المغرب.. محاولات لتأسيس اتحاد للمدونين

شباب مغاربة يختارون التعبير عن أنفسهم بطريقتهم الخاصة

المدونون في المغرب يتميزون بنشاط لافت
TT

يجلس المدون المغربي مصطفى البقالي، أمام الحاسوب ساعات طويلة خلال يوم عطلته، الذي يخصصه للإطلاع على مدونته والرد على آخر التعاليق الواردة اليها، يتحدث هذا الشاب الطالب بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، الذي أنشأ مدونتين على شبكة الانترنت، عن تجربته في عالم التدوين التي بدأت منذ حوالي سنتين حينما أنشأ مدونة تحمل اسم «خربشات على جدار الزمن»، بعد ذلك انشأ مدونة اطلق عليها اسم «مسألة مبدأ» إيمانا منه بأن الحياة هي عبارة عن مبادئ، اذا تم التخلي عنها تصبح الحياة بلا معنى، لتصبح المدونة بعد ذلك من أشهر المدونات في المغرب والعالم العربي. أما سعد البورقادي، صاحب مدونة «الكبيرة» فبدأ تجربته في عالم التدوين منذ عام ونصف العام، حين كان يكتب أفكاره في منتديات عدة فكانت الفكرة تجميعها في مكان واحد، ذلك انه تعرف على إمكانية القيام بذلك عن طريقة المدونة وهكذا بدأ المغامرة. ويقول البورقادي لـ «الشرق الأوسط»: ان المدونة تعبر عن الفرد وخلفياته وما يريده منها، ومدونتي لا تشذ عن ذلك بدءا من اختيار الاسم الذي له دلالات عائلية وكذا اجتماعية.

مصطفى وسعد، نموذجان لمجموعة من الشبان المغاربة الذين وجدوا في عالم المدونات وسيلة للنقد والتعبير عن الآراء ازاء القضايا التي تعيشها البلاد. تختلف الأسماء التي يطلقها هؤلاء على مدوناتهم، وإن كان البعد التجاري حاضرا بقوة، إذ يحاولون ما أمكن العثور على اسم كفيل بجذب أكبر عدد من الزوار، مثل: ماروكان، انتهازيون بلا حدود. من خلال تصفح للمدونات المغربية على شبكة الإنترنت يلمس المرء طغيانا كبيرا لفئة الشباب عليها، وحضورا لمختلف أنواع الكتابات حول القضايا التي تهم الشأن العام، والكتابات الخاصة بالمدونين، وصولا إلى القضايا السياسية، وحتى الاجتماعية والحقوقية والثقافية.

وبالإضافة إلى المدونات العامة أو المختلطة التي ينشر أصحابها مواد متنوعة، وتتناول كل المواضيع والقضايا، ظهرت مجموعة من المدونات بالمغرب يمكن وصفها بـ «المدونات المتخصصة»، التي تبرز إيجابياتها، رغم قلة عددها، في الدفاع عن قضية معينة، إذ تتخصص في الكتابة عن موضوع محدد، لكنها في المقابل تستهدف فئة محددة دون غيرها.

وتدخل في هذا الإطار مدونة «بلا فرنسية» التي رفعت شعار «خاطبني بلغتي يا ابن بلدي»، ومن خلال العنوان يتضح أنها تهدف إلى محاربة الفرنكفونية بالمغرب، يعرفها صاحبها أحمد، الذي يرفض الكشف عن اسمه الحقيقي، في تصريح لأحد المواقع الإلكترونية أنها مبادرة مشتركة بين مجموعة من الكتاب والمدونين المغاربة، تهتم بموضوع الدفاع عن الاستقلال الثقافي، قضايا اللغة، الثقافة والهوية.

في نفس السياق. أنشأ المدون مصطفى البقالي، مدونة أخرى سماها «رفضنا»، تهدف إلى محاربة التطبيع مع إسرائيل. ويقول البقالي في تجربته الثانية في عالم المدونات: «مدونة رفضنا أول مدونة عربية خالصة لرفض التطبيع، وتهدف بالأساس إلى محاربته والتعريف بخطورته».

ورغم أن ثقافة التدوين بالمغرب لم تظهر إلا منذ مدة قصيرة فان ذلك لم يمنع من ظهور مدونات يمكن وصفها بـ«الجادة»، وتحظى بنسبة متابعة جيدة، خاصة أن مجموعة من المدونين المغاربة راكموا تجارب لا بأس بها في عالم التدوين.

