لبنان.. تغطية أحداث شغب الأسبوع الماضي تسترجع أجواء الحرب

محطات «تصب الزيت على النار».. وأخرى تدير عدساتها في الاتجاه الآخر

متظاهرون يحرقون سيارات ويلقون حجارة في الضاحية الجنوبية الأسبوع الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

تابع اللبنانيون وغير اللبنانيين يوم الأحد 27 يناير (كانون الثاني) الماضي مشاهد «أعمال الشغب والغوغاء» بحسب بعض المحطات التلفزيونية و«التحركات الاحتجاجية المطلبية» بحسب شاشات أخرى. من جهة، كان الهواء المشبع بدخان الإطارات المشتعلة يتناقل تصريحات فتية غاضبين يشتمون الحكومة ورئيسها. يلعنون الكهرباء والضرائب وانعدام فرص العمل وضيق أفق المستقبل، كان المراسلون يستصرحون ابن الـ 14 عاما عن سبب التحرك، وعن رد فعله ازاء إطلاق النار على المتظاهرين.

الميكروفونات استوجبت البحث عن قناصة مفترضين، الكاميرات اتجهت إلى أسطح الأبنية المقابلة لـ«مسرح المعارك».

على المقلب الآخر شاشات تصور اعتداء على آليات الجيش اللبناني. أناس خائفون من اجتياح مناطقهم وشارعهم من الشارع الآخر، تهتف مراسلة: «إنهم يحرقون السيارات ويحطمون واجهات المحال والمباني». مراسل آخر يسترسل فيحلل في السياسة والأبعاد، يتحدث عن تنظيمات حزبية تمون على المتظاهرين ولا تمون. شاشة أخرى تظهر الجيش اللبناني يطلق النار عشوائيا ويتعرض للفتية المعتقلين بالضرب، وكل يستخدم الصورة من زاويته ويرفقها بتصريح من هنا وآخر من هناك.

ماذا توقعت تلك المراسلة من مشعل الإطارات أن يجيبها؟ فاللغة المذهبية الطائفية لا تقتصر على مثل هذه الاحداث المؤلمة، وإنما تطل في كل الأحداث والمناسبات التي تشهدها البلاد، حتى تلك الرياضية منها والمفروض أن الأخلاق الرياضية تنسب إليها.

الدكتور محمود طربية المحاضر في مادة الأخلاقيات الإعلامية في الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت قال لـ«الشرق الأوسط»: «إن ما شهدناه يوم الأحد الماضي عبر وسائل الإعلام يمثل إثارة رخيصة، ويدل على غياب الموضوعية والدقة». وإذ تساءل عن دور المجلس الوطني للإعلام استدرك أن المجلس دعا أخيرا إلى اجتماع فلم يحضر سوى ثلاثة من أعضائه العشرة.

وتوقف عند إحجام قناة «المنار» عن اعتماد النقل المباشر لما كان يحصل، مستغربا انغماس بعض وسائل الإعلام الأخرى في عملية توتير الأجواء. وقال: «إن ما حصل الأحد لم يلتزم بالمعايير الأخلاقية، لقد أدت عملية النقل المباشر إلى شحن النفوس ولعبت دورا تحريضيا عند البعض ومسيئا للبعض الآخر، وتبقى المشكلة أن هذه المشاهد تتكرر ولا يستفاد من الدروس ولا تؤخذ العبر. والسؤال هل بقي للإعلام من دور يلعبه سوى شحن النفوس والبحث عن الإثارة؟». مدير الأخبار في محطة «المنار» التابعة لـ«حزب الله» محمد عفيف رد على سؤال «الشرق الأوسط» حول عدم لجوء القناة الى البث المباشر لأحداث يوم الأحد الماضي، فقال: «تلفزيون المنار محسوب على جهة سياسية كانت تسهم في العمل على وضع حد لما يجري وكان مسؤولو حزب الله يجرون اتصالات مع الجيش والقوى السياسية لمعالجة الأوضاع، فكيف يسهم الحزب في هذا وتسهم القناة في تأجيج المشكلة؟». ويضيف: «لا بد من التوضيح أن موقع الأحداث كما هو معروف كان قريبا جدا من مقر قناة المنار وبالتالي كنا الأقرب والأقدر على تغطيته بشكل كامل، ولكننا لم نكن نسعى الى تحقيق سبق صحافي. وهذه ليست المرة الاولى التي لا نعمد فيها إلى البث المباشر خلال أحداث كهذه، فهكذا فعلنا خلال ما اصطلح على تسميته أحداث الجامعة العربية في بيروت، وخلال الحركات الاحتجاجية ردا على التعرض للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وإنما تدخلنا لنقل الخطاب الذي يدعو للتهدئة. كان قرارنا عدم البث المباشر يهدف إلى توجيه رسالة تهدئة الى جمهور المنار وللتأكيد أن الحزب لم يكن له أي ضلع في الأحداث».

مراسلة «تلفزيون الجديد» كريستين حبيب التي تعرضت للاعتداء في منطقة مار مخايل على ايدي متظاهرين غاضبين قالت لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أعتقد أنني سأغطي أعمال احتجاج وحرق إطارات، إلا أن الوضع تطور بشكل دراماتيكي مع شيوع خبر إصابة أحد المتظاهرين. وازداد التوتر مع الحديث عن مقتله وسقوط عدد من الجرحى».

وردا على سؤال أجابت: «كان المتظاهرون الغاضبون يحاولون دفعي للحديث عن وجود قناصة في منطقة عين الرمانة، ولكنني لا أعرف المنطقة جيدا فلم أستطع تبني وجهة نظرهم رغم سماعي أصوات القنص التي أستطيع أن أميزها الآن بعد مشاركتي في تغطية أحداث نهر البارد».

وتضيف حبيب: «شعرت بالخوف لدى سماعي أصوات إطلاق النار، ومع ارتفاع حدة التوتر والغضب، والشعارات التي كانت تطلق، ولم يعد أحد ينادي بالمطالب الاجتماعية، تحول الوضع إلى حالة حرب، ولا أستطيع أن أدعي أنني مراسلة حربية، رغم أنني أفكر الآن في متابعة دورة حول كيفية تغطية الحروب والمعارك».

وعن الدور الذي قامت به على الأرض تقول: «لقد سمعت شعارات كثيرة وصيحات غضب ولكنني لم أنقلها، وعندما سئلت أجبت أنني أسمع ضوضاء ولا شيء محددا. لم أكن أريد أن أزيد الوضع تأزما، فالوضع كان متأزما أصلا».

من جهتها رفضت الإعلامية ريتا شرارة (عضو في المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع ) «أن يحمل الاعلام والاعلاميون اللبنانيون اي مسؤولية في الاحداث الامنية التي حدثت الاحد الماضي». وقالت: «كفى ان يكون الاعلام اللبناني الحر مكسر عصا هذا او ذاك من السياسيين او التيارات السياسية. وكفى تنصلا من تحمل تبعات الآثام المقترفة، وتحميلها لفلان او علان. لم يكن اعلاميو لبنان في تلك اللحظات العصيبة يتفرجون على فيلم سينمائي، انما كانوا يعرضون حياتهم للخطر». وسألت: «هل يريد مناهضو الاعلام اللبناني ان يقفلوا المحطات التلفزيونية وان يسيروها بحسب ما تمليه عليهم اهواؤهم او بحسب مصالحهم؟».