مدير «الخدمة الدولية» في «بي بي سي»: هدفنا40 مليون مستخدم

نايجل تشابمان متحدثا لـ «الشرق الأوسط» عن إطلاق القناة التلفزيونية العربية الجديدة

نايجل تشامبان خلال المؤتمر الصحافي الذي عقدته بي بي سي لاعلان قناتها العربية الجديدة الثلاثاء الماضي (تصوير حاتم عويضة)
TT

أيام قليلة تفصلنا عن انطلاق قناة «بي بي سي» التلفزيونية العربية، التي أُعلن عنها رسميا الثلاثاء الماضي في مؤتمر صحافي أقيم بمقر «الخدمة العربية» في مبنى «برودكاستينغ هاوس» التابع للهيئة والواقع في شارع «ريجينت ستريت» بوسط العاصمة البريطانية، لندن. كلام كثير وتوقعات عدة سبقت انطلاق القناة، وحديث عن مدى قدرتها على المنافسة سيما وأنها بعكس تجربتها السابقة عندما دخلت في تجربتها التلفزيونية الأولى في المنطقة بالاشتراك مع شبكة «اوربت» منتصف التسعينات، تسعى اليوم لاقتحام سوق مكتظ فعلا بالقنوات الفضائية، وتسيطر عليه قنوات إخبارية ضخمة، استطاعت اثبات نفسها خلال السنوات الأخيرة. ومع كل تلك المعطيات، بدا مستغربا أن تقرر القناة بدء البث بـ 12 ساعة في اليوم بدلا من 24، وأرجع القائمون في القناة ذلك لأسباب تمويلية وحسب. من جهة ثانية تعتبر بعض المحاذير والحساسيات في بلدان عربية عدة عائقا آخر أمام «بي بي سي» العربية ان ارادت ان تمارس عملها بالشكل الذي أعلنت انها ستكون عليه، وللرد على كل تلك الاسئلة التقت «الشرق الأوسط» بنايجل تشابمان، وهو مدير «الخدمة الدولية» (التي تشمل جميع اللغات التي تبث بها «بي بي سي»)، عقب المؤتمر الصحافي، وفيما يلي نص الحوار:

> بداية، ما الذي تسعون لتحققوه من خلال إطلاق قناة «بي. بي. سي» العربية التلفزيونية؟

ـ نريد انطلاقة جيدة وصلبة للقناة، علما بأن قرارنا بتدشين هذا المشروع مرتبط بأدلة قوية تفيدنا بأن الكثيرين في العالم العربي يرغبون بشدة في رؤية قناة تلفزيونية من الـ«بي. بي. سي». واذكر انه كان لدينا مشروع سابق في التسعينات لكنه توقف وترك الكثيرين منزعجين بسبب ذلك التوقف، ونأمل بأن تكون قناتنا الجديدة هذه وبرفقة الإذاعة وموقع الانترنت الخاص، لها تأثير أقوى في المنطقة. والمقصود هو التأثير التحريري، أي عدد الذين يستخدمون خدماتنا في المنطقة، وهو حاليا يتفاوت بين 14 و15 مليوناً أسبوعيا (للانترنت والراديو) وما نأمل هو رفع عدد المستخدمين إلى 40 مليون مستخدم أسبوعيا عبر جميع المنصات (انترنت – راديو – تلفزيون) خلال السنوات الخمس المقبلة، ومن الواضح أن التلفزيون سيكون هو من سيقود العملية في ذلك الاتجاه. إضافة إلى ذلك، نود أن يرى من يستخدمون خدماتنا بأننا منصفون ومستقلون ومحايدون، مقارنة بمنافسينا في المنطقة، فإذاً المسألة مرتبطة بعدد الناس الذين يتابعوننا، وما يظنونه بنا.

> حسنا، ذكرت أنكم تسعون دائما أن تكونوا محايدين، لكن ألا تعتقد أن ما ينتظره الكثيرون منكم هو ليس الحياد على الإطلاق، وبالامكان القول ان البعض ينتظر ما ستفعلونه لكشف الفساد والمشاكل في البلدان العربية والمواضيع التي قد لا تتحدث عنها القنوات الأخرى، ألا تعتقد أنه في غياب الديمقراطية في كثير من البلدان، فإن المطلوب هو «إعلام حملات» وليس إعلاما «محايدا»؟

ـ هذا أمر مثير للاهتمام، ولكن «بي بي سي» لا تمارس إعلام الحملات، وليس لدينا وجهة نظر حول ما يجري في منطقة الشرق الأوسط أو غيرها من الأماكن، عملنا هو التغطية بشكل عادل ودقيق، وأن نعكس وجهات نظر المعنيين بالموضوع الذي نعالجه. وبخصوص الفساد، حسنا.. لا يمكن القول إن أي شخص عاقل سيكون من أنصار الفساد، ربما باستثناء المستفيدين منه... لذلك فإذا وجد الفساد في أية جهة كانت، وعلمنا بالأمر وتحققنا منه، فسنبث تقارير عن ذلك. أما إذا لم يعجب ذلك الحكومات، فهذه ستكون قضيتهم، ولكننا لن ندع مجموعات داخل الشرق الأوسط أو في أي مكان آخر من التأثير في أجندتنا الإخبارية.