ويقول الطالب محمد ارحمني (21سنة): ما هو إيجابي في التدوين، هو توفيره مساحة للتعبير عن الآراء من دون أية رقابة، وفضاء للتعليق على المواضيع المنشورة، لكن في المقابل لا يجب استغلال هذه الإمكانية كوسيلة لتصفية الحسابات الشخصية أو لتشويه سمعة الأشخاص. وتقول الطالبة سارة ايجابي (19 سنة): أعثر أحيانا على مواضيع في المدونات المغربية تهمني كشابة، وهي مدونات تبقى غير منتشرة بالشكل الكافي الذي يمكن أن يجعلها مؤثرة في الرأي العام. أما أحمد مستغفر، موظف (29 سنة) فيتمنى أن تلامس المدونات اهتمامات المجتمع، لأن المدونات لا يجب أن تركز على الأمور الشخصية للمدون، وألا تكون وسيلة لنشر ثقافة هدامة. وعلى مستوى درجة التأثير في صنع القرار، يرى أغلب المتتبعين لهذه المدونات أن التجربة المغربية لم تصل بعد إلى مستوى تأثير المدونات في تجارب عربية مماثلة، مثل التجربة المصرية التي يمتلك فيها المدونون دورا كبيرا في التأثير على صناعة القرار.

ويقول الدكتور يحيى اليحياوي، الخبير في مجال الاعلام والاتصال: إن التأثير في صنع القرار يبقى مسألة نسبية في المغرب بالمقارنة مع بعض تجارب التدوين في العالم العربي.

ويضيف قائلا: المدونات في المغرب أغلبها ذات طابع شخصي، وليس لدينا مدونات سياسية خالصة ذات طابع احتجاجي.

ويرى المدون المغربي مصطفى البقالي أن تجربة المدونين مازالت فتية في المغرب، ويصعب وضع تقييم شامل لها، لكن هذا لا يمنع من القول إنها خطت خطوات إيجابية، إذ أطلق المدونون المغاربة مبادرات جعلت العمل التدويني مؤثرا في الحراك السياسي والاجتماعي، مثل الحملة التدوينية مع الأقصى، والحملة التدوينية لمناهضة الإرهاب التي تلت الأحداث الإرهابية التي عرفتها مدينة الدار البيضاء يوم 16 مايو 2003. وعلى غرار ما يصطلح عليه «مجتمعات التدوين» في الأردن ومصر، أطلقت مجموعة من المدونين المغاربة مبادرة لتأسيس اتحاد يضمهم أطلقوا عليه اسم «اتحاد المدونين المغاربة»، بالإضافة إلى ظهور بوادر أولية لتأسيس اتحاد آخر يحمل اسم «تجمع المدونين المغاربة»، وذلك بهدف جعل التدوين بالمغرب أكثر تأثيرا في صنع القرار ووسيلة جديدة لتأطير الرأي العام، رغم المعارضة التي أبداها بعض المدونين لمأسسة التدوين باعتباره ممارسة فردية غير مؤطرة، بالإضافة إلى أن التجربة مازالت جنينية وفي مراحلها الأولى. وسيكون اتحاد المدونين المغاربة بمثابة إطار حقوقي للدفاع عن المدونين المغاربة في حال وقوع اعتداءات عليهم مثل ما وقع في بعض الدول العربية. يقول المدون مصطفى البقالي، عضو اللجنة التحضيرية لاتحاد المدونين المغاربة، لأن المدونين المغاربة عليهم أن يجتمعوا في إطار واحد، إذ لا يعقل أن يكون هناك اتحاد للمدونين المغاربة وفي نفس الوقت نجد بوادر تأسيس اتحاد آخر يحمل اسم تجمع المدونين المغاربة. ويرى الدكتور اليحياوي أن مأسسة عمل التدوين يعتبر مسألة إيجابية، فإذا كان هناك اتحاد مهيكل، ولديه آليات لتصريف الخطاب، سيكون لديه تأثير ولو نسبي في صنع القرار، لكن هذا يفترض تجاوبا كذلك من طرف صانعي القرار.

ويرى المبادرون الى ذلك، ان فكرة اتحاد المدونين في إطارات ستكون لها لامحالة نتائج إيجابية على مستقبل التدوين بالمغرب رغم العقبات والاختلافات الفكرية بينهم، لكن يظل الهدف الاسمى حسب تعبير المدون سعد البورقادي يستحق بعض التضحيات والتنازلات والحوارات، كما تبقى المهمة الاسمى لهذا الإطار هي مدى معالجته ومعايشته لهموم الناس والمجتمع، حسب صاحب مدونة «الدار الكبيرة».