المؤتمرات.. نشاط «منطقي» للشركات الإعلامية

إنجاحها يقوم على ركنين: الفكرة القوية والامتياز في التنفيذ.. وتشكل مصدرا إضافيا للدخل

جانب من ندوة دايت لاين دافوس التي أقامتها «سي إن إن» على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي («الشرق الأوسط»)
TT

من شاهد تغطية شبكة «سي. إن. إن» لمنتدى دافوس الذي انتهى الأسبوع الماضي، أو يتابع تغطيتها المتواصلة لتحضيرات الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية حاليا، لا بد ان يلحظ أمرا لافتا في برامجها... فبدلا من الاكتفاء بتغطية وتحليل الحدث، تعمل «سي ان ان» بموازاة ذلك على «صناعة» الحدث.

أما كيف تفعل هذا، فذلك عبر إقامة المؤتمرات والندوات التي تنظمها بنفسها، فتنقلب الآية من ملاحقة مراسليها للمسؤولين وصناع القرار والتسابق مع الإعلاميين الآخرين للحصول على تعليق، وأحيانا الاضطرار الى القبول بمشاركة المعلومات والتصاريح... إلى استضافتهم في ندوة مغلقة لا يتحدث فيها المسؤول سوى لـ «سي إن إن» نفسها، كما فعلت القناة يوم الأحد الماضي في ندوة «دايت لايت دافوس» التي قدمتها الإعلامية هالة كوراني، واستضافت فيها شخصيات بارزة مثل رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، وجيمس ديمون – رئيس مجلس إدارة شركة «جي بي مورغان تشايس اند كومباني».

والمفارقة هنا هي ان المسؤولين هم من سيسعون وراء الظهور في مثل هذا المؤتمر أو الفعالية، لأن قلة منهم فقط هم من سيقولون «لا» لنصف ساعة كاملة أو أكثر على شبكة اخبارية دولية بحجم «سي ان ان»، سيما وان مثل هذه الندوة قد تكون أكثر أهمية بالنسبة لهم من أي جلسات مغلقة في «دافوس» لأنها تعد فرصة ظهور لافتة. الحال نفسه ينطبق على ندوات الانتخابات الرئاسية التي تنظمها الشبكة الدولية في الولايات المتحدة، والتي عرفت بـ «نقاشات سي إن إن/ يو تيوب»، حيث تستضيف القناة مرشحي الرئاسة الأميركية مباشرة على الهواء وتعرض عليهم أسئلة من الشعب يرسلونها عبر ملفات الفيديو من خلال موقع «يو تيوب» على شبكة الانترنت. وفي كلتا الحالتين استطاعت الشبكة وضع نفسها على أجندة الأحداث، عن طريق إما إقامة حدث «مواز» للحدث، كما كان الحال في «دافوس»، أو إقامة حدث قائم بحد ذاته كندوات الرئاسة الأميركية. وبالنظر حول العالم، يستطيع أي مراقب للإعلام أن يدرك ان اقامة مثل هذه الندوات والمؤتمرات على اختلاف أشكالها وصيغها باتت أداة مفيدة في أيادي الشركات الإعلامية، مما استدعى تكوين أذرعة خاصة بتنظيم مثل هذه الفعاليات سواء أكان ذلك عن طريق خلق أقسام متخصصة داخل الشركات، أو تدشين شركات شقيقة متخصصة.