> ماذا عن وثيقة الإعلام العربي التي وضعتها جامعة الدول العربية أخيراً، هل ستؤثر في عملكم؟ وبجميع الأحوال ماذا تفعلون لو طلب منكم مغادرة بلد ما أو إقفال مكتبكم؟

ـ ذلك سيكون قرارهم وليس قرارنا، ولو افترضنا ان ذلك حصل، فستسعى «بي بي سي» ان تغطي ما يجري قدر الإمكان عن بعد في تلك المنطقة بإنصاف بجميع الأحوال، وهذا جزء مما نفعله... فالـ«بي بي سي» تعمل بإنصاف وبسياسة «لا خوف.. ولا خدمات». وحدث ان عملنا لم يعجب كثيرين، لكننا دائما نثبت أن عملنا يصب في المصلحة العامة، ذلك لأننا في خدمة العموم ولسنا وسيلة إعلام تخدم شريحة معينة أو حكومة معينة، ذلك ليس عملنا.

> حسنا، ربما كان ذلك صحيحا فيما يخص «بي بي سي» الأم، لكن «الخدمة العربية» اتهمت في السابق بأنها بعيدة نوعا ما عن المعايير التي تتحدث عنها، فمثلا هناك مقال بعنوان «هيئة البث المنحاز» نشر في صحيفة «نيويورك تايمز» قبل أشهر يتهمكم ببث محتوى لا يرقى لمعايير القناة الأم؟

ـ لدينا زوار كثيرون لموقع «بي بي سي» العربي، ومستمعون كثر لراديو «بي بي سي» العربي كذلك، لم اسمع من قبل شكاوى متعلقة بالقصص التي تحدثت عنها، انا متأكد من انه لو كان هناك قضايا متعلقة بانعدام الاستقلالية والحياد لكانت الشكاوى انهمرت علينا، لكن هذا لم يحصل.

> لكن هذا نشر فعلا في الـ«نيويورك تايمز»، أليس كذلك؟

ـ حسنا، أنت تتحدث عن مقال فرانك ستيورت... وقد قمنا بالتحقيق في الموضوع، ورددنا على ما جاء به، واثبتنا ان مما جاء في اتهاماته غير صحيح... وعلى العموم ذلك كان مقالا واحداً في صحيفة واحدة، الشكاوى كهذه قليلة بجميع الاحوال ضد الـ«بي بي سي»، نحن هيئة بث موثوقة لأننا منصفون ومحايدون.

> أعتقد أنه لو كانت هناك فروقات فعلا بين الخدمة العربية و«بي بي سي» الأم، فإن ذلك سيظهر جليا عندما تباشرون البث التلفزيوني، فالتلفزيون مرصود أكثر، هل تتفق معي؟

ـ من الواضح أن التلفزيون هو أكثر متابعة، وأيضا ستكون قناة مجانية ومتوفرة للجميع، بحيث يستطيع مشاهدتنا كل من لديه اتصال بصحن لاقط، كل ذلك يضعنا تحت الأضواء بكل تأكيد. لكن لا بد أن تكون لدينا ثقة في قناعاتنا، فنحن نؤمن بأننا نستطيع اطلاق خدمة جيدة بنفس معايير «بي بي سي». وبالتأكيد لو كان للبعض أي شكاوى او انتقادات فليتفضلوا ويوافونا بها، ونحن ننظر لكل قضية على حدة، فنحن سنكون منفتحين وشفافين... تلك هي طريقتنا في «بي بي سي».

