العلاقة الشخصية بين الإعلامي و«المصدر»: مكون أساسي لمقابلة ناجحة

مبنية على المصالح المتبادلة والثقة المطلقة وقد تزعج الكثيرين لكنها طريقك لإحراز «سبق»

(خدمة ام سي تي)
TT

لا يختلف اثنان على ان الاسئلة الجيدة والمصاغة بشكل لافت، فضلا عن التحضير الجيد لخلفية كل موضوع، تعتبر من السمات الاساسية لإنجاح اي مقابلة. ولكن حين يتعلّق الامر بمقابلة مصدر ما، خصوصا اذا كان سياسيا ولا سيما اذا كان «صعب المنال»، تتشابك العناصر التي من شأنها انجاح المقابلة. فإذا كان هذا السياسي يحتاج الى «مطاردة» لاقناعه بإطلالة صحافية أو اذا كان من النوع الكتوم أو الذي لا يثق بالآخرين فلا يفتح ادراجه بسهولة، تصبح مهمة الصحافي شاقة أكثر في استخراج ما يريده. وفي هذه الحالة، تصبح العلاقة الشخصية التي تربط السياسي بالصحافي في مقدّم العناصر لـ«وصفة» مقابلة ناجحة، لئلا نقول العنصر الاهم. فتصير بمثابة «خميرة» المقابلة لانها تحسم دور الصحافي في بلوغ هدفه، ذلك انها كفيلة بتزويده «خفايا» الكواليس، وقادرة على منحه بطاقة عبور اسرع الى عقل السياسي. وما أكثر ما يتباهى الصحافيون بمصادقة سياسي أو نسج علاقة وثيقة تجعلهم في موقع متقدّم على زملائهم، لان ذلك من شأنه أن يبقيهم على بيّنة مما يحاك في السرّ ويخطط له. فيكونون في صدارة من «يفشون» هذا السرّ ليحصدوا في ما بعد النجومية.

عن هذه الالفة التي تجمع الصحافيين بالسياسيين تحدث الى «الشرق الأوسط» ثلاثة نواب من البرلمان اللبناني فضلا عن الاعلاميين اللبنانيين جيزيل خوري وجورج صليبي. اعتبرت خوري ان «رفع الكلفة بين الصحافي والسياسي لا يفيد، فعلى الاول ان يحافظ على مسافة معينة لا سيما في المجال المرئي لان الشاشة ليست صالونا لتبادل الاحاديث. وإذا كانت تجمعهما علاقة وطيدة على الاعلامي ان يتحلّى بمستوى معين من المهنية ليطرح على السياسي كل الاسئلة ومن دون أي مجاملة او مراعاة لشعوره. رغم بعض الصداقات والعلاقات التي تجمعني بالسياسيين الذين أراهم مرارا، احرص على ابقاء هذه الروابط ضمن الاطار المهني. أما إذا كانت تجمعني صداقة بأحدهم فأحرص على المحافظة على خصوصية الشاشة واحترامها. فلا اظهر هذه المعرفة الوطيدة على العلن». وأشارت الى حرصها على عدم مقابلة أي من ضيوفها قبل الحلقة، وقالت: «أكثر ما يزعجني حين يذكر الضيف في سياق حديثه انه قابل الاعلامي قبل الحلقة بساعات، لانني لا أحب إطلاقا إظهار العلاقة الشخصية على الشاشة. في المقابل، ليس ضروريا ان يذكر الصحافي أنه كان يتناول العشاء قبل يوم مع ضيفه. حين استضفت (النائب) غسان تويني، ظهر نوع من التضامن بيننا بما اننا عائلة واحدة استهدفها الاغتيال، لكن هذا التضامن ظلّ ضمن الحدود».

ولفتت خوري الى ان مقابلة الضيف للمرة الاولى غالبا ما تكون أفضل من مقابلته مرات متتالية ذلك ان «هذا ما يجبرني على صرف وقت أطول في التحضير للمقابلة. احب الاشياء غير المتوقعة. الفائدة الوحيدة التي توفرها المعرفة المسبقة هي قبول السياسي دعوة الصحافي لاستضافته في برنامجه، عدا ذلك الالفة المفرطة لا تنفع لا بل انها تضرّ خصوصا حين يعمد الضيف الى تحويل الاعلامي جسرا يعبره ليروّج لأفكاره».

