«منتدى الاقتصاد العالمي»: المفتاح لدى حراس البوابة ومسؤولي فريق الإعلام

تحديات تغطية صحافية في منتجع دافوس تعكس الفوارق بين النخبة والعامة

مينا العريبي («الشرق الأوسط»)
TT

لا يكفي حضور أي مؤتمر دولي، اذا كان «منتدى المستقبل» الذي يجمع وزراء خارجية الدول الصناعية الثماني والدول العربية مع ممثلي المجتمع المدني، او «مبادرة كلينتون العالمية» الذي يعقد سنوياً في نيويورك ويجمع المئات من الشخصيات من عالم السياسة والمال والاعلام، لمساعدة الصحافي على الاستعداد حقاً لتغطية «المنتدى الاقتصادي العالمي» الذي يعقد سنوياً في منتجع دافوس السويسري. فهذا المؤتمر تحديدا يبدو مختلفا، حجمه الكبير من حيث المشاركين وحجمه الصغير من حيث مساحة البلدة الصغيرة التي تجمع اشهر وابرز السياسيين ورجال وسيدات الاعمال بالاضافة الى فنانين واعلاميين من مختلف بقاع الارض.

وهناك اسباب لوجستية وعملية تجعل تغطية «منتدى الاقتصاد العالمي» مليئة بالتحديات التي لا تخطر عادة على بال الصحافي، بعضها متعلق بموقع المنتدى نفسه. فدافوس بلدة صغيرة مشهورة كونها أحد اشهر منتجعات التزلج في جبال «الألب» السويسرية، وفي شهر يناير (كانون الثاني) تكون البلدة مغطاة بالثلوج ودرجات الحرارة تكون منخفضة مما يستدعي ارتداء الملابس الملائمة لهذا الجو، بينما في الوقت نفسه يجب ارتداء ملابس مناسبة لحضور مؤتمر دولي يشارك فيه ملوك ورؤساء دول – فكان اكبر همومي مقابلة رئيس وزراء فلسطين سلام فياض وانا ما زلت مرتدية جزمة الثلج... غير الانيقة. وعلى الرغم من ان المنتدى يجهز غرفاً خاصة لحفظ الملابس الخارجية للمشاركين، مثل المعاطف أو جزمة الثلج، الا انه في اليومين الاولين من المنتدى رفض الموظفون في تلك الغرف اخذ امتعة الصحافيين. وكان على الصحافي ان يدخل قاعة المؤتمرات ويسير مطولاً حتى يصل الى المكان المخصص للصحافيين للتخلص من الملابس الخارجية من المعاطف وجزمة الثلج في غرفة صغيرة لم تجهز لاستقبال كل الصحافيين ولا يوجد من يشرف عليها لحماية الامتعة. ولكن بعد يومين من انتقادات الصحافيين، بات من الممكن وضع الامتعة في نفس غرفة «المشاركين» المرموقين.

