر في عملية الاستقطاب، «من الممكن ألا يستطيع الصحافي أن يعبر بالكلام، بمثل ما يعبر بالكتابة، وهذه النقطة لن تكون في صالحه بالتأكيد».

ويتفق تركي الدخيل، مع رؤى الدكتور ابن سلمة، حيث قال: «ليس كل صحافي يستطيع العمل في المجال المرئي، كما أنه ليس باستطاعة المذيع العمل كصحافي». مستدركا بالقول «لكن غالبية الصحافيين يستطيعون العمل في الإعلام المرئي».

ويستند الدخيل، الذي كان يعمل في كل من صحيفتي «الحياة» و«الشرق الأوسط»، قبل أن ينتقل إلى تقديم برنامج إذاعي على الـ «ام بي سي»، سرعان ما تحول إلى برنامج تلفزيوني متابع من الدرجة الأولى، يستند في تحيزه لمقدرة الصحافيين على العطاء في الإعلام المرئي على اعتبار«أن الصحافة المكتوبة عماد الإعلام كله».

وأضاف قائلا: «لا يمكن لأي وسيلة إعلامية أن تقوم إلا على صحافيين مهنيين. الخبر هو العصب الرئيس، وهو بنشأته كان مكتوبا كأقدم صور الإعلام الحالية».

ويشير تركي الدخيل، إلى أن الصحافي الجيد هو من «يستطيع أن يقتنص الخبر ويضع يده على المادة المتميزة. وهو بالتالي سيكون صالحا للعمل في أي وسيلة إعلامية سواء كانت مرئية أو مسموعة». وصمدت الصحافة المكتوبة التي بات يعتمد عليها كمصدر للمعلومات الخاصة بشكل كبير مع انتشار وسائل الإعلام المرئية، بوجه كل المحاولات التي سعت لإلغائها بشكل غير مباشر، بعد ظهور الإذاعة والتلفزيون والانترنت، وغيرها من مصادر المعلومات المعروفة. يقول تركي الدخيل: «لم تستطع أي وسيلة إعلامية إلغاء الأخرى، قد تكون أضعفتها نعم. لكن لم تلغها. والصحافة المكتوبة على مر الزمان، لم تندثر على الرغم من وجود مراهنات على اندثارها بعد خروج وسائل الإعلام الأخرى الأكثر تطورا».