> فلنتحدث عن انطلاقكم بـ 12 ساعة بث وحسب، وأنت سبق وأن قلت خلال المؤتمر الصحافي انه لو توفرت الإمكانات لكنتم انطلقتكم بـ 24/24 ساعة مباشرة، لكن لا بد أن أسألك كيف استطاعت قناة مثل «العربية» بأن تبث مباشرة 24 ساعة باليوم بميزانية كانت أقل من الميزانية المعتمدة لكم (ميزانية «العربية» كانت تقدر بنحو 30 مليون دولار فيما ميزانية «بي بي سي» 50 مليون دولار)، علما بأن «العربية» بدأت بـ 6 ساعات بث لكنها تحولت فورا إلى 24 ساعة بعد 3 أسابيع وربما ساعد في ذلك اشتعال الحرب في العراق؟

ـ نعم، ذلك لأن التمويل لن يصلنا (من الخارجية البريطانية) سوى لمنتصف العام المالي المقبل. ولأغراض عملية، لم نتمكن من أخذ التمويل من حصص أقسام أخرى في «الخدمة الدولية» لأن ذلك كان ستترتب عليه قرارات ونتائج لم أكن مستعدا لاتخاذها. بجميع الاحوال، أعتقد أننا وصلنا الى حل متوازن وعلى كلٍ سنتمكن من الانطلاق 24/24 ساعة خلال الصيف، وهو ليس ببعيد. لكن من جهة ثانية، لو حدث وحصلت قصة كبرى كالحرب في العراق مثلا، فسينبغي علينا التوقف والتفكير بما علينا فعله، علما بأن لا أحد يتوقع حربا في الشرق الأوسط بهذا الحجم حاليا.

> جيد، ولكننا لسنا في عام 1996 عندما كانت الساحة خالية، نحن في وقت به منافسة شديدة بين قنوات إخبارية استطاعت إثبات نفسها في المنطقة، ألا تعتقد أن مزيدا من الجهود كان يمكن أن تبذل لإقناع الخارجية البريطانية بحتمية الانطلاق بـ 24 ساعة والحصول على التمويل الكامل مباشرة؟

ـ ما أستطيع قوله هو أن جميع الجهود الممكنة تمت بالفعل، وقد أجريت شخصيا مباحثات خلال عام 2006، وفي نهاية الأمر تمت الموافقة على إعطاء التمويل، ولكن ليس كله خلال السنة الأولى، حصلنا على نصفه وحسب على أن تأتي البقية لاحقا... لقد قدمت قصارى جهدي، وإذا لم يكن ذلك كافيا بالنسبة إليك... فأنا آسف، لم يكن هناك أي شيء إضافي يمكن فعله.

> الأمر ليس متعلقا بي، أنت ذكرت في كلمتك بالمؤتمر الصحافي أن الفائدة التي تجنيها البلاد من تمويل هذه الخدمة هي «المزيد من المصداقية» لبريطانيا في منطقة الشرق الأوسط، ألا تعتقد أن هذه «المصداقية» تستحق بضعة ملايين إضافية؟

ـ هذا أمر تناقشه معهم (الخارجية)، وما استطيع قوله هو أننا حصلنا على التمويل، ولكن ليس دفعة واحدة مباشرة ولكن تدريجيا، وهو ليس نهاية العالم.

> دعنا نتحدث قليلا عن عملية التوظيف لديكم، بات واضحا أن مجموعة «ام بي سي» (التي تضم قناة «العربية» الإخبارية) أبدت انزعاجا وتتهمكم باستهداف متعمد لكوادرها، فما تعليقك؟

ـ أنا لا أقبل ذلك، فقد تم الإعلان عن الوظائف في «الخدمة العربية» بشكل شفاف ومنفتح، وقد تقدم المئات وقمنا نحن بانتقاء الأفضل من هؤلاء بغض النظر عن جنسياتهم ومعتقداتهم ولمن عملوا سابقا. من الواضح أن وجود خلفية تلفزيونية لدى الشخص أمر يساعد، ولكننا لم نستهدف شركة تلفزيونية بعينها عبر تعيين أفضل العاملين لديها، وكما ذكرت العاملون معنا تقدموا فعلا وبشكل شفاف وانتقينا الأفضل وحسب. > ربما لأن أحد كبار المحررين لديكم عمل سابقا في المجموعة، وما يقال انه قام بالاتصال بمن عمل معهم سابقا واستقطبهم، هل هذا صحيح؟ ـ لا دليل لدي حول ذلك، لكن كان لدينا تجاوب جيد مع آلية التوظيف الواضحة والشفافة وذلك في مختلف القطاعات، سواء المقدمين أو المراسلين أو الكتاب او المنتجين.

