الصحافة العراقية بعد 5 سنوات على سقوط صدام.. بين الحرية والفوضى

الصحافيون بين تهديدات القتل والاختطاف.. وتأثيرات سلبية للتمويل السياسي والخارجي

بطاقة أحد مرافقي الصحافية الأميركية جيل كارول وقد قتل بعد أن تم اختطافها عام 2006 (رويترز)
TT

أخطر مكان على الأرض للصحافيين هو العراق، هذا ما خلصت إليه كافة التقارير التي أعدتها مؤسسات معنية بالشؤون الإعلامية الدولية وأمن الصحافيين، وعلى رأسها منظمة مراسلون بلا حدود. فمنذ بدء الحرب التي شنتها الولايات المتحدة والتحالف على العراق وحتى اليوم قتل (232) صحافيا عراقيا وأجنبيا من العاملين في المجال الإعلامي، منهم (127) صحافياً قتلوا بسبب عملهم الصحافي وكذلك (52) فنيا ومساعدا إعلاميا، فيما لف الغموض العمليات الإجرامية الأخرى التي استهدفت بطريقة غير مباشرة صحافيين وفنيين لم يأت استهدافهم بسبب العمل الصحافي، واختطف (62) صحافياً ومساعداً إعلاميا قتل اغلبهم وما زال (14) منهم في عداد المفقودين، حسب إحصاءات مرصد الحريات الصحافية.

ذات الإحصائية التي أصدرها المرصد أشارت إلى أن الاستهدافات توزعت على عدة جهات نذكر منها: 178 صحافياً قتلوا على أيدي مسلحين مجهولين أو ميليشيات، 32 آخرون لقوا حتفهم أثناء وجودهم في أماكن حدثت فيها انفجارات نفذها مجهولون، 19 صحافيا قتلوا بنيران القوات الأمريكية، وأخيرا صحافيان قتلا بنيران القوات العراقية. وقال رئيس المرصد زياد العجيلي في لقاء مع «الشرق الأوسط» انه ومنذ الأيام الأولى لسقوط النظام السابق في 9 نيسان (ابريل) 2003 حدث ما يمكن أن نسميه تعددية واسعة النطاق في إصدار الصحف والمجلات أعقبتها الإذاعات والفضائيات، ولذلك أسباب سياسية في مقدمتها الشعور بانهيار جدار الممنوعات والتسابق في ماراثون بعضه يهدف للتعبير والبعض الآخر يسعى للترويج السياسي لضمان مستقبل سياسي وربما ليكون رئيسا لأجندة خارجية وهنالك من اندس وسط هذا الزحام أملاً منه في الوجاهة والشهرة أو لاستغلال الإعلام كوسيلة للتكسب والارتزاق. أما بخصوص قانون الصحافة فبين العجيلي أن هناك غياب الرؤى لطبيعة القوانين والتشريعات في ظل نظام تعددي وديمقراطي، فما زال البعض وفي مستويات مختلفة من المسؤولية المهنية أو البرلمانية والحكومية من يقع تحت تأثير الفكر الشمولي للثقافة والإعلام ويطالب بقوانين مقيدة لحرية التعبير المرصد في مناقشتها مع الأطراف ذات العلاقة، لا تبشر بالخير.

وأوضح العجيلي يحدونا الآمل أيضا في إنضاج مشروع قانون الشفافية (حق الوصول للمعلومات) وهو قانون عصري مطبق في اغلب البلدان المتمدنة، وهذا القانون يمنح الصحافي وحتى المواطن العادي حق الحصول على المعلومات الأساسية والضرورية المرتبطة بحياته ومستقبله.

وردا على اتهام النقابة بالتهاون في مطالبة الجهات المعنية بحماية الصحافي العراقي، لا سيما بعد اغتيال النقيب شهاب التميمي في فبراير الماضي، قال جبار طراد الشمري نقيب الصحافيين الجديد في لقاء مع «الشرق الأوسط» انه وقبل أن توجه الاتهامات للنقابة، لا بد من الإطلاع على مساعي النقابة بهذا الاتجاه، كما أن أعضاء النقابة وإدارييها هم صحافيون قبل أي شيء آخر، لذلك فهم معنيون بالأمر كذلك. وأضاف الشمري: «عندما عجزنا عن ايجاد آليات للحماية خاطبنا الاتحاد الدولي للصحافة ومن خلال المجموعة العراقية للسلامة الصحافية، وهنا استجاب الاتحاد لنا إضافة إلى استجابة منظمات واتحادات دولية أخرى، وعقدنا اجتماعا في اربيل شاركت فيه النقابة والاتحاد الدولي ونقابة كردستان والسلامة الصحافية فضلا عن مشاركة المؤسسات الصحافية، وتمخض عن الاجتماع استحصال موافقة الاتحاد على فتح ثلاثة معاهد للسلامة تتوزع على اربيل وبغداد والبصرة، يتم من خلالها تدريب الصحافي على حماية نفسه من خلال مختصين إضافة إلى التدريب الصحافي.

موضوع معقد آخر هو قضية التمويل داخل هذا البلد الذي شمل الانفتاح كل مفاصله وقد يراه البعض انفتاحا ايجابيا، وأوضح نقيب الصحافيين أن إصدار الصحف توزع بين الأحزاب والكتل السياسية والشخصيات وغيرها. وأضاف «أما الحزبية فتمكنت من الحفاظ على إصداراتها لأنها مدعومة من قبل الأحزاب ولديها وارد مالي ضخم يأتي من الإعلانات بفعل هيمنة هذه الأحزاب على مفاصل الدولة، فيما صحف الشخصيات وللأسف الشديد ظهرت في فترة الانتخابات واختفت بعد فشل الشخص في الصعود للبرلمان». وهنا استطرد الشمري قائلا: «وهنا يجب أن نسلط الضوء على القنوات الفضائية وتوجد فيها مشكلة، فكما للصحف مصادر دعم نرى أن الفضائيات متخمة بالعوائد المالية فيها توجد أخرى لا تحصل على دعم كاف، واقترحنا استحداث مكتب تنسيق معني بتوزيع الإعلان بينها وهو قيد الدراسة من قبل الحكومة ونتمنى تفعيله لنتمكن من دعم المؤسسات التي تستحق الوقوف بجانبها، خاصة المستقلة التي ستظهر قريبا أو تعيد صدورها». النقطة الأخرى التي أشار اليها الشمري هي قضية الدعم الخارجي، حيث قال: «هناك مؤسسات صحافية عدة مستمرة في الصدور تحصل على دعم خارجي مرفوض من قبل النقابة، فهناك دول لها أجندة خاصة تدعم هذه المؤسسات لأجل أهداف معينة، لكننا نرفض مثل هذه التوجهات وقررنا إصدار أكثر من بيان وطالبنا بتحقيق حول كيفية إدارتها».