من جهتها تقول كلوديا كولز، نائب رئيس شبكة «سي إن إن» الدولية لشؤون العلاقات العامة في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لـ«الشرق الأوسط»، بأن إقامة مثل هذه الفعاليات لها منافع جمة. وتضيف «هي بداية وسيلة لتحسين تغطيتنا، والتواصل مع جمهورنا على الأرض»، موضحة أن سي إن إن تقيم مثل هذه النشاطات منذ بداياتها قبل 28 عاما لأنها «تخول القنوات الإخبارية التعمق في القضايا بشكل أكثر مما يمكن خلال التغطية العادية». وهنا يمكن إضافة أن «سي إن إن» تحصل على دخل إعلاني إضافي من خلال رعاية مثل هذه الفعاليات أو الإعلان فيها، كما أنها أحيانا «تؤجر» مذيعيها لتقديم ندوات أو مؤتمرات خارجية، مما يشكل كذلك مصدر دخل إضافيا، وتعود كلوديا كولز لتقول «بالنسبة للتكلفة الإعلانية فهي تختلف بحسب اختلاف البرنامج ومدته»، فيما تضيف بخصوص «تأجير» كوادر سي إن إن لفعاليات أخرى بأن هذا الأمر يتم مناقشته واتخاذ قرار بشأنه بعد دراسة كل حالة على حدة. وليست «سي. إن. إن» وحدها من يقوم بمثل هذه النشاطات، فخلال السنوات الأخيرة برزت قناة «العربية» من خلال فعاليات مماثلة. ويقول مدير التسويق في مجموعة «ام. بي. سي»، مازن حايك، إن مثل هذه الفعاليات تعد فرصة ممتازة للتعارف الاجتماعي وبناء العلاقات مع الجهات ذات الأهمية بالنسبة لمجموعة «ام. بي. سي»، سواء أكانوا معلنين أم مصادر معلومات أم مشاهدين. ويوضح مازن أن «ام. بي. سي» تقوم بذلك من خلال إما تنظيم فعالية قائمة بحد ذاتها، أو الدخول كشريك إعلامي كما كان الحال في مؤتمر «القادة في دبي» على سبيل المثال. ويضيف معلقا «الأساس في إنجاح أي مؤتمر ركنان مرتبطان ببعضهما البعض: فكرة قوية، وامتياز في التنفيذ». وتجتمع شبكة «سي إن إن» مع مجموعة «ام. بي. سي» في كون كل منهما لا يعتزم إنشاء شركة متخصصة في إدارة الفعاليات وإقامتها، ويوضح الحايك أن المجموعة لديها شركات خدمات خاصة تعمل على توفير معدات الصوت والصور وما إلى ذلك، لكنها في معظم الحالات تلجأ إلى شركات متخصصة لتصميم الفعالية. لكن الفعاليات ليست حكرا على هيئات البث التلفزيوني، فحتى الإعلام المطبوع له بصمة واضحة في هذا المجال، حيث تعمد أكبر الشركات في هذا المجال على إقامة مؤتمرات ومنتديات مماثلة، مثل مؤتمري «النفط والمال» و«الرفاهية» اللذين تنظمهما صحيفة «انترناشونال هيرالد تريبيون» الدولية سنويا، ولصحيفة العرب الدولية «الشرق الأوسط» كذلك خطوات في هذا الحقل كـ «المنتدى الاقتصادي السعودي- الإماراتي» الذي أقيم في الرياض في مايو 2007، وآخر عن العلاقات السعودية الأميركية أقيم في مايو 2005 في واشنطن. ومن المجموعات الإعلامية من أقام شركات متخصصة مستقلة مثلما فعلت مجموعة «ذا إيكونوميست» البريطانية.

من جهتها تقول بريندا هاغرتي، مديرة قسم المؤتمرات في صحيفة «انترناشونال هيرالد تريبيون» ان مثل هذه المؤتمرات تساهم كذلك في تقريب الصحيفة من الناس، وتضيف موضحة «مثلا في مؤتمر الرفاهية تشارك كاتبتنا الخبيرة بعالم الموضة والأزياء، سوزي منكيس، سنويا مما يعطي الناس فرصة التفاعل معها فيما قد لا يعرف عنها كثيرون سوى اسمها الذي يظهر في الجريدة». وتوضح هاغرتي أن «قسم المؤتمرات» يعد من «مراكز الربح» بالنسبة للهيرالد تريبيون، مفيدة بأن مصدر الدخل هو كل من بدل الرعاية الإعلانية بالإضافة إلى حجوزات المشاركة في الفعاليات. وتضيف في حديثها لـ«الشرق الأوسط» بأن قسمها المكون فقط من شخصين بدوام كامل وعشرات المتعاونين الذين يجلبون لتنظيم الفعاليات قبل اقامتها بفترة يدرس حاليا التوسع وإقامة المزيد من المؤتمرات لتضاف إلى مؤتمري «الرفاهية» الذي دخل عامه الثامن، و«النفط والمال» ذي الـ 28 عاما.