> ماذا عن ما يشاع في أوساط الصحافيين بأن الجنسية المصرية طاغية في «الخدمة العربية»، ودعني أقول لك انني شخصيا تابعت هذا الموضوع أكثر من مرة، ودائما كان صعبا الخروج بنتيجة حتمية، فعندما طلبت أرقاما ونسبا عن الجنسيات العاملة لديكم، قيل لي انه بما أن هناك عملية تعيينات تحصل، فإن ذلك سيكون صعبا... والآن وبعد أن عينتم من تريدون تعيينه، هل يمكن الرد بشكل نهائي على هذا الموضوع؟

ـ بداية أقول لهؤلاء الناس انهم ينظرون الى الموضوع من زاوية خاطئة للغاية، نحن لا نعين الناس في «بي بي سي» بناء على الجنسية، وإنما على السيرة الذاتية والموهبة. لذلك، فلا فكرة لدي كم عدد المصريين أو الأردنيين أو السوريين أو غيرهم الموجودين في «الخدمة العربية»، لأنني أعلم بشكل عام ان أفضل الكوادر تعمل معنا، وذلك لأن اختيارهم تم بناء على كفاءتهم وليس من أين أتوا. وبالمناسبة، سبق وأن سمعت هذه الشائعة، وانا لا اقبل ما توحي به الشائعة، ثانيا.. انظر الى المذيعين الذين سيظهرون على شاشتنا، هم يأتون من مختلف بلدان الشرق الأوسط، من سورية والأردن واثيوبيا ومصر ولبنان.

> دعني أقتبس جزءا من خطبتك عن «تحول الـ«بي بي سي» الرقمي: استراتيجية للعام 2010» التي تلوتها على الموظفين في اكتوبر 2005، أنت قلت فيها إن الدراسات تثبت أن «85% أو أكثر من الشريحة التي ستستهدفها قناة «بي بي سي» سيشاهدون القناة على الأرجح»، من البديهي أن «على الأرجح» تعني «ربما» وان شاهدوا بالفعل فذلك لا يعني أنهم سيستمرون في ذلك، فهل من دراسات أحدث من هذه، هل من مسح اجري قبل الانطلاق مثلا؟

ـ عندما ننطلق فعلا، فمن المؤكد اننا سنجري أبحاثا للتلفزيون في بلدان أساسية بالمنطقة، وهو ما نفعله فعلا للراديو والموقع الالكتروني لمعرفة كيفية أدائهما. وبالتأكيد فإن المسح لن يجري في اليوم الأول، سننتظر قليلا ولكن حتما ستكون مسألة مستمرة، ونحن شفافون بهذا السياق وننشر الأرقام دوما.

* ما رأي المنافسين؟

- مازن حايك، مدير التسويق لـ«أم بي سي»:

"المنافسة بشكل عام أمر صحي وتعني بأن المشاهد هو من سيستفيد. وبالنسبة لـ«بي بي سي» فهي «عودة» بالنسبة اليهم، ذلك لأنهم قرروا في السابق اقفال خدمتهم التلفزيونية والمغادرة، نأمل أن يبقوا هذه المرة وأن يبدوا اهتماما بشعوب المنطقة والقضايا الحقيقية. وبالمناسبة يأمل المشاهدون العرب ألا تحدث أخبار عاجلة خارج ساعات بث البي بي سي العربية، لأنهم (المشاهدين) في حال اعتمدوا على البي بي سي العربية وحدها فقد يخاطرون بعدم معرفة الأخبار، أو معرفتها متأخرا.

أما بخصوص استهداف موظفينا، فلا تقل لي ان كل الناس تقدموا للوظائف عبر الإعلان على الانترنت... فالتقدم الى وظيفة معلنة على الانترنت واستهداف موظفين معينين عبر آلية منظمة باستخدام معلومات من الداخل هما أمران مختلفان للغاية، نحن نظن أن ممارسات كهذه هي دون المعايير المهنية والأخلاقية المتبعة في «بي بي سي»".

- متحدثة باسم «سي إن إن»:

"خدمت «سي إن إن» جمهورها العربي لسنوات عدة عبر موقعها بالعربية، وسنستمر بالبحث عن احتمال الدخول في شراكة تلفزيونية في المنطقة، ولكن لا شيء لدينا لنعلنه حاليا. في المقابل، لقد تم التأكيد أننا القناة الإخبارية الأولى الناطقة بالانجليزية في المنطقة بحسب آخر الأرقام مما يظهر وجود شهية لخدماتنا الحالية".

- براين كونف، رئيس شبكة «إم.بي.إن» (المشرفة على قناة «الحرة»):

«ترحب الحرة بوصول البي بي سي إلى سوق التلفزيون العربي المنوع، وتماما كما ساهمت برامج الحرة في الإضافة إلى عدد الأصوات والآراء المتوفرة للمشاهدين في الشرق الأوسط، فإن الحال نفسه سينطبق على المنتج العربي من البي بي سي. إن كلا من الحرة وتلفزيون البي بي سي العربي يأتيان من خلفية تقاليد صحافية ذات باع طويل وخبرة».