«الإعلام الجديد».. في انتظار نموذج تجاري ناجح

تقرير أميركي: الإنترنت تضاعف عدد قراء الصحف.. لكن المشكلة في محاكاة نجاح النموذج الورقي إعلانيا

بات الكثيرون يحصلون على اخبارهم من الانترنت (خدمة «ام سي تي»)
TT

نظرة لافته تلك التي خرج بها تقرير حالة الإعلام الإخباري «ستيت أوف نيوز ميديا ريبورت»، الذي أصدره مشروع الامتياز في الصحافة (بروجيكت فور اكسيلينس ان جورناليزم) الأميركي في الأسبوع الماضي.

فبدلا من النظرة التقليدية والمتشائمة التي عمت خلال السنوات الماضية، والتي أنذرت بتدني معدل قراءة الصحف بشكل عام، أوضح التقرير بأنك إذا «أحصيت عدد قراء المحتوى على مواقع الصحف الإلكترونية الذين لا يحصلون على النسخة الورقية منها، فإنك ستلاحظ نسبة نمو صحية، وسيعطيك ذلك انطباعا بأن عدد قراء الصحف ليس في تدن، إنما في ارتفاع»، مفيدا أنه في ما هو صحيح أن نسب توزيع الصحف عالميا تدنت 2.5% العام الماضي، فإن معدل القراءة ارتفع لأن نسبة تصفح المواقع الالكترونية للصحف زاد بنسبة %3.7.

بالطبع، لا بد من الإشارة إلى أن ظاهرة تدني نسب التوزيع ومشاكل القراءة ليست عالمية بشكل كامل، فثمة بلدان، لا سيما في المناطق النامية من العالم، تعيش حالة من الازدهار.

من جهة ثانية، فإن الزيادة الحاصلة في نسبة تصفح المواقع الإلكترونية للصحف (والمقصود هنا هي أميركا والدول الغربية بشكل عام)، لا يعني بالضرورة ارتفاعا في المداخيل، لأن الدخل الوارد من الإعلانات الالكترونية لا يزال متدنيا للغاية.

لذلك اعتبر التقرير انه بعد نحو عقد من تعليق الآمال الكبيرة على قدرات الانترنت، بات هناك قلق متنام حول قدرة الشبكة العالمية على مواجهة التحديات المالية لقطاع الأخبار.

ويختصر مارك جوركويتز، نائب مدير المشروع، في حديث هاتفي من مكتبه في واشنطن مع «الشرق الأوسط»، المشكلة، بالقول بأن القضية متعلقة بكون قطاع الصحافة عالقا بين نموذجين تجاريين.

ويضيف: «كان هناك النموذج القديم للإعلام وكان يعمل جيدا، لكن مشاكل عدة حصلت متعلقة بالتوزيع والتكنولوجيا واهتمامات الشباب مما جعل الاهتمام ينصب على الانترنت باعتبارها النموذج الجديد».

ويوضح مارك «لكن المشكلة هي أن الانترنت حتى الآن، لم تتمكن من سحب البساط من تحت أقدام الإعلام القديم.. فليس هناك اليوم نموذج عالمي ناجح للصحافة الالكترونية».

ولعل مما يدعم ما جاء به مارك جوركويتز، هو تقلب عدة صحف بين النماذج التجارية التي تعتمدها لمواقعها الالكترونية، فحتى تلك التي اشتهرت بكونها غردت خارج السرب كـ «النيويورك تايمز» و«الوول ستريت جورنال» بسبب كونهما تفرضان رسوما على أجزاء من محتواها الالكتروني، عادت وألغت ذلك أخيرا. فيما عائد الإعلانات على غالبية المواقع الالكترونية للصحف، لا يشكل أكثر من نحو 7% من إجمالي دخل المصادر الإخبارية الجديدة، بحسب ما جاء في التقرير.

ويعود ذلك لأسباب عدة، وبحسب ما يقول مارك، فإن جزءا من المشكلة متعلق بجدل حول اعتماد الأسلوب الأمثل لقياس نسب المشاهدة على المواقع الإخبارية، فهناك من يرى أن مجرد الضغط على الرابط كاف، وآخرون يقولون إنه لا بد من قياس المدة التي يمضيها الشخص على صفحة معينة، فيما البعض يتحدث عن مشاكل متعلقة بتسجيل أو عدم تسجيل المتصفح كمشترك في الموقع.

ويضيف مارك: «كل ذلك في حين أن للصحف طرق قياس محددة تكمن مثلا في نسب التوزيع المعتمدة، أو معدلات المشاهدة من قِبل شركات مثل شركة نيلسن للإحصاء بالنسبة للتلفزيون».

من جهة ثانية، يبدو لافتا نجاح محركات البحث على الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي إعلانيا (التي تتبع نماذج إعلانية مختلفة عن النموذج المتبع في المواقع الإخبارية)، ويعلق مارك بالقول إنه فيما تلك المواقع أثبتت نجاحا إعلانيا، فإن المواقع الإخبارية لا يزال أمامها الكثير، مما قد يثير أسئلة عدة متعلقة بجدوى ربط الخبر بالإعلان على مواقع الانترنت.

ويضيف «الأمل والتوقعات تشير إلى أن الطلب على المحتوى عالي الجودة سيستمر، لكن السؤال هو: مَن سيمول إنتاج هذا المحتوى على الإنترنت؟»، موضحا انه لا يمكن وضع توقعات واضحة لمتى أو كيف ستحل هذه المشكلة في الوقت الحالي، ويضيف الخبير الإعلامي بالقول: «لعل الحل سيكون في نموذج لا ربحي لتمويل الصحافة الالكترونية العالية الجودة في أميركا».

ومما يدل على ما يقول عليه مارك، هو أن غالبية التوقعات سابقا ذهبت للقول إن تطورات التكنولوجيا وما آلت إليه من «دمقرطة» الإعلام، ستتسبب بالتوجه نحو مصادر جديدة للمعلومات كالمدونات والمواقع المستقلة، إلا أن ما حدث خالف التوقعات واستمر كثير من الناس في الحصول على غالبية أخبارهم من الصحف، سواء ورقيا أم عبر مواقعها الإلكترونية. فأوضح التقرير مثلا أن المواقع الإخبارية العشرة الكبرى على الانترنت عام 2007، كانت عبارة عن عمليات لوسائل الإعلام الكبرى مثل «نيويورك تايمز» أو «آي بي سي نيوز» أو الخدمات الإخبارية على محركات البحث مثل «غوغل»، التي تعتمد بشكل أساسي على محتوى وسائل الإعلام التقليدي الكبرى.