وهذه كانت واحدة من الظواهر التي فرقت ما بين الصحافيين والمشاركين، فبينما يتمتع المشاركون بكل نوع من الترفيه والتعب على راحتهم، عادة ما لقي الصحافي معاملة هامشية واحياناً جافة. فعلى سبيل المثال، قصر مؤتمرات دافوس فيه اروع القاعات والغرف للمجتمعين وجلسات النقاش، الا ان الصحافيين يوجهون الى «مركز الاعلاميين». وهناك فريق اعلامي كامل يتعامل مع المئات من الصحافيين الذين يغطون المنتدى، لكن الوصول الى المسؤول الاعلامي المناسب كان مثل البحث عن ابرة في كومة من القش، فالعشرات من العاملين في الفريق الاعلامي عادة لا يعرفون اهمية وسيلة اعلامية معينة أو لا يستطيعون الوصول الى المسؤول المعين، فالصحافي الشاطر، يعتمد على مواهبه للحصول على القصة التي يرغب فيها. وفي اليوم الاول من عقد المنتدى، استغرق الوصول الى هذا «المركز» حوالى نصف ساعة من المدخل المخصص للصحافيين. فالدخول اليه من باب خلفي يؤدي الى سرداب لم تنعم جدرانه بالدهان منذ سنوات. وبين ممرات ضيقة وصناديق من الاوراق المهملة سرت حتى وصلت الى مفترق طرق، احدهما يؤدي الى دخول قاعة المؤتمرات والثاني الى ممر مطول يؤدي الى «مركز الاعلاميين». واول ما اخذت اسير في الطريق الاخير، شعرت بالبرد المفاجئ، لاكتشف ان «المركز» هو خيمة خارجية نصبت لابقاء قطيع الصحافيين في الخارج. ولنكون منصفين، على الرغم من البرد في الممر المؤدي اليه، كان المركز مدفأ ومزودا بعشرات من اجهزة الكمبيوتر والقهوة والشاي والمرطبات التي لم تنقطع أو تنقص لحوالى اسبوع، برعاية «شركة كوكا كولا». وبسبب بعد «المركز الاعلامي» عن جلسات النقاش واللقاء بالمسؤولين، فضلت ان ابقى في القاعة الرئيسية والعمل من هناك، على الرغم من صعوبة وجود مكان هادئ للجلوس والعمل منه. ولكن كانت باحة المؤتمر مفتوحة للتواصل بين المشاركين من شتى الخلفيات والاعلاميين، مما جعل التماس ممكناً بين النخبة من «الشخصيات المهمة جداً» والصحافيين من «عامة الشعب». وعند محاولة الوصول الى مسؤول أو رئيس شركة معين، المفتاح هو في يد ما يعرف بـ «حارس البوابة»، وهو مصطلح يستخدم للاشارة الى موظف من المنتدى يكلف بمرافقة كل شخصية رفيعة مستوى في المنتدى. وعادة ما يكون «حارس البوابة» سر الوصول الى أي مسؤول اذا كان الغرض طلب مقابلة ثنائية مع مسؤول آخر أم من اجل اجراء مقابلة صحافية. وبينما يسعى المنظمون على جعل «حارس البوابة» الطريقة الوحيدة للوصول الى أي مسؤول، التقيت بالكثير من المسؤولين الذين كانوا يفضلون الحديث المباشر مع المشتركين أو الصحافيين. واذا استطاع الصحافي ان يكسب «حارس البوابة» الى جانبه، يمكنه الوصول الى المسؤول، ولكن الخيار الافضل هو كسب المسؤول نفسه مباشرة. ومرة ثانية، كان بهو قاعات المؤتمرات، وبالتحديد «مقهى العالم» مكان لقاء المسؤولين و«حراس بوابتهم» بين جلسات النقاش. ويذكر ان الفوارق الطبقية لم تكن مختصرة على الاوضاع داخل قاعة المؤتمرات، بل خارجها أيضاً، وربما بطريقة اوسع. فمنتجع دافوس الذي يقطنه فقط 13 الف نسمة خلال 51 اسبوعاً، أي كل اسبوع في العام ما عدا اسبوع «منتدى الاقتصاد العالمي»، غير مجهز لاستقبال المشاركين الذين يتعدى عددهم 2500 مشترك، والذين يأتون عادة مع حاشية من المساعدين وفي حال الشخصيات السياسية الحراس الخاصين. وبوجود عدد محدود من الفنادق لا يكفي كل هؤلاء، عادة ما يضطر الصحافي الى اللجوء الى فنادق في بلدات مجاورة، واشهرها منتجع كلوسترس أو مدينة كور التي تبعد ساعة ونصف الساعة عن المنتجع. ويوزع الصحافيون على تلك الفنادق بينما يضطرون للوصول الى قاعة المؤتمرات من خلال المشي أو الناقلات العامة. ولكن من افضل ما قدم للمشاركين والصحافيين هي الناقلات العامة التي يزودها المنتدى مجاناً وتسير بين محطة القطار والفنادق على مدار الساعة. وبعد ثلاثة ايام من العمل في دافوس، كنت واقفة خارج القاعة المخصصة للمؤتمرات الصحافية، وهي في السرداب وتفتقد الى التهوية، اعبر عن حيرتي من التعامل مع الصحافيين، ليسمعني احد اعضاء الفريق الاعلامي، ويسألني عن رأيي في المنتدى. وبعد سرد المتاعب التي تواجه الصحافي المشارك للمرة الاولى في المنتدى وغير المتعود على نمطه، عبر المسؤول عن الجانب الاعلامي عن اسفه، ودعاني الى جلسات خاصة لـ«قادة الاعلاميين» التي كانت مخصصة للاعلاميين الذين يحضرون المنتدى سنوياً. ومن بعدها، كانت التغطية اسهل واسلس. فمثل المشاركة الاوسع في المنتدى، هناك «نادي نخبوي» حتى للصحافيين الذين يشاركون في المنتدى. وبعد نجاحي في الحصول على «عضوية النادي» غير الرسمي باتت التغطية اكثر متعة واصبح «حراس بوابة» المسؤولين اصدقائي الفوريين. وبالطبع، وكالكثير من المؤتمرات الدولية الموسعة، هناك جلسات نقاش وفعاليات في اوقات متضاربة مما يجعل من المستحيل تغطية كل حدث، ولهذا السر يكمن في اختيار الاهداف من التغطية واختيار الجلسات التي تهم القارئ والتركيز عليها. وبغض النظر عن شعوري كصحافية تجاه المنتدى ومعاملة الصحافيين، بالتأكيد لا يمكن لأي وسيلة اعلام ان تتجاهله. فلاسبوع واحد من كل عام، تجتمع ابرز الشخصيات من عالم السياسة والمال والاعمال في بلدة مساحتها 5 آلاف متر مربع على الصحافي ان يجول العالم خلال العام للوصول اليهم.