سطور.. قاضية

الولايات المتحدة تشهد ثلاث استقالات في أسبوع واحد كان سببها تسريبات أو تصريحات في الإعلام

(خدمة ام سي تي)
TT

خلال اسبوع واحد، استقال الادميرال وليام فانون كقائد لقوات القيادة الوسطى. واستقالت السياسية جيرالدين فيرارو، كعضو في اللجنة المالية لحملة السناتور هيلاري كلنتون. واستقالت استاذة جامعة هارفارد سمانثا باور كمستشارة للسناتور باراك اوباما، وذلك بسبب تسرب اشياء قالها كل واحد منهم، وما كان يعتقد ان قولها سيثير ضجة، وسيكون سبب الاستقالة.

استقال الادميرال فالون بعد تصريحات على لسانه نشرتها مجلة «اسكوايار»، وقال فيها انه اعترض على سياسة الرئيس في الشرق الاوسط. وانه هو الوحيد، وسط كبار المسؤولين، الذي يعارض ضرب ايران. ويبدو ان الادميرال ندم على تصريحاته الصريحة الى المجلة، وذلك لأنه قال، في بيان اصدره يوم استقالته، من بغداد، عن طريق قيادة القوات الوسطى في تامبا (ولاية فلوريدا): «لا صحة للاخبار الصحافية التي قالت ان هناك خلافات حول سياستنا في منطقة القيادة الوسطى». لكنه اضاف: «مجرد نشر اخبار بهذا المعنى تعرقل واجبي في ان اخدم المصالح الاميركية في منطقة القيادة الوسطى».

وربما كان يجب على الادميرال ان يكون حذرا في كلامه مع توماس بارنيت، صحافي «اسكوايار»، وذلك لأنه كان قال، في اكتوبر الماضي، للصحافي نفسه انه وقع في مشكلة بسبب اشياء نشرتها عنه جريدة مصرية. قال الادميرال للصحافي: «انا في مشكلة». سأل الصحافي، وكأنه يعرف الاجابة: «مع البيت الابيض؟» اومأ الادميرال برأسه بالإيجاب. وقال الادميرال ان السبب هو عنوان في جريدة «ايجبشيان غازيت» الانجليزية المصرية يقول بخط عريض: «اميركا لن تضرب ايران». وتحت العنوان صورة للادميرال وهو يقابل الرئيس المصري حسني مبارك.

وقال الادميرال للصحافي ان البيت الابيض لم يرض عن العنوان، ولا عن الصورة. وارسلوا له برقية عاجلة، عن طريق البنتاغون، مستفسرين. قالوا له: «لماذا هذه التصريحات؟» و«لماذا حتى تقابل مبارك؟» وقال الادميرال للصحافي انه لم يفهم غضب البيت الابيض، خاصة على الاجتماع مع الرئيس مبارك. وقال: «ما دمت اقود القوات الاميركية في هذه المنطقة، أليس واجبي هو مقابلة المسؤولين في المنطقة؟» لكن، صار واضحا ان الادميرال من النوع الشجاع في مواجهة السياسيين. وانه لم يندم على ما نشرته عنه «ايجبشيان غازيت» المصرية، او «اسكوايار» الاميركية. وذلك لانه اشار، امام الصحافي الاميركي، الى حذائه العسكري، وقال: «هذه هي وظيفتي. هذه هي حياتي».

كما استقالت جيرالدين فيرارو، عضو الكونغرس السابقة، وكانت ترشحت (سنة 1984) نائبة لمونديل، مرشح الحزب الديمقراطي ضد الرئيس بوش الاب (فاز عليهما). الان، كبر عمرها (72 سنة)، وتؤيد هيلاري كلنتون، ودخلت لجنتها المالية. لكن، قبل اسبوعين، نشرت جريدة «ديلي بريز» الصغيرة في تورانس (ولاية كليفورنيا) انها قالت: «لو كان اوباما ابيض، لما حقق كل هذا». تقصد ان كثيرا من البيض صوتوا له لانه اسود (او، حقيقة، نصف اسود) بسبب احساسهم بالذنب لما حدث، ويحدث، للسود في اميركا.

ليس هذا صحيحا، لان البيض الذين صوتوا له قالوا ان العرق ليس السبب، ولكن السبب هو: اراؤه، وحماسه، وشبابه، وشعارات «التغيير» و«نسيان الماضي» و«فتح صفحة جديدة». حتى اذا كان كلام فيرارو صحيحا، ادخلت العرق واللون في الحملة الانتخابية، وكان كل جانب يحاول تحاشي ذلك.

ويبدو ان فيرارو لم تغضب على الغضب عليها بقدر ما غضبت لان جريدة صغيرة في مدينة صغيرة كانت سبب المشكلة. قالت فيرارو: «كنت اتحدث الى 350 شخصا فقط. دفعوا لي لألقي محاضرة لهم عن الانتخابات». وكأن ذلك يعفيها من مسؤولية ما قالت. وكأن الحديث بمقابل يختلف عن الحديث المجاني. وكأن صحافيا صغيرا لا يقدر على ان يهزها، ويهز اميركا.

وقبل استقالة فيرارو بأيام قليلة، استقالت استاذة جامعة هارفارد سامانثا باور من منصبها التطوعي كمستشارة للسناتور اوباما. كانت دافعت لجريدة «سكوتسمان» البريطانية عن اوباما. وانتقدت هيلاري كلنتون. وقالت انها «وحش». ولم يعجب هذا الوصف هيلاري كلنتون ومستشاريها. واحتجوا. واضطرت باور لأن تستقيل من منصبها كمستشارة.

كان سبب استقالة باور اقل اهمية وخطورة من سبب استقالة فيرارو. بالإضافة الى ان باور طلبت من الجريدة عدم نشر جملة «وحش». بالإضافة الى ان الجريدة نفسها قالت ذلك. قالت: «قالت باور ان هيلاري مثل وحش. انها تدمر كل شيء. ارجو عدم نشر ذلك». لكن، نشرت الجريدة ذلك.

في وقت لاحق، قالت الصحافية البريطانية جيري بيف، التي اجرت المقابلة، انها لم تتعمد خلق مشكلة. ولم يكن هدفها هو اجبار باور على ان تستقيل. اعترفت ان باور طلبت منها عدم نشر جملة «وحش». لكنها قالت: «حسب التقاليد الصحافية البريطانية، كان على باور ان تطلب عدم نشر الجملة مسبقا، وليس بعد ان قالتها». غير ان كل الصحافيين الاميركيين الذين كتبوا عن الموضوع انتقدوا الصحافية البريطانية. وذلك لانهم يحترمون طلب الشخص بعدم نشر شيء معين قاله. ولأنهم استغربوا كيف تنشر الصحافية البريطانية ما طلبت باور ألا ينشر. وكيف حتى تكتب ذلك في الجريدة.

يذكر أن السنوات الأخيرة شهدت حوادث مماثلة عدة، ففي سنة 2005، استقال لويس ليبي، كبير مستشاري نائب الرئيس شيني (وفي وقت لاحق، حوكم بالسجن). ومرة اخرى، كان صحافي هو الذي كشف الفضيحة: روبرت نوفاك، كاتب عمود. كتب بأن فاليرى بليم، زوجة السفير السابق جوزيف ويلسون، تعمل جاسوسة في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه). وان مسؤولين في البيت الابيض كشفوا له السر انتقاما من زوجها الذي كان نشر رأيا في صحيفة «نيويورك تايمز» ضد غزو العراق. في الحقيقة، يجب ان يستقيل آخرون (وان يقدموا الى المحاكمة، مثل كارل روف، مستشار الرئيس بوش، الذي استقال «لأسباب عائلية»، لكن لا تزال يد العدالة الاميركية الطويلة تبحث عنه. وربما مثل الرئيس بوش نفسه. لكن، هذا موضوع آخر...) لم يستقل روف، لكن، قبل اسبوعين، استقال تيموثي جويجلين الذي كان مساعده في البيت الابيض. هذه المرة نشرت نانسي نيل، صحافية في صحيفة «نيوز سنتنال» (في ولاية انديانا) قطعا من تعليقات كتبها للصحيفة، لكنه سرقها من كتابات آخرين، وكتبها باسمه، ونشرها في الصحيفة. ليس للموضوع صلة بالجاسوسية، ولا بالمنظمات الدينية التي كان يشرف عليها عندما كان في البيت الابيض. طبعا، لا بد من ملاحظة ان السرقة الادبية عمل غير اخلاقي، خاصة لمسؤول في البيت الابيض يعمل مع منظمات دينية.

قبل سنة ونصف سنة، استقال مارك فولي، عضو الكونغرس الجمهوري (من ولاية فلوريدا) بعد ان نشر تلفزيون «اي بي سي» خطابات جنسية ارسلها الى اولاد في مدارس ثانوية كانوا يتدربون في مكتبه في الصيف الذي سبق الاستقالة. ورغم ان فولي نفى انه يمارس المثلية الجنسية، ورغم انه لم تثبت علاقة جنسية معينة مع شخص معين، اهتز الحزب الجمهوري. وضغط عليه زملاؤه الجمهوريون ليستقيل لأن صحفا نشرت اخبارا بأن اعضاء كونغرس آخرين كانت لهم علاقات مشبوهة مع تلاميذ مدارس ثانوية تدربوا في مكاتبهم. وساهم الحادث، قبل شهر من انتخابات الكونغرس، في هزيمة نواب من الحزب الجمهوري، وسيطرة الحزب الديمقراطي على الكونغرس.

وقبل ذلك بسنة، استقال جيم ماقريفي، حاكم ولاية نيوجيرسي، بعد ان نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» انه مصاب بالمثلية الجنسية (في الحقيقة، سرب السر اول مرة عشيقه الاسرائيلي).

وفي سنة 2004، استقال ادوارد شروك، عضو الكونغرس من ولاية فرجينيا، بعد ان نشرت صحيفة «رتشموند ديسباتش» طلبا تقدم به الى نادٍ للدعارة المثلية، طلب فيه مقابلة صبي. وقبل ذلك بسنتين، استقال عضو الكونغرس غاري كونديت، بعد ان اختفت صديقته شاندرا ليفي في ظروف غامضة، واتهمته والدتها بأنه يعرف ما حدث لها.

وفي سنة 1998، استقال بوب ليفيغنسون، عضو الكونغرس من ولاية لويزيانا، بعد ان نشرت جريدة في الولاية انه يخون زوجته مع موظفة في مكتبه في الولاية. حدث ذلك بينما كان عضو الكونغرس يقود حملة لمحاكمة الرئيس بيل كلنتون بسبب علاقته الجنسية مع مونيكا لونسكي، سكرتيرة البيت الابيض. (نجا كلنتون، بأغلبية قليلة، من المحاكمة والاجبار على الاستقالة).

واخيرا وليس آخرا، استقال يوم الخميس اليوت سبتز، حاكم ولاية نيويورك، بعد ان كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» ان مكتب التحقيق الفيدرالي (اف بي آي) حصل على معلومات تورطه في حادث استئجار عاهرة من نيويورك، دفع لها خمسة آلاف دولار تقريبا، وقابلها في فندق «ماي فلاور» الراقي في واشنطن ـ بعيدا عن نيويورك، حيث يعيشان.

سؤال: لماذا يفعلون هذا، وهم مسؤولون وسياسيون كبار؟

جواب: على لسان الرئيس السابق كلنتون، عندما سئل نفس السؤال بعد فضيحة علاقته الجنسية مع مونيكا لونسكي: «لانني اقدر على ذلك». وتدل الاجابة على سخافة ورذالة، هما من عادات كثير من السياسيين والحكام.

سؤال: ألا يخشون ان يكشفهم الصحافيون؟

جواب: على لسان غاري هارت، عضو كونغرس سابق استقال بعد ان كشفت صحيفة «ميامي هيرالد» علاقته مع راقصة في ولاية فلوريدا: «تحديت الصحافيين ان يثبتوا اي شيء ضدي. نشروا الصور، وحطموا مستقبلي».

سؤال: لماذا يتابع الصحافيون فضائح السياسيين؟

جواب: على لسان د. توم فيدلر، استاذ علوم سياسية في جامعة هارفارد، ويتابع فضائح السياسيين: «يفهم الصحافي ان من حق السياسي ان تكون له حياته الخاصة. لكن، ليس من حق السياسي ان يكون منافقا».

* استقالات تاريخية

* تاريخ الخبطات الصحافية التي اطاحت بمسؤولين تعود لفترة طويلة، ففي سنة 1797، أي بعد استقلال اميركا بعشرين سنة، استقال الكسندر هاملتون كوزير للمالية، وأنهى مستقبله السياسي. (كان يتوقع ان يكون رئيسا، وذلك لانه من «الآباء المؤسسين»). والسبب هو ان جريدة نشرت وجود علاقة جنسية بينه وبين زوجة جيمس رونالد، رأسمالي كبير. (اذا كان توماس جفرسون هو «ابو الديمقراطية»، فإن هاملتون هو «ابو الرأسمالية») لكن، تهدم كل شيء عندما نشرت الجريدة خطابات غرامية بين هاملتون وزوجة الرأسمالي. على اي حال، عكس كثير من السياسيين اليوم، حسم «ابو الرأسمالية» الموضوع سريعا:

أولا: اعترف بالعلاقة الجنسية. ثانيا: نشر تفاصيلها في نفس الجريدة (وأغضب عشيقته). ثالثا: اعترف ان العلاقة قضت على طموحاته السياسية.

وفي سنة 1850، استقال جون غيتمان، حاكم ولاية مسيسبي، عندما ذهبت شرطة الولاية الى منزله الرسمي لاعتقاله، بعد ان ادانته محكمة بتهمة خرق قانون يمنع اي اتصالات بدول اوروبية بهدف توريط الولايات المتحدة. وكانت صحيفة في الولاية تابعته خلال جولة في دول اوروبية. كان ذلك قانون «نيوتراليتي» (الحياد) الذي يمنع تورط الولايات المتحدة في اي حرب في اوروبا.

وفي سنة 1871، استقال روفوس بالوك، حاكم ولاية جورجيا، بعد ان نشرت صحيفة في الولاية انه حصل على رشوة من رأسمالي للموافقة على بناء مستشفيات حكومية من دون فتح باب العطاء للمتنافسين، وان زوجة الرأسمالي كانت حلقة الوصل، لأنها، قبل ذلك، كانت عشيقته.

وبعد ذلك بخمس سنوات، استقال حاكم ثان لولاية مسيسبي: ادلبيرت ايمس، بعد ان نشرت صحيفة في الولاية انه حصل على رشاوى لغض النظر عن شبكات دعارة في الولاية تورط فيها مسؤولون كبار، رغم عدم اثبات ان الحاكم نفسه كان عضوا في الشبكة.

وفي سنة 1977، استقال مارفين ماندل، حاكم ولاية ماريلاند، بعد ان نشرت صحيفة «بولتيمور صن» انه تلقى رشاوى من شركات فازت بعطاءات لبناء طرق في الولاية.

وسار ماندل على خطى حاكم آخر لولاية ماريلاند، قبل ذلك بخمس سنوات، هو سبيرو اغنيو، الذي اتهم بالفساد اكثر من مرة، لكن لم تثبت ادانته، ثم فاز نائبا للرئيس نيسكون سنة 1972. غير انه استقال من منصبه بعد ان عادت الاتهامات تدور حوله، وهذه المرة مع وثائق وأدلة قوية.

ومن دروس القدر ان الرئيس نيكسون الذي دافع عنه، وكان قد نصحه بألا يستقيل، اضطر هو الآخر ليستقيل، في سنة 1975، بسبب فضيحة «ووترغيت» التي كشفتها، خطوة بعد خطوة، صحيفة «واشنطن بوست».