وعن المعلومات التي يمكن أن توفرها العلاقة الجيدة مع السياسي، قالت خوري ان «الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أعطى ثلاث مقابلات، وكانت مقابلتي الاخيرة من بينها. فاعترضت على الامر، لكنه اصرّ. في المقابل، حقق لي سبقا صحافيا إذ اعلن ان القمة العربية لن تعقد. هذا الامر لا يحصل كل يوم». من جهته، رأى جورج صليبي ان «العلاقة بين الصحافي والسياسي سيف ذي حدين. فالناحية الايجابية هي في استعداد السياسي لتلبية عمل الصحافي، خصوصا حين يطلب منه مقابلة في ظرف معيّن. كذلك تتّضح أكثر عندما يكشف السياسي بعض الخفايا للصحافي. في المقابل، على الاعلامي ان يجيد ادارة هذه العلاقة بحيث لا تنعكس سلبا عليه وعلى مهنيّته، منعا للمجاملة على الهواء ما يسيء الى مهنية الحوار. هذا ما اركّز عليه كثيرا حتى وإن كانت علاقة وثيقة تربطني بالسياسي. فحين ادخل الاستوديو وتبدأ الحلقة، أضع جانبا العلاقة الشخصية وأتعامل مع ضيفي كضيف سياسي عليّ استفزازه ومناقشته من دون رحمة اذا دعت الحاجة».

ولفت الى ان «مقابلة سياسي للمرة الاول فيها متعة اكثر من مقابلته للمرة الثانية او الثالثة. ففي اللقاء الاول أتعرّف الى شخصيته عن قرب. فالالفة تساعد على انجاح المقابلة، انما ليست القاعدة. لذلك احاول دوما ترك خيط رفيع بين العلاقة الشخصية والعلاقة المهنية التي تربطني بأي سياسي. مستعد للتضحية بصداقة اي سياسي اذا كانت ستكبدني مهنيتي وحرفيتي. عدا ذلك لا خطوط حمراء». أضاف: «احيانا يظهر عدم الارتياح في المقابلة ولكن بعد سنوات من الخبرة، صرت قادرا على عزل نفسي عن الظروف المحيطة حين اكون على الهواء. فالتجربة علمتني السيطرة على نفسي. كذلك وبعدما صار السياسيون نجوم الشاشة، باتوا يجيدون فن المناورة والتمثيل واخفاء عدم ارتياحهم. يملكون مفاتيح التعامل مع الكاميرا بذكاء. وإذا اراد اي سياسي امتهان عمله بشكل جيد، عليه ان يكتسب تقنيات الاطلالات».

في المقابل، كيف ينظر السياسيون الى الصحافيين، وماذا يقولون عنهم؟

عما اذا كان يرتاح النائب بطرس حرب الى التعامل مع صحافي يعرفه اكثر من صحافي لا يعرفه، قال: «هذا يعتمد على الهدف المرجو. إذا اردت عقد اجتماع مع عدد من الصحافيين لأضعهم في أجواء السياسة، طبعا اختار من اعرفهم أو من تربطني بهم علاقة مهنية جيدة. لانهم بالتأكيد يعرفون كيف أفكر وقادرون على ايصال افكاري من دون تشويه او تعديل او تحوير. فإذا اخترت صحافيا جديدا، قد لا يكون خياري جيدا. وقد أخفق في إيصال ما اريد، أما اذا كان المطلوب الادلاء بتصريح، فلا فرق عندي بين صحافي جديد او قديم. لا بل قد أفضل الغريب لانه لم يراعني في اسئلته، كما سيفعل من دون قصد الصحافي الذي يعرفني».

وأضاف: «طبيعي ان اختار صحافيا معينا، لتزويده بمعلومة معينة، خصوصا اذا كانت للنشر وإذا كانت تحقق له سبقا صحافيا. والحمد لله اصدقائي من الصحافيين كثر. وعلاقتي بهم غير مبنية على المال، لانني اولا لا أؤمن بهذه الطريقة في التعامل وثانيا لا املك الامكانات». ونفى ان تكون «مقابلة صحافي جديد بمثابة اختبار له، خصوصا بعدما اصبح العمل الصحافي عابرا للقارات. فهناك صحافيون ألتقيهم مرة واحدة لا سيما الاجانب الآتين من الولايات المتحدة أو اليابان او كوريا أو غيرها من الدول».

بالنسبة الى الصحافيين اللبنانيين او العرب، أكون معهم في تواصل دائم. فأختبر قدرتهم على الاستيعاب وطريقة تفاعلهم. فإما ان أعزّز علاقتي بهم وإما ان اقلصها الى حدود معينة. أمر طبيعي ألا يتمتع جميع الصحافيين بالكفاءة والقدرة نفسها. هناك من يتميزون عن سواهم بفضل فهمهم الفكرة بسرعة وصياغتها بسهولة. لذلك اسهل للرجل السياسي أن يتعامل مع من يفهمون أفكاره «على الطاير»، من ان يتعامل مع صحافي غير كفؤ».

وشدد على ان الصحافي يحوز ثقته «حين يكون صادقا في التعامل معي. إذا لم يسرّب خبرا معينا واذا أحسن التعامل مع المعلومات. أما إذا اساء التصرف في الحديث عبر حذف اجزاء مهمة منه او عدم الدقة في صياغته (...) فهذا يعطل علاقتي به».

كذلك، اتت مقاربة النائب سليم عون للموضوع مشابهة، فهو ايضا لا يفرّق بين صحافي جديد او قديم، ويرتاح الى التعامل مع صحافي «يتمتع بالحد الادنى من الحياد، ولا يستخدم السياسي لايصال افكاره الشخصية»، لان المقابلة في نظره «غايتها ايصال او توضيح الافكار التي يحملها السياسي وليس تلك التي يؤمن بها الصحافي. المعرفة المسبقة لا تهمني فالموضوع يتعلّق بالافكار التي نناقشها». واوضح ان «لا مشكلة في ان يتّخذ الصحافي موقفا أو طرفا في مواجهتي. المهمة الاساسية التي يجدر بالصحافي ان يتولاها هي ان يكون صلة الوصل بين السياسي والرأي العام. لذلك عليه الترفع والتحلي بمقدار عال من المهنية». لكنه لم ينفِ وجود «صحافيين أعرف مسبقا انني لا احب التحدث اليهم، رغم انني لا اميّز كثيرا بين صحافي وآخر، بما أنني أعبر عن قناعاتي (...). من الخبرة في التعامل مع الاعلام، تعلّمت أمورا كثيرة. سابقا، كنت تلقائيا جدا، خاصة مع الصحافيين الذين يحضرون نوعا من المكامن والافخاخ. هؤلاء تعلّمت كيف اتعامل معهم. ثمة صحافيون أعرف خلفيتهم وأتجنّب التعامل معهم منعا للالتباس أو تحوير الافكار. ففي احدى المرات، اتصل بي صحافي طلبا لمداخلة عبر الهاتف، فامتنعت بكل تهذيب واعطيته اسم مسؤول آخر فإذا بي افاجأ في اليوم التالي بكتابته مقالا يورد فيه عدم تعاوني». لم ينكر عون وجود صحافيين ممن يرتاح اليهم ويثق بهم وهؤلاء يخصهم بمعلومة خاصة لان «الصحافي الذي لا اعرفه عن كثب يمكن الا يكترث للمعلومة التي ازوده اياها. وهذا لا يشمل الصحافيين الذين يعملون في وسائل مؤيدة لخطنا السياسي وحدهم، بل على العكس هناك الكثير من الصحافيين الذين يعملون في وسائل اعلام معارضة لنا واحترمهم كثيرا لانهم يحترمون المعلومة». وفي هذا السياق، اعتبر النائب وائل ابو فاعور ان «التناغم بين الصحافي والسياسي يساعد على استخراج امور افضل، حكما، العلاقة الجيدة تفرض نفسها وتلعب دورها في استخراج اكبر مقدار ممكن من الاثارة. ولكن المعيار الاهم في المقابلة هو الافكار التي يحملها السياسي وطريقته في عرضها بوضوح وبشكل يشد المتلقي أكان قارئا أم مشاهدا أم مستمعا. فأحيانا تنجح المقابلة من دون وجود معرفة مسبقة مع الصحافي».

ولفت الى انه يختار الوسيلة الاعلامية والصحافي الذي يريد اجراء مقابلة معه، «مثلا حين أود نقل وجهة نظري او نقل رسالة ذات مغزى عربي، اختار الشرق الاوسط بما انها تتمتع بحجم انتشار واسع وصدى كبير». لم يخف أبو فاعور ان «المقابلة الاولى مع أي صحافي تعدّ بمثابة اختبار للصحافي الذي يقابله» ذلك ان القاعدة التي يؤمن بها هي «أن جميع الصحافيين مغرضون حتى يثبتوا العكس»، مضيفا «امتحن الصحافي وحرصه على حسن استخدام المعلومة ونقلها وعدم الاساءة اليها. ثمة الكثير من الصحافيين الذين تعاملت معهم لمرة اولى واخيرة. اعرف ان هناك الفضول الصحافي الذي احترمه كثيرا واعرف ايضا ان الاثارة في المقابلة عنصر مهم ولكن اتجنّب الصحافيين الذين يتبعون اجندات سياسية لانهم يمكن ان يتصرّفوا بمعلومة معينة بحسب أهوائهم